الرأي اليوم / من كويتي... إلى أوباما !

تصغير
تكبير
«رسالتك يا مستر أوباما عن الصراع السنّي - الشيعي وصلت وليتك تستريح وتريح»...هكذا أنهيت افتتاحيتي بعنوان «أوباما السنّي - الشيعي» المؤرخة في 13 فبراير الماضي رداً على تصريح له اختزل فيه مشاكل المنطقة بذلك الصراع، إلا أن الرئيس الأميركي لا يستريح ولا يريح.

منذ أن ربط قبل أشهر بين الاكتشافات النفطية الجديدة في بلاده والأنظمة السياسية الجديدة المطلوب وجودها في الخليج...وأوباما يتحفنا كل فترة بنظريات أسوأ ما فيها أنه يصدّقها، وآخرها حديثه إلى توماس فريدمان الذي أراده لتوجيه ثلاث رسائل:


الأولى، أن التهديد الأكبر «لحلفائنا السنّة العرب يأتي من داخل دولهم أكثر مما يأتي من إيران».

الثانية، أن إيران دولة إقليمية رئيسية عاقلة ونظامها منحاز إلى شعبه وتوّاق إلى الدخول بقوة في المجتمع الدولي.

الثالثة، أن إسرائيل يجب أن تبقى الدولة الأكثر تفوقاً في المنطقة وأن إضعافها يمثل فشلاً جذرياً استراتيجياً وأخلاقياً لرئاسته.

لو كنت زعيماً خليجياً لرفضت بادئ ذي بدء أن ألتقي أوباما في كامب ديفيد بعد هذه التصريحات ولغة الاستعلاء في الحديث عن ذلك الاجتماع، ولطلبت منه أن يتفضل هو بالزيارة إن كان لديه شيء يقوله وليكن اجتماع قادة الخليج به في الرياض مثلاً. أما وإنني مواطن كويتي وأمثل نفسي فقط فسأرد على أبرز ما قاله من هذا المنطلق.

يقول أوباما إن الشباب السنّي الخليجي الساخط (لا نعرف لماذا سنّي فقط مع أن دولنا فيها سنّة وشيعة) الذي لا يجد عملاً يشكل خطراً على دولنا أكثر من إيران، وإن الشباب السنّي الخليجي لديه مظالم لا يجد لها مخرجاً سياسياً وهو ما يمثل تهديداً لدولنا، وإن أنظمتنا تلجأ إلى القمع، وإن انسداد أفق المشاركة السياسية هو الذي يدفع الشباب إلى اختيار «داعش».

أنا الكويتي يا مستر أوباما عندما تأسس بلدنا لم نعرف التفرقة بين سنّي وشيعي، نعرف أننا جميعنا كويتيون. وإذا كانت أميركا متقدمة في سَن شرائع رفض التمييز بكل أنواعه بما فيه التمييز العرقي والديني والطائفي فالأولى برئيسها أن يتوقف عن التعاطي مع منطقتنا بهذا التصنيف...كل مواطن في الخليج هو مواطن خليجي ولاؤه لدولته،أما المذهب فهو أمر خاص بينه وبين خالقه.

أنا الكويتي يا مستر أوباما، أملك حجم بطالة يوازي (بالنسبة والتناسب) صفراً مقارنة مع حجم البطالة في بلدك، ومع ذلك لا نرى أن الأميركيين اندفعوا الى التطرف بسبب انتظارهم فرصة عمل...وليت مستشاريك يقولون لك إن الشيعة مكون أساسي من مكونات دول الخليج وإن البطالة لا تميّز بين شيعي وسني.

وأنا الكويتي يا مستر أوباما، أقول إن الحياة الديموقراطية لدينا متقدمة كثيراً وإن المشاركة السياسية متاحة للجميع وإن انتخاباتنا من صفوف الطلاب وحتى البرلمان شرف نعتز به، وإن صحافتنا حرة، وقضاؤنا شامخ عادل...وذلك كله كان موضع إشادة منكم ومن غيركم من المسؤولين الأميركيين، اللهم إلا إذا كان مرض النفاق أصاب البيت الأبيض أيضاً وانضم إلى مجموعة الأمراض المستعصية على العلاج.

وأنا الكويتي يا مستر أوباما لا أعيش في ظل نظام قمعي، فقيادتنا منفتحة على كل الآراء بل تتقدمنا أحياناً في الاعتراف بوجود أخطاء وفساد وقصور، وإن كنتم تقصدون بعض السجالات والمواجهات بين متظاهرين وقوات الأمن، فنذكّركم بما فعلته شرطتكم وحرسكم الوطني مع متظاهري فرغسون الذين خرجوا احتجاجاً على جرائم عنصرية وعلى التمييز العِرقي الذي يعانون منه.

وأنا الكويتي يا مستر أوباما لم أكن أعرف لا داعش ولا النصرة ولا القاعدة ولا بوكو حرام ولا المحاكم الصومالية ولا طالبان ولا «المجاهدين» ولا غيرها قبل الإستراتيجية الأميركية لإنهاء الحرب الباردة عبر إنهاء المنظومة السوفياتية الضخمة، فاستخدام الدين في خدمة - أو محاربة - مشاريع سياسية كبيرة أطلقته صافرة الهجوم لـ «تحرير» أفغانستان...وكم أخطأت أنظمة خليجية للأسف الشديد في التورط بهذا المشروع الذي ارتد عليها سلباً وتحمّلت لاحقاً الجزء الأكبر من المعاناة...وللتذكير، فقط للتذكير في موضوع «القاعدة» و«داعش»، إن عناصر هذين التنظيمين الذين احتلوا أجزاءً من شمال العراق وشمال سورية وجنوب المكلا إنما أطلقتهم من السجون أنظمة وتنظيمات موالية لإيران.

أما بالنسبة إلى إيران فلدينا أيضاً كلام آخر، لماذا يعتقد أوباما أن «إيران العاقلة» مصدر خوف لنا في دول الخليج؟ إيران العاقلة أفضل جارة لدول الخليج، وليته يتذكر كل سياسات بلاده العاصفة ضد إيران التي دفعتها إلى التطرف سابقاً وأفقدتها الأصوات العاقلة.

إيران التي تتعاون مع العالم الحر في ما يتعلق بمنشآتها النووية. إيران التي لا تصدر لا الثورات ولا الميليشيات، إيران التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إيران التي لا تتباهى بأنها تحتل أربع عواصم عربية ولا تفخر بأنها إمبراطورية عاصمتها بغداد تمتد من حدود الصين إلى بحر غزة...هي إيران الجارة والصديقة والحليفة. والخوف كل الخوف أن تكون سياسة أوباما الجديدة قائمة على نزع الفتيل النووي من منشآت إيران وإبقاء فتيل التوتر قائماً مع دول الجوار كي تصدق نظريته التي يختزل بها المنطقة بالصراع السنّي - الشيعي حتى يضمن تفوق إسرائيل ويبرر وجودها القائم على التطرف الديني.

أوباما لم يُخف إعجابه بإيران وإسرائيل، ومع الفارق طبعاً بين دولة إسلامية جارة و بين دولة عدوة محتلة لفلسطين، إلا أن العوامل التي يحاول بناء إعجابه عليها غير مكتملة لا شكلاً ولا مضموناً، فالبطالة في إيران أكثر من عندنا، والتطرف في إيران أكثر من عندنا، وعلاقة إيران بتنظيمات وميليشيات شيعية متطرفة في العراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين وحتى بقيادات في «القاعدة» ليست سراً، والقمع السياسي الذي شهدته إيران عقب نتائج الانتخابات التي جددت لنجاد وأدى إلى سحل الناس في الشوارع لم تعرفه كل دولنا...إضافة الى تعامل إيران مع حرية الرأي والتعبير وعدم سماحها بوسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الموجود في دولنا خصوصاً الكويت.

أما إسرائيل وما أدراك ما إسرائيل... فلعنة الله على منطقك يا مستر أوباما. مدرسة القمع والإرهاب والتنكيل والمجازر والمذابح والاحتلال واغتصاب الأرض...وكل ذلك باسم الدين. حتى أنك في المقابلة لم تجد في «إيران المتغيرة» سلبية أكبر من سلبية عدم اعترافها حتى الآن بإسرائيل وإقامتها علاقات طبيعية مع هذه الدولة.

تقول إن على العرب أن يقاتلوا ضد النظام السوري بدل الأميركيين لكن رؤساء أميركا أرسلوا جيوشاً في السابق إلى دول عربية وإسلامية من دون حتى سماع نصيحة من عرب الخليج، والتاريخ سيكشف لاحقاً مسؤوليتك أنت شخصياً في مأساة السوريين بدءاً من إعلانك الوقوف معهم في حراكهم السلمي وانتهاءً بالتحذير من استخدام الكيماوي، و«الخطوط الحمر» التي وضعتها في...الهواء فقط.

وصلتنا رسالتك للمرة العاشرة يا مستر أوباما، وأنا الكويتي أرى أنك كنت صادقاً في عبارة واحدة وهي أن إضعاف إسرائيل سيمثل فشلاً إستراتيجياً وأخلاقياً لرئاستك. وكي أكون صادقاً معك أقترح عليك أو على مستشاريك أن تبتعد عن استخدام كلمة «أخلاقية» لما تبقى من مدة ولايتك كي لا تتهم بالكذب والتدليس.

أعرف أن رسالتنا لن تصل إليك.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي