عيد الحب بطاقات... ووردة


كلما حل 14 فبراير، نضيف الى السجال الاجتماعي والسياسي بندا جديدا اسمه «عيد الحب». بعضهم يعتبره بدعة وضلالا وتشبها بالغرب وبعضهم يراه يوما للفرح والعشق والاحتفال... وفي الحالتين يذهب السجال الى منطقة ضائعة بين من يرى الفرح وفق ضوابطه من جهة وبين من «يقدس» المناسبة ويجعل من يومها «صنما» لا يجوز المساس به.
في قيمنا، في تراثنا، في تاريخنا، في مبادئنا وفي عقيدتنا... الحب والعشق والفرح والسعادة والتفاؤل كلها عناصر ثقافة الحياة التي نؤمن بها. نحب ونعشق بلا اذن ولا تاريخ ولا مناسبة عملا بالتوادد والرحمة والتقارب التي وردت في كتاب الله العلي القدير واقتداء بسيرة الرسول الكريم وسنته.
كل يوم بالنسبة لنا، بل كل ساعة ودقيقة وثانية هي مناسبة للحب والتعبير عنه. نحب كبيرنا ونوقره ونحب صغيرنا وندلله. نحب والدتنا ونقدرها ونحب زوجتنا ونعشقها. نحب الاسرة ونداريها ونحب جارنا ونسانده ونحب مجتمعنا ونعمل على منعته ونحب وطننا حتى الاستشهاد. نحب ديننا وعقيدتنا السمحة ونحب الاشقاء والاصدقاء ونحب عملنا وصورتنا وصورة من نمثل.
هذه هي القاعدة وغيرها استثناء. هذه هي الصورة مهما تعددت اطاراتها. الاساس ان نحب ونفرح ونقاوم كل السلبيات بالتفاؤل والعمل والانجاز وان ننتصر لقيمة الحياة فينا مؤمنين بالاختلاف والتمايز. فليجد السعادة كل من يبحث عنها بطريقته شرط عدم التعرض لحريات الآخرين وعدم الاساءة الى الذات والمجتمع، وليكن العشق هويتنا الدائمة على مدار العام لا في 14 فبراير فقط.
بهذا المعنى، نرسل بطاقات تذكير بأهمية الحب. الاولى الى الذين لا يعرفون ثقافة السلام ولا يؤمنون بالحوار ولا يسمحون بالرأي الآخر... بأن يعشقوا الحرية والتحضر، وان يتخلوا عن تحجرهم الفكري، وان يبتعدوا عن اعتماد القتل والتغييب والاغتيال لغة تخاطب مع معارضيهم في الفكر والرأي.
والثانية الى الذين نصبوا انفسهم اولياء على شؤون الناس فكريا واجتماعيا وعقائديا وسياسيا... بأن زمن الاحكام الفردية انكفأ في كل العالم لمصلحة احكام الدساتير والعقود الجماعية والمجتمعات المدنية والمشاركة، وبأن عليهم ان يحبوا للآخرين ما يحبون لانفسهم لا ان يحبوا انفسهم ويجبروا الآخرين على محبة ما يحبونه.
والثالثة الى المسؤولين على كل مستويات السلطة ومواقعها، بأن يتقوا الله في «محبتهم» للكويت، وبأن يعشق المسؤول عمله فيخلص له ويبتعد عن الفساد والافساد، وبأن يحب الله في سلوكه فيعمل على خدمة الناس لا على عرقلة امورهم وعلى تقدم المصلحة العامة لا على تراجعها، وبأن يلتزم الدستور والقوانين والانظمة فلا يحمل ضميره عبء تجاوز او اهمال.
والرابعة الى من نعيش معه ويعيش معنا، بأن نحب الوفاق ونكره الفرقة، وان نعشق الدين وننبذ الطائفية والمذهبية، وان يخفق علم الكويت وحده في قلوبنا مهما تعددت انتماءاتنا في الدين والدنيا، وان تبقى الكويت قبلة عواطفنا مهما جرفت الظروف عواطفنا الى مساحات اخرى.
والخامسة الى الدول المستكبرة وربيبتها المتوحشة بان تعرف اساسا معنى مختلفا للحب والعشق والعاطفة. هي تحب الاحتلال والقمع والموت والحصار وتعشق انسانها وحده وتعطف على الجلاد وتمقت الضحية. عليها ان تعرف ان انساننا نسي الفرح لكثرة ما ابتعد عنه، واشتاق الى السعادة التي يراها في غيره، ومل من مواكب الجنازات والتظاهرات والسلاح والمسلحين. انساننا يحتاج الى الحب والحياة الكريمة والحرية اكثر من الآخرين لانه حرم منها لعقود فعسى ان تتذكره سيدة العالم في عيد الحب ببطاقة صفراء (لن نتفاءل ونقول حمراء) لاسرائيل كي توقف بحر الدماء وسلطة القهر.
نحن اكثر امة بحاجة الى الحب والعشق والفرح والتفاؤل لاننا نواجه كل يوم بأسلحة الكراهية والبؤس والتعاسة والتشاؤم. كلما عظم حبنا لقيمنا ومبادئنا وانساننا وقضايانا، حققنا انتصارا جديدا للحرية، وكلما توزعت اسلحة الآخرين على عناصرنا وفي مساحاتنا، كثرت خلافاتنا وانقساماتنا... وحاربنا انفسنا بالوكالة عن اعدائنا.
***
ولا يستقيم الحديث عن الحب والعشق الا بذكر سيدتي الجميلة. اليك ايتها الغالية الغالية في الجمعة المباركة وردة اتذكر بها كل بهائك وطلتك وجمالك وضيائك واناقتك وثقافتك وحضورك. وردة تفوح بعطرك ورقيك وقلبك الكبير الذي صار عاصمة عطاء للدنيا والناس. وردة تعكس الامل في نظراتك والقوة في همتك والتفاؤل في ابتسامتك والعاطفة في لهفتك والعشق في صورتك.
وردة الى والدتي.
جاسم بودي