«الراي» تضيء على احتياجات البلدات المضيفة للاجئين السوريين

معاناة الفقر تساوي بين النازحين والبيئة الحاضنة

تصغير
تكبير
• أبو جاسم الديراني: الجمعيات المحلية تعطينا مساعدات غذائية فأبيعها أحسن «ما يأكلها السوس» لأسدّ بها أجرة المنزل

• نزيهة الحلبية: تصرّف بعض اللبنانيين معهم حق فيه... «القصة طوّلت واحنا أيش نعمل»

• الشيخ شرقية: نشكر الكويت في ما تقدمه وحدها والذي يوازي ما تقدمه دول عربية وأوروبية أخرى مجتمعة
يوماً بعد يوم تتفاقم مشكلة النزوح السوري في لبنان عموماً، وخصوصاً في المناطق الأكثر ايواءً لهم، لتتساوى الأوضاع المعيشية الصعبة بين اللاجىء والبيئة التي احتضنته.

وبات اللبنانيون والبقاعيون خصوصاً يجاهرون بأن وجود النازحين في قرى البقاع ذات الغالبية السنية منذ أربع سنوات هو «عقاب لنا»، انطلاقاً من أن اللاجئين تحولوا تحت وطأة «متطلبات البقاء» إلى سوق العمل، ما ساهم في رفع نسبة البطالة بين اللبنانيين ولا سيما أصحاب الدخل المحدود، نتيجة المنافسة وقبول العامل السوري العمل مقابل رواتب أقلّ ولا تتجاوز الـ 250 دولاراً اميركياً شهريا.

ومن هنا، بدأت البيئة الحاضنة للنازحين تتحسس العبء الملقى على عاتقها، في ظل تهرّب السلطات اللبنانية من مسؤولية تنظيم وجود اللاجئين وإدارة مساعدتهم وتنظيم توزيع مساعدات الجمعيات الدولية المعنية، وسط إحصاءات تشير - بالتوازي مع ما تكشفه البيانات - إلى هدر ملايين من الدولارات بطرق مختلفة، وهو ما أدى في المقابل إلى حرمان السوري وجعله يتسكع أمام أبواب هذه الجمعيات ويلجأ للتفتيش عن فرصة عمل ولو اضطر إلى قبول أن يتعرض لابتزاز واستغلال رب العمل.

«السوري عم يبيعنا الرز والسكر من كتر ما عم يجيه»، عبارة كررها عمر حامد في البقاع الغربي، وباتت لسان حال عشرات اللبنانيين، الأمر الذي يدل على أن غالبية المساعدات التي يحصل عليها السوري من الجمعيات المحلية والعربية هي في الغالب مواد غذائية يجد النازح نفسه مضطراً لبيعها لأنه يحتاج الى أموال نقدية ليدفع بها أجرة المنزل وثمن الأدوية ولتغطية 25 بالمئة من الفاتورة الاستشفائية بحال أتت موافقة الأمم على المعالجة في المستشفى، عدا عن كلفة التيار الكهربائي والهاتف ومصاريف تنقله.

وهذا أيضاً ما شرحه النازح أبو جاسم الديراني، الذي أتى من داريا قبل ثلاثة اعوام إذ قال: «الجمعيات المحلية تتصل بنا وتبلغنا أن هناك مساعدات. وبعد انتظار ساعات، تكون المساعدة عبارة عن كرتونة مواد غذائية، والأمر نفسه تفعله جمعية أخرى». ويضيف بعد أن يتنهّد: «إيش اسوي بهاي الكراتين؟ احسن ما يأكلها السوس وتنتهي صلاحيتها، ببيعها حتى أسدّ أجرة المنزل».

أما نزيهة الحلبية فتحاول أن تخفي انتقاداتها لتصرف بعض اللبنانيين بحقها، وتقول: «هم معهم حق، القصة طوّلت، واحنا أيش بنعمل، بنتي دخّلتها المستشفى وما معي قرش أغطي الفرق منين أجيب»، لتكمل حديثها باعتراضها على بعض الجمعيات «كأن المطلوب يذلونا أكتر ما ذلنا (الرئيس السوري) بشار (الأسد)».

لا يخفي يزن أنه قبِل بالعمل بعدما شطبت مفوضية الأمم اسمه من لوائح المستفيدين من تقديماتها، «إيش بعمل؟ اضطريت اشتغل بـ 10 دولارات في اليوم حتى أقدر أعيش»، فهو يستأجر منزلا مقاسمة بينه وبين أخيه وابن عمه مقابل 400 دولار في الشهر، مضيفاً بتأفف: «بيقولوا عم تجينا مساعدات، الحياة مش 3 كيلو رز وكم ربطة سباغيتي».

لا تجد لبنانياً او سورياً في البقاع إلا ويتحدث عن الواقع المعيشي السيئ في ظل تدني فرص العمل. حتى أن السلطات المحلية (البلديات)، لا تخفي معاناتها وصرخاتها ومطالباتها المجتمع الدولي، ولا سيما الجمعيات والدول المانحة، بأن تلتفت إلى معاناة البيئة الحاضنة، في شتى المجالات.

وبحسب رئيس بلدية بر إلياس (البقاع الأوسط) سعد الدين ميتا، فإن بلدته تحتضن نحو 50 ألف نازح سوري، ونحو 5 آلاف نازح فلسطيني، لافتاً إلى «أن أولى المشاكل برزت في النفايات، والصرف الصحي والطاقة، والبنية التحتية»، وموضحاً «أن المسؤولية كبيرة وضخمة مقارنة بالإمكانات الموجودة بين أيدينا، وقد رفعنا من عدد سيارات وحاويات النفايات ثلاثة اضعاف، كما رفعنا عدد العمال والإداريين، وهذا رتّب علينا أعباء وأكلافاً إضافية، إلى جانب أكلاف الطمر والفرز، وأيضا في مسألة الصرف الصحي تفاقمت المشكلة، مع الأعطال اليومية وعملية»شفط»الجور الصحية بشكل دوري، عدا عن أن هناك مخيمات يصب سكان صرفهم في الأنهر، ما يضطرنا لتنظيف هذه الأنهر والأقنية وهذا أيضاً يرتّب علينا أعباء».

من جهته ،رئيس بلدية شتورا نقولا عاصي أعرب عن خشيته من استمرار تهميش البيئة الحاضنة للنزوح السوري، مشيراً إلى ان هذا الملف «أرخى بثقله على أكتاف البلديات التي لا تتوازى إمكاناتها مع الضغوط الملحة، بدءاً من النفايات مروراً بالبنى التحتية وازدياد الإشكالات الفردية، مروراً بالحراسات الليلية وصولاً إلى عدد الموظفين».

بدوره قال رئيس بلدية سعدنايل خليل الحشيمي «إن أولى بلدات البقاع الأوسط التي فتح أهلها صدورهم وبيوتهم للنازحين هي سعدنايل حتى تجاوز عدد النازحين عدد أبناء البلدة، وهو ما فرض على البلدية أعباء ضخمة لا قدرة لها على تغطيتها من دون مساعدة من دول مانحة، وهذا ما ينعكس يوما بعد يوم على أهالي هذه القرى في ظل أوضاع اقتصادية سيئة».

حاجة النازحين وتأثير وجودهم على القرى الحاضنة، لا يخفيه العاملون في المجال الإغاثي من كافة الجمعيات التي تحوّلت مهمتها من مساعدة الأسر الفقيرة في لبنان إلى مساعدة النازحين.

وأوضح مدير مكتب راشيا في البقاع في هيئة الإغاثة التابعة لدار الفتوى الشيخ أيمن شرقية، انه رغم الإجراءات المتشددة لدى جهاز الأمن العام اللبناني وعودة العشرات إلى سورية وسفر البعض منهم إلى أوروبا «ما زال البقاع أكثر منطقة يتواجد فيها النازحون، حيث يبلغ عددهم 420 ألف نسمة وبينهم 160 ألفاً في منطقة راشيا، أي أن عددهم يوازي عدد سكان هذه المنطقة، وهم موزّعون بين مدارس غير مؤهلة للتدريس، ومخيمات، والأحياء والشقق السكنية»، عازياً أسباب تأثر البيئة الحاضنة بحالة النزوح «إلى تراخي وتراجع هبات المنظمات الدولية الأوروبية، وهذا ما حدا بالعشرات من النازحين لأن ينزلوا إلى سوق العمل ويُحْدِثوا منافسة غير مسبوقة كون العامل أو العاملة السورية يقبلون بأقل من نصف الحد الأدنى المحدد للعامل اللبناني»، مضيفاً: «في المقابل بدأ هذا العبء يرمي بثقله على المواطن اللبناني، ما وضعنا أمام مهمات كبيرة لا طاقة للجمعيات على الاضطلاع بها، ولا سيما أن هناك الكثير من الدول تراجعت تقديماتها».

وتابع الشيخ شرقية: «نشكر الكويت التي ما زالت تقدم المساعدات للنازحين. وما تقدمه الكويت وحدها يوازي ما تقدمه دول عربية واروروبية اخرى مجتمعة».

وأشار إلى «أن احتياجات النازح السوري تزداد يوماً بعد يوم لكون الأمم المتحدة تتراجع في تقديم مساعداتها»، وقال: «بدأت الأسر الفقيرة اللبنانية تعرب عن حاجتها للمساعدات في ظل أوضاع اقتصادية جداً سيئة، ولا سيما أن عملنا قبل الأزمة السورية كان يقوم على مساعدة الأسر اللبنانية الفقيرة، ومع الأزمة السورية تحولت مساعداتنا للنازحين، وهذا ما يجعلنا أمام ضغط كبير مقابل إماكانات محدودة. ونأمل أن تزداد الهبات لمعالجة هذا الملف الإنساني الضخم».

كما كشف المدير التنفيذي لجمعية الأبرار الخيرية، بلال أبو طه، أن عدد المستفيدين من مساعدات الجمعية يبلغ نحو 25 الف عائلة في البقاع، موزعين في عدد من المناطق والمخيمات، مؤكداً أن «الأعباء تزادد كلما تقلصت تقديمات الجمعيات الأوروبية وكلما تراجعت تقديمات الدول المناحة»، في إشارة إلى أن غالبية الدول المانحة تحوّل هباتها إلى دول وشعوب تتعرض لأي عمل عسكري أو عند وقوع أي كارثة طبيعية، أي أنه لا توجد رزنامة منتظمة لهذه الهبات «مما يضعنا أمام ضغط المحتاجين وقلة الإمداد».

واشار إلى «أن مساعدة النازحين أتت على حساب مساعدة العائلات اللبنانية في القرى الجبلية النائية والفقيرة، وهذا ما يزيد الملف تعقيداً»، مضيفاً: «بمقاربة حسابية، المفروض على الدول المانحة أن ترفق مساعداتها للنازحين بأجندة لمساعدة البيئة الحاضنة بما لا يقل عن 40 بالمئة مما تقدمه للنازح السوري، وقد يكون ذلك باستحداث مشاريع من شأنها إيجاد فرص عمل تساعد النازح والمقيم على الاستمرار في العيش، لأن لبنان بلد غير منتج ولا توجد فيه ثروة اقتصادية تساعده على استيعاب هذا الكم من النازحين».

بدورها رئيسة جمعية «الصباح» الإنسانية، صباح حلاق أكدت أنه «بسبب الواقع المأسوي الذي تعيشه مخيمات النازحين، من بنى تحتية أشبه بالمستنقعات، وطرق العيش داخل الخيمة الواحدة، تنتشر في غالبية هذه المخيمات العشوائية أمراض جلدية معدية،»الحبة الحلبية»والجرب والفطريات البكتيرية الجلدية، مشيرة الى «أن الجمعية تعاني كلفة الطبابة وقلة المردود المالي».

وأفصحت «أن هناك اكثر من الفي حالة مرَضية مختلفة تحتاج بشكل ملح الى دخول المستشفيات فيما تنتظر هذه الحالات موافقة الامم المتحدة، مما يطرح اشكالية تغطية الطبابة لمَن لم توافق عليه المفوضية، واشكالية تغطية نفقة العلاج لمَن توافق على علاجه».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي