النظام على المحك


نبدأ من حيث انتهينا
... وإن الحرب أولها كلام
انكشفنا في الكويت على مآرب اكبر مما كنا نتوقعها. انكشفنا على فتنة يحاول اكثر من طرف خلقها وايقاظها بمختلف الطرق. انكشفنا على ندرة الحكماء والعقلاء والمخلصين. انكشفنا على حجم الموتورين الحاقدين النافخين في الكير. انكشفنا على «ذكاء» مسؤولين لا يميزون بين تصريح في قضية حساسة وبين سوالف الدواوين او «العنترة» أمام المحيطين. انكشفنا على مشهد عام عدد الجهلة فيه أكثر من عدد الفاهمين... وانكشفنا أكثر فأكثر على غياب السلطة عندما يجب أن تحضر.
بوضوح، بصراحة، بالصوت العالي، بالتحذير المباشر... يا حكومة تدخلي ومارسي دورك لوضع حد لأدوار «السفهاء» و«الجهلة» و«المتواطئين» و«العيال» الذين أزعجتهم نداءات التهدئة فحاولوا نقل قضية تأبين عماد مغنية من المؤسسات الدستورية والقضاء إلى الشارع.
يا حكومة تدخلي ومارسي دورك، فالشارع سيجر الشارع، والاستقطاب سيجر الاستقطاب، والمواجهات في الصحف والتصريحات هي غير المواجهات على الأرض.
يا حكومة تدخلي ومارسي دورك، فما حصل زاد في رصيد جميع اطراف الازمة. من بدأ بها وأشعلها في «التأبين» ومن نصّب نفسه سلطة ويشعلها كل يوم. وحدها الوحدة الوطنية تضررت، ووحده صوت الاعتدال تضرر، ووحده صوت التطرف تقدم.
كان على الحكومة منذ وقت طويل ان تضع حدودا لهذه الازمة. ان تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود فيها، وان تعرف حساسية الموضوع فتستدركه بمعالجات هادئة واضعة الجميع أمام مسؤولياتهم، لكن الذي حصل ان الحكومة تخلت عن دورها فملأه آخرون. هذا يهدد وهذا يحاسب وهذا يعاقب وهذا يقاضي وهذا يصنف وهذا ينصب المشانق وهذا يسحب الجنسية وهذا يدعو الى الترحيل... واخيرا هناك من يدعو الى اعتصامات وتظاهرات للحد من حرية النائبين عدنان عبدالصمد وأحمد لاري في التوجه الى مجلس الامة في مقابل من يدعو لاعتصامات وتظاهرات مضادة لتأمين هذه الحرية.
الحرية لا تعني غياب الحكومة عن واجباتها وتسليم الشارع لجمهور التصعيد من الطرفين وفتح ساحاتنا على مختلف انواع الطوابير. والديموقراطية لا تعني بناء أسوار التطرف بين المجموعات والطوائف بحجة التعبير عن الرأي وخلق أجواء ضاغطة لا ينقصها حتى تنفجر سوى اطلاق «مجهول» رصاصة «مجهولة» او حتى طعنة في الظهر. الحرية والديموقراطية جناحان لجسد واحد اسمه الدستور والقانون بما يضم من مؤسسات ومسؤوليات حكومية وتشريعات وانظمة ولوائح. فهل نعيد معالجة «التأبين» الى هذه الحدود ام ان الحكومة ستتحرك وتشهر ارادتها بعد شرارة ساحة الإرادة؟
جرف التطرف الذي رأيناه وسمعناه، خلال تأبين عماد مغنية وبعده، المعتدلين من كل الاطياف. ضربت التصريحات النارية والجاهلة والمتواطئة الحالة الوسطية التي ضبطت الكويت ايقاعها عليها لعقود، فعندما تتجاوز انتقاد شخص او فعل او حادثة الى اسقاط الشخص والفعل والحادثة على طائفة او مجموعة صعب ان تجد من يحاورك بهدوء ويسير معك يدا بيد في اتجاه المعالجة الموضوعية للامور، بل ان ذلك يضعف الصوت المعتدل والهادئ والواعي داخل الطائفة او المجموعة لمصلحة الصوت العالي او المدافع او «المظلوم المدافع عن الحقوق».
الحكومة مطالبة بالتدخل بعد تقاعس مريب، فالشارع هنا لا يبحث قضية نظام انتخابي او زيادة رواتب والغاء ديون. الشارع هنا يعبث بالوحدة الوطنية وبالأمن وبالاستقرار. وان الحرب اولها كلام... وربما خصام او اعتصام.
****
... ولرئيس الوزراء مجددا ومجددا نتوجه، فهو بحكم موقعه لا يمثل شخصا او منصبا بل رئاسة الجهاز التنفيذي للسلطة واداة النظام الأساسية في ممارسة هذه السلطة.
نقول لسموه إن استمرارية نظام الحكم في الكويت قائمة على محورين: الدستور والقانون من جهة، والاحترام والهيبة من جهة اخرى. هكذا ارتضينا جميعا، حكاما ومحكومين، ان نخوض معا مسيرة حكم كانت فعلا فريدة من نوعها في المنطقة لانها ارتكزت على التوافق. ولو لم نكن كذلك لاخذنا موقعنا في الصفوف الخلفية من منظومة دول العالم الثالث التي ازدرى بعض انظمتها بالدساتير والقوانين وحقوق الانسان فتخلى المواطن عن قيادته عند التحديات والاستحقاقات والانقلابات.
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله اننا في الكويت. في الامارة التي كانت استثناء للقاعدة بفضل عقدها الفريد، وفي الدولة التي غردت خارج سرب «الجمهوريات القومية الثورية التقدمية» بفضل توليفة «الدستور والقانون والاحترام والهيبة». من هنا لابد من التنبيه الى ان السماح باستمرار تجاوز القانون سينعكس سلبا على العناصر الأخرى لتوليفة الحكم... وما اظن الامر بخاف على سمو الرئيس.
أمثلة كثيرة نعيشها اليوم عن انتهاك القانون. شواهد كثيرة تطالعنا كل نهار في مواجهة دعوات الاصلاح ومحاربة الفساد. تحديات كثيرة نواجهها معا كشعب وسلطة امام عجلة التقدم والتنمية. لكن الأقسى من ذلك كله ان يتراجع المسؤول عن قرار حق اتخذه لخدمة المصلحة العامة... بضغط من المصالح الخاصة.
أمثلة كثيرة نختار منها اثنين حاضرين: الرياضة والدواوين.
في الرياضة مأساة وليس خطأ. مصيبة وليس تجاوزات. فضيحة وليس انتهاكات. قانون يصدر يصادق عليه مجلس الأمة المنتخب من الشعب ويحمل توقيع سمو الامير رئيس كل السلطات ثم ينجح «مراهقون» في الاسرة مع بعض المستفيدين ولاسباب شخصية بحتة في تعليق القانون وتضييعه في دهاليز «التشاطر» الامر الذي دفع بالاتحادات الدولية الى توقيف النشاط الرياضي والآتي أعظم.
وفي الدواوين، سابقة لم نعهدها في الكويت وربما لن تشهدها دولة في العالم، ان يدافع مسؤولون عن «مخالفات» قانونية بحجة وجود مخالفات أخرى فيضغطون ويهددون وينجحون الى حد في تعطيل القرار وتأجيله ويجد صاحب القرار نفسه مضطرا للتراجع مع انه كان يستطيع المضي قدما فيه مع بدائل وحلول منها تحقيق رسالة الديوانية في التواصل الاجتماعي من خلال قيام الجمعيات التعاونية بالاتفاق مع البلدية ببناء وإدارة ديوانيات «شرعية» في كل قطعة من منطقة تكون مكانا للتواصل بين أبنائها.
ما لم تكف الحكومة يد من أفسد الرياضة وتحاسبه وتختار البديل القادر على إدارة الملف ومخاطبة الهيئات الدولية، وما لم تتراجع عن تراجعها في قرار إزالة الدواوين مع بدائل وحلول، فان السلبيات ستتعاظم ككرة الثلج على المدى الطويل ويمكن ان تؤثر في الهيبة والاحترام طالما انها نجحت في تجاوز القانون.
الحكومة يا سمو الرئيس هي المسؤول المشترك اليوم بين السماح باستمرار التجرؤ على تجاوز القوانين في قضيتي الرياضة والدواوين وغيرهما والسماح باستمرار التجرؤ على تجاوز الثوابت الوطنية في قضية مغنية. الهيبة على المحك فهل من ناصر لها؟
جاسم بودي