كيف استطاعوا إبلاغ شقيقه «الأصم الأبكم الأعمى»؟
«الأخرس رجب» المفقود منذ 38 سنة ... عاد إلى ذويه أخيراً !
رجب باكياً بعد إبلاغه بوفاة والدته
والدة رجب
يقول المثل السائر: «عش رجباً... تر عجباً».
لكن «الأخرس رجب» بشحمه ولحمه أصبح هو العجب بعينه، وذلك عندما عاد أخيرا إلى أحضان أسرته بعد أن ظل مفقودا منذ حوالي 38 سنة، لينسدل الستار بذلك على فصول قصة واقعية تلامس حدود الخيال.
فما قصة «الأخرس رجب»؟
رجب محمد أبوخلبة هو الأوسط عمرا بين ثلاثة أشقاء مصريين مصابين بالصمم والبكم منذ ولادتهم، وتعيش أسرتهم في قرية طوخ دلكا التابعة لمحافظة المنوفية في شمال مصر.
رجب كان في الـ14 من عمره في العام 1977عندما سافر مع عدد من أصدقائه إلى مدينة طنطا ليحتفلوا بعيد الفطر... لكنهم فقدوا أثره ورجعوا إلى قريتهم من دونه.
ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة البحث الطويلة والشاقة عن «الأخرس رجب»، وهي الرحلة التي قادتها أمه الأرملة الفلاحة البسيطة فتحية أحمد عسكر التي لم تترك مكانا واحدا في دلتا مصر إلا وذهبت اليه بحثا عن فلذة كبدها لكنها لم تعثر عليه.
وزادت الأم من بحثها ليشمل مختلف أرجاء مصر بما في ذلك المستشفيات ومراكز الشرطة وثلاجات حفظ جثامين الموتى. كما كانت تسافر إلى أقاصي الصعيد لمجرد سماعها خبرا مفاده أنه تم العثور هناك على صبي لم يستدلوا على أهله. بل إنه قيل لها ذات مرة إنه تم العثور على صبي في إحدى المحافظات النائية لكنه صبي يسمع ويتكلم، فصممت على الذهاب لرؤيته قائلة: «ممكن يكون هو رجب ابني وأصبح يسمع ويتكلم بقدرة الله».
ومرت 33 سنة لم تتوقف الأم خلالها عن مواصلة إنفاق الجهد والوقت والمال في سبيل البحث بإصرار وأمل، حتى توفيت قبل نحو 5 سنوات دون أن تكحّل عينيها برؤية فلذة كبدها المفقود، ودُفن معها الأمل في العثور عليه، وأيقن الجميع أن رجب قد بات في «خبر كان» وأن لا أمل في عودته نهائياً.
لكن «رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد». فقبل أيام قليلة كان عدد من أهالي قرية رجب في زيارة إلى بلدة ساقية أبو شعرة في محافظة المنوفية، عندما شاهدوا كهلا استرعى انتباه أحدهم بسبب تشابه ملامح وجهه مع ملامح «الأخرس رجب» الذي كانوا على علم بأنه مفقود منذ سنوات.
ولأن الزوار لم يستطيعوا تأكيد أو نفي أن ذلك الكهل هو «الأخرس رجب»، فإنهم استوقفوه والتقطوا له صورة بكاميرا هاتف أحدهم ثم سألوا عنه رواد المقهى الذي كانوا جالسين فيه فقالوا لهم إنه شخص أصم أبكم يُعرف باسم «مرتضى الأخرس» ويعيش مع اسرة في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة لكن لا أحد يعرف له أهلا.
وعندما عاد الزوار إلى قريتهم عرضوا الصورة على أقارب رجب الذين أجمعوا على أنه هو بعينه على الرغم من تغير ملامحه بفعل الزمن، فانطلق وفد من أقارب رجب (بمن فيهم شقيقه الأكبر رضا الذي فقد بصره منذ بضع سنوات) إلى البلدة وسألوا هناك عن «مرتضى الأخرس» حتى استدلوا على مكانه حيث كان يعيش مع أسرة ريفية طوال تلك السنوات.
ووفقا لما قاله شاهد عيان فإن أقارب رجب جلسوا في غرفة في ذلك المنزل وتم استدعاء «الأخرس مرتضى» ليروه، وما أن دخل إلى الغرفة ووقعت أبصارهم عليه حتى أجهشوا جميعا بالبكاء وراحوا يعانقونه، وسرعان ما انتشرت عدوى البكاء إلى جميع أهل المنزل وجيرانهم الذين كانوا قد أتوا لمتابعة ما سيسفر عنه الموقف.
لكن اللحظة الأكثر دراماتيكية في سياق هذا المشهد الدامع كانت عندما أراد أقارب رجب أن يبلغوا شقيقه الأكبر رضا «الأبكم الأصم الأعمى» بأنه الآن أمام شقيقه الذي فُقد أثره منذ نحو أربعين سنة.
وفي محاولة لإيصال المعلومة إلى رضا، راح أقاربه يمسكون بيديه ويشبكونهما في وضعية معينة ليذكّروه بالإشارة التي كانت والدتهم الراحلة تفعلها بيديها للدلالة على رجب. ورويدا رويدا بدأ رضا يهز رأسه تعبيرا عن أنه فهم معنى تلك الإشارة، فأخذوا بيده وراحوا يلامسون بسبابتها صدر رجب.
ويقول شاهد العيان إنه لم يمض وقت طويل حتى أدرك رضا أنهم يعنون أن الشخص الذي يشيرون اليه بسبابته ليس سوى شقيقه المفقود، فانطلقت منه صرخات فرحة هستيرية واحتضن شقيقه بلهفة وسط مزيد من الدموع.
لكن دور البطولة في المشهد الختامي كان لوالدة رجب بامتياز، إذ إنه بمجرد أن عاد الى قريته ودخل منزل أسرته شاهد صورة كبيرة لأمه معلقة على الحائط، فأنزلوها اليه ليتفحصها عن قرب بسبب ضعف بصره. وما كاد رجب يتعرّف على والدته في الصورة حتى سأل بلغة الإشارة وبلهفة «أين هي؟»، فأجابوه بأنها قد توفيت، فاحتضن الصورة وراح يبكي ويبكي ولسان حاله يقول: «لقد عدت يا أمي... فأين حضنك لأرتمي فيه؟».
لكن «الأخرس رجب» بشحمه ولحمه أصبح هو العجب بعينه، وذلك عندما عاد أخيرا إلى أحضان أسرته بعد أن ظل مفقودا منذ حوالي 38 سنة، لينسدل الستار بذلك على فصول قصة واقعية تلامس حدود الخيال.
فما قصة «الأخرس رجب»؟
رجب محمد أبوخلبة هو الأوسط عمرا بين ثلاثة أشقاء مصريين مصابين بالصمم والبكم منذ ولادتهم، وتعيش أسرتهم في قرية طوخ دلكا التابعة لمحافظة المنوفية في شمال مصر.
رجب كان في الـ14 من عمره في العام 1977عندما سافر مع عدد من أصدقائه إلى مدينة طنطا ليحتفلوا بعيد الفطر... لكنهم فقدوا أثره ورجعوا إلى قريتهم من دونه.
ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة البحث الطويلة والشاقة عن «الأخرس رجب»، وهي الرحلة التي قادتها أمه الأرملة الفلاحة البسيطة فتحية أحمد عسكر التي لم تترك مكانا واحدا في دلتا مصر إلا وذهبت اليه بحثا عن فلذة كبدها لكنها لم تعثر عليه.
وزادت الأم من بحثها ليشمل مختلف أرجاء مصر بما في ذلك المستشفيات ومراكز الشرطة وثلاجات حفظ جثامين الموتى. كما كانت تسافر إلى أقاصي الصعيد لمجرد سماعها خبرا مفاده أنه تم العثور هناك على صبي لم يستدلوا على أهله. بل إنه قيل لها ذات مرة إنه تم العثور على صبي في إحدى المحافظات النائية لكنه صبي يسمع ويتكلم، فصممت على الذهاب لرؤيته قائلة: «ممكن يكون هو رجب ابني وأصبح يسمع ويتكلم بقدرة الله».
ومرت 33 سنة لم تتوقف الأم خلالها عن مواصلة إنفاق الجهد والوقت والمال في سبيل البحث بإصرار وأمل، حتى توفيت قبل نحو 5 سنوات دون أن تكحّل عينيها برؤية فلذة كبدها المفقود، ودُفن معها الأمل في العثور عليه، وأيقن الجميع أن رجب قد بات في «خبر كان» وأن لا أمل في عودته نهائياً.
لكن «رُبّ صدفة خير من ألف ميعاد». فقبل أيام قليلة كان عدد من أهالي قرية رجب في زيارة إلى بلدة ساقية أبو شعرة في محافظة المنوفية، عندما شاهدوا كهلا استرعى انتباه أحدهم بسبب تشابه ملامح وجهه مع ملامح «الأخرس رجب» الذي كانوا على علم بأنه مفقود منذ سنوات.
ولأن الزوار لم يستطيعوا تأكيد أو نفي أن ذلك الكهل هو «الأخرس رجب»، فإنهم استوقفوه والتقطوا له صورة بكاميرا هاتف أحدهم ثم سألوا عنه رواد المقهى الذي كانوا جالسين فيه فقالوا لهم إنه شخص أصم أبكم يُعرف باسم «مرتضى الأخرس» ويعيش مع اسرة في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة لكن لا أحد يعرف له أهلا.
وعندما عاد الزوار إلى قريتهم عرضوا الصورة على أقارب رجب الذين أجمعوا على أنه هو بعينه على الرغم من تغير ملامحه بفعل الزمن، فانطلق وفد من أقارب رجب (بمن فيهم شقيقه الأكبر رضا الذي فقد بصره منذ بضع سنوات) إلى البلدة وسألوا هناك عن «مرتضى الأخرس» حتى استدلوا على مكانه حيث كان يعيش مع أسرة ريفية طوال تلك السنوات.
ووفقا لما قاله شاهد عيان فإن أقارب رجب جلسوا في غرفة في ذلك المنزل وتم استدعاء «الأخرس مرتضى» ليروه، وما أن دخل إلى الغرفة ووقعت أبصارهم عليه حتى أجهشوا جميعا بالبكاء وراحوا يعانقونه، وسرعان ما انتشرت عدوى البكاء إلى جميع أهل المنزل وجيرانهم الذين كانوا قد أتوا لمتابعة ما سيسفر عنه الموقف.
لكن اللحظة الأكثر دراماتيكية في سياق هذا المشهد الدامع كانت عندما أراد أقارب رجب أن يبلغوا شقيقه الأكبر رضا «الأبكم الأصم الأعمى» بأنه الآن أمام شقيقه الذي فُقد أثره منذ نحو أربعين سنة.
وفي محاولة لإيصال المعلومة إلى رضا، راح أقاربه يمسكون بيديه ويشبكونهما في وضعية معينة ليذكّروه بالإشارة التي كانت والدتهم الراحلة تفعلها بيديها للدلالة على رجب. ورويدا رويدا بدأ رضا يهز رأسه تعبيرا عن أنه فهم معنى تلك الإشارة، فأخذوا بيده وراحوا يلامسون بسبابتها صدر رجب.
ويقول شاهد العيان إنه لم يمض وقت طويل حتى أدرك رضا أنهم يعنون أن الشخص الذي يشيرون اليه بسبابته ليس سوى شقيقه المفقود، فانطلقت منه صرخات فرحة هستيرية واحتضن شقيقه بلهفة وسط مزيد من الدموع.
لكن دور البطولة في المشهد الختامي كان لوالدة رجب بامتياز، إذ إنه بمجرد أن عاد الى قريته ودخل منزل أسرته شاهد صورة كبيرة لأمه معلقة على الحائط، فأنزلوها اليه ليتفحصها عن قرب بسبب ضعف بصره. وما كاد رجب يتعرّف على والدته في الصورة حتى سأل بلغة الإشارة وبلهفة «أين هي؟»، فأجابوه بأنها قد توفيت، فاحتضن الصورة وراح يبكي ويبكي ولسان حاله يقول: «لقد عدت يا أمي... فأين حضنك لأرتمي فيه؟».