أول مصرية وعربية تقتحم بعلمها وثقافتها مجمع «الخالدين»

حوار / وفاء كامل لـ «الراي»: العربية لم تفقد الصلة بـ«إرثها» ولا تحتاج إلى قرارات «رد اعتبار»

تصغير
تكبير
• اندهشت حينما قرأت أن العقاد قال «لو سمحتوا بدخول ست (المجمع) نلبس طرح أحسن»

• طبعت معجماً على نفقتي الخاصة... بكلفة 100 ألف جنيه إيماناً باللغة العربية

• انتخابي عضواً في المجمع مكسب جديد للمرأة المصرية... وفتح طريقاً كان موصداً أمامها
راهبة متجولة، تهوى تنميق الحروف، وإعادة الرونق للسطور، اختارت أن تكون بنت الضاد ولم يخفها التضاد، خصومها كثر وأسلحتها من الألف للياء، تجمع الفرقاء بحرف عطف، وتختصر السنين بوصف، تصنع حربا وتخصب من نفس ذات المادة أرضا، امرأة إن أحببت تخليدها قلت بألف ألف رجل.

أستاذ اللغة العربية في كلية الآداب جامعة القاهرة الدكتورة وفاء كامل أمين فايد، هي أول سيدة مصرية وعربية يتم اختيارها لتكون عضواً في مجمع «اللغة العربية» في مصر.

وقالت الدكتورة وفاء كامل، إنها وفّرت 100 ألف جنيه من مالها الخاص، لطباعة معجم على نفقتها الخاصة، إيمانا منها باللغة العربية.

وكشفت الدكتورة وفاء كامل أمين فايد، عن مفاجأة، في حوارها مع «الراي»، من بينها رفض عباس محمود العقاد انضمام أي سيدة لـ«مجمع اللغة العربية».

وهذا نص ما دار معها من حوار:

• في البداية... سامحيني إن لم تعجبك بعضا من منطوق كلماتي... فأنا أعكس ما ألمّ بنا من فقدان للغة العربية، وما جئتك فقط لأجري حوارا لكن جئتك لأتعلم كيف أخفي عوارا أصاب كلمتي... فكيف؟

ـ لو وضعت نصب عينيك اهتمام الأمم الأخرى بلغتها، وتيقنت أنه واجب عليك الاعتزاز بلغتك وقوميتك وكنت جادا في ذلك تكون قد قطعت شوطا كبيرا في ذلك.

فما أتقنت الأجيال السابقة اللغة العربية إلا بذلك، أما الآن فمعظم الشباب يتعاملون بمنطق تفضيل الأسهل.

• لغتا «الروشنة والفرانكو» وغيرهما تنتشر في كل مكان، هل نعاني غزوا ثقافيا أم أن تلك الظواهر ليست ممنهجة؟

ـ في الحقيقة هي ممنهجة، فنحن نتعرض لغزو ثقافي، استغنت به الدول الكبرى عن الغزو العسكري باهظ التكاليف، هذا الغزو يبعد الصغار عن لغتهم وقوميتهم، فهناك شباب بات يكتب العربية بحروف لاتينية.

ولك أن تعلم، أن هناك بعض الجمعيات الأجنبية التي تروّج لنشر هذا النوع من الكتابة، ناهيك أن بعض المدارس الأجنبية تحث الطلاب على التحدث باللغة الأجنبية في غير أوقات المدرسة من باب التمكن في النطق، فينشأ الطالب وفي ذهنه إحساس بهوان اللغة العربية.

• ما العوامل التي ساعدت على انتشار ظاهرة التغريب وتراجع لغتنا العربية؟

ـ هناك عوامل كثيرة، منها ما يقع على عاتق الأسرة التي تساعد طفلها على نطق اللغة الأجنبية في الصغر بدلا من العربية، وترسيخ النظرة الفوقية لكل ما هو أجنبي، والتطلع إلى التعامل معه أو الحرص على امتلاكه.

كذلك هناك تقصير من الدولة التي وافقت على إنشاء الجامعات الأجنبية فيها تحت تأثير العامل الاقتصادي وأقرت وجود كليات أجنبية مناظرة للكليات العربية، تدرس مقرراتها باللغات الأجنبية في الجامعات الحكومية المصرية، مثل كليات التجارة والحقوق.

• البعض قد يقول سوق العمل تتطلب اللغات الأجنبية، فكيف نوائم بين ما يجب فعله والواقع الفعلي؟

ـ أنا لا أقصد مما قلته أن نجرّم اللغات الأخرى، لكن علينا ألا نهتم بها على حساب اللغة العربية، بل يلزم الاهتمام أولا باللغة العربية في المرحلة السنية الصغيرة، حتى ترسخ في ذهن الطفل،ولا تختلط بغيرها من اللغات الأخرى، ونعطي اهتماما أكبر للغة العربية وللمعلم، فلا نهمشها اعتمادا على أن سوق العمل لن تحتاج إليها، لأننا إذا أهملناها سنفقد المواطن نفسه.

• نعود إلى أمر اختيارك لعضوية المجمع كأول سيدة مصرية وعربية... في رأيك لماذا تأخر هذا الاختيار؟

ـ في رأيي أن تفكير المجتمع، هو الذي منع السيدات من عضوية المجمع، لا كما يشاع بأنه كان هناك نقص في مكانتهن العلمية.

فقد كانت هناك رائدات لم تحظ بذلك، مثل الدكتورة سهير القلماوي وبنت الشاطئ، ولا أخفي أنني اندهشت حينما قرأت أن العقاد ذات يوم، قال حينما عرض على المجلس انتخابات عضو نسائي للمجمع، قال عباس محمود العقاد: «ده أنتو لو سمحتوا بدخول ست نروح نلبس طرح أحسن»، وقد تأخرنا كثيرا حتى تجاوزنا ذلك، فمجمعا دمشق والعراق ضما المرأة لعضويتهما منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما.

• وكيف تم ترشيحك رغم كل هذه التعقيدات والإرث القديم؟

ـ حتى ينضم عضو إلى المجمع، يتم ترشيحه من قبل عضوين أو أكثر، والأمر ليس مقصورا على اللغة العربية فقط، لكن هناك العديد من التخصصات.فالدكتور مصطفى الفقي تم ترشيحه، والدكتور سليم العوا وغيرهما، أما عنّي فرشحني كل من الدكتور عبدالحكيم راضي، مصطفى لبيب ومحمود حجازي، وقد كنت الوحيدة التي حظت بتأييد كبير في الانتخابات السرية التي أجريت.

• وهل انتخابك عضواً في «مجمع الخالدين» يُعد انتصارا لحقوق المرأة؟

ـ ما لا شك فيه أن انتخابي عضوًا في المجمع مكسب جديد للمرأة المصرية، وفتح طريقا كان موصدا أمامها، وأرجو أن يكون عملي ونشاطي فيه مؤكدا لحق المرأة في هذه المكانة.

• ما المجال البحثي الذي تخدمين اللغة العربية من خلاله؟

ـ المعاجم، الصوتيات الصرفية، وعلم اللغة الاجتماعي، فضلا عن الترجمة، ولي العديد من المؤلفات في هذا السياق.

على سبيل الذكر ألفت 51 بحثا في فروع اللغة المختلفة وفي اللسانيات اللغوية، وأشرفت واشتركت في مناقشة أكثر من 70 رسالة ماجستير ودكتوراه في الجامعات المصرية.ولي تحقيقات ودراسات مثل «شرح عيون الإعراب للفزاري من إملاء علي بن فضال المجاشعي»، «تراكب الأصوات في الفعل الثلاثي الصحيح»، وبحوث في العربية المعاصرة والمجامع العربية وقضايا اللغة.

وأهم مشروعاتي، وأحسبه ذلك لأني أعتبره زكاة العلم «معجم التعبيرات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة»، الذي جمعت مادته من جميع الدول العربية واستعنت في ذلك بعدد كبير من الباحثين امتد عملهم معي 8 سنوات، وتكلف هذا المعجم 100 ألف جنيه تحملتها عن رضا لأقدم عملا يعالج نقصا كبيرا في اللغة العربية.

• ما الذي دفعك لتكبد كل تلك النفقات؟

ـ إيماني بعملي، وإصراري على ألا تعرقلني البيروقراطية التي تغلغل أقدامنا إذا ما حاولنا القفز خارج السياج المفروض، خشيت أن يكون مصير معجمي كمصير معجم فيشر، ذلك المعجم اللغوي التاريخي الذي لم نستطع إكماله فقط لأنه ليس لدينا القدرة على العمل الجماعي.

• هل نعاني نقصا في معاجم اللغة العربية؟

ـ اللغة العربية من أغنى اللغات بالمعاجم، ولكن العيب أن المعاجم القديمة وعددا من المعاجم الحديثة، تأخذ عن المعاجم السابقة ولا تدخل الجديد، ما استحدث في اللغة ضمن دفتيها فصار الشائع أن المعاجم يأخذ عن بعضها بعضا وتفتقر إلى التجديد وإثبات المحدث.

لذا اعتمدت في معجمي على مدونة أخذت من مصادر مكتوبة كثيرة على مدى 100 عام، منها الصحف العربية والكتب في فروع الأدب المختلفة، والروايات والمسرحيات.

• ما اختصاصات المجمع واللجان التي يتشكل منها؟

ـ اختصاصات المجمع في اللغة العربية تدخل ضمن أربعة أبواب رئيسة، هي: وضع المصطلحات العلمية والحضارية والفنية، وتيسير اللغة وقواعدها وكتابتها، ومحاولة الوفاء بحاجة اللغة العربية إلى المعاجم المتطورة والوافية بما استقر في اللغة من الأوضاع المحدثة.

إضافة إلى إحياء التراث القديم، ولجان المجمع هي لجان خاصة بتعريب المصطلحات في فروع العلوم المختلفة، ولجان لغوية.

• وهل هناك لجان تبحث عن الألفاظ الجديدة في الشارع وتعرضها على المجمع؟

ـ بالطبع هناك لجنة مختصة بذلك، تجمع تلك الألفاظ وتعرضها ليتم دراستها واتخاذ ما يلزم بشأن تعريبها من عدمه.

• البعض يقول إن المجمع يصدر عنه مصطلحات خارج إطار الزمن ويرفض المجتمع استخدامها، مثل «الشاطر والمشطور»؟

ـ هذه إشاعة، وهذه أحد أساليب الهدم، نحن نختار من بين المرادفات الصحيح والأنسب، فقد كنا نقول على التلفاز «المرناة»، على أساس أنه اسم آلة على وزن مفعلة، لكن لصعوبتها تم استخدام تلفاز.

* وهل تحملين أفكارا جديدة لإثراء العمل المجمعي؟

ـ سأحاول تطبيق بحوثي التي أقوم بها منذ سنوات، حول الربط بين أصوات الكلمة وتركيبها الصرفي، والاستفادة منها في اللسانيات التطبيقية وإنشاء قاعدة بيانات تعرّف الحاسوب على الكلام.

• رغم تاريخ المجمع والهامات به، فإن أحدا لا يرى له دورا ولا تأثيرا سوى أنه جهة حكومية تدار بالآلية نفسها، وبدلا من أن تنتشل اللغة العربية ستغرقها في البيروقراطية؟

ـ هذا الانطباع السائد تتحمله أكثر من جهة، يتحمله الإعلام لأنه ليس هناك اتصال ولا تركيز على دور المجمع.

وكنت أحسب الأمر مقصورا على ذلك فقط، لكن بدخولي المجمع وجدت أن هناك الآفة التي توجد في معظم القطاعات الحكومية وهي تولي الموظفين مناصب بالأقدمية وليس بالتخصص ولا بالكفاءة.

فتجد الأمور تسير وتقف عند مسؤول ما لا للدراسة لكن لأنه لا يستوعب الأمر، فالأسهل لديه إيقافه برمته.

وفي الحقيقة نحن نحتاج لثورة على أنفسنا، وجهدا أكبر، فهناك رئات في المجمع معطلة تحت مسمى جارٍ التحديث، كالموقع الإلكتروني للمجمع، والمجلة التي من المفترض أن تصدر، لكن على حد معلوماتي أنها لم تصدر منذ عامين، والدور الأكبر يقع على الدولة التي لزاما عليها أن تهتم بالربط بين الإنتاج العلمي للمجمع وكل من وزارات التعليم، والتعليم العالي والإعلام، بحيث تعمم قرارات المجمع ومصطلحاته على هذه الوزارات حتى تفعّل هذه القرارات.

• إذاً، هل تقصدين أن تصدر قرارات سيادية تعيد للغة العربية اعتبارها؟

ـ اللغة العربية من اللغات القليلة التي لم تفقد الصلة بإرثها، ولا تحتاج إلى قرارات سيادية تعيد لها اعتبارها.

فلدينا قرار من رئيس الجمهورية رقم 115 لسنة 1958، الذي أصدره الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر بوجوب استعمال اللغة العربية في المكاتبات الخاصة بالأفراد والهيئات العامة، وكذلك اللافتات التي تضعها الشركات والمحال التجارية على واجهات محالها.

ورغم مرور أكثر من نصف قرن على صدوره، فإن الأمر تفاقم وازداد سوءًا، وتحايل البعض على ذلك بأن يكتبوا الاسم الأجنبي بحروف عربية، فشوهنا اللغة.

نحن لا نحتاج لقرارات بقدر ما نحتاج إلى تكاتف وتكثيف جهود على كل المستويات للعمل على حماية اللغة والبعد عما يلوثها.

وأعاود القول، إن الإعلام له دور كبير في ذلك عن طريق عرض البرامج الثقافية المسموعة والمرئية في أوقات الذروة، والإكثار من البرامج الكرتونية للأطفال التي تستخدم العربية المبسطة، وإقناع الشباب بأن استخدامهم للحروف الأجنبية في كتابة العربية على الإنترنت يدمر اللغة، إذا تعاونا جميعا على ذلك فستستعيد اللغة العربية مكانتها.

مساهمات ورسائل وتحقيقات

ساهمت الدكتورة وفاء كامل، في إثراء اللغة العربية من خلال العديد من الأبحاث التي قدمتها، ووصلت إلى 51 بحثا في فروع اللغة المختلفة وفي اللسانيات اللغوية.

وأشرفت واشتركت في مناقشة أكثر من 70 رسالة ماجستير ودكتوراه في الجامعات المصرية.

ولها تحقيقات ودراسات، مثل «شرح عيون الإعراب للفزاري من إملاء علي بن فضال المجاشعي»، و«تراكب الأصوات في الفعل الثلاثي الصحيح».

إضافة إلى بحوث في العربية المعاصرة والمجامع العربية وقضايا اللغة.

كما قدمت معجم «التعبيرات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة»، الذي جمعت مادته من جميع الدول العربية، واستعانت في ذلك بعدد كبير من الباحثين امتد عملهم معها لمدة 8 سنوات، وتكلف هذا المعجم مئة ألف جنيه تحملتها لتقدم عملا يعالج نقصا كبيرا في اللغة العربية.

وفاء كامل... سيرة ذاتية

الدكتورة وفاء كامل فايد، أستاذ علم اللغة في كلية الآداب في جامعة القاهرة.

ـ تم اختيارها عضوًا في مجمع اللغة العربية في القاهرة عقب الانتخابات التي أجريت في 22 /11/ 2014.

ـ حصلت على ليسانس الآداب في اللغة العربية بمرتبة الشرف.

ـ عضو بالمجالس المتخصصة منذ العام 1998، وعضو لجنة الثقافة بالمجلس القومي للمرأة.

ـ عضو مجلس إدارة مركز جامعة القاهرة للغة العربية، وعضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق 2002.

ـ انتدبت مستشارا لغويّا لشركة ميكروسوفت في مصر، وعضو فريق التقويم الأكاديمي بالمملكة السعودية.

ـ صاحبة أول أطروحة استخدمت الحاسوب في دراسة اللغة العربية العام 1974.

ـ قدمت بحوثا في جامعات «الكويت، مدريد، سورية، ماليزيا، برلين، الرياض».

ـ اشتركت في تحرير مداخل موسوعة أعلام العلماء العرب والمسلمين.

ـ حصلت على جائزتيّ جامعة القاهرة التشجيعية والتقديرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية عاميّ 2003 و2014.

ـ تم اختيارها الأستاذة المثالية بالجامعة العام 2004.ـ أشرفت على 52 أطروحة ماجستير ودكتوراه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي