كتاب / «حرية التعبير»... عندما يكون الرأي الحر «أقوى من السيف»

u063au0644u0627u0641 u0627u0644u0643u062au0627u0628 u0648u0645u0624u0644u0641u0647 u062fu064au0641u064au062f u0634u064au0628u0644u0631
غلاف الكتاب ومؤلفه ديفيد شيبلر
تصغير
تكبير
على مدى نصف القرن الماضي، دأبت المحاكم الأميركية على توسيع وإعادة توسيع القناة التي من خلالها يمكن أن تتدفق حقوق الأميركيين في التعبير. وباتت المحاكمات التشهيرية شيئا من الماضي إلى حد كبير (باستثناء المحاكمات المتعلقة بإساءة استغلال الأطفال جنسيا، بطبيعة الحال). وتوقفت مصلحة البريد الأميركية منذ عقود عن تصيّد وملاحقة الروايات «المتفحشة». فلقد أدت سلسلة من قرارات المحكمة العليا، بدءا من العام 1964، إلى نزع سلاح أولئك الذين كانوا يمنعون حرية التعبير من خلال رفع دعاوى تشهير. وأخيرا، وبفضل شبكة الإنترنت، فإن مئات الملايين من الأميركيين باتوا يستطيعون أن يستفيدوا من حرية التعبير مع قليل جدا من القيود أو التداعيات.

ومع ذلك، فإنه ما زالت هناك بعض المشاكل في تلك «الجنّة الأميركية» الخاصة بحرية التعبير، وهو ما يكشف عنه المراسل السابق لصحيفة نيويورك تايمز ديفيد ك. شيبلر في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «حرية التعبير: أقوى من السيف»، موضحا أن كنز حرية التعبير الذي يتمتع به الأميركيون ما زال يفرز بعضا من الفتنة.

الكتاب صدر أخيرا عن دار Alfred A. Knopf للنشر ويقع في 336 صفحة من القطع المتوسط.

ومن خلال الكتاب، يجوب المؤلف أرجاء أرض حرية التعبير في الولايات المتحدة ليسلط الضوء عن كثب على خمسة جبهات اشتباكات في تلك الأرض، ألا وهي: الآباء يجادلون على نحو هادر مع المعلمين ومسؤولي التعليم حول اي الروايات ينبغي تدريسها في الصفوف؛ والمدعون الفيدراليون يكممون أفواه المبلغين والصحفيين؛ ومسارح تواجه سحب التمويل منها بسبب أعمالها ذات النزعة السياسية؛ وعلى شبكة الإنترنت هناك متعصبون يختبرون حدودنا في مجال مبادئ حرية التعبير؛ وفى جميع أرجاء الولايات المتحدة، يخشى نشطاء من أن قرار مؤسسة «مواطنون متحدون» سيسمح لذوي الثروات الضخمة بأن يخنقوا حرية التعبير من خلال اعلانات تلفزيونية.

وإذ يغوص في أعماق هذه القضية المثيرة للضغائن، يبدأ شيبلر كتابه من مدرسة عليا في أحد أحياء ديترويت حيث تتسبب رواية «ووترلاند»، التي كتبها غراهام سويفت في العام 1983، في إثارة حالة طفيفة من الذعر الأخلاقي بعد اختيارها من جانب هيئة التدريس لتدريسها لطلاب الانتساب المتقدم الى قسم اللغة الإنجليزية في المدرسة. كما أن رواية توني موريسون التي بعنوان «بيلافيد» يتم تعيينها أيضا وتلعب دورا مساندا في تلك الحالة من الذعر، إذ يتظاهر أولياء أمور الطلاب احتجاجا على المحتوى «الإباحي» في كلتا الروايتين. وهنا، يبدو المؤلف شيبلر في أفضل حالاته، غذ أنه ينبش في أعماق المجتمع سعيا إلى منح كل الاطراف نصيبا عادلا للتعبير عن رأيه.

والواقع أن من لا قلب لهم فقط هم الذين سيرفضون التعاطف مع أولئك الآباء والأمهات المحتجين، لذا فإن شيبلر يعاملهم بكرم وسخاء واضحين في سياق كتابه، إلى درجة أنه يكتب في خاتمة الكتاب قائلا: «لقد لمست بنفسي شيئا من رغباتهم القلقة في أن يعزلوا أبناءهم المراهقين عن تلك المؤثرات قدر استطاعتهم. فأكثر مقطع يستفزهم ويثير غضبهم في رواية»ووترلاند«هو ذلك الذي يصف تفاصيل مداعبة حميمة جدا بين مراهق ومراهقة يبلغان من العمر 15 عاما. وويقر شيبلر بأن ذلك المقطع متفحش وخلاعي إلى درجة أنه لا توجد جريدة يومية يمكنها أن تجرؤ على إعادة نشره ما لم يكن هناك مبرر استثنائي للقيام بذلك. ويرى سيلبر أنه من الصعب تخطيء الآباء والأمهات على موقفهم المشابه لمعايير الصحف. وينقل شيبلر عن أحد أولياء الأمور المحتجين قوله:»نحن لا نفرض على الناس كيف يربون أبناءهم. نحن فقط لا نريد أن يفرض علينا أي شخص كيف نربي أبناءنا«.

ومع ذلك، فإن المؤلف يحرص على توضيح أن تلك الاحتجاجات ضد الروايتين تميل إلى اتباع نوع من التقدم أو التصاعد المعياري، ولا أحد يخرج منها منتصرا أو في صورة افضل من الآخر. فأولياء الأمور المعترضين على محتوى الروايتين يتصرفون بفجاجة مفرطة من أجل حماية ابنائهم. وفي المقابل فإن المعلمين يسعون بجد إلى الدفاع عن القيمة التربوية لبعض الكتب التي اختاروها كي يتم تدريسها.

لكن كتاب»حرية التعبير«يخفق في أن يتوهج لأسباب عدة. فالمواضيع الكبيرة الخمسة المتعلقة بحرية التعبير التي يستكشفها شيبلر عبر الكتاب تعتبر بالنسبة إلى بعضها البعض بنات عمومة من الدرجة الثانية أكثر من كونها شقيقات، وهو ما يعني انه (أي المؤلف) لا يكتسب سوى زخما مواضيعيا قليلا بينما يتحول من موضوع المحتجين على الروايتين إلى المبلغين إلى المتعصبين ضد مخاطر أموال الشركات الكبرى، وصولا في النهاية إلى موضوع حرية التعبير الفني. ويمكن القول إن كل لوحات الشخصيات التي يرسمها الكتاب وكل تفاصيله السردية لا تستطيع أن تنقذه من أن تتم قراءته وكأنه أشبه بعدد من المقالات المنفصلة المنشورة في مجلة بين غلافين، أكثر من كونه كتابا موحدا حول حرية التعبير.

لكن شيبلر يقوم بجهد كاف لإنعاش قصة مسؤول وزارة العدل السابق»توماس تام«، الذي كان مصدرا هاما للسبق الذي حققته صحيفة نيويورك تايمز في العام 2005 حول المراقبة الحكومية السرية للمكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني. والواقع أنه يوجد ثمة توتر محتمل هنا، فبينما يسرب»توماس تام«ما يعتبره برنامج مراقبة غير قانوني ويدفع الثمن عندما يستهدفه تحقيق أجراه جهاز الـ FBI ويتم تهديده بالملاحقة القضائية بتهمة التجسس. ولكن شيبلر يبدو في صف»توماس تام«بشكل واضح إلى درجة أنه لا يكترث حتى باللجوء إلى مصدر محترم من المؤسسات الأمنية القانونية أو الوطنية لتقديم حجة مفادها أن سلوك»توماس تام«يمكن أن يعتبر خطأ وغير قانوني.

ولكن إذا كان أفضل معيار لكتاب هو كيف يجعل القارئ يعاركه بقوة، فإن كتاب»حرية التعبير«يبرع ويتفوق في هذا الجانب. ففي القسم الأخير من الكتاب، يروي شيبلر كيف أن مسرحا في واشنطن نظم أعمالا مثيرة للجدل ورعى مناقشة حرة فأصبح هدفا لجماعة ضغط صغيرة، وهي الجماعة التي سعت إلى منع التمويل الحومي عن ذلك المسرح. ويرى المؤلف أن مثل هذه الضغوط ليست رقابة وليست قمعا لحرية التعبير، إذ أنه» لا مسرح ولا شاعر ولا مخرج ولا رسام ولا فنان لديه الحق في استخدام أموال الآخرين كي يمارس حرية التعبير«. وفي الواقع، فإن أحد أرقى أشكال حرية التعبير يمكن أن يكمن في اتخاذ قرار بشأن نوع الفن الذي يمكنك أن تنفق مالك الخاص (أو مال جماعتك) عليه.

وهناك طريقة أخرى لتقدير قيمة كتاب»حرية التعبير«، ألا وهي قراءته باعتباره دليلا يثبت أن حقوق التعبير عن الرأي الواردة في التعديل الأول على الدستور الأميركي ما زالت في حالة جيدة.

- عنوان الكتاب:»حرية التعبير: أقوى من السيف» (Freedom of Speech: Mightier Than the Sword)

- المؤلف: ديفيد ك. شيبلر

- عدد الصفحات: 336 صفحة

- الناشر: دار Alfred A. Knopf
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي