الرأي اليوم / رسالة جديدة إلى ولي الأمر

تصغير
تكبير
أسعد الله صباحك بكل خير يا طويل العمر، وأمدكم دائما بالصحة والقوة والعافية وصفاء التفكير ووضوح الرؤية وحكمة التقرير.

أتوجه إلى مقام سموكم مباشرة وأنتم من عودنا أن يكون قلبه مفتوحاً قبل بيته، وما كنا نتمنى أن نأخذ من وقتكم الثمين لكنكم المرجع الذي نلجأ إليه دائماً خصوصاً وأنتم تعتبرون الموضوع الذي سأتحدث عنه أولوية الأولويات لديكم بعدما كرستم جلّ وقتكم للنهوض باقتصاد دولة الكويت على أمل تحويلها إلى مركز مالي وتجاري في المنطقة.


سمو الأمير

سأتوقف عند رقمين خطيرين من أرقام مؤسسات دولية مشهود لها بالدقة والمصداقية والجدية. رقمان تشاركت غالبية هذه المؤسسات (وبينها صندوق النقد الدولي) في تكرار إيرادهما لدى الحديث عن اقتصاديات المنطقة.

الرقم الأول، أن الكويت امتلكت أعلى فائض مالي بين دول الخليج والشرق الاوسط والمنطقة العربية وآسيا الوسطى في 2014 وستنهي عام 2015 بامتلاكها أيضا لأعلى فائض مالي في حين أن كل الدول النفطية الأخرى – كما جاء في التقارير- ستسجل عجزاً يتراوح بين 1.5 في المئة و37.5 في المئة.

الرقم الثاني، أن نسبة النمو للناتج المحلي في الكويت سجلت أدنى مستوى في عام 2014 مقارنة بكل دول الخليج (1.9 في المئة) وأن هذه النسبة ستستمر في 2015 لتكون الأدنى بين كل الدول النفطية الخليجية وغير الخليجية بما فيها اليمن (تخيلوا اليمن) وليبيا.

هذه باختصار خلاصة مجمل الجداول والأرقام التي وردت في تقارير المؤسسات الدولية عن الكويت. أي أننا نمتلك أكبر فائض مالي مقارنة بالدول الغنية ومع ذلك فدول لا إمكانات كبيرة لديها ولا فوائض مالية تسجل مستويات نمو أعلى من الكويت.

أين الخلل يا صاحب السمو؟

سيقول كثيرون أن الفساد هيمن على مفاصل الدولة منذ عقود وسيستشهدون بكلامكم عندما قلتم إن الفساد في بعض الإدارات «ما تشيله البعارين».

وسيقول كثيرون إن البيروقراطية أصابت الإدارة بالصدأ، وإن المشاريع تموت في مقابر اللجان وملفات «كتابنا وكتابكم».

وسيقول كثيرون إن العلاقة بين المجلس والحكومة التي اتسمت بالصدامات الدائمة عطلت إنجاز الكثير من المشاريع.

وسيقول كثيرون إن التشريعات والقوانين الحالية قاصرة عن مواكبة الروح الحديثة في استقطاب الاستثمارات والمشاريع.

وسيقول كثيرون إن أجواء الانغلاق في البلد في مختلف نواحي الحياة تعرقل إقدام شركات كبرى على الاستثمار في الكويت.

ولو سألتم مختصين وخبراء فستجدون عشرات التبريرات والمبررات لحالة الجمود القاتلة التي تجعلنا في آخر ركب النمو، وستقرأون عشرات الأسباب النظرية والفعلية وجلها تكرار لما ذكرته سابقا.

إنما يا صاحب السمو نحن نرى أن المشكلة الحقيقية هي في طريقة إدارة البلد من قبل السلطة التنفيذية. عندما نمتلك أعلى فائض بين كل دول المنطقة وآسيا الوسطى ونسجل أدنى نسبة نمو فهذا يعني أن الإدارة التنفيذية للبلد تعاني من خلل كبير لا تنفع معه لا التبريرات ولا الحجج ولا الذرائع.

الفساد موجود عندنا وعند كل الدول المتقدمة، لكنه ليس المشكلة بل جزء منها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البيروقراطية والعلاقة مع مجلس الأمة والهدر والتعديات على القانون والمال العام وأجواء الانغلاق والتشريعات القديمة... كلها يا سيدي أغصان في شجرة كبيرة اسمها «سوء الإدارة».

جميعنا وقعنا في فخ تبرير عدم تقدم الكويت يا صاحب السمو برمي الحجج على الفساد والهدر والعلاقة بين السلطتين وغيرها، إنما لنكن واقعيين ونسمي الأمور بأسمائها. الفساد موجود في كل دول العالم بل هو موجود بنسب أكبر في دول حققت نتائج نمو أفضل، والعلاقة بين السلطتين مستقرة الآن وفق توجهاتكم السامية بعدم التساهل في الرقابة والتشريع في مقابل عدم المبالغة في التصعيد والتوتير، والهدر والتعدي على المال العام والتجاوزات ليست أسباباً بل هي نتائج ومع ذلك يعترف الجميع بأن العهد الحالي شهد، وأيضا بتوجهاتكم السامية، نزعاً للغطاء عن كل الشبهات وإطلاق يد المؤسسات القضائية في الملاحقة والمحاسبة... والأمر نفسه ينسحب على مختلف التبريرات والذرائع.

دول صغيرة بحجمنا وأخرى كبيرة ولا تمتلك فوائض مالية ومع ذلك تسجل مستويات نمو متقدمة، لأن حكوماتها تمتلك رؤى واقعية وتمتلك الشجاعة والإرادة لترجمة هذه الرؤى على أرض الواقع. تخطط وتقترض وتعرف بدقة جدوى المشاريع ومهلها وانعكاساتها على مجمل الاقتصاد المحلي. دول تعيش على المعونات وأخرى تسجل موجوداتها المالية عجزاً كبيراً ومع ذلك تفاجئنا بتلك القدرة على إحراز نقاط في سجل النمو لأن حكوماتها تمتلك الإرادة والإدارة.

الطامة الكبرى يا صاحب السمو أن الأرقام التي أخرجتها مؤسسات دولية تدل على شيء واحد وهو أن الحكومة، ولنقل الحكومات المتعاقبة، صرفت كل جهدها على كيفية تأمين بقائها في السلطة وانعدمت قدرتها على الإدارة بسبب هواجسها الأساسية المتمثلة بالبقاء وتسيير الأمور على قاعدة «المياومة» أي كل يوم بيومه.

سوء الإدارة يا طويل العمر هو ما جعل الكويت تمتلك أكبر فائض وتسجل أدنى مستوى نمو. السلطة التنفيذية المسؤولة عن تسيير الدولة لا تمتلك أي رؤية غير البحث عن حماية لها من سؤال أو استجواب أو حتى انتقاد. سلطة تمر أمامها أرقام صندوق النقد الدولي مثلا فتعطيها جزءاً من اهتمامها بينما تعطي الجزء الأكبر لمجموعات تغريد في وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن تلميع هنا أو دفاع هناك.

سلطة تغرق في مشاكل القطاع العام حتى أذنيها وتترس الإدارات والوزارات ترساً بموظفي الدولة ولا تريد أن تعكس تجارب القطاع الخاص الناجحة عليه، بل تقفل الأبواب أمام دور القطاع الخاص في التقدم والعمل والمساهمة في حل مشاكل التوظيف والبيروقراطية وجمود المشاريع... وتعلمون ويعلم الجميع أن قيادة البلد نحو انطلاقة ونهضة شاملة أساسها شراكة واضحة المعالم بين القطاعين العام والخاص. «الخاص» يعمل وينتج، و«العام» يسهل ويدعم، والسلطة التشريعية تراقب وتتابع، والقضاء هو المرجع لفصل الخلاف ومعاقبة المخطئ.

سلطة تنفيذية تعتقد أن التنمية مناقصات وفتح شوارع وبناء جسور... تهتم بالحجر وتنسى البشر. مشاريع قامت وأخرى في الطريق لكننا «مكانك قف»، إما أن ننتظر لتأهيل من يديرها وإما أن نستورد مجدداً من يديرها فتضيع سنوات من عمر أبنائنا الذين أفنوا زهرة شبابهم في التحصيل العلمي لكنهم لم يجدوا غير انتظار أسمائهم في طابور التوظيف الحكومي... وهنا لا بد من التنويه بأن الديوان الأميري بإمكاناته المحدودة مقارنة بإمكانات الهيئات والإدارات الحكومية تولى، أو طلب منه أن يتولى، تنفيذ مشاريع نتيجة قصور حكومي، وحتى يومنا لم تتعلم الحكومة من تجربة الديوان، ولم يعرف الكويتيون كيف يقدر الديوان ولا تقدر الحكومة.

سلطة تنفيذية تعتقد أن منح المواطن سمكة «أبرك» لها من تعليمه الصيد، وأن نجاحها في تسيير القائم من الأمور أفضل لها من إدارة القادم من الأيام.

سلطة تنفيذية تفتقد لروح القيادة والمبادرة، وهي المكون الأساسي في وصفة النجاح، لا يمكن أن تحدث التغيير المطلوب.

سمو الأمير، مرة أخرى ما كنا نتمنى أن نخاطبكم مباشرة لكن الأرقام التي تتعلق بالكويت لامست الخطوط الحمر، وأعطت إنذاراً عالياً بضرورة تدخل مقامكم لتصحيح الأمور وإعطاء توجيهاتكم السامية للسلطة التنفيذية بأن تفك الأغلال التي كبلت نفسها بها وتنطلق في ثورة إدارية حقيقية فتعزم وتتكل على الله وتدفع بقطار التنمية قدماً إلى الأمام... بدل أن يصدأ واقفاً في محطته وقد نفقد القدرة والإمكانات لتحريكه مستقبلاً.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي