السباب والتكفير هو ديدنهم، والتهم المعلبة بعدم الولاء والوطنية هي الأسلوب الذي أصبح طبعاً لا يفارقهم مع من يختلف معهم من الشرائح المجتمعية الأخرى في المواضيع السياسية.. هذه الممارسات الوضيعة هل يحتاج معها الأمر إلى الكثير من التدليل على أنها سلوك من يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة، وأنها سلوك الشخص الذي إذا «أمن العقوبة أساء الأدب»..
هم يحسبونها بالطريقة التالية: بما أن السلطات الرسمية لم تقم بملاحقتنا في الأوقات السابقة التي مارسنا فيها هذه التهجمات والأفعال حيث غلفناها بغلافٍ سياسي ظاهرُه مؤيد لسياسات الحكومة أو لقوى إقليمية نافذة؛ مما أدى الى أن الجهات الرسمية لم تتعرض لنا، لذلك فليس هنالك خوف أو محظور من التهجم والتكفير والطعن بالولاء والوطنية لمن يخالفنا رأينا.. أما فيما يخص حاجة هذه الارتكابات لغطاء المشروعية الدينية فهناك العشرات من «العلماء» التكفيريين الذين أفتوا، أو هم مستعدون لأن يفتوا، عند الحاجة، بجواز التكفير، بل في بعض الأحيان بوجوبه، وبذلك تصبح الأفعال التي ما دون التكفير من طعن وتهم وتهجم حلالا مباحا، بل مستحبا وواجبا..
«الشرهة» ليست على هذه الشخصيات، بل على الجهات الرسمية التي لا تطبق القوانين الخاصة بالوحدة الوطنية التي هي مؤتمنة على تطبيقها، فعدم السعي لمعاقبة المخربين للوحدة الوطنية يجرؤهم على التمادي وتكرار ما يفعلونه، ويجرئ غيرهم للدخول في هذه الفتنة، وهذا التقصير في حد ذاته ذنب كبير جدا، فما بالك إذا كان عدم تطبيق القانون وملاحقة الجناة ينتج عنه أجواء تبدو وكأنها تحريض رسمي ضمني على الإخلال بالسلم الأهلي حيث إن عدم قيام الجهات الرسمية بدورها ومسؤولياتها يدفع المواطنين الذين تم التهجم عليهم، وقد دفعهم بالفعل، لملاحقة هؤلاء المتهجمين عليهم عند القضاء والمطالبة بتطبيق العقوبات عليهم وهي عقوبات مغلظة، مما ينتج معه وضع وكأنه مواجهة بين فئتين أو شريحتين في المجتمع مما يؤدي إلى اصطفافات نفسية وفعلية ويتسبب في كثير من الاحتقان على المستويين النفسي والمجتمعي البالغ الضرر على اللحمة الوطنية، بل يمثل خطرا على السلم الأهلي ويتسبب في بروز إفرازات فتنوية ضارة منها ظهور «أبطال» طائفيين يتسابقون للبروز ولاختطاف قرار الساحات الشعبية وحتى تمثيلها البرلماني ويوجهونها فتنويا اينما أرادوا.. كل هذا يمكن أن يحدث بسبب أنّ الجهات الرسمية المؤتمنة على السلم الأهلي اختارت مع سبق القرار والإصرار عدم القيام بمهامها، فلو أنها قامت بدورها كجهة وطنية رسمية محايدة بملاحقة المتجاوزين دون اضطرار المتضررين لفعل ذلك فإن الوضع في الساحة الشعبية سيكون أكثر هدوءا وأفضل عما لو تخلت عن القيام بدورها ومسؤولياتها.. من هذا المنطلق، فالجهات الرقابية مدعوة لممارسة دورها في مراقبة ومحاسبة هذه الجهات الرسمية المقصرة وإلا كانت شريكاً معها في تعريض السلم الأهلي للخطر فالأمر بالغ الأهمية ولا يحتمل التساهل في متابعته وإصلاحه.. مما سبق ألا يتبين بوضوح واقعية التشخيص وبداهة الاستنتاج وأنهما يعكسان ما يجري على أرض الواقع.. فإذا كان هذا الواقع يحمل من المخاطر القدر الكبير على المجتمع، فلماذا إذاً نشاهد هذا التقصير.. وبماذا يمكن تفسيره؟!
Yasseralsaleh@hotmail.com