الرأي اليوم / حفظ الله أبناءنا في القوات المسلحة

تصغير
تكبير
مع إقلاع أول مقاتلة كويتية شاركت في عملية «عاصفة الحزم» لإعادة الأمن والاستقرار والشرعية إلى اليمن، يتوقف السجال الذاتي أو الجمعي حول الأسباب والمبررات، ونتوقف عن تحليل الوضع وما إذا كان يجب على الكويت أن تنضم إلى الركب أو لا تنضم، وتحل بدل ذلك كله دعواتنا إلى الله العلي القدير أن يحفظ أبناءنا البواسل في القوات المسلحة وأن يمدهم بالقوة المطلوبة لإنجاز مهمتهم والعودة سالمين معافين إلى أرض الوطن.

هي حرب فرضت على دول الخليج. دخلتها وما كانت ترغب في دخولها، إلا أنها وجدت نفسها مرغمة على ذلك رغم معرفتها العميقة بأثمانها ونتائجها المؤلمة على الجميع، ولو كانت الإدارة الأميركية الحالية حازمة في مواقفها تجاه التطورات في دول كثيرة في الشرق الأوسط لما توجهت دول الخليج إلى الخيار الصعب، لكن إدارة أوباما تشبه اليوم المرابي شايلوك في رائعة شكسبير «تاجر البندقية»، وتتعامل مع المنطقة على قاعدة الصفقات والرهانات وحرق البشر وتدمير الحجر... من أجل الوصول إلى تسويات غامضة يتساءل عن جدواها غالبية ممثلي الشعب الأميركي المنتخبين قبل أن نسأل نحن عن جدواها.


أعلنت المملكة العربية السعودية «عاصفة الحزم». أثبتت أنها لاعب إقليمي كبير وأساسي ويستطيع أن يحشد ائتلافاً خليجياً – عربياً – إسلامياً، واضطرت الإدارة الأميركية إلى اتخاذ موقف مؤيد طعّمته باستعدادها لتقديم دعم لوجستي – استخباراتي، وهذا يثبت أن دول المنطقة تفرض احترامها عندما تقرر هي ما تريد ومتى تريد، وأنها تخسر ذلك الاحترام عندما تترك للغير أن يقرر وتكتفي هي إما بالتبعية وإما بردّات الفعل.

والمفارقة المهمة أن دول الخليج تعيد اليوم الاعتبار للنظام الدفاعي العربي المشترك. هذه الدول التي تعرضت من قبل «الثوريين» للتخوين والطعن في عروبتها بحجة أنها دول لا تهمها سوى إيراداتها النفطية وتدور في الفلك الأميركي، فإذا بمن يدور في فلك أميركا اليوم دول أخرى، وإذا براية العروبة تخفق من شبه الجزيرة بعدما انتكست رايات كثيرة... أضف إلى ذلك أن المملكة تؤسس لنظام دفاعي أوسع يشمل دولاً إسلامية إضافة إلى دول عربية، كما أنها بتصحيح بوصلة القضايا وتوجيه الجهود إلى الأساسيات تذيب خلافات بين دول عربية إذ نرى اليوم مثلاً مصر وقطر في تحالف واحد.

هي حرب فرضت في الحديقة الخلفية لدول الخليج وما لم نعالج اليوم حريق هذه الحديقة فإن النار ستمتد إلى البيت نفسه. المبادرة الخليجية أنقذت اليمن من الحرب الأهلية والتقسيم والتزم الجميع صيغة وطنية دستورية انبثقت منها شرعية معروفة ومعترف بها، إلا أن تطور الأحداث لاحقاً واستقواء طرف على شركائه في الوطن بقوة السلاح، ثم قضمه للمناطق تدريجياً وإعلانه انقلاباً واضحاً وصريحاً من خلال التغيير الدستوري الذي ينسف كل نتائج المبادرة الخليجية، ثم الانتشاء أكثر بالقوة واعتقال رموز السلطة ورفض الحوار، ثم الإصرار على فتح أبواب الجحيم من خلال معركة، عدن ثم الاستعراضات العسكرية ضد المملكة وتهديدها بأسلحة متطورة مستوردة من الخارج... كل هذه الأمور معطوفة على سياسة أميركية غامضة كانت تدل على أن اليمن سيكون منصة صواريخ الفتنة المقبلة ضد دول الخليج خصوصاً أن الطرف المنتشي بالسلاح و«الانتصارات» لم يخف يوماً أهدافه في هذا الإطار.

ورغم كل قتامة الصورة، إلا أن دول الخليج حاولت وحاورت ومدت اليد وفتحت أبواب التلاقي ووقفت على مسافة واحدة من الجميع، وعندما اتضح أن المخطط المرسوم لا يعطي أي وزن أو اعتبار لدول المنطقة قررت أن تعطي إشارات سياسية تحذيرية بأن الأمور ليست سائبة وأن رحلة الانقلابيين ليست نزهة، فدعمت الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي ونقلت سفاراتها إلى عدن وأطلقت مشروعاً للحوار خارج اليمن لأن الحوار في ظل هيمنة السلاح إذعان وليس حواراً، ثم أعلنت المملكة صراحة أن احتلال عدن خط أحمر وأبلغت المعنيين في اليمن بأنها ستضطر إلى التدخل عسكرياً إن تقدم الانقلابيون إلى عدن... لكن الرفض والتعنت والتكبر كانت هي الإجابات التي تلقتها دول المنطقة.

هي الحرب إذاً، لكن الحرب ليست نزهة حتى بالنسبة إلى دول الخليج، وهي لا تريدها محطة استنزافية للقدرات بل مدخل لإعادة الأمور إلى نصابها وإعادة الرشد إلى من أعمته الأوهام حتى وإن حقق انتصارات مرحلية على الأرض، والأفضل لكل الأطراف اليمنية وتحديداً الحوثيين أن يبتعدوا عن المواقف التصعيدية المتشنجة، ويتوقفوا عن لغة التهديد بالنار والصواريخ، ويغيروا من قواعد لعبتهم التي تقوم ظاهرياً على دعم الحوار والمشاركة السياسية وباطنياً على فرض أجندتهم السياسية بقوة السلاح وتحديد نوع المشاركة بشكل يحفظ هيمنتهم على مفاصل القرار.

المهم اليوم أن يفهم الجميع أن دول المنطقة لا تريد الحرب ولا استعراض القوة وإنما تريد إعادة الشرعية والاستقرار وإطلاق مشروع سياسي وطني لجميع اليمنيين لا يستثنى منه أحد... والمهم أيضا أن تفهم دول مجاورة للمنطقة أن عليها لجم التصريحات الاستعلائية لمسؤولين فيها خصوصاً بعد الاستقواء بالحوار مع أميركا والغرب، لأن هذه التصريحات تتناقض مع مواقفها المعلنة بأنها تريد الاستقرار والتعاون ولا تريد التدخل في شؤون دول المنطقة، فلغة «الإمبراطورية» و«المحور الممتد من حدود الصين إلى شاطئ غزة» والسيطرة على منفذي شبه الجزيرة البحريّين، هي لغة تصعيدية لا تخدم ولا تبني ثقة.

والمهم أكثر ألا تتحول ردود الفعل حيال القضية اليمنية إلى مختبر جديد للنعرات والعصبيات الطائفية والمذهبية، فالأمر صراع داخلي معطوف على تدخل إقليمي، والطرف الذي أعمته الأوهام في اليمن متحالف مع أطراف أخرى بينها الزيدي والسني وهؤلاء معروفون وكانوا أكثر تطرفاً منه في رفض مبادرات السلام، كما نتمنى ألا تستغل أطراف إسلامية سياسية الحرب الحالية لإعادة تلميع نفسها والاصطياد في الماء العكر.

نعود إلى الكويت، فمن حق أي طرف أن يوافق أو لا يوافق على «عاصفة الحزم» من منطق أن بعض قوانيننا يحول دون ذلك وأن التورط في الحرب قد ينعكس سلباً علينا، ونذكر هؤلاء بأن قوانين السعودية كلها لا تجيز فتح أرض المملكة لقوات أجنبية لكن المملكة كانت منصة تحرير الكويت وفتحت أراضيها ومجالاتها الجوية للقوات الأجنبية... لأن نبل الأهداف أقوى وإعادة الحقوق أعظم. واليوم عندما تتعرض المملكة لتهديد صريح علينا أن نكون أول من يقف إلى جانبها، وعندما يكون الهدف عظيماً بحجم إطفاء النار في جزء من الجسد كي لا تتمدد إلى الجسد كله فالحياد هنا يساوي المشاركة في إشعال النار.

حفظ الله أبناءنا البواسل في القوات المسلحة وجميع المشاركين في «عاصفة الحزم» وأمدّ جميع اليمنيين بالحكمة المطلوبة للعودة سريعاً إلى الحوار والمشروع السياسي بعد انتهاء... العاصفة.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي