على خلفية رد وزارة الإعلام على سؤال برلماني يخص الكتب

هل تسعى «الرقابة»... إلى الشفافية والمكاشفة في «المنع»؟!

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0633u0627u0645u064a u0645u062du0645u062f
من أعمال الفنان سامي محمد
تصغير
تكبير
تبقى الرقابة... أمرا غير قابل للفهم، ومسألة يصعب حلها، وأزمة لا يمكن تخطيها بسهولة، خصوصا في مجتمعاتنا العربية.

غير أن الخطوة الأخيرة التي قامت بها وزارة الإعلام الكويتية في الكشف عن الكتب الممنوعة، مع إظهار الأسباب التي أدت إلى منعها، استجابة لطلب الإحاطة الذي قدمه النائب البرلماني راكان يوسف النصف، تحتاج إلى وقفة تأمل... للتعرف على دوافعها ومعطياتها، وما يمكنها أن تفرزه من توافق أو تضاد في مسألة الرقابة على الكتب.

وبقراءة سريعة في محتوى رد وزارة الإعلام على سؤال النصف في ما يتعلق بالكتب الممنوعة والاسماء التي تتشكل منها اللجنة مع مؤهلاتهم وخبراتهم في المجال، سنجد أن مشاعر كثيرة ومتداخلة ستتخلل استجابتنا وتفاعلنا مع هذا المحتوى، أول هذه المشاعر... الصدمة في طرح مفهوم «الإساءة»، حيث إن البعض يراه مبررا ومقنعا حينما يتعلق الأمر بالدين أو الوطن ورموزه، وغير مبرر حينما يتعلق الأمر بأشخاص أو وجهات نظر تتطلب البحث والدراسة، فالسؤال هل الإساءة إلى شخص ما كانت من خلال نقد الأداء المهني أو الوظيفي، أم هي إساءة لشخصه؟!. كما أن مسألة «الآداب العامة»، لا يمكن فهم محتواها الذي تقصده الرقابة، خصوصا ونحن نتعامل مع عمل أدبي، يتطلب مشاهد منتقاة من الحياة، فقد يحتوي العمل الأدبي على مفردات تخدش الحياء وهذا غير مقبول، أو مشاهد يقحمها المؤلف من دون مبرر، من أجل دغدغة مشاعر البعض، وهذا أيضا غير مقبول، ولكن ربما تكون المفردات والمشاهد الأدبية، من صميم رؤية العمل، ولا يمكن فصلها عنه وهذا يحتاج من الرقيب إلى التروي، ودراسة العمل بعناية، كي لا يقع في خطأ المنع.

وطرحت «الراي» عبر صفحتها الثقافية- منذ فترة- فكرة إن تعلن وزارة الإعلام عن الكتب التي قامت الرقابة بمنعها، مع توضيح الأسباب والدوافع، التي أدت إلى مثل هذا المنع، لقطع الطريق أمام الحيرة التي تتلبس القارئ والكاتب، والغموض الذي ربما يؤدي إلى فتح أبواب التأويلات على مصراعيها، ومن ثم وضع العمل- الممنوع- في دائرة الفهم، وها هي وزارة الإعلام قامت بنصف الطموح وهو الإعلان عن الكتب الممنوعة، رغم أنه لم يأت طواعية، ولكنه جاء بعض تداول تحت قبة البرلمان، وإجابة على سؤال برماني مباشر.

بينما النصف الآخر... وهو تفنيد وتوضيح أسباب المنع، لم يأت في مستوى الطموح كونه جاء عائما رخوا مبتورا، لا يحقق الشفاء التام للسؤال الذي يدور في الأذهان حول أسباب المنع، وكان من الأفضل أن يحتوي السبب على سطر أو أكثر يتم فيه التوضيح بتكثيف مفهوم وقاطع، فـ«الإساءة» كلمة شائعة وتشمل عناصر كثيرة، ولكن لو تم تحديدها بقليل من الشرح ستكون مقنعة بعض الشيء.

ومع ذلك فإننا نحس بانفراج في المضمون... بين الرقابة والإبداع بكل أشكاله، وهو انفراج نتمنى أن يتسع ليشمل رؤى واقتراحات أكثر فعلا في الساحة، ويجب أن تقترب الرقابة من الكتاب والقراء أكثر، وذلك من خلال المصارحة السريعة، فعقب منع كتاب يجب أن يتم ذلك من خلال بيان يتضمن الأسباب والدوافع، مع الإعلان الدائم عن الأسماء التي تتشكل منها لجنة الرقابة، حال تغييرها، أو تغيير بعض أعضائها، فقد ظل المتابع على دراية بأن بعض أعضاء هذه اللجنة غير مدرجة في قوائم عملها، ولكن الرد الأخير من وزارة الإعلام... كشف لنا أن اللجنة لم تتغير وهي تضم الأسماء نفسها التي نعرفها.

إنها الشفافية وحدها... هي التي ستقيم الاعوجاج في عمل الرقابة، وستجعلها أداة من أدوات الإبداع وليس أخدودا تسقط فيه كل رؤية إبداعية تريد أن تؤدي دورها في الحياة، أو مصدر تهديد لكل من يتطلع إلى حرية التعبير والتفكير والإبداع، فبالشفافية يمكن التأكيد على الدور الذي تقوم به الرقابة في المحافظة على الرموز والقناعات المجتمعية، على الأقل في ما يتعلق بالكتب التي يمكن تداولها ورقيا، والتي إن أخذت موافقة جهة رسمية «الرقابة»، ستكون- بشكل مباشر- معبرة عن وجهة نظر النظام الرسمي الذي ارتضاه المجتمع منظما لشؤون حياته، وإن رفضت هذه الكتب فهي لا تعبر عنه، ولا يهم وقتها تداول هذه الكتب عبر مواقع الإنترنت، لأنها خارج نطاق سيطرتها.فبالشفافية والمصارحة... سنتمكن من إعادة الثقة بين الكاتب والرقابة، وهي ثقة مفقودة الآن وتحتاج إلى تحركات أكثر دقة وجرأة لترميمها، والتقليل من مساحة خرابها على أرض الواقع، ومن ثم إدراج «الرقابة»- طالما أننا غير قادرين على تفكيكها- في قائمة العمل الوطني، الذي يراعي المجتمع في قناعاته والكاتب في طموحاته نحو حرية التعبير.

فما الذي يضر... لو قامت وزارة الإعلام بعد منع أي كتاب- مباشرة- بمخاطبة المجتمع من خلال بيان تقول فيه إن الكتاب الذي خضع للرقابة لديها قد منع للأسباب الآتية؟، بدلا من ترك الساحة مفتوحة للتأويلات، والبحث والتحري، والاستقصاء، ومن ثم اللعب بمشاعر القراء والكتاب، وترويج الإشاعات، وتدوير المسألة في أشكال لا تخدم الإبداع، وتعويد القارئ على ألا يتجه إلى البحث عن الكتاب، إلا بعد سماعه أن الرقابة منعته.

ونرى أن خطوة وزارة الإعلام في الإفصاح عن الكتب الممنوعة وتحديد الأسباب التي أدت إلى منعها... هي خطوة مهمة... ونتمنى أن تتكرر، ليس من خلال الإجابة على سؤال برلماني، ولكن بتحرك ذاتي، غرضه التوضيح ووضع النقاط فوق الحروف، ومن ثم ترك المجال لكل صاحب رأي أن يبدي رأيه في ما قدمته الوزارة من بيان، كي نعرف أين الخلل بالضبط.

كما أن الطموح يتجه إلى أن تقوم وزارة الإعلام بإصدار بيان بالكتب التي تم منعها من التداول في معرض الكويت الدولي للكتاب عبر دوراته السنوية المقبلة، ووضع مختصر للأسباب التي أدت إلى مثل هذا المنع، وهذا الأمر سيخفف عن الرقابة الكثير من العبء، وعدم تحميلها مسؤولية كتب ربما لا تكون ممنوعة في الاساس.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي