مقابلة / «الأقلية تتحكّم بكل شيء والآلية المتبَعة لانتخاب الرئيس توصل إلى عدم انتخابه»
الوزير اللبناني سمير الجسر لـ «الراي»: لا نتوهّم بأن حوار «المستقبل» و«حزب الله»...«رح يشيل الزير من البير»
الوزير سمير الجسر
•لا يمكن شلّ الحكومة ويفترض استمرار عقْد الجلسات في غياب مَن اختاروا عدم الحضور
... في الطريق الى مكتبه في مقر البرلمان في ساحة النجمة وسط بيروت، كان خواء المكان الجميل، الذي تقهقرت مظاهر الحياة فيه، مؤشراً كافياً على سوء الحال اللبنانية، في السياسة والأمن والاقتصاد، وبؤس أيامها. فلبنان يعيش على وقع تَحلُّل مؤسساته الواحدة تلو الأخرى، وتَعاظُم الأخطار الأمنية على استقراره.
هذا المناخ بدا جلياً في نقمة الوزير السابق النائب سمير الجسر... في نبرة صوته وعلى وجهه، وفي استهواله ما يجري في البلاد التي مضى أكثر من عام على اختطاف الانتخابات الرئاسية فيها، وتعطيل البرلمان والسعي أخيراً الى شلّ عمل الحكومة الائتلافية التي تقوم مقام الرئيس «المغيّب» حتى إشعار آخر.
لم يكن الجسر (71 عاماً) على عادته من الهدوء والسلاسة في الخطاب والمقاربات، فابن العائلة الطرابلسية العريقة التي تشبه «الصيغة اللبنانية» كان ورث خصالاً يفاخر بها عن جدّه الذي ترأس يوماً المجلس النيابي وخاض الانتخابات الرئاسية، قبل ان يتمرّس في حب الناس ويصبح نقيباً لمحامي طرابلس ومن ثم نائباً ووزيراً للعدل.
يحلو للبعض وصْف سمير الجسر على انه من حمائم «تيار المستقبل»، وهو الأمر الذي لا يستسيغه «ابو عدنان» الذي كان شكّل لقاءه بالرئيس الراحل رفيق الحريري في العام 1991 تحوّلاً في مسار حياته... يحاور برحابة صدر لكنه لا يحيد عن المبادئ، ولا عن «الاخلاقيات» في العمل السياسي المثقل بالجروح في هذه الأيام العجاف التي تدهم لبنان.
يمثل النائب الجسر، الى جانب الوزير نهاد المشنوق ومدير مكتب زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، فريقه السياسي في «الحوار الملغوم» مع «حزب الله»... الحوار الذي كلما مضى قدماً ازدادت اختباراته الصعبة نتيجة حجم الصراع وتدحرجه في لبنان والمنطقة.
«الراي» التقت الجسر وكان معه الحوار الآتي:
• هل تعتقد أن الرئيس تمام سلام أخطأ باعتماد آلية توافقية لاتخاذ القرارات داخل الحكومة بعد خلو سدة الرئاسة، ما جعل حكومته أسيرة «فيتوات» من مكوناتها؟ ـ لا أعرف إذا كان بالإمكان اعتبار شخص يحاول أن يكون مراعياً جداً وبالذات للمكوّن المسيحي، الذي يعتبر نفسه أنه خارج السلطة بخلوّ سدة الرئاسة، مخطئاً. ويجب الإشارة بدايةً الى أن أحداً لم يكن يتوقع أن تستمرّ الازمة الرئاسية إلى الآن. ومن جهة أخرى، لا شك في أن الآلية التي اعتُمدت لا سند لها في الدستور ولا في القانون، وتوصل في النهاية إلى طريق مسدود. هذه آلية تعتمد على الإجماع في حين ان لا إجماع في أي مكان حتى في جمعية صغيرة فكيف الحال ببلد منقسم سياسياً افقياً وعمودياً وتتضارب فيه المصالح؟ ربما لم يكن الخيار موفقاً، لكن لا يمكن تحميل مسؤولية هذا الخيار لرئيس الحكومة وحده.
• الموضوع مرتبط أيضاً بجدول الأعمال.. ـ جدول الأعمال هو من صلاحيات رئيس الحكومة ولا أحد غيره، استناداً إلى نصٍ واضح في الدستور.
• مَن يستمع الى شروط العماد ميشال عون ولهجته في موضوع التعيينات الأمنية، يستنتج أن الحكومة دخلت مرحلة من الشلل المفتوح... في أي اتجاه تسير المشاورات لتجاوُز هذا المأزق؟ ـ نحن نعقّد أمورنا بيدنا. ففيما نحن في بلد نظامه ديموقراطي برلماني، ما يعني أنه يقوم على مبدأ الأكثرية والأقلية التي تفرزها الانتخابات النيابية، نجد أن الأقلية اليوم باتت تتحكم بكل شيء. إذ أن أقلية في مجلس الوزراء تفرض شروطها على مبدأ «إما شروطنا أو لا تُعقد الجلسة» أو «إما شروطنا أو نعتكف أو نستقيل». أين تحصل مثل هذه الأمور في دول العالم؟ الأمر نفسه في ما يتعلق بمجلس النواب، حيث يُعطل البرلمان من أجل انتخاب الرئيس وحتى إذا لم يتم إنتخاب رئيس للجمهورية. وكلنا مشارِكون بهذا الأمر، إلى أين يوصل هذا المسار؟ البعض يفرض شروطاً على التعيين، وإذا طُرحت التعيينات يشترط أن تكون سلة واحدة، فيما في البلد حساسيات حيث تُوزع المناصب الأمنية، عُرفاً وتقليداً، على الطوائف اللبنانية ويتولى هذا المنصب سني ومنصب آخر يتولاه ماروني والخ. وإذا جرى تطبيق القانون، الذي ينصّ على أنه إذا لم يتم لسبب ما تعيين قائد جديد للجيش أو مدير عام لقوى الأمن الداخلي أو الأمن العام، يحل مكانه مَن يأتي بعده تراتبياً، لكن هذا الأمر في الاصل مقرر بشكل موقت لساعات أو أيام. وما من احد كان ليتصوّر عند اصدار القانون ان أزمة سياسية قد تطول حتى تقرر التعيينات. اما في الوضع الحالي، هل تقبل المكوّنات الطائفية التي تعترض، أن يتولى هذه القيادات مَن يصل بحسب التراتبية؟ ولا سيما ان هذا الأمر يؤدي إلى وصول قيادات من طوائف أخرى، على عكس المتعارَف عليه في التوزيع بين الطوائف، وهذا يمكن ان يزيد من الحساسيات القائمة أصلاً ويُخشى ان تكون له تداعيات على الموضوع الأمني. هذا أمر غير معقول فعلاً. لماذا نجمع استحقاقيْ قيادة قوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش؟ فالاول الاستحقاق موعده اليوم والآخر يأتي لاحقاً وننظر به في حينه.
• ثمة إجماع على مزايا العميد شامل روكز ومناقبيته، اي صهر العماد عون والذي يطالب بتعيينه قائداً للجيش، لماذا تحجمون عن تأييده؟ ـ مَن قال إننا لا نقبل به؟ اسمه لم يُطرح أصلاً. نحن نقول ان موعد استحقاق قيادة الجيش هو في سبتمبر، وحين تنتهي ولاية القائد الحالي العماد جان قهوجي تُطرح عملية تعيين قائد جديد. وليس العماد عون او اي فريق سياسي آخر هو مَن يطرح تعيين هذا الاسم أو ذاك، بل وزير الدفاع هو مَن يطرح الاسم، ويكون القرار عندها لمجلس الوزراء. إذ لكل وزارة مختصة صلاحيات، وكل ما نطالب به هو تطبيق القانون من أوّله إلى آخره وليس من نصفه.
• ألا يحرجكم خوض العماد عون معركة والتلويح بـ «الأقدام وبالشارع» تحت لافتة أن «هذه حقوق المسيحيين» وأن هناك افتئاتا على حقوق المسيحيين؟ ـ هذا الأمر سيفتح باباً له أوّل وليس له آخر. إذ كلما أراد أحدهم تمرير أمر ما سيقول أن هناك افتئاتاً على حقوق المسيحيين او على حقوق أي طائفة أخرى. والسؤال هو مَن يتعرض لحقوق المسيحيين؟ هل مطالبتنا بإنجاز الإستحقاقات في وقتها تعني اننا نفتئت على حقوق المسيحيين؟ وحين نوضح أن لهذه المسألة أو تلك آليةٌ لا بد من اتباعها، وحين ندعو إلى ضرورة إنهاء الشغور في موقع الرئاسة الاولى وانتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، هل نكون بذلك نفتئت على حقوق المسيحيين؟ فلنعتبر أن العماد عون أصبح رئيساً للجمهورية، هل يقبل بأن يكون هناك مَن يعين له قائداً للجيش من دون الوقوف على رأيه؟ إذا كان الهدف من هذه الطروحات دفْعنا إلى فتْح الدفتر، نفتحه لا مشكلة. هم يخطئون كثيراً بهذه الطروحات، فكلما أراد أحدهم أن يستنهض شارعه يلجأ إلى الخطاب المذهبي أو الطائفي. فهل هذا الأمر مقبول؟ هل تقولون لي ان السنّة في لبنان «واصلين» إلى كل إدارات الدولة، وانهم يتولّون المواقع التي يجب أن يحصلوا عليها؟ هل نفتح هذا الباب؟ ماذا نقول؟ الطائف والدستور ينصان على المناصفة (في مجلس النواب وفي تشكيل الوزارة) وفي وظائف الفئة الأولى، ولكن ماذا عن الوظائف الأخرى؟ أيّ باب يريدون فتْحه؟
• ما الغاية من هذا الأمر؟ ـ كلما أراد أحدهم تحقيق غاية في نفسه، يقلب الدنيا كلها لتنفيذها. وهذا الأمر لا يجوز أبداً. لا أعلم إلى أين يأخذون البلد. إذا تحدّثنا بالمنطق الذي يتبعه البعض، يمكن ان يخرج مَن يسأل الى اي مدى تتم مراعاة الوضع السنيّ داخل الادارات وفي الأجهزة الأمنية تحديداً. وأشير هنا، إلى أنني شخصياً مع تطبيق المداورة في كل شيء. وكفى أن يقول البعض هذا لي وهذا لك.
• هل تقصد المداورة أيضاً في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش..
- أقلّه في الوزارات والإدارات. يكفي أن يقول لنا هذا، أنا محروم ويستثير عواطف الناس. إلى أين يأخذون البلد؟ يشترطون لحضور جلسات مجلس الوزراء وضع بندين على رأس جدول الأعمال، فيما الدستور يحدد مَن يضع جدول الأعمال. ويشترطون لحضور جلسات مجلس النواب أن يكون التشريع تحت عنوان «تشريع الضرورة»، والسؤال يُطرح في هذا الإطار: «هل هناك تشريع لا يكون للضرورة؟». إذ إن أول قاعدتين في التشريع هما أولاً الضرورة وثانياً الأثر الاحتمالي لهذا القانون. اي ان ما من قانون يُسن إلا لضرورة. أما في ما يتعلق بجدول أعمال الجلسات التشريعية للبرلمان، فإن اشتراط وضع بنوده يعني أنه لم يعد هناك لا رئيس مجلس النواب ولا هيئة مكتب المجلس. فهل هذا منطق؟ في البلد دستور يتم تفكيكه.
• حلفاؤكم المسيحيون يشاركون في هذا الأمر؟
ـ مَن قال انني أستثنيهم من هذا الكلام؟ أنا أتحدث عن الجميع حتى عن أنفسنا. ألم نشارك نحن أيضاً بهذه الآلية؟ أنا أتحدث بصراحة. فالآلية المتبعة لانتخاب الرئيس توصل بالتأكيد إلى عدم انتخاب رئيس جديد. فلا مجال إلا لتسوية. وحتى مَن هم خارج هيئة مكتب المجلس التي وضعت هذه الآلية، لم يعترضوا عليها حين طُرحت في الهيئة العامة.
• هل بتقديرك أنه بحسب النص الدستوري، نصاب انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الثانية هو النصف زائد واحد؟
ـ لا أولى ولا ثانية، هناك نص وحيد في الدستور يتناول موضوع كيفية انعقاد مجلس النواب ونصاب انعقاد الجلسات وهو المادة 34 منه التي تنص على انعقاد نصف المجلس زائد واحد. أما الباقي فهو استنتاج.
ففي ما يقول النص ان نصاب الفوز في الدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية يتطلب الثلثين، استنتجوا وجوب حضور الثلثين. كيف تم الإستنتاج؟ النصاب في رأيي لا يُستنتج بل يحتاج إلى نص. وإذا تم استنتاج نصاب الثلثين في الدورة الأولى، كيف تم استنتاج نصاب الحضور بالثلثين في الجلسة الثانية التي يفوز فيها مَن يحصل على النصف زائد واحد من الأصوات؟ اي إذا جرى استنتاج نصاب الحضور في الدورة الأولى من نصاب الفوز، فكيف تم استنتاج الحضور في الدورة الثانية على أنه الثلثين؟ وحين كثرت الاجتهادات، راحت تكثر أيضاً الاجتهادات المضادة التي تقول انه تم إقفال محضر جلسة الانتخاب الاولى التي حصلت واننا سنبدأ من جديد دورة أولى ودورة ثانية.
• الاجتهاد هذا جاء وكأنه تطمين للمسيحيين بأنه إذا اجتمع المسلمون لن يتمكنوا من انتخاب رئيس وحدهم.
ـ هل سينتخب المسلمون رئيساً مسلماً أم مسيحياً؟ ما هو التطمين إذاً؟ الرئيس كميل شمعون كان يُعتبر فتى العروبة الأغرّ، أين كان موقفه في النهاية بعد ان حاول دخول سياسة المحاور؟ وهو احتُسب في البداية على المسلمين، ثم قامت بوجهه ثورة 1958 التي اعتُبر أن المسلمين هم مَن قاموا بها. الحقيقة ان أحداً في لبنان لا يتعظ مما يحصل من حولنا ولا يستشعر بخطره ولا يعلم أننا في مهبّ الريح.
• يقول المثل عند تغيير الدول احفظ رأسك، لكن في هذه اللحظة «طار» رأس الجمهورية في لبنان؟
ـ نحن لم نحم رأسنا، فلو لم يتدخل أحد في المسألة السورية، لكان ذلك أفضل بمئة مرة. غير أن البعض بات يريد القتال في سورية والعراق واليمن. فكيف يمكن للبنان أن يحتمل؟ الدخول في صراع المحاور في المنطقة هو ما أوصل لبنان إلى هذه المرحلة. لا سواح اليوم في لبنان لا عرب ولا غير عرب، في حين ان من ركائز اقتصاد هذا البلد قطاع الخدمات وبالدرجة الأولى منها السياحة.
• هل من مؤشرات لخروج الإستحقاق الرئاسي من المأزق لا سيما بعد زيارات الموفدين؟
ـ للأسف لا مؤشرات حتى الآن.
• بالعودة إلى موضوع التعيينات التي يبدو أنها ستشلّ عمل الحكومة. غالباً ما ذُيِّلت البيانات التي تصدر عقب جلسات الحوار مع «حزب الله» بالتأكيد على ضرورة انتظام عمل المؤسسات.. كيف تفسرون الدعم المعلن من «حزب الله» للعماد عون في موقفه من الحكومة بالتحديد؟
ـ هناك تحالف بين «التيار الحر» و«حزب الله»، والحزب يحاول الحفاظ على هذا التحالف الذي منحه تغطية كبيرة في السياسة أتاحت له تحقيق الكثير من الأمور التي لم يكن ليحققها دون هذا التأييد. لذا يستمر الحزب في الوقوف إلى جانب «التيار الوطني الحر» في موضوع الرئاسة رغم علمه واقتناعه بأن فرص العماد عون في الوصول الى سدة الرئاسة ليست حاسمة. الحزب متحالف مع «التيار» لأن مصلحته تقتضي ذلك، وقد تكون له مصالح أبعد، لا أعلم.
• ستلتقون الاثنين في إطار الحوار، فيما لازمة «انتظام عمل المؤسسات» تتلقى ضربة موجعة بتضامن «حزب الله» مع «التيار الحر».. إذ إن الحزب هو اليوم شريك العماد عون في شلّ الحكومة؟
ـ لا يمكن شلّ الحكومة، إذ يُفترض أن يستمرّ عقد الجلسات في غياب مَن اختاروا عدم الحضور. ولا مانع من استمرار عمل مجلس الوزراء، فهذه المسألة لا علاقة لها بالميثاقية. وفي رأيي ان الحديث عن الميثاقية في هذا الإطار هو في غير محله، فالميثاقية في الاصل تتم مراعاتها عند تشكيل الحكومة وليس لاحقاً، ولا يجوز انه عند كل جلسة وعمل تُطرح مسألة الميثاقية. ثم لا يحق لمن أفتعل مشكلة ان يقول لاحقاً انه ما من ميثاقية. هم مَن افعتلوا المشكلة.
• كان من ثمرة حواركم مع «حزب الله» خطط أمنية في المناطق ومن ضمنها البقاع. كيف تنظرون إلى تحرك العشائر الذي يشبه الحشد الشعبي وجاء استجابة لخطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله؟
ـ هذا الأمر هو مساس بالخطة الأمنية وانقلاب عليها. هل من تفسير آخر له؟ كيف نضع خطة أمنية لملاحقة المطلوبين ثم نشاهد المطلوبين على شاشات التلفزة ويعملون على تشكيل «ألوية قتالية» بمباركة حزبية؟
• هل تعتزمون إثارة الموضوع في جلسة الحوار المقبلة؟
ـ نعم من المفترض القيام بذلك. فالخطة الأمنية وأي تدبير عملي اتفقنا عليه هو من أجل إزالة الاحتقان. وأي إنسان عاقل يَغفل عنه أن يتصوّر أن مثل هذا «الحشد الشعبي» لا يؤثر على الأجواء في البلد؟ إذ إن كل سلاح هو سلطة، سواء كان في طرابلس أو البقاع أو جونية أو الضاحية أو الجنوب. أينما كان السلاح فهو سلطة، وما من دولة تقوم بسلطتين او أكثر.
• هل أنت متخوف على الوضع في البقاع، وهل في رأيك يمكن أن يكون تحرك العشائر بوابة فتنة سنية ـ شيعية في المنطقة؟
ـ المعلوم ان كل أمر يستجرّ مقابله امراً موازياً. أي أن كل تطرف أو حالة شواذ تستجرّ حالة مقابلة لها. وهذا قانون الطبيعة. ونعم هناك خشية من حدوث ذلك، وعلينا إيجاد طريقة لمنْعه ولاستيعاب الأمور وعدم دفْعها إلى الهاوية. فهل ما يحدث هو مسألة سليمة وصحية؟
• من الواضح أن تيار «المستقبل» وضع في حواره مع «حزب الله» موضوع «سرايا المقاومة» على الطاولة، ومن الواضح أن الحزب لم يتجاوب في هذا الموضوع. واليوم نحن أمام «سرايا المقاومة» و«حشد شعبي».. ما يدفع إلى التساؤل حول جدوى الحوار؟
ـ يظلّ للحوار جدوى لجهة تخفيف الإحتقان الذي إذا تراكم سيؤدي إلى الانفجار. وبقدر ما نتمكن من تبريد هذا الاحتقان لاحتوائه في ما بعد، يكون ذلك أفضل. وكل خطأ يقع يؤكد أن الحوار أكثر من ضرورة.
وفي ما خص أفق الحوار، لم نكن متوهّمين ولا لأي دقيقة بأن هذا الحوار «رح يشيل الزير من البير» وينهي الاحتقان وكل الخلافات دفعة واحدة وبلمسة سحرية. هناك خلافات أساسية مع «حزب الله» رفضنا أن تكون على جدول أعمال الحوار، لعدة أسباب: أولاً لأننا نعلم على سبيل المثال أنه حتى لو طلبنا من «حزب الله» الخروج من سورية فهل سيخرج؟ ورغم تذكيرنا في كل جلسة بأن ما يقوم به الحزب خاطئ ومطالبتنا بعودته إلى لبنان، فنحن نعرف تماماً أن قرار الخروج من سورية والعودة إلى لبنان ليس عند «حزب الله» ولن يُتخذ.
ونحن كنا عقلانيين واتخذنا عنوانيْن للحوار هما من أكثر العناوين التي يمكن أن يكون لها ارتداد كبير في السياسة، فالإحتقان إذا تمادى، إلى ماذا يمكن أن يوصل؟ الله أعلم. والأفضل تبريده قدر المستطاع لاحتوائه. والمسألة الثانية هي موضوع تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية ومخاطره وانعكاساته على كل الحياة السياسية، ومن ضمنها ما نشهده من أزمات داخل مجلس الوزراء.
• ملف كـ «سرايا المقاومة» يُضاف إليه اليوم موضوع الحشد الشعبي، له علاقة مباشرة بالإحتقان. ما المنطق التبريري الذي يستخدمه «حزب الله» لوضع هذا الملف على «الرف»؟
ـ سبق أن بحثنا موضوع «سرايا المقاومة»، وموضوع «الحشد الشعبي» هو الذي لم نبحثه بعد. والحزب أجابنا في ما يتعلق بسرايا المقاومة بدعوتنا إلى التريث وبأن «طوّلوا بالكم» لأن حلّ هذه المسألة يحتاج إلى وقت ولا يتم بين ليلة وضحاها. أخبرونا عن تاريخ إنشاء هذه السرايا، وسواء كان ما ذكروه مقنعاً أم غير مقنع، لكن في نهاية المطاف هذا الأمر يتطلب علاجاً وقد يأخذ بعض الوقت.
• السيد نصرالله أشار إلى أن «المستقبل» دون أن يسميه اخترع معركة اسمها بلدة عرسال، فيما نحن لم نقل أننا نريد دخول البلدة..
ـ لا أعتقد أن أحداً تنطلي عليه هذه المسائل. أَحبوا الآن الفصل بين عرسال وجرودها ماشي الحال، بارك الله بهم، الله يثبتهم.. لن أزيد أكثر. علماً أنني ضد تدخل الحزب في جرود عرسال إذ أن هناك جيشاً لبنانياً هو المعني وحده بحماية البلد وأهله لا «حزب الله».
• الواضح أن معركة جرود عرسال هي ارتداد لمعركة القلمون.
ـ صحيح.
• بأي أفق تدور هذه المعركة، هل هو إبعاد التكفيريين، ترسيم جغرافيا جديدة..؟.
ـ هذا السؤال يُوجه إلى «حزب الله». نحن سألناهم قبل وقوع معركة القلمون عن الكلام الذي نقرأه في الصحف حول المعركة واذا كانوا قاموا بدرس ارتداداتها في السياسة والأمن، فأجابوا انهم يتوقعون ارتدادات أمنية وتساءلوا «لماذا سيكون لها ارتدادات سياسية؟». وكأن ما يجري هو على كوكب آخر.
• كان من هذه الارتدادات، الإتهامات المتبادلة بينكما فيما تجلسان معاً على طاولة الحوار؟
ـ لا شك أن هناك خطاباً غير مقبول، لا في فعل «حزب الله» ولا في رد فعله. نحن مع إبداء الرأي من أي موقف ولا مشكلة في ذلك، ولكن هناك فارقاً كبيراً بين الرأي والتهجم أو التهديد.
• كيف قرأتم إعلان النيات بين «القوات اللبنانية» والتيار «الوطني الحر»؟
ـ لستُ ضدّ أي تقارب بين أي كان. ولا أعلم إلى أي مدى هذا التقارب جدي ومكتوب له النجاح. عادةً ما يجري التفاهم على الإطار للاتفاق في ما بعد على التفاصيل. ومَن يقرأ جيداً في ما حصل، يرى أن الطرفين اتفقا على بعض التفاصيل ولكنهما غير متفقيْن على الإطار العام ليشكل حالة تفاهم سياسي.
هذا المناخ بدا جلياً في نقمة الوزير السابق النائب سمير الجسر... في نبرة صوته وعلى وجهه، وفي استهواله ما يجري في البلاد التي مضى أكثر من عام على اختطاف الانتخابات الرئاسية فيها، وتعطيل البرلمان والسعي أخيراً الى شلّ عمل الحكومة الائتلافية التي تقوم مقام الرئيس «المغيّب» حتى إشعار آخر.
لم يكن الجسر (71 عاماً) على عادته من الهدوء والسلاسة في الخطاب والمقاربات، فابن العائلة الطرابلسية العريقة التي تشبه «الصيغة اللبنانية» كان ورث خصالاً يفاخر بها عن جدّه الذي ترأس يوماً المجلس النيابي وخاض الانتخابات الرئاسية، قبل ان يتمرّس في حب الناس ويصبح نقيباً لمحامي طرابلس ومن ثم نائباً ووزيراً للعدل.
يحلو للبعض وصْف سمير الجسر على انه من حمائم «تيار المستقبل»، وهو الأمر الذي لا يستسيغه «ابو عدنان» الذي كان شكّل لقاءه بالرئيس الراحل رفيق الحريري في العام 1991 تحوّلاً في مسار حياته... يحاور برحابة صدر لكنه لا يحيد عن المبادئ، ولا عن «الاخلاقيات» في العمل السياسي المثقل بالجروح في هذه الأيام العجاف التي تدهم لبنان.
يمثل النائب الجسر، الى جانب الوزير نهاد المشنوق ومدير مكتب زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري نادر الحريري، فريقه السياسي في «الحوار الملغوم» مع «حزب الله»... الحوار الذي كلما مضى قدماً ازدادت اختباراته الصعبة نتيجة حجم الصراع وتدحرجه في لبنان والمنطقة.
«الراي» التقت الجسر وكان معه الحوار الآتي:
• هل تعتقد أن الرئيس تمام سلام أخطأ باعتماد آلية توافقية لاتخاذ القرارات داخل الحكومة بعد خلو سدة الرئاسة، ما جعل حكومته أسيرة «فيتوات» من مكوناتها؟ ـ لا أعرف إذا كان بالإمكان اعتبار شخص يحاول أن يكون مراعياً جداً وبالذات للمكوّن المسيحي، الذي يعتبر نفسه أنه خارج السلطة بخلوّ سدة الرئاسة، مخطئاً. ويجب الإشارة بدايةً الى أن أحداً لم يكن يتوقع أن تستمرّ الازمة الرئاسية إلى الآن. ومن جهة أخرى، لا شك في أن الآلية التي اعتُمدت لا سند لها في الدستور ولا في القانون، وتوصل في النهاية إلى طريق مسدود. هذه آلية تعتمد على الإجماع في حين ان لا إجماع في أي مكان حتى في جمعية صغيرة فكيف الحال ببلد منقسم سياسياً افقياً وعمودياً وتتضارب فيه المصالح؟ ربما لم يكن الخيار موفقاً، لكن لا يمكن تحميل مسؤولية هذا الخيار لرئيس الحكومة وحده.
• الموضوع مرتبط أيضاً بجدول الأعمال.. ـ جدول الأعمال هو من صلاحيات رئيس الحكومة ولا أحد غيره، استناداً إلى نصٍ واضح في الدستور.
• مَن يستمع الى شروط العماد ميشال عون ولهجته في موضوع التعيينات الأمنية، يستنتج أن الحكومة دخلت مرحلة من الشلل المفتوح... في أي اتجاه تسير المشاورات لتجاوُز هذا المأزق؟ ـ نحن نعقّد أمورنا بيدنا. ففيما نحن في بلد نظامه ديموقراطي برلماني، ما يعني أنه يقوم على مبدأ الأكثرية والأقلية التي تفرزها الانتخابات النيابية، نجد أن الأقلية اليوم باتت تتحكم بكل شيء. إذ أن أقلية في مجلس الوزراء تفرض شروطها على مبدأ «إما شروطنا أو لا تُعقد الجلسة» أو «إما شروطنا أو نعتكف أو نستقيل». أين تحصل مثل هذه الأمور في دول العالم؟ الأمر نفسه في ما يتعلق بمجلس النواب، حيث يُعطل البرلمان من أجل انتخاب الرئيس وحتى إذا لم يتم إنتخاب رئيس للجمهورية. وكلنا مشارِكون بهذا الأمر، إلى أين يوصل هذا المسار؟ البعض يفرض شروطاً على التعيين، وإذا طُرحت التعيينات يشترط أن تكون سلة واحدة، فيما في البلد حساسيات حيث تُوزع المناصب الأمنية، عُرفاً وتقليداً، على الطوائف اللبنانية ويتولى هذا المنصب سني ومنصب آخر يتولاه ماروني والخ. وإذا جرى تطبيق القانون، الذي ينصّ على أنه إذا لم يتم لسبب ما تعيين قائد جديد للجيش أو مدير عام لقوى الأمن الداخلي أو الأمن العام، يحل مكانه مَن يأتي بعده تراتبياً، لكن هذا الأمر في الاصل مقرر بشكل موقت لساعات أو أيام. وما من احد كان ليتصوّر عند اصدار القانون ان أزمة سياسية قد تطول حتى تقرر التعيينات. اما في الوضع الحالي، هل تقبل المكوّنات الطائفية التي تعترض، أن يتولى هذه القيادات مَن يصل بحسب التراتبية؟ ولا سيما ان هذا الأمر يؤدي إلى وصول قيادات من طوائف أخرى، على عكس المتعارَف عليه في التوزيع بين الطوائف، وهذا يمكن ان يزيد من الحساسيات القائمة أصلاً ويُخشى ان تكون له تداعيات على الموضوع الأمني. هذا أمر غير معقول فعلاً. لماذا نجمع استحقاقيْ قيادة قوى الأمن الداخلي وقيادة الجيش؟ فالاول الاستحقاق موعده اليوم والآخر يأتي لاحقاً وننظر به في حينه.
• ثمة إجماع على مزايا العميد شامل روكز ومناقبيته، اي صهر العماد عون والذي يطالب بتعيينه قائداً للجيش، لماذا تحجمون عن تأييده؟ ـ مَن قال إننا لا نقبل به؟ اسمه لم يُطرح أصلاً. نحن نقول ان موعد استحقاق قيادة الجيش هو في سبتمبر، وحين تنتهي ولاية القائد الحالي العماد جان قهوجي تُطرح عملية تعيين قائد جديد. وليس العماد عون او اي فريق سياسي آخر هو مَن يطرح تعيين هذا الاسم أو ذاك، بل وزير الدفاع هو مَن يطرح الاسم، ويكون القرار عندها لمجلس الوزراء. إذ لكل وزارة مختصة صلاحيات، وكل ما نطالب به هو تطبيق القانون من أوّله إلى آخره وليس من نصفه.
• ألا يحرجكم خوض العماد عون معركة والتلويح بـ «الأقدام وبالشارع» تحت لافتة أن «هذه حقوق المسيحيين» وأن هناك افتئاتا على حقوق المسيحيين؟ ـ هذا الأمر سيفتح باباً له أوّل وليس له آخر. إذ كلما أراد أحدهم تمرير أمر ما سيقول أن هناك افتئاتاً على حقوق المسيحيين او على حقوق أي طائفة أخرى. والسؤال هو مَن يتعرض لحقوق المسيحيين؟ هل مطالبتنا بإنجاز الإستحقاقات في وقتها تعني اننا نفتئت على حقوق المسيحيين؟ وحين نوضح أن لهذه المسألة أو تلك آليةٌ لا بد من اتباعها، وحين ندعو إلى ضرورة إنهاء الشغور في موقع الرئاسة الاولى وانتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، هل نكون بذلك نفتئت على حقوق المسيحيين؟ فلنعتبر أن العماد عون أصبح رئيساً للجمهورية، هل يقبل بأن يكون هناك مَن يعين له قائداً للجيش من دون الوقوف على رأيه؟ إذا كان الهدف من هذه الطروحات دفْعنا إلى فتْح الدفتر، نفتحه لا مشكلة. هم يخطئون كثيراً بهذه الطروحات، فكلما أراد أحدهم أن يستنهض شارعه يلجأ إلى الخطاب المذهبي أو الطائفي. فهل هذا الأمر مقبول؟ هل تقولون لي ان السنّة في لبنان «واصلين» إلى كل إدارات الدولة، وانهم يتولّون المواقع التي يجب أن يحصلوا عليها؟ هل نفتح هذا الباب؟ ماذا نقول؟ الطائف والدستور ينصان على المناصفة (في مجلس النواب وفي تشكيل الوزارة) وفي وظائف الفئة الأولى، ولكن ماذا عن الوظائف الأخرى؟ أيّ باب يريدون فتْحه؟
• ما الغاية من هذا الأمر؟ ـ كلما أراد أحدهم تحقيق غاية في نفسه، يقلب الدنيا كلها لتنفيذها. وهذا الأمر لا يجوز أبداً. لا أعلم إلى أين يأخذون البلد. إذا تحدّثنا بالمنطق الذي يتبعه البعض، يمكن ان يخرج مَن يسأل الى اي مدى تتم مراعاة الوضع السنيّ داخل الادارات وفي الأجهزة الأمنية تحديداً. وأشير هنا، إلى أنني شخصياً مع تطبيق المداورة في كل شيء. وكفى أن يقول البعض هذا لي وهذا لك.
• هل تقصد المداورة أيضاً في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش..
- أقلّه في الوزارات والإدارات. يكفي أن يقول لنا هذا، أنا محروم ويستثير عواطف الناس. إلى أين يأخذون البلد؟ يشترطون لحضور جلسات مجلس الوزراء وضع بندين على رأس جدول الأعمال، فيما الدستور يحدد مَن يضع جدول الأعمال. ويشترطون لحضور جلسات مجلس النواب أن يكون التشريع تحت عنوان «تشريع الضرورة»، والسؤال يُطرح في هذا الإطار: «هل هناك تشريع لا يكون للضرورة؟». إذ إن أول قاعدتين في التشريع هما أولاً الضرورة وثانياً الأثر الاحتمالي لهذا القانون. اي ان ما من قانون يُسن إلا لضرورة. أما في ما يتعلق بجدول أعمال الجلسات التشريعية للبرلمان، فإن اشتراط وضع بنوده يعني أنه لم يعد هناك لا رئيس مجلس النواب ولا هيئة مكتب المجلس. فهل هذا منطق؟ في البلد دستور يتم تفكيكه.
• حلفاؤكم المسيحيون يشاركون في هذا الأمر؟
ـ مَن قال انني أستثنيهم من هذا الكلام؟ أنا أتحدث عن الجميع حتى عن أنفسنا. ألم نشارك نحن أيضاً بهذه الآلية؟ أنا أتحدث بصراحة. فالآلية المتبعة لانتخاب الرئيس توصل بالتأكيد إلى عدم انتخاب رئيس جديد. فلا مجال إلا لتسوية. وحتى مَن هم خارج هيئة مكتب المجلس التي وضعت هذه الآلية، لم يعترضوا عليها حين طُرحت في الهيئة العامة.
• هل بتقديرك أنه بحسب النص الدستوري، نصاب انتخاب رئيس الجمهورية في الجلسة الثانية هو النصف زائد واحد؟
ـ لا أولى ولا ثانية، هناك نص وحيد في الدستور يتناول موضوع كيفية انعقاد مجلس النواب ونصاب انعقاد الجلسات وهو المادة 34 منه التي تنص على انعقاد نصف المجلس زائد واحد. أما الباقي فهو استنتاج.
ففي ما يقول النص ان نصاب الفوز في الدورة الأولى لانتخاب رئيس الجمهورية يتطلب الثلثين، استنتجوا وجوب حضور الثلثين. كيف تم الإستنتاج؟ النصاب في رأيي لا يُستنتج بل يحتاج إلى نص. وإذا تم استنتاج نصاب الثلثين في الدورة الأولى، كيف تم استنتاج نصاب الحضور بالثلثين في الجلسة الثانية التي يفوز فيها مَن يحصل على النصف زائد واحد من الأصوات؟ اي إذا جرى استنتاج نصاب الحضور في الدورة الأولى من نصاب الفوز، فكيف تم استنتاج الحضور في الدورة الثانية على أنه الثلثين؟ وحين كثرت الاجتهادات، راحت تكثر أيضاً الاجتهادات المضادة التي تقول انه تم إقفال محضر جلسة الانتخاب الاولى التي حصلت واننا سنبدأ من جديد دورة أولى ودورة ثانية.
• الاجتهاد هذا جاء وكأنه تطمين للمسيحيين بأنه إذا اجتمع المسلمون لن يتمكنوا من انتخاب رئيس وحدهم.
ـ هل سينتخب المسلمون رئيساً مسلماً أم مسيحياً؟ ما هو التطمين إذاً؟ الرئيس كميل شمعون كان يُعتبر فتى العروبة الأغرّ، أين كان موقفه في النهاية بعد ان حاول دخول سياسة المحاور؟ وهو احتُسب في البداية على المسلمين، ثم قامت بوجهه ثورة 1958 التي اعتُبر أن المسلمين هم مَن قاموا بها. الحقيقة ان أحداً في لبنان لا يتعظ مما يحصل من حولنا ولا يستشعر بخطره ولا يعلم أننا في مهبّ الريح.
• يقول المثل عند تغيير الدول احفظ رأسك، لكن في هذه اللحظة «طار» رأس الجمهورية في لبنان؟
ـ نحن لم نحم رأسنا، فلو لم يتدخل أحد في المسألة السورية، لكان ذلك أفضل بمئة مرة. غير أن البعض بات يريد القتال في سورية والعراق واليمن. فكيف يمكن للبنان أن يحتمل؟ الدخول في صراع المحاور في المنطقة هو ما أوصل لبنان إلى هذه المرحلة. لا سواح اليوم في لبنان لا عرب ولا غير عرب، في حين ان من ركائز اقتصاد هذا البلد قطاع الخدمات وبالدرجة الأولى منها السياحة.
• هل من مؤشرات لخروج الإستحقاق الرئاسي من المأزق لا سيما بعد زيارات الموفدين؟
ـ للأسف لا مؤشرات حتى الآن.
• بالعودة إلى موضوع التعيينات التي يبدو أنها ستشلّ عمل الحكومة. غالباً ما ذُيِّلت البيانات التي تصدر عقب جلسات الحوار مع «حزب الله» بالتأكيد على ضرورة انتظام عمل المؤسسات.. كيف تفسرون الدعم المعلن من «حزب الله» للعماد عون في موقفه من الحكومة بالتحديد؟
ـ هناك تحالف بين «التيار الحر» و«حزب الله»، والحزب يحاول الحفاظ على هذا التحالف الذي منحه تغطية كبيرة في السياسة أتاحت له تحقيق الكثير من الأمور التي لم يكن ليحققها دون هذا التأييد. لذا يستمر الحزب في الوقوف إلى جانب «التيار الوطني الحر» في موضوع الرئاسة رغم علمه واقتناعه بأن فرص العماد عون في الوصول الى سدة الرئاسة ليست حاسمة. الحزب متحالف مع «التيار» لأن مصلحته تقتضي ذلك، وقد تكون له مصالح أبعد، لا أعلم.
• ستلتقون الاثنين في إطار الحوار، فيما لازمة «انتظام عمل المؤسسات» تتلقى ضربة موجعة بتضامن «حزب الله» مع «التيار الحر».. إذ إن الحزب هو اليوم شريك العماد عون في شلّ الحكومة؟
ـ لا يمكن شلّ الحكومة، إذ يُفترض أن يستمرّ عقد الجلسات في غياب مَن اختاروا عدم الحضور. ولا مانع من استمرار عمل مجلس الوزراء، فهذه المسألة لا علاقة لها بالميثاقية. وفي رأيي ان الحديث عن الميثاقية في هذا الإطار هو في غير محله، فالميثاقية في الاصل تتم مراعاتها عند تشكيل الحكومة وليس لاحقاً، ولا يجوز انه عند كل جلسة وعمل تُطرح مسألة الميثاقية. ثم لا يحق لمن أفتعل مشكلة ان يقول لاحقاً انه ما من ميثاقية. هم مَن افعتلوا المشكلة.
• كان من ثمرة حواركم مع «حزب الله» خطط أمنية في المناطق ومن ضمنها البقاع. كيف تنظرون إلى تحرك العشائر الذي يشبه الحشد الشعبي وجاء استجابة لخطاب الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله؟
ـ هذا الأمر هو مساس بالخطة الأمنية وانقلاب عليها. هل من تفسير آخر له؟ كيف نضع خطة أمنية لملاحقة المطلوبين ثم نشاهد المطلوبين على شاشات التلفزة ويعملون على تشكيل «ألوية قتالية» بمباركة حزبية؟
• هل تعتزمون إثارة الموضوع في جلسة الحوار المقبلة؟
ـ نعم من المفترض القيام بذلك. فالخطة الأمنية وأي تدبير عملي اتفقنا عليه هو من أجل إزالة الاحتقان. وأي إنسان عاقل يَغفل عنه أن يتصوّر أن مثل هذا «الحشد الشعبي» لا يؤثر على الأجواء في البلد؟ إذ إن كل سلاح هو سلطة، سواء كان في طرابلس أو البقاع أو جونية أو الضاحية أو الجنوب. أينما كان السلاح فهو سلطة، وما من دولة تقوم بسلطتين او أكثر.
• هل أنت متخوف على الوضع في البقاع، وهل في رأيك يمكن أن يكون تحرك العشائر بوابة فتنة سنية ـ شيعية في المنطقة؟
ـ المعلوم ان كل أمر يستجرّ مقابله امراً موازياً. أي أن كل تطرف أو حالة شواذ تستجرّ حالة مقابلة لها. وهذا قانون الطبيعة. ونعم هناك خشية من حدوث ذلك، وعلينا إيجاد طريقة لمنْعه ولاستيعاب الأمور وعدم دفْعها إلى الهاوية. فهل ما يحدث هو مسألة سليمة وصحية؟
• من الواضح أن تيار «المستقبل» وضع في حواره مع «حزب الله» موضوع «سرايا المقاومة» على الطاولة، ومن الواضح أن الحزب لم يتجاوب في هذا الموضوع. واليوم نحن أمام «سرايا المقاومة» و«حشد شعبي».. ما يدفع إلى التساؤل حول جدوى الحوار؟
ـ يظلّ للحوار جدوى لجهة تخفيف الإحتقان الذي إذا تراكم سيؤدي إلى الانفجار. وبقدر ما نتمكن من تبريد هذا الاحتقان لاحتوائه في ما بعد، يكون ذلك أفضل. وكل خطأ يقع يؤكد أن الحوار أكثر من ضرورة.
وفي ما خص أفق الحوار، لم نكن متوهّمين ولا لأي دقيقة بأن هذا الحوار «رح يشيل الزير من البير» وينهي الاحتقان وكل الخلافات دفعة واحدة وبلمسة سحرية. هناك خلافات أساسية مع «حزب الله» رفضنا أن تكون على جدول أعمال الحوار، لعدة أسباب: أولاً لأننا نعلم على سبيل المثال أنه حتى لو طلبنا من «حزب الله» الخروج من سورية فهل سيخرج؟ ورغم تذكيرنا في كل جلسة بأن ما يقوم به الحزب خاطئ ومطالبتنا بعودته إلى لبنان، فنحن نعرف تماماً أن قرار الخروج من سورية والعودة إلى لبنان ليس عند «حزب الله» ولن يُتخذ.
ونحن كنا عقلانيين واتخذنا عنوانيْن للحوار هما من أكثر العناوين التي يمكن أن يكون لها ارتداد كبير في السياسة، فالإحتقان إذا تمادى، إلى ماذا يمكن أن يوصل؟ الله أعلم. والأفضل تبريده قدر المستطاع لاحتوائه. والمسألة الثانية هي موضوع تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية ومخاطره وانعكاساته على كل الحياة السياسية، ومن ضمنها ما نشهده من أزمات داخل مجلس الوزراء.
• ملف كـ «سرايا المقاومة» يُضاف إليه اليوم موضوع الحشد الشعبي، له علاقة مباشرة بالإحتقان. ما المنطق التبريري الذي يستخدمه «حزب الله» لوضع هذا الملف على «الرف»؟
ـ سبق أن بحثنا موضوع «سرايا المقاومة»، وموضوع «الحشد الشعبي» هو الذي لم نبحثه بعد. والحزب أجابنا في ما يتعلق بسرايا المقاومة بدعوتنا إلى التريث وبأن «طوّلوا بالكم» لأن حلّ هذه المسألة يحتاج إلى وقت ولا يتم بين ليلة وضحاها. أخبرونا عن تاريخ إنشاء هذه السرايا، وسواء كان ما ذكروه مقنعاً أم غير مقنع، لكن في نهاية المطاف هذا الأمر يتطلب علاجاً وقد يأخذ بعض الوقت.
• السيد نصرالله أشار إلى أن «المستقبل» دون أن يسميه اخترع معركة اسمها بلدة عرسال، فيما نحن لم نقل أننا نريد دخول البلدة..
ـ لا أعتقد أن أحداً تنطلي عليه هذه المسائل. أَحبوا الآن الفصل بين عرسال وجرودها ماشي الحال، بارك الله بهم، الله يثبتهم.. لن أزيد أكثر. علماً أنني ضد تدخل الحزب في جرود عرسال إذ أن هناك جيشاً لبنانياً هو المعني وحده بحماية البلد وأهله لا «حزب الله».
• الواضح أن معركة جرود عرسال هي ارتداد لمعركة القلمون.
ـ صحيح.
• بأي أفق تدور هذه المعركة، هل هو إبعاد التكفيريين، ترسيم جغرافيا جديدة..؟.
ـ هذا السؤال يُوجه إلى «حزب الله». نحن سألناهم قبل وقوع معركة القلمون عن الكلام الذي نقرأه في الصحف حول المعركة واذا كانوا قاموا بدرس ارتداداتها في السياسة والأمن، فأجابوا انهم يتوقعون ارتدادات أمنية وتساءلوا «لماذا سيكون لها ارتدادات سياسية؟». وكأن ما يجري هو على كوكب آخر.
• كان من هذه الارتدادات، الإتهامات المتبادلة بينكما فيما تجلسان معاً على طاولة الحوار؟
ـ لا شك أن هناك خطاباً غير مقبول، لا في فعل «حزب الله» ولا في رد فعله. نحن مع إبداء الرأي من أي موقف ولا مشكلة في ذلك، ولكن هناك فارقاً كبيراً بين الرأي والتهجم أو التهديد.
• كيف قرأتم إعلان النيات بين «القوات اللبنانية» والتيار «الوطني الحر»؟
ـ لستُ ضدّ أي تقارب بين أي كان. ولا أعلم إلى أي مدى هذا التقارب جدي ومكتوب له النجاح. عادةً ما يجري التفاهم على الإطار للاتفاق في ما بعد على التفاصيل. ومَن يقرأ جيداً في ما حصل، يرى أن الطرفين اتفقا على بعض التفاصيل ولكنهما غير متفقيْن على الإطار العام ليشكل حالة تفاهم سياسي.