الرأي اليوم / أحبك


مشاكلك كثيرة وقضاياك شائكة وحجم التجاوزات يصل درجة مخيفة أحياناً.
جمود ما بعده جمود يكبل تحركاتك، وإن سرت خطوة إلى الأمام تجدين كثراً يجرونك إلى الوراء... وكثر من هؤلاء الكثر من أبنائك للأسف الشديد.
نمط الحياة الذي تعيشين فيه أوجد رتابة رهيبة تبعث على الملل والإحباط واليأس أحياناً. والأبواب التي تغلقينها بوجه الضوء تحجب الآفاق والآمال وتشعر القريبين منك بأن البعد عنك أفضل.
ومع ذلك... أحبك.
أحبك بكل ما فيك، بمشاكلك وقضاياك وجمودك ورتابتك وأبوابك المغلقة وخطواتك المتعثرة، وأحبك بزهوك وعزك وتألقك وحريتك وديموقراطيتك ورسالتك.
أحب كل ذرة تراب في أرضك وكل نسمة هواء في فضائك. وأحب في عيدي «التحرير» و«الوطني» أن أقف متأملاً في التجربة وما رافقها وما تلاها، ومتأملاً في تجارب الآخرين وما رافقها وما تلاها. كانت لدينا دولة طارت في ليلة ليلاء واستعدناها ككويتيين بفضل الله وبمساعدة الأشقاء والأصدقاء وكان لدى الآخرين دول مستقرة طارت في ليلة ليلاء بأيدي أبنائها... و«مساعدة» الأشقاء والأصدقاء.
نتأمل التزامن بين أفراح العيد الوطني وعيد التحرير، فالوطن بلا حرية ليس وطناً ولو كان عمره آلاف السنين. ونتأمل ذكرى التحرير ليس بوصفها عملاً عسكرياً مقاوماً أعاد لنا الأرض فحسب بل بوصفها مدخلاً إلى تحرير الكثير من النصوص والنفوس والعادات الخطأ والتقاليد المشوهة، ومدخلاً إلى تحرير النظام السياسي من عوائق تطويره، ومدخلاً إلى تحرير الإدارة من البيروقراطية والروتين والفساد والتجاوزات، ومدخلاً إلى تحرير المستقبل من موروثات الحاضر بما يفتح الآفاق أمام الجيل الجديد لتسلم مسؤولياته القيادية في إدارة البلد بظروف أفضل.
وكيف لا أحبك؟ دولة تتمتع بحيوية سياسية تصل أحيانا حد الفوضى والمشاغبات ومع ذلك لا تنكفئ على نفسها وتنشغل بسجالاتها الداخلية وتفتح الباب للقريب والبعيد للتدخل بشؤونها، بل على العكس تتسع رسالتها شرقاً وغرباً ويكبر دورها في كل الاتجاهات ويسمي العالم عبر منظمته الدولية أميرها الشيخ صباح الأحمد زعيماً للإنسانية نظراً لجهده الرئيسي في إطفاء حرائق وبلسمة جراح.
كيف لا أحب الكويت؟ وهي تقف مع الحق دون تطرف، وتتعامل مع الأزمات دون تهور، وتنسج علاقاتها مع الجميع دون انحياز. دولة أدركت مبكراً بفضل مدرسة صباح الأحمد الديبلوماسية أن التعقل جسر تعبر عليه الحلول، وأن الدول ليست بمساحتها فقط وإنما بدورها، وأن القوة لا تعتمد على الجيوش والعسكر فقط بل على الرسالة التعاونية الحضارية والعلاقات الإنسانية الاقتصادية ونسج المصالح مع البعيد والقريب.
صباح الأحمد أظهر أن الأيادي البيضاء قادرة على هزيمة الأيادي السوداء، وأن أصداء مساعدة المحتاج والوقوف مع الحق والتوازن قد تكون أقوى من أصوات القنابل، وأن العمار وإن كان أكثر صعوبة من الدمار إلا أنه يبقى لك.
دولة يقول أميرها إن فساد بعض الجهات الحكومية لا تحمله البعارين ويقر رئيس حكومتها أن المواطن يدفع رشوة لتخليص معاملاته، ويقف مجلسها المنتخب شعبياً ليراقب ويشرع ويحاسب، ويقف قضاؤها شامخاً ودرعاً يحمي المؤسسات، وتمارس سلطتها الرابعة أعلى درجات النقد... كيف لا نحبها حتى ولو ارتفعت العوائق أمام مكافحة الفساد والتجاوزات والتعدي على المال العام؟ فالإصرار على متابعة هذه القضايا حتى النهاية بتوجيه مباشر من رأس الدولة وبحيوية المؤسسات الشعبية لا بد أن يفرز حلولاً ويؤدي إلى نتائج للملاحقات بدأت طلائعها تتضح... رغم تراخي الكثير من المؤسسات الرسمية.
كيف لا أحبك يا كويت وأنا في دول أخرى لا أملك ربما أن أحب وطناً بمشاعري الخالصة بل مكرهاً من أجهزة السلطة؟
كيف أتخلى عن هذا العشق نتيجة مرض هنا أو تعثر هناك أو بشاعة أصرت مجموعة على تلوين البلد بها، وهل يتخلى المرء عن حب والديه إن مرضا؟ أو حب أهل بيته إن تعثروا؟ أو نتيجة عقوق وتهور وإساءات ارتكبها أحد أبنائه؟
كيف أتخلى عن هذا العشق وأنت التي تدرس تجربتك في مناهج الآخرين يوم انتصرت على الصحراء قبل النفط وانتصرت على البحار والمحيطات بحثاً عن الرزق وانتصرت على نفسك بالدستور والحريات والمجتمع المدني وانتصرت على الغزاة أكثر من مرة.
مشاكلك كثيرة وقضاياك شائكة وجمود ما بعده جمود يكبل تحركاتك ونمط الحياة الذي تعيشين فيه أوجد رتابة رهيبة تبعث على الملل والإحباط واليأس أحياناً... ومع ذلك تذكري أنك حركتِ جمود المنطقة بأسرها وكسرتِ رتابتها بالفكر والسياسة والحرية والديموقراطية والثقافة والفن والاقتصاد والتجارة والعلم والجامعات والاستشفاء. تذكري أنك كنت قبلة كثيرين في كل المجالات وأنك في سبق الريادة كنت تعينين أقرانك على المسير إلى جانبك لا خلفك.
لم يزدك الجاه إلا تواضعاً، ولم يزدك النجاح إلا إصراراً على إشراك الآخرين فيه، ولم يزدك العز إلا تمسكاً بالأخوة الخليجية والعربية... اقتربت من أقرانك يوم كنت قبلة المنطقة بدل أن يقتربوا منك، ولم تديري ظهرك قط لأحد رغم السهام التي أصابتك مراراً في الظهر والصدر.
لا وطن لنا غيرك، ولا دار لنا غيرك، ولا سماء لنا غير سمائك، ولا أرض لنا غير أرضك، ولا ملاذ لنا إلا أنت بعد الله سبحانه وتعالى... أعرف تماماً مكامن الداء وأعرف أن بعضها يستعصي على الدواء، لكنني لا أملك في كل لحظة إلا أن أحبك وأن أجاهر بهذا الحب.
جاسم مرزوق بودي
جمود ما بعده جمود يكبل تحركاتك، وإن سرت خطوة إلى الأمام تجدين كثراً يجرونك إلى الوراء... وكثر من هؤلاء الكثر من أبنائك للأسف الشديد.
نمط الحياة الذي تعيشين فيه أوجد رتابة رهيبة تبعث على الملل والإحباط واليأس أحياناً. والأبواب التي تغلقينها بوجه الضوء تحجب الآفاق والآمال وتشعر القريبين منك بأن البعد عنك أفضل.
ومع ذلك... أحبك.
أحبك بكل ما فيك، بمشاكلك وقضاياك وجمودك ورتابتك وأبوابك المغلقة وخطواتك المتعثرة، وأحبك بزهوك وعزك وتألقك وحريتك وديموقراطيتك ورسالتك.
أحب كل ذرة تراب في أرضك وكل نسمة هواء في فضائك. وأحب في عيدي «التحرير» و«الوطني» أن أقف متأملاً في التجربة وما رافقها وما تلاها، ومتأملاً في تجارب الآخرين وما رافقها وما تلاها. كانت لدينا دولة طارت في ليلة ليلاء واستعدناها ككويتيين بفضل الله وبمساعدة الأشقاء والأصدقاء وكان لدى الآخرين دول مستقرة طارت في ليلة ليلاء بأيدي أبنائها... و«مساعدة» الأشقاء والأصدقاء.
نتأمل التزامن بين أفراح العيد الوطني وعيد التحرير، فالوطن بلا حرية ليس وطناً ولو كان عمره آلاف السنين. ونتأمل ذكرى التحرير ليس بوصفها عملاً عسكرياً مقاوماً أعاد لنا الأرض فحسب بل بوصفها مدخلاً إلى تحرير الكثير من النصوص والنفوس والعادات الخطأ والتقاليد المشوهة، ومدخلاً إلى تحرير النظام السياسي من عوائق تطويره، ومدخلاً إلى تحرير الإدارة من البيروقراطية والروتين والفساد والتجاوزات، ومدخلاً إلى تحرير المستقبل من موروثات الحاضر بما يفتح الآفاق أمام الجيل الجديد لتسلم مسؤولياته القيادية في إدارة البلد بظروف أفضل.
وكيف لا أحبك؟ دولة تتمتع بحيوية سياسية تصل أحيانا حد الفوضى والمشاغبات ومع ذلك لا تنكفئ على نفسها وتنشغل بسجالاتها الداخلية وتفتح الباب للقريب والبعيد للتدخل بشؤونها، بل على العكس تتسع رسالتها شرقاً وغرباً ويكبر دورها في كل الاتجاهات ويسمي العالم عبر منظمته الدولية أميرها الشيخ صباح الأحمد زعيماً للإنسانية نظراً لجهده الرئيسي في إطفاء حرائق وبلسمة جراح.
كيف لا أحب الكويت؟ وهي تقف مع الحق دون تطرف، وتتعامل مع الأزمات دون تهور، وتنسج علاقاتها مع الجميع دون انحياز. دولة أدركت مبكراً بفضل مدرسة صباح الأحمد الديبلوماسية أن التعقل جسر تعبر عليه الحلول، وأن الدول ليست بمساحتها فقط وإنما بدورها، وأن القوة لا تعتمد على الجيوش والعسكر فقط بل على الرسالة التعاونية الحضارية والعلاقات الإنسانية الاقتصادية ونسج المصالح مع البعيد والقريب.
صباح الأحمد أظهر أن الأيادي البيضاء قادرة على هزيمة الأيادي السوداء، وأن أصداء مساعدة المحتاج والوقوف مع الحق والتوازن قد تكون أقوى من أصوات القنابل، وأن العمار وإن كان أكثر صعوبة من الدمار إلا أنه يبقى لك.
دولة يقول أميرها إن فساد بعض الجهات الحكومية لا تحمله البعارين ويقر رئيس حكومتها أن المواطن يدفع رشوة لتخليص معاملاته، ويقف مجلسها المنتخب شعبياً ليراقب ويشرع ويحاسب، ويقف قضاؤها شامخاً ودرعاً يحمي المؤسسات، وتمارس سلطتها الرابعة أعلى درجات النقد... كيف لا نحبها حتى ولو ارتفعت العوائق أمام مكافحة الفساد والتجاوزات والتعدي على المال العام؟ فالإصرار على متابعة هذه القضايا حتى النهاية بتوجيه مباشر من رأس الدولة وبحيوية المؤسسات الشعبية لا بد أن يفرز حلولاً ويؤدي إلى نتائج للملاحقات بدأت طلائعها تتضح... رغم تراخي الكثير من المؤسسات الرسمية.
كيف لا أحبك يا كويت وأنا في دول أخرى لا أملك ربما أن أحب وطناً بمشاعري الخالصة بل مكرهاً من أجهزة السلطة؟
كيف أتخلى عن هذا العشق نتيجة مرض هنا أو تعثر هناك أو بشاعة أصرت مجموعة على تلوين البلد بها، وهل يتخلى المرء عن حب والديه إن مرضا؟ أو حب أهل بيته إن تعثروا؟ أو نتيجة عقوق وتهور وإساءات ارتكبها أحد أبنائه؟
كيف أتخلى عن هذا العشق وأنت التي تدرس تجربتك في مناهج الآخرين يوم انتصرت على الصحراء قبل النفط وانتصرت على البحار والمحيطات بحثاً عن الرزق وانتصرت على نفسك بالدستور والحريات والمجتمع المدني وانتصرت على الغزاة أكثر من مرة.
مشاكلك كثيرة وقضاياك شائكة وجمود ما بعده جمود يكبل تحركاتك ونمط الحياة الذي تعيشين فيه أوجد رتابة رهيبة تبعث على الملل والإحباط واليأس أحياناً... ومع ذلك تذكري أنك حركتِ جمود المنطقة بأسرها وكسرتِ رتابتها بالفكر والسياسة والحرية والديموقراطية والثقافة والفن والاقتصاد والتجارة والعلم والجامعات والاستشفاء. تذكري أنك كنت قبلة كثيرين في كل المجالات وأنك في سبق الريادة كنت تعينين أقرانك على المسير إلى جانبك لا خلفك.
لم يزدك الجاه إلا تواضعاً، ولم يزدك النجاح إلا إصراراً على إشراك الآخرين فيه، ولم يزدك العز إلا تمسكاً بالأخوة الخليجية والعربية... اقتربت من أقرانك يوم كنت قبلة المنطقة بدل أن يقتربوا منك، ولم تديري ظهرك قط لأحد رغم السهام التي أصابتك مراراً في الظهر والصدر.
لا وطن لنا غيرك، ولا دار لنا غيرك، ولا سماء لنا غير سمائك، ولا أرض لنا غير أرضك، ولا ملاذ لنا إلا أنت بعد الله سبحانه وتعالى... أعرف تماماً مكامن الداء وأعرف أن بعضها يستعصي على الدواء، لكنني لا أملك في كل لحظة إلا أن أحبك وأن أجاهر بهذا الحب.
جاسم مرزوق بودي