الرأي اليوم / ماذا لو كان أندرياس مسلماً؟

تصغير
تكبير
قد تكشف التحقيقات المتعلقة بسقوط الطيارة الألمانية تفاصيل جديدة غير التي أعلنت، إنما الرواية التي بين أيدينا الآن أن مساعد الطيار أندرياس لوبيتس هو الذي أسقطها عمداً فوق جبال الألب نتيجة مرض نفسي يمر به، وأن تسجيلات الصندوق الأسود الأولية دلت على أنه أقفل الباب من داخل فيما قائد الطائرة يحاول بفأس خلعه من الخارج كي يحول دون ما حصل.

وسائل الإعلام الألمانية والغربية عموما تبنت هذه الرواية، إذ اعترفت صديقة أندرياس أن ميولاً انتحارية كانت لديه وأنه قال لها إنه سيقوم بعمل «يذكره التاريخ»، ووجد المحققون في منزله أدوية وعقاقير مضادة للاكتئاب والانحرافات العصبية، وقيل إن محكمة رفضت توقيفه عن العمل بحجة أن مرضه لا يشكل خطراً وأن الشركة ما كانت لتسمح له بأكثر من منصب مساعد طيار ما زاد من إحباطه... والأهم من ذلك كله أن أصدقاءه أسسوا صفحة على «فيس بوك» باسم «أندرياس نحن ضد المطاردة» يرفضون فيها كل التهم الجاهزة والاستنتاجات المعلبة، ويزعمون أن الطائرة كانت تعاني من خلل لكن الشركة المالكة لها أرادت إلصاق التهمة بمساعد الطيار وعبثت بمحتويات الصندوق الأسود.


ربما أظهرت التحقيقات أسباباً أخرى، لكنني أريد فقط الإضاءة على قضية تتعلق بالمزاج الإعلامي والشعبي في العالم وبالصورة النمطية التي كوّنها الغرب عن العرب والمسلمين وأسأل: ماذا لو كان أندرياس مسلماً؟

السؤال في رأيي مشروع، ولا علاقة له لا بانتماء كاتب هذه السطور، ولا بالرغبة في التحريض أو تسجيل مواقف ونقاط، ولا بتبرئة «مسلمين» من عمليات كهذه لأنهم فعلوها سابقاً... هو سؤال من باب الإضاءة على الصورة النمطية الغربية التي لم تعد للأسف الشديد وسائل سياسية أو إعلامية بل صارت قناعات شعبية في مجتمعات يفترض أنها متقدمة.

وإليكم الإجابات كما أتوقعها.

أولاً، سيتصل جميع زعماء العالم بالمستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي معزين ومضمنين عبارات العزاء جملة تعكس إصرار العالم الحر على محاربة الإرهاب بكل أنواعه.

ثانياً، ستنتفي فوراً أي فرضية على أن «أندرياس المسلم» مريض نفسياً أو يعاني من سلوكيات انتحارية... فما فعله هو عن سبق الإصرار والتخطيط، لا بل سيتجاوز الهجوم شخص أندرياس نفسه إلى دينه فنسمع أن الإسلام «دين تطرف وإرهاب وانتشر بالسيف أساساً».

ثالثاً، ستتحرك الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا ودول أوروبا كلها للتحذير من القنبلة الديموغرافية التي يمثلها المسلمون ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، وللمطالبة بترحيلهم إلى البلاد التي قدموا منها... وستزيد شعبية هذه الجماعات وتحقق تقدماً جيداً في الانتخابات المحلية والنيابية.

رابعاً، ستحصل اعتداءات على مسلمين ودور عبادة إسلامية وطلاب إسلاميين في المدارس، وسيقابلها دفاع عن النفس أو ردود فعل متطرفة تزيد من حالة الكراهية بين مكونات المجتمع في هذه الدولة الأوروبية أو تلك.

خامساً، ستتبارى وسائل الإعلام في نبش تاريخ «أندرياس المسلم» مشهرة به وبعائلته التي وفدت إلى ألمانيا قبل نصف قرن من الجزائر أو المغرب أو تونس أو تركيا أو مصر أو غيرها. سيتم رسم خط بياني لسلوكياته بدءاً من الحي فالمدرسة فالعمل. سيقال إنه متطرف دينياً، وستنقل الصحف عن «أصدقاء» له، دون أن تسميهم، أنهم سمعوه خلال الحرب على غزة يقول «إن الغرب سيدفع الثمن» وستقابل التلفزيونات «صديقة» له وجهها مغطى فتقول إنها شاهدته يبكي عندما دخلت القوات الأميركية إلى العراق أو عند ضرب الصومال.

سادساً، ستتوجه مجموعة من السكان المحليين إلى منزل «أندرياس المسلم» في ألمانيا وتقذفه بالحجارة أو تحرقه، وسترسل الشرطة دورية لحماية المنزل وتنقل أهله إلى مكان آخر أو ترحلهم إن كان لديها شكوك في أنهم علموا بمخطط ابنهم لكنهم أخفوا ذلك.

سابعاً، ستلتئم كل أجهزة الاستخبارات الغربية في اجتماع طارئ لتبادل المعلومات حول «أندرياس المسلم». سيقول مسؤول فرنسي إنه حاول تجنيد صديق له إنما العملية اكتشفت والصديق اغتيل، وسيقول مسؤول ألماني إنهم كانوا يعلمون باتجاه أندرياس الإرهابي وسفراته إلى باكستان وشمال سورية ونيجيريا لكنهم تركوه ليكتشفوا المخطط بكامله، وسيقول الأميركي إن أندرياس كان موضع مراقبة لدى طيرانه إلى نيويورك وإن طياراً هولندياً أبلغ استخبارات بلاده بميوله الغريبة إنما من دون التأكد من ذلك... وستكتب وسائل الإعلام ذلك كله وتبدأ البرلمانات بمساءلة حكوماتها مع ما يخلقه ذلك من أجواء ضاغطة على الجاليات المسلمة.

ثامناً، ستلتئم أجهزة استخبارات عربية بطلب من الأجنبية وتنبش ملفات اندرياس المسلم في موطنه الأصلي، وسيتم اعتقال أصدقائه وعائلات بأكملها للتحقيق معها واستجوابه وتبليغ الأجهزة الأجنبية بنتائج التحقيق من باب «التعاون»، وسيخرج من بين هؤلاء الموقوفين عشرات المتطرفين الجدد لأن من جرب وسائل تعذيب الاستخبارات العربية لا بد أن ينتحر أو يصبح متطرفاً.

تاسعاً، سيرسل بنيامين نتنياهو رسائل حزن ومواساة باسمه وباسم دولة إسرائيل إلى ذوي كل ضحية من الضحايا الـ150 الذين سقطوا بسقوط الطائرة، ويقول لهم إن القيم واحدة والمبادئ واحدة وإن إسرائيل المظلومة تستشعر آلام المظلومين ولن تدخر جهداً في محاسبة الإرهابيين أينما وجدوا.

عاشراً، سيخرج بعد ذلك كله مسؤول ألماني يقول إن الإسلام لا علاقة له بما ارتكبه مسلم، وإن على مواطني بلاده ألا يقعوا في فخ الانتقام، وسيطلب من وسائل الإعلام التي بدأت حملة على المسلمين ودينهم ونبيهم أن «تراعي القيم الإنسانية وتنحاز إلى المصلحة العامة».

أصدقاء أندرياس الألماني أسسوا صفحة على فيس بوك اسمها «ضد المطاردة» يرفضون فيها التهم الجاهزة والاستنتاجات المعلبة، أما «أندرياس المسلم» فسيصمت أصدقاؤه لأنهم سيطاردون، ويزيلون اسمه وصورته من حساباتهم... ومع ذلك ستطولهم التهم الجاهزة والاستنتاجات المعلبة.

... وسلامتكم.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي