الكتاب يستهدف الصغار والكبار معاً
ترجمة / «الأخَوان رايت» للمؤرخ المخضرم ديفيد ماكولو... قصة «طموح» حلّق عالياً في السماء
الأخوان رايت في صورة مشتركة
غلاف الكتاب
المؤلف ديفيد ماكولو
صدر حديثا عن دار «Simon & Schuster» الأميركية للنشر كتاب جديد بعنوان «الأخَوان رايت» لمؤلفه الكاتب والروائي والمؤرخ الأمريكي المخضرم ديفيد ماكولو.
وفي التالي نعرض ترجمة لمقتطفات من مقالات نقدية نشرت في عدد من الصحف الأميركية حول هذا الكتاب:
هناك الكثير من الكتب عن الأخوين رايت تم تأليفها للأطفال. ولربما كان ذلك لأن هذين الأخوين الشهيرين الرائدين في مجال الطيران معروفان على نحو أفضل من خلال عملهما أكثر من كونهما معروفين من خلال أي شيء شخصي، وربما لأن قيامهما باختراع أول طائرة قابلة للتحليق هو أمر أكثر إثارة من أي شيء آخر يتعلق بهما. أو ربما أيضا لأن تقشف وعصامية الأخوين رايت هما أمران يبدوان بطوليان على نحو غير معقد.
ولابد أيضا من أن مما ساعد في هذا الأمر هو أن هذين الأخوين المنعزلين ذوا المظهر المتأنق، قد انتصرا في النهاية على التصور الذي كان مفاده أنهما كانا مجرد شخصين مجنونين. «لقد كنا لا نستطيع سوى أن نفكر في أنهما كانا مجرد شخصين معتوهين»، هذا ما قاله أحد سكان المنطقة القريبة من كيتي هوك، التابعة لولاية نورث كارولاينا مسترجعا ذكرياته حول الأيام التي كانوا يشاهدون فيها الأخَوان ويلبر وأورفيل رايت عندما كانا يقفان طوال ساعات لمشاهدة الطيور البحرية العملاقة بينما كانت تحلق عاليا فوق الشاطئ، وكانا «يرفرفان» بذراعيهما، حيث كانا يستخدمان المعصمين والمرفقين ليتعلما حركة أجنحة الطيور.
ولهذا فإن الأخوين رايت كانا مصدر إلهام للكاتب ديفيد ماكولو في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «الأخَوان رايت». لكن جمهور القراء الأساسي الذي يستهدفه ماكولو من خلال هذا الكتاب الجديد ليس الأطفال فقط، رغم أن الكثير منهم قد يجدون متعة في قراءته، بل إنه الكتاب يستهدف الكبار أيضا بمختلف فئاتهم العمرية.
والواقع أن مجرد اختيار المؤلف والمؤرخ المخضرم ديفيد ماكولو لأي شخصيات كي تكون موضوعا لكتاب من تأليفه، هو أمر كفيل في حد ذاته بجعل تلك الشخصيات فائقة الاحترام. وفي حالة الأخوين رايت قد يكون هذا الأمر مناسبا على نحو خاص. وإذا كانت لويلبر رايت- وهو الشقيق الأكبر سنا والأكثر تسلطا وصرامة - أي علاقة عاطفية مع أي إنسان لم يكن أحد أقاربه المقربين أو زميلا عاشقا للطيران، فهذا ليس الكتاب الذي يسعى إلى سبر أغوار مثل تلك العلاقة.
فالمؤلف ديفيد ماكولو يبرز ويثمّن في الكتاب ما كان يتميز به الشقيق الأكبر ويلبر رايت من انطوائية وذكاء وتقشف، حتى بعد أن أصبح من المشاهير. فخلال فترة الاحتفالات التي أقيمت على مدى يومين للترحيب بعودة الأخوين رايت إلى مسقط رأسيهما في مدينة دايتون، قال أحد مراسلي صحيفة نيويورك تايمز آنذاك إنهما ضبطهما وهم يتسللان ثلاث مرات ليعملا في ورشتهما خلال اليوم الأول فقط.
ويشير ماكولو إلى أن الأخَوان رايت، اللذين كانت تفصل بينهما خمس سنوات في العمر، نشآ وترعرعا وهما يفعلان كل شيء معا. وعلى الرغم من أن ويلبر رايت كان أكثر هيمنة وتسلطا بكثير – فلقد كان يكتب بشكل أفضل وكان يبدو زعيما بطبيعته – فإنه وشقيقه أورفيل حرصا دائما على أن يتشاركا أي فرص سنحت في طريقهما. وبعد أن أصيب ويلبر البالغ من العمر 18 عاما بضربة من عصا هوكي (على يد مراهق كان يبلغ من العمر 15 عاما وتحول لاحقا إلى قاتل وكان والداه من بين ضحاياه) وعانى اصابات مستدامة في الوجه، فإنه تخلى عن فكرة مغادرة مدينة دايتون كي يتلقى تعليما عاليا في مكان آخر. وعوضا عن ذلك، عاش ويلبر سن المراهقة منعزلا ومنغمسا في القراءة. وبعد ذلك انخرط ويلبر وأورفيل في عشق كل ما يتعلق بالدراجات الهوائية، إلى درجة أنهما تعلما كيفية تصنيعها وافتتحا شركتهما الخاصة. ولعله من المثير للاهتمام ان نقرأ في سياق كتاب «الأخَوان رايت» كيف أن المتشائمين في مدينة دايتون في تسعينيات القرن التاسع عشر كانوا ينظرون إلى الدراجات الهوائية باعتبارها شيئا سيئا يمكن أن يفسد الشباب الأبرياء، فلقد كانوا يرون أن الدراجة الهوائية يمكن أن تشجع الأطفال والمراهقين على أن يشردوا بعيدا عن منازلهم، وأن يمتنعوا عن قراءة الكتب، كما كانوا يرون أنها تشجع الحرية الجنسية وما إلى ذلك من أمور سيئة أخرى.
هذا الكتاب، الموجز نسبيا والمثير للاهتمام والمفعم بالحقائق، يرصد تلك العلاقة الارتباطية السلسة التي تربط بين ركوب الدراجات من ناحية وحركة الطيران من ناحية ثانية، وهي العلاقة التي كانت في معظمها في ذلك الوقت موضوعا مقتصرا فقط على هواة تربية الطيور والحالمين بالطيران. لكن كانت هناك سيارات في شوارع مدينة دايتون، لذا فمن ذا الذي كان يعرف ما كان يمكن أن يحدث في سمائها؟ ولقد قرأ الأخوان رايت كل ما كان في وسعهم آنذاك حول الطيران كما أنهما تراسلا بريديا مع أي شخص كان من الممكن أن يرد عليهما في هذا الشأن، ابتداء بأول من جربوا الطيران لصالح مؤسسة سميثسونيان. واعتمادا على مخيلتهما وعلى مواد غير مكلفة وعلى أفكار متعلقة بقيادة وتوجيه الدراجات الهوائية وعلى المبالغ المالية المتواضعة التي ربحاها من شركتهما الصغيرة، فإنهما نجحا في نهاية المطاف في إحراج مؤسسة سميثسونيان وتجاربها المكلفة حول الطيران التي كانت تمولها الحكومة الأميركية لكنها فشلت بشكل عام.
ويوضح مؤلف الكتاب كيف أن المكان الذي أجرى فيه الأخوان رايت تجاربهما الخاصة بالطيران تم اختياره بعناية. فمن دون أن يسبق لهما أن يريا منطقة كيتي هوك، وهي جزء من قطاع أوتر بانكس في ولاية نورث كارولاينا، أدرك الأخوان رايت أن رياحها الثابتة والمعتدلة وشاطئها المنبسط والشاسع كانت تمثل عناصر مثالية لاختبار الطائرات الشراعية، ثم قاما بعد ذلك بتعديل طرازاتهما الأولية باستخدام محركات. ويرى المؤلف أن جمال أول رحلة طيران أجريت فوق شواطئ كيتي هوك في العام 1903 كان يتمثل في تلك العزلة التي خيمت على شاطئ كانت تعصف به الرياح، وهي التجربة التي نجح أورفيل خلالها في أن يحلق ضد الريح والبقاء عاليا على الرغم من ذلك، ليغير بذلك مجرى التاريخ إلى الأبد.
وبطبيعة الحال- يقول المؤلف- فإن العديد من المنافسين كانوا يتربصون آنذاك بالأخوين رايت. بل أن صديقا فرنسيا انتهازيا حاول آنذاك أن يجعلهما يبدوان وكأنهما كانا مجرد متدربين لديه. ولكن بمجرد أن سافر ويلبر إلى فرنسا لمناقشة مستقبل طائرة الأخوين رايت (بعد أن تجاهلتها حكومة الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى)، فإن شهرة وسمعة الأخوين رايت نمت بدرجة كانت أكبر من أن يتجاهلها أحد. كما أن وجد نفسه ويلبر يؤدي استعراضات هوائية أمام ملوك. أما شقيقه أورفيل، وبعد أن تحطمت به طائرة خلال قيامه آنذاك باستعراض جوي خارج واشنطن، فإنه ظل خارج دائرة الضوء لفترة من الوقت بسبب اصابته. (لكنه اصبح أكثر شهرة من شقيقه ويلبر في وقت لاحق).
ويمضي المؤلف كاتبا إن شقيقة أورفيل، كاثرين، هي التي تولت مسؤولية تمريضه خلال فترة إصابته. كما يشير إلى أنه كان للأخوين رايت شقيقان اثنان آخران لكنهما لم يكونا قريبين إلى بعضهما مثلما كان أورفيل وويلبر اللذان كانا يبدوان وكأنهما توأمان. وكان هناك أيضا والدهم، ميلتون، الذي كان أسقفا ينتمي إلى المذهب البروتستانتي. وكان الأخوان رايت يتفاديان التحليق معا في طائرة واحدة حتى بلغ والدهما ميلتون الثمانينيات من عمره وبدأ يشعر انه ليس لديه ما يخسره وأنه كان هناك قدر هائل من الإثارة يمكن الاستمتاع به من خلال رحلات الطيران.
ويسرد المؤلف ماكولو كل هذه القصص من خلال سياق رصين، ومع تفاصيل شديدة الفسيفسائية إلى درجة أن القارىء قد يتساءل كيف تم تجميع كل تلك التفاصيل معا.
ويبرع المؤلف في شرح الكيفية التي جمع بها مكونات وتفاصيل هذا الكتاب المشوق، موضحا أن ذلك تم من خلال قيامه شخصيا بإجراء «أبحاث وقراءات موسعة في المكتبات»، ومن خلال مساعدة من جانب كل من باحث مساعد سافر كثيرا لهذا الغرض، ومترجم، وأهالي مدينة كيتي هوك الطيبين، بالإضافة إلى كمية ضخمة من البيانات الخاصة بأسرة رايت.
وختاما، فإنه يمكن القول إنه طالما أن الأخوين رايت كانا يحبان تسجيل مثل هذا النوع من المعلومات والبيانات، فليس غريبا أن يحب مؤلف الكتاب المؤرخ المخضرم ديفيد ماكولو أن يفعل الشيء ذاته.
* عنوان الكتاب «الأخَوان رايت» (THE WRIGHT BROTHERS)
- المؤلف: ديفيد ماكولو
- عدد الصفحات: 320 صفحة
- الناشر: دار «Simon & Schuster»
وفي التالي نعرض ترجمة لمقتطفات من مقالات نقدية نشرت في عدد من الصحف الأميركية حول هذا الكتاب:
هناك الكثير من الكتب عن الأخوين رايت تم تأليفها للأطفال. ولربما كان ذلك لأن هذين الأخوين الشهيرين الرائدين في مجال الطيران معروفان على نحو أفضل من خلال عملهما أكثر من كونهما معروفين من خلال أي شيء شخصي، وربما لأن قيامهما باختراع أول طائرة قابلة للتحليق هو أمر أكثر إثارة من أي شيء آخر يتعلق بهما. أو ربما أيضا لأن تقشف وعصامية الأخوين رايت هما أمران يبدوان بطوليان على نحو غير معقد.
ولابد أيضا من أن مما ساعد في هذا الأمر هو أن هذين الأخوين المنعزلين ذوا المظهر المتأنق، قد انتصرا في النهاية على التصور الذي كان مفاده أنهما كانا مجرد شخصين مجنونين. «لقد كنا لا نستطيع سوى أن نفكر في أنهما كانا مجرد شخصين معتوهين»، هذا ما قاله أحد سكان المنطقة القريبة من كيتي هوك، التابعة لولاية نورث كارولاينا مسترجعا ذكرياته حول الأيام التي كانوا يشاهدون فيها الأخَوان ويلبر وأورفيل رايت عندما كانا يقفان طوال ساعات لمشاهدة الطيور البحرية العملاقة بينما كانت تحلق عاليا فوق الشاطئ، وكانا «يرفرفان» بذراعيهما، حيث كانا يستخدمان المعصمين والمرفقين ليتعلما حركة أجنحة الطيور.
ولهذا فإن الأخوين رايت كانا مصدر إلهام للكاتب ديفيد ماكولو في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان «الأخَوان رايت». لكن جمهور القراء الأساسي الذي يستهدفه ماكولو من خلال هذا الكتاب الجديد ليس الأطفال فقط، رغم أن الكثير منهم قد يجدون متعة في قراءته، بل إنه الكتاب يستهدف الكبار أيضا بمختلف فئاتهم العمرية.
والواقع أن مجرد اختيار المؤلف والمؤرخ المخضرم ديفيد ماكولو لأي شخصيات كي تكون موضوعا لكتاب من تأليفه، هو أمر كفيل في حد ذاته بجعل تلك الشخصيات فائقة الاحترام. وفي حالة الأخوين رايت قد يكون هذا الأمر مناسبا على نحو خاص. وإذا كانت لويلبر رايت- وهو الشقيق الأكبر سنا والأكثر تسلطا وصرامة - أي علاقة عاطفية مع أي إنسان لم يكن أحد أقاربه المقربين أو زميلا عاشقا للطيران، فهذا ليس الكتاب الذي يسعى إلى سبر أغوار مثل تلك العلاقة.
فالمؤلف ديفيد ماكولو يبرز ويثمّن في الكتاب ما كان يتميز به الشقيق الأكبر ويلبر رايت من انطوائية وذكاء وتقشف، حتى بعد أن أصبح من المشاهير. فخلال فترة الاحتفالات التي أقيمت على مدى يومين للترحيب بعودة الأخوين رايت إلى مسقط رأسيهما في مدينة دايتون، قال أحد مراسلي صحيفة نيويورك تايمز آنذاك إنهما ضبطهما وهم يتسللان ثلاث مرات ليعملا في ورشتهما خلال اليوم الأول فقط.
ويشير ماكولو إلى أن الأخَوان رايت، اللذين كانت تفصل بينهما خمس سنوات في العمر، نشآ وترعرعا وهما يفعلان كل شيء معا. وعلى الرغم من أن ويلبر رايت كان أكثر هيمنة وتسلطا بكثير – فلقد كان يكتب بشكل أفضل وكان يبدو زعيما بطبيعته – فإنه وشقيقه أورفيل حرصا دائما على أن يتشاركا أي فرص سنحت في طريقهما. وبعد أن أصيب ويلبر البالغ من العمر 18 عاما بضربة من عصا هوكي (على يد مراهق كان يبلغ من العمر 15 عاما وتحول لاحقا إلى قاتل وكان والداه من بين ضحاياه) وعانى اصابات مستدامة في الوجه، فإنه تخلى عن فكرة مغادرة مدينة دايتون كي يتلقى تعليما عاليا في مكان آخر. وعوضا عن ذلك، عاش ويلبر سن المراهقة منعزلا ومنغمسا في القراءة. وبعد ذلك انخرط ويلبر وأورفيل في عشق كل ما يتعلق بالدراجات الهوائية، إلى درجة أنهما تعلما كيفية تصنيعها وافتتحا شركتهما الخاصة. ولعله من المثير للاهتمام ان نقرأ في سياق كتاب «الأخَوان رايت» كيف أن المتشائمين في مدينة دايتون في تسعينيات القرن التاسع عشر كانوا ينظرون إلى الدراجات الهوائية باعتبارها شيئا سيئا يمكن أن يفسد الشباب الأبرياء، فلقد كانوا يرون أن الدراجة الهوائية يمكن أن تشجع الأطفال والمراهقين على أن يشردوا بعيدا عن منازلهم، وأن يمتنعوا عن قراءة الكتب، كما كانوا يرون أنها تشجع الحرية الجنسية وما إلى ذلك من أمور سيئة أخرى.
هذا الكتاب، الموجز نسبيا والمثير للاهتمام والمفعم بالحقائق، يرصد تلك العلاقة الارتباطية السلسة التي تربط بين ركوب الدراجات من ناحية وحركة الطيران من ناحية ثانية، وهي العلاقة التي كانت في معظمها في ذلك الوقت موضوعا مقتصرا فقط على هواة تربية الطيور والحالمين بالطيران. لكن كانت هناك سيارات في شوارع مدينة دايتون، لذا فمن ذا الذي كان يعرف ما كان يمكن أن يحدث في سمائها؟ ولقد قرأ الأخوان رايت كل ما كان في وسعهم آنذاك حول الطيران كما أنهما تراسلا بريديا مع أي شخص كان من الممكن أن يرد عليهما في هذا الشأن، ابتداء بأول من جربوا الطيران لصالح مؤسسة سميثسونيان. واعتمادا على مخيلتهما وعلى مواد غير مكلفة وعلى أفكار متعلقة بقيادة وتوجيه الدراجات الهوائية وعلى المبالغ المالية المتواضعة التي ربحاها من شركتهما الصغيرة، فإنهما نجحا في نهاية المطاف في إحراج مؤسسة سميثسونيان وتجاربها المكلفة حول الطيران التي كانت تمولها الحكومة الأميركية لكنها فشلت بشكل عام.
ويوضح مؤلف الكتاب كيف أن المكان الذي أجرى فيه الأخوان رايت تجاربهما الخاصة بالطيران تم اختياره بعناية. فمن دون أن يسبق لهما أن يريا منطقة كيتي هوك، وهي جزء من قطاع أوتر بانكس في ولاية نورث كارولاينا، أدرك الأخوان رايت أن رياحها الثابتة والمعتدلة وشاطئها المنبسط والشاسع كانت تمثل عناصر مثالية لاختبار الطائرات الشراعية، ثم قاما بعد ذلك بتعديل طرازاتهما الأولية باستخدام محركات. ويرى المؤلف أن جمال أول رحلة طيران أجريت فوق شواطئ كيتي هوك في العام 1903 كان يتمثل في تلك العزلة التي خيمت على شاطئ كانت تعصف به الرياح، وهي التجربة التي نجح أورفيل خلالها في أن يحلق ضد الريح والبقاء عاليا على الرغم من ذلك، ليغير بذلك مجرى التاريخ إلى الأبد.
وبطبيعة الحال- يقول المؤلف- فإن العديد من المنافسين كانوا يتربصون آنذاك بالأخوين رايت. بل أن صديقا فرنسيا انتهازيا حاول آنذاك أن يجعلهما يبدوان وكأنهما كانا مجرد متدربين لديه. ولكن بمجرد أن سافر ويلبر إلى فرنسا لمناقشة مستقبل طائرة الأخوين رايت (بعد أن تجاهلتها حكومة الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى)، فإن شهرة وسمعة الأخوين رايت نمت بدرجة كانت أكبر من أن يتجاهلها أحد. كما أن وجد نفسه ويلبر يؤدي استعراضات هوائية أمام ملوك. أما شقيقه أورفيل، وبعد أن تحطمت به طائرة خلال قيامه آنذاك باستعراض جوي خارج واشنطن، فإنه ظل خارج دائرة الضوء لفترة من الوقت بسبب اصابته. (لكنه اصبح أكثر شهرة من شقيقه ويلبر في وقت لاحق).
ويمضي المؤلف كاتبا إن شقيقة أورفيل، كاثرين، هي التي تولت مسؤولية تمريضه خلال فترة إصابته. كما يشير إلى أنه كان للأخوين رايت شقيقان اثنان آخران لكنهما لم يكونا قريبين إلى بعضهما مثلما كان أورفيل وويلبر اللذان كانا يبدوان وكأنهما توأمان. وكان هناك أيضا والدهم، ميلتون، الذي كان أسقفا ينتمي إلى المذهب البروتستانتي. وكان الأخوان رايت يتفاديان التحليق معا في طائرة واحدة حتى بلغ والدهما ميلتون الثمانينيات من عمره وبدأ يشعر انه ليس لديه ما يخسره وأنه كان هناك قدر هائل من الإثارة يمكن الاستمتاع به من خلال رحلات الطيران.
ويسرد المؤلف ماكولو كل هذه القصص من خلال سياق رصين، ومع تفاصيل شديدة الفسيفسائية إلى درجة أن القارىء قد يتساءل كيف تم تجميع كل تلك التفاصيل معا.
ويبرع المؤلف في شرح الكيفية التي جمع بها مكونات وتفاصيل هذا الكتاب المشوق، موضحا أن ذلك تم من خلال قيامه شخصيا بإجراء «أبحاث وقراءات موسعة في المكتبات»، ومن خلال مساعدة من جانب كل من باحث مساعد سافر كثيرا لهذا الغرض، ومترجم، وأهالي مدينة كيتي هوك الطيبين، بالإضافة إلى كمية ضخمة من البيانات الخاصة بأسرة رايت.
وختاما، فإنه يمكن القول إنه طالما أن الأخوين رايت كانا يحبان تسجيل مثل هذا النوع من المعلومات والبيانات، فليس غريبا أن يحب مؤلف الكتاب المؤرخ المخضرم ديفيد ماكولو أن يفعل الشيء ذاته.
* عنوان الكتاب «الأخَوان رايت» (THE WRIGHT BROTHERS)
- المؤلف: ديفيد ماكولو
- عدد الصفحات: 320 صفحة
- الناشر: دار «Simon & Schuster»