الرأي اليوم / حاملة طائرات صباح الأحمد في... كامب ديفيد!


وضعني صديق أميركي تربطني به علاقات قديمة في صورة اللقاءات والمحادثات التي تمت بين الرئيس باراك أوباما وقادة دول مجلس التعاون الخليجي أو من ناب عنهم. كان كلامه أكثر شمولية من ذي قبل ونقل لي أن انتقاداتنا الإعلامية لأداء الرئيس وإدارته كانت جزءاً سريعاً من النقاش الذي دار في كامب ديفيد وتحديداً ما قبل الختام، حيث قال أوباما للحاضرين – والكلام لصديقي الأميركي - إنه يقرأ ما يكتب عنه وعن إدارته، وإنه يتابع ما يحكى عن فشله في سورية، وكيف ترك الدول العربية المعتدلة تواجه مصيرها، وعن فشله في التعامل مع الربيع العربي، وفشله في الرد على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية.
يتابع صديقي الأميركي (وهو من المقربين للادارة الحالية) إن أوباما كرر أنه شخصياً لا يتضايق من الانتقاد لأن ما يناله في أميركا عن قضايا محلية أضعاف ما يناله في الخارج، إنما أقر بأنه غير مرتاح لهذه الانتقادات كونها تعطي الجمهوريين مادة لمهاجمة سياسته الخارجية حيث يعتقد أنه قدم لدول الخليج والمنطقة عموماً ما لم يقدمه أي رئيس آخر، ويعتبر أن انتقاده هنا يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام الأميركية ويزيد من عدم راحته.
وتابع صديقي نقلاً عن مصادر في الاجتماع إن أوباما انزعج من الحملات الإعلامية عليه وقال إنها لا تؤثر في المواطن الأميركي العادي الذي «يتمنى لو خرجنا تماماً من الشرق الأوسط»، وأنه يخدم المنطقة بحكم العلاقات التاريخية لا «بحكم ما تقتضيه مصالحنا المحدودة فقط» وهو يعتبر أن الحملات الإعلامية ضده ليست مفيدة أو مناسبة بشكل جيد لدول الخليج.
حسنا يا صديقي الأميركي إذا كان رئيسك يعتبر وقف الحملات الإعلامية ضده في جانب منها خدمة لنا في الخليج فهذا رأيه وهو رأي محدود جداً ومرتبط بالعقدة التاريخية لأي رئيس، أي عقدة العلاقة مع الحزب الآخر، وأعتقد أنك توافق معي أن مئات آلاف الضحايا التي تسقط في منطقتنا من المحيط إلى الخليج وعشرات الحرائق وتغييرات الخرائط وولادة دول وخلافات جديدة... هي في ميزان أوباما مهمة لكنها ليست في أهمية العلاقة مع الكونغرس أو المناورة مع الجمهوريين.
أمضى محدثي الأميركي ساعة كاملة من الكلام لم نتفق فيها على غالبية الأمور، وهو للحقيقة يريد صراحتي لا مداهنتي ويفكر فعلاً في كيفية التوصل إلى قواسم مشتركة رغم تباين الأنظمة السياسية والاجتماعية والهويات والأفكار. أخبرني أن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد قدم مداخلتين طويلتين وثالثة سريعة وقال لي حرفيا: «كانت هذه المداخلات بالفعل قاعدة ارتكاز للنتائج وحظيت بإشادات قادة خليجيين بدأوا كلامهم بالقول: مثلما قال والدنا سمو الشيخ صباح الأحمد، أو نوافق على ما قاله والدنا».
يكشف صديقي أن الشيخ صباح بدأ كلامه بشكر الرئيس وإدارته على التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامحها النووي، وقال إن الخشية والحذر والتخوف من إيران شيء والحرب والخلاف والتوتر شيء آخر، معتبراً أن أي تصعيد في المنطقة ستكون أكلافه مضرة للجميع ولا منتصر فيه. وشدد سموه على وجوب إكمال المفاوضات مع إيران كي تنتهي باتفاق جيد. ورد على أوباما ووزير خارجيته جون كيري اللذين اعتبرا العمل العسكري ضد إيران مرفوضاً لأنه قد يعطل برنامجها لسنتين ثم ستعيد بناءه للأغراض العسكرية بالتساؤل:«ومن قال لكم إننا نشجعكم على ضرب إيران؟ إذا كان البعض يفعل فنحن لا نفعل. نحن نتجاور معهم في منطقة محددة ونريد علاقات قائمة على الثقة والاحترام وعدم التدخل. لدينا هواجسنا ومخاوفنا إنما هذا يدفعنا إلى التفكير في حلول لا في تصعيد. منطقتنا لا تريد المزيد من الحروب بل المزيد من الاستقرار ولذلك نشجعكم على المضي في إنجاز اتفاق يعطي ضمانات تطمينية واضحة».
ويكمل صديقي إن الامير قال لأوباما إن الكويت ودول الخليج تتحدث معه من منطق الحليف «لكن الصراحة واجبة فإن كنا نتفق معكم على المبادئ والأهداف فنحن بحاجة إلى رؤية تطبيق عملي لها كي لا تبقى شعارات، ليس في الموضوع الإيراني فحسب بل في كل المواضيع الإقليمية من سورية إلى اليمن». وأضاف إن الأمير دافع عن حق المملكة العربية السعودية في عاصفة الحزم وعن تضامن دول الخليج معها معتبراً أنها تعرضت لعدوان.
وفي الحديث عن الملفات الإقليمية يكشف صديقي أن الأمير كانت له رؤية متكاملة يجمعها خيط واحد: الحل السياسي. ففي سورية حمل الأمير المجتمع الدولي مسؤولية ما جرى مؤكدا أن التأخير في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة واجتماعات جنيف هو الذي فاقم الوضع على الأرض وأدى إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا وتدمير البلد، قائلا بصراحة إنه يختلف حتى مع أشقاء خليجيين في موضوع الحل العسكري ويرى أن لا بديل من حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة.
وبالنسبة للتنظيمات المتطرفة يقول صديقي الأميركي إن الشيخ صباح اعتبر كل التنظيمات متشابهة، مقدماً رؤية سريعة عن أهدافها وقدراتها على استقطاب الشباب وتمويلها، ومشيراً إلى أن الغالبية التي تفد إلى مناطق هذه التنظيمات إنما هي من أوروبا وآسيا وأميركا وغيرها. وقدم الشيخ صباح أفكاراً لتجفيف المنابع المالية لهذه التنظيمات مع تكثيف الرقابة على حركة تنقل البشر والمال.
ويختم صديقي الأميركي بالمداخلة النهائية السريعة لأمير الكويت الذي وجه للإدارة الأميركية أكثر من رسالة معلنة ومبطنة في اللقاء وذلك رداً على تطرق أوباما لتفوق إسرائيل النوعي وقدرات إيران على التدخل في أكثر من منطقة، إذ قال الشيخ صباح إن مطالب دول الخليج العسكرية منطلقة من حاجاتها الدفاعية فقط وكي تحمي نفسها ومجتمعاتها وإنها ليست في سباق على التسلح لا مع إسرائيل ولا مع إيران وإنه لا يطلب حاملة طائرات للكويت بل التزود بمنظومة مفيدة تتناسب والحاجات الدفاعية فقط... ثم التفت إلى الرئيس وقال له «وحتى في هذه ستقول لي الكونغرس يسمح ولا يسمح... حقيقة أنا لم أعد أعرف النظام الأميركي»، ما دفع أوباما إلى الابتسام والقول ممازحا:«وأنا أحيانا لم أعد أعرفه».
... وقد تلخص هذه النهاية يا صديقي الأميركي ما بدأت حديثك به، حديث الانتقاد الإعلامي والسياسي لرئيسكم. التفوق النوعي العسكري للحليف الإسرائيلي لا يعارضه الكونغرس حتى ولو كان من جيب دافع الضرائب الأميركي أما الحاجات الدفاعية للحليف الخليجي ومن جيوب أبنائه فدونها عاصفة الكونغرس.
صباح الأحمد الذي لم يطلب «حاملة طائرات» كان يطلب «حاملة مبادئ»... وقد يأتي يوم نعتقد معه أن الحصول على الأولى أسهل.
جاسم مرزوق بودي
يتابع صديقي الأميركي (وهو من المقربين للادارة الحالية) إن أوباما كرر أنه شخصياً لا يتضايق من الانتقاد لأن ما يناله في أميركا عن قضايا محلية أضعاف ما يناله في الخارج، إنما أقر بأنه غير مرتاح لهذه الانتقادات كونها تعطي الجمهوريين مادة لمهاجمة سياسته الخارجية حيث يعتقد أنه قدم لدول الخليج والمنطقة عموماً ما لم يقدمه أي رئيس آخر، ويعتبر أن انتقاده هنا يحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام الأميركية ويزيد من عدم راحته.
وتابع صديقي نقلاً عن مصادر في الاجتماع إن أوباما انزعج من الحملات الإعلامية عليه وقال إنها لا تؤثر في المواطن الأميركي العادي الذي «يتمنى لو خرجنا تماماً من الشرق الأوسط»، وأنه يخدم المنطقة بحكم العلاقات التاريخية لا «بحكم ما تقتضيه مصالحنا المحدودة فقط» وهو يعتبر أن الحملات الإعلامية ضده ليست مفيدة أو مناسبة بشكل جيد لدول الخليج.
حسنا يا صديقي الأميركي إذا كان رئيسك يعتبر وقف الحملات الإعلامية ضده في جانب منها خدمة لنا في الخليج فهذا رأيه وهو رأي محدود جداً ومرتبط بالعقدة التاريخية لأي رئيس، أي عقدة العلاقة مع الحزب الآخر، وأعتقد أنك توافق معي أن مئات آلاف الضحايا التي تسقط في منطقتنا من المحيط إلى الخليج وعشرات الحرائق وتغييرات الخرائط وولادة دول وخلافات جديدة... هي في ميزان أوباما مهمة لكنها ليست في أهمية العلاقة مع الكونغرس أو المناورة مع الجمهوريين.
أمضى محدثي الأميركي ساعة كاملة من الكلام لم نتفق فيها على غالبية الأمور، وهو للحقيقة يريد صراحتي لا مداهنتي ويفكر فعلاً في كيفية التوصل إلى قواسم مشتركة رغم تباين الأنظمة السياسية والاجتماعية والهويات والأفكار. أخبرني أن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد قدم مداخلتين طويلتين وثالثة سريعة وقال لي حرفيا: «كانت هذه المداخلات بالفعل قاعدة ارتكاز للنتائج وحظيت بإشادات قادة خليجيين بدأوا كلامهم بالقول: مثلما قال والدنا سمو الشيخ صباح الأحمد، أو نوافق على ما قاله والدنا».
يكشف صديقي أن الشيخ صباح بدأ كلامه بشكر الرئيس وإدارته على التوصل إلى اتفاق مع إيران حول برنامحها النووي، وقال إن الخشية والحذر والتخوف من إيران شيء والحرب والخلاف والتوتر شيء آخر، معتبراً أن أي تصعيد في المنطقة ستكون أكلافه مضرة للجميع ولا منتصر فيه. وشدد سموه على وجوب إكمال المفاوضات مع إيران كي تنتهي باتفاق جيد. ورد على أوباما ووزير خارجيته جون كيري اللذين اعتبرا العمل العسكري ضد إيران مرفوضاً لأنه قد يعطل برنامجها لسنتين ثم ستعيد بناءه للأغراض العسكرية بالتساؤل:«ومن قال لكم إننا نشجعكم على ضرب إيران؟ إذا كان البعض يفعل فنحن لا نفعل. نحن نتجاور معهم في منطقة محددة ونريد علاقات قائمة على الثقة والاحترام وعدم التدخل. لدينا هواجسنا ومخاوفنا إنما هذا يدفعنا إلى التفكير في حلول لا في تصعيد. منطقتنا لا تريد المزيد من الحروب بل المزيد من الاستقرار ولذلك نشجعكم على المضي في إنجاز اتفاق يعطي ضمانات تطمينية واضحة».
ويكمل صديقي إن الامير قال لأوباما إن الكويت ودول الخليج تتحدث معه من منطق الحليف «لكن الصراحة واجبة فإن كنا نتفق معكم على المبادئ والأهداف فنحن بحاجة إلى رؤية تطبيق عملي لها كي لا تبقى شعارات، ليس في الموضوع الإيراني فحسب بل في كل المواضيع الإقليمية من سورية إلى اليمن». وأضاف إن الأمير دافع عن حق المملكة العربية السعودية في عاصفة الحزم وعن تضامن دول الخليج معها معتبراً أنها تعرضت لعدوان.
وفي الحديث عن الملفات الإقليمية يكشف صديقي أن الأمير كانت له رؤية متكاملة يجمعها خيط واحد: الحل السياسي. ففي سورية حمل الأمير المجتمع الدولي مسؤولية ما جرى مؤكدا أن التأخير في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة واجتماعات جنيف هو الذي فاقم الوضع على الأرض وأدى إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا وتدمير البلد، قائلا بصراحة إنه يختلف حتى مع أشقاء خليجيين في موضوع الحل العسكري ويرى أن لا بديل من حل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة.
وبالنسبة للتنظيمات المتطرفة يقول صديقي الأميركي إن الشيخ صباح اعتبر كل التنظيمات متشابهة، مقدماً رؤية سريعة عن أهدافها وقدراتها على استقطاب الشباب وتمويلها، ومشيراً إلى أن الغالبية التي تفد إلى مناطق هذه التنظيمات إنما هي من أوروبا وآسيا وأميركا وغيرها. وقدم الشيخ صباح أفكاراً لتجفيف المنابع المالية لهذه التنظيمات مع تكثيف الرقابة على حركة تنقل البشر والمال.
ويختم صديقي الأميركي بالمداخلة النهائية السريعة لأمير الكويت الذي وجه للإدارة الأميركية أكثر من رسالة معلنة ومبطنة في اللقاء وذلك رداً على تطرق أوباما لتفوق إسرائيل النوعي وقدرات إيران على التدخل في أكثر من منطقة، إذ قال الشيخ صباح إن مطالب دول الخليج العسكرية منطلقة من حاجاتها الدفاعية فقط وكي تحمي نفسها ومجتمعاتها وإنها ليست في سباق على التسلح لا مع إسرائيل ولا مع إيران وإنه لا يطلب حاملة طائرات للكويت بل التزود بمنظومة مفيدة تتناسب والحاجات الدفاعية فقط... ثم التفت إلى الرئيس وقال له «وحتى في هذه ستقول لي الكونغرس يسمح ولا يسمح... حقيقة أنا لم أعد أعرف النظام الأميركي»، ما دفع أوباما إلى الابتسام والقول ممازحا:«وأنا أحيانا لم أعد أعرفه».
... وقد تلخص هذه النهاية يا صديقي الأميركي ما بدأت حديثك به، حديث الانتقاد الإعلامي والسياسي لرئيسكم. التفوق النوعي العسكري للحليف الإسرائيلي لا يعارضه الكونغرس حتى ولو كان من جيب دافع الضرائب الأميركي أما الحاجات الدفاعية للحليف الخليجي ومن جيوب أبنائه فدونها عاصفة الكونغرس.
صباح الأحمد الذي لم يطلب «حاملة طائرات» كان يطلب «حاملة مبادئ»... وقد يأتي يوم نعتقد معه أن الحصول على الأولى أسهل.
جاسم مرزوق بودي