«غياب الدعم الحكومي يثبط طموحاتنا ويضيع مواهبنا»

أماني الحجي لـ «الراي»: لن أرفع راية اليأس... وأتمنى الغناء على مسرح سيدني

u0623u0645u0627u0646u064a u0627u0644u062du062cu064a
أماني الحجي
تصغير
تكبير
• غنائي في الأوبرا المصرية اختصر الكثير من المراحل في مسيرتي الفنية

• أنا مسالمة ... ولا أدسّ أنفي في صراعات المعهد الموسيقي

• «المجلس الوطني للثقافة» يدعو الموسيقيين من الخارج ويتجاهلنا

• ضعف الوعي الموسيقي أبعد الجمهور الخليجي عن الأوبرا
في قلب «الاستثناء»... تقف!

اختارت أن تكون مختلفةً، كي تكتشف متعة أن تصنع عالماً لها «وحدها»!!


إنها الفنانة الكويتية المتفردة أماني الحجّي!

فوسط العادي والمألوف والقريب في «صحراء» الموسيقى... اختارت لنفسها «واحةً» متفردةً ونائية، يستعصي سبيلها على الكثيرين!!

الأستاذة في معهد الموسيقى، عشقت غناء «الأوبرا»، واتخذت منها حقلاً لدراستها الأكاديمية، لتصبح الكويتية الوحيدة التي ترتاد هذه المنطقة الإبداعية المغايرة!!

الحجي لا تقف أحلامها الفنية عند سقف...

لا تتمنى فقط أن تغني في دار أوبرا سيدني (التي تندرج ضِمن أجمل مسارح العالم)، بل تتطلع إلى أن تقتسم خشبة المسرح مع أندريا بوتشللي، أحد أساطير العصر في الغناء الأوبرالي!! الدكتورة أماني الحجي، التي تشكو من عراقيل تواجهها وتعوقها عن تحقيق طموحاتها الفنية، تنفي الفكرة الشائعة عن أن «الأوبرا فن طبقة النبلاء»، مشددةً على أن الجمهور العريض من كل الطبقات في الغرب يتعطشون إلى مشاهدتها، ومعربةً عن أن إحدى أمنياتها «ارتفاع الوعي الموسيقي للجمهور الخليجي، كي يتفاعل مع فن الأوبرا الراقي».

وفي حين أنحت بالملامة على المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، «الذي يدعو كثيراً من الموسيقيين الأجانب لإقامة حفلات في الكويت، بينما يتجاهل فناني البلد»، قالت الحجي: «أفخر بأنني غنّيت على مسرح دار الأوبرا المصرية الذي سبق أن اعتلاه عبدالحليم وفريد وأم كلثوم، وهي الفرصة التي اختصرت خطوات كثيرة في رحلتي الفنية».

«الراي» تحاورت مع أماني الحجي، الأستاذة الأكاديمية و«الأوبرالية الوحيدة» في الكويت، ومن القلائل على الصعيد العربي، وسألتها عمّا تحقق من أمنياتها وما تعتزم تحقيقه مستقبلاً، وتطرق الحديث إلى قضايا عدة شخصية وأكاديمية وإبداعية، تأتي تفاصيلها في هذه السطور:

? بعدما ودعنا العام 2014، حدثينا عما تحقق من طموحاتك وما لم يتحقق؟

- العام الماضي كان حافلاً بالأحداث والتطورات المهمة على صعيد عملي كأستاذة في المعهد العالي للفنون الموسيقية، فقد تمكنت - ولله الحمد - من إنجاز كل الأعمال والواجبات والالتزامات المناطة بي.

أما بالنسبة إلى أمنياتي كمطربة أوبرالية، فلم يتحقق ما كنت أصبو إليه حتى الآن، غير أنني لم أفقد الأمل، ولست ممن يرفعون رايات اليأس مهما كان الطريق شاقاً ووعراً، فأنا لم أزل أتفاءل خيراً بتحقيق كل الأحلام والطموحات، وإن تأخرت قليلا.

? ما أقصى أمنياتك؟

- الأمنيات كثيرة، ولا تقف عند سقف محدود، ومن أهمها حلم الوقوف على مسرح «سيدني» بالإضافة إلى الغناء مع أسطورة الغناء العالمي أندريا بوتشللي، وأتمنى أن يتحقق ذلك عاجلاً أو آجلاً، كما آمل أن تتبنى الدولة موهبتي من خلال الدعم المعنوي والإعلامي، فضلاً عن إنشاء دار للأوبرا في الكويت، إذ إن غياب الدعم الحكومي يثبط طموحاتنا ويضيِّع مواهبنا.

? ما سر إعجابك الشديد بالفنان أندريا بوتشللي، وما مدى إمكانية مشاركته الغناء؟

- لا يخفى على عشاق الأوبرا أن بوتشللي فنان أوبرالي من طراز نادر وفريد، وهو من الفنانين الذين أقتدي بهم وأعتبرهم مثلي الأعلى في هذا المجال، ولقد كان حلم حياتي أن ألتقي به أثناء زيارته لدولة الإمارات قبل سنوات، لكن الظروف حرمتني من شرف اللقاء به، ولكن من يدري ربما سنلتقي يوماً ما وأغني معه، وهو أحد أحلامي الدائمة، وإن تحقق هذا الأمر فسوف نكوِّن حقا «دويتو» مذهلا.

? ألم يكن وقوفكِ على خشبة دار الأوبرا المصرية إنجازاً بحد ذاته؟

- لعل غنائي في دار الأوبرا المصرية وعلى مسرح الموسيقار محمد عبد الوهاب اختصر من مشواري الفني الشيء الكثير ورفع سقف أحلامي وطموحاتي عاليا، حيث كان شعوري آنذاك يفوق الوصف، لاسيما أني وقفت على المسرح ذاته الذي وقف عليه عمالقة الغناء العربي أمثال عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم.

? ما الذي يهمك ويجتذبك في الغناء الأوبرالي، الخروج عن المألوف أم اقتناص الجوائز وحصد الألقاب؟

- صدقني، أنا لا يهمني صيد الجوائز بقدر ما يكمن اهتمامي وطموحي في إيصال فني وموهبتي إلى شعوب العالم أجمع، وبالأخص الشعوب الخليجية التي أتمنى أن تعير الفن الأوبرالي قدراً مناسباً من اهتمامها (شأن الغناء والمسرح)، وأتمنى أن نلمس جميعاً في الخليج رقي هذا الفن، وندرك أهميته وسحره كما يدركها أصحاب الذوق الموسيقي الرفيع في الغرب.

? ولماذا في رأيكِ لا تجد موسيقى الأوبرا آذانا صاغية لدى المستمع الخليجي والعربي؟

- هناك أسباب عدة منها، ضعف الثقافة الموسيقية لدى الجمهور العربي والخليجي، ما يجعل البعض يظن أن فن الأوبرا لا يعدو كونه مجرد صرخات وصيحات في الفراغ، لا قيمة لها ولا معنى، وهذا الكلام بالطبع عارٍ عن الصحة تماما، فحين تتدفق الموسيقى الأوبرالية إلى الوجدان تتوقد المشاعر وتلتهب الأحاسيس، فيحلّق المتلقي في سماء الإبداع.

? يُقال إن غالبية جمهور الفن الأوبرالي هم من «طبقة النبلاء»، ما أدى إلى أن يعزف عنه الجماهير من الطبقات الأخرى؟

- ربما كان هذا الكلام صحيحاً في الماضي البعيد، فطبقة النبلاء كانت حاضرةً في المعهد الأوروبي القديم، أما الآن فلا وجود لها، كما أن الفن الأوبرالي في الغرب أصبح حالياً يستقطب الجماهير بمختلف شرائحها وطبقاتها، والدليل أن الحفلات الأوبرالية التي يحييها في أوروبا كل من بافاروتي وبوتشيللي وغيرهما، تلقى قبولاً منقطع النظير من الجماهير العريضة المتعطشة لهذا النوع من الفنون الراقية.

? في جانب آخر، ماذا عن المشكلات التي تحدث من حين إلى آخر بين الطلاب والأساتذة في المعهد العالي للفنون الموسيقية؟

- انفجر بركان المشكلات على إثر القرار الذي أصدره وزير التربية السابق الدكتور نايف الحجرف قبل عامين، بإقالة عميد المعهد الدكتور سليمان الديكان، إذ تقدم بعض الأساتذة باستقالة جماعية، وانضم إليهم مجموعة من الطلبة مهددين بالامتناع عن دخول قاعات الدراسة، وذلك تعبيرا عن احتجاجهم على قرار الحجرف الذي اعتبروه قراراً جائراً بحق عميد المعهد، ومن ثم تعاقبت المشكلات التي لاتزال تغيب حيناً، ثم تعود لتطل برأسها مجدداً حتى الآن، في ظل استمرار حالة انقسام الأساتذة والطلبة على السواء بين فريق مؤيد للقرار وآخر يعارضه.

? هل كنتِ طرفاً في هذا الصراع؟

- إطلاقاً، فأنا عادةً ما ألتزم الحياد في مثل هذه الأمور، لأنني إنسانة مسالمة، ولا أحبذ الدخول في صراعات لا ناقة لي فيها ولا جمل، كما أنني لا أضع أنفي في ما لا يعنيني، وهذا أحد الدروس التي علمتني إياها الحياة.

? وماذا عن الصراع الدائر بينكِ وبين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب؟

- ليس بيننا صراع، لكنْ هناك عتب على المسؤولين في المجلس الوطني الذين يقدمون الدعوات تلو الدعوات للفرق الموسيقية الأجنبية للمشاركة في الاحتفالات والمهرجانات التي تُقام في البلاد، بينما يتجاهلون المواهب الواعدة والصاعدة من أبناء البلد، ولا يقدمون لها أبسط أنواع الدعم.

? ألا تجدين أن هناك بعضاً من التناقض، عندما يدعو المجلس الوطني فرقاً أوبرالية أجنبية للغناء أمام الجمهور الكويتي فيما يتجاهل المواهب الكويتية؟

- لا أعلم (!)، ربما لم يؤمنوا بعد بالمواهب المحلية، أو يحملون تلك العقدة المسماة بـ «عقدة الأجنبي»، والحقيقة أن ما يبعث على مضاعفة الضيق أن التجاهل يأتي من الأقارب، فـ «ظلم ذوي القربى أشد مضاضة»، كما يقول الشاعر!

? حدثينا عن حياتك الأسرية، وكيف تقضين أوقات الفراغ مع الأبناء؟

-ليس لديّ كثير من الأبناء، ابنتي الوحيدة هي «حنين»، وأنا أتعامل معها كما يتعامل الصديق الوفي والمحب لصديقه، ولأنها وحيدة فهي مدللة بشكل ما.

? لكن ألا تواجهين صعوبات في الموازنة بين تدليل «حنين» ومقتضيات التربية التي تحتاج إلى حسم أحياناً؟

- أنا أعتبر نفسي امرأة عصرية، وقد نهلتُ من ثقافات الشعوب الأخرى الشيء الكثير، ما يجعلني قادرة على إدارة أسرتي الصغيرة بالحكمة والعقل والطرق التربوية الصحيحة، خاصة في ظل الغزو التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تُقض مضاجع الآباء والأمهات على حد سواء، لفرط ما نراه من فضائح وجرائم إلكترونية، وغيرها من الأمور التي تقشعر لها الأبدان، وتثير الذعر في القلوب.

? وهل ينسحب منهجك في التعامل «العصري» على طلابك في قاعات المعهد العالي للفنون الموسيقية، أم أن أبناءنا ليسوا كبقية الأبناء؟

- الأمر عندي سيّان، بل قد تكون علاقتي مع الأساتذة والطلاب في المعهد أكثر عفويةً من طريقة تعاملي مع ابنتي «حنين»، فأنا عندما أكون في العمل أحرص على إضفاء جو من البهجة والسرور في قاعة المحاضرات، حتى أعزز الشغف الموسيقي لدى المتعلمين والمتدربين، وأشعل الحماسة في نفوسهم.

? لو وقعتِ في موقف الاختيار: إما العمل في المعهد العالي للفنون الموسيقية أو مواصلة الغناء في دور الأوبرا، فإلى أي اتجاه ستنحازين؟

- سيكون الاختيار صعباً ومفصلياً بالنسبة إليّ، لاسيما أن المعهد الموسيقي والغناء الأوبرالي مترابطان، وكل منهما يكمل الآخر. لكن في حال استمر غياب الدعم الحكومي عن الفن الأوبرالي فسوف اضطر إلى مواصلة العمل الأكاديمي وممارسة مهنتي في تعليم طلبة المعهد العالي للفنون الموسيقية، خاصة أن مهنة التعليم هي مصدر رزقي الوحيد، ولا يمكنني الاستغناء عنها.

• البعض يحسدونك، لأنك المطربة الأوبرالية الوحيدة في الكويت، ما يجعل الطريق أمامك ممهداً ومفروشا بالورد... فإلى أي مدى ترين هذا صحيحاً؟

- لا، أصدقك القول، أنا لا أرى ورداً ولا أشجاراً... بل كومة من الأشواك تتراكم أمامي، وتعترض طريقي الفني، وتحول بيني وبين النجومية والأضواء، أما الحديث عن الحسد أو الغيرة فلم يزل مبكرا جدا!

? في الختام، هل تخبريننا عن الجديد في أجندتك لهذا العام؟

- لديّ عدد من الأفكار التي أنضجها حالياً على نار هادئة، وآمل أن ترى النور، وأراها واقعاً، لكنني أفضل التريث عن كشفها ريثما تتضح ملامحها.

فن عريق ... وجمهور شحيح!

تُعد الأوبرا أحد أعرق رموز الحضارات الغربية القديمة وغُصناً ناضراً من شجرة الموسيقى الكلاسيكية، التي ترعرعت في إيطاليا خلال القرن السادس عشر، ولاتزال تجتذب جمهوراً كثيراً في الغرب إلى الآن.

ويؤدي الأوبرا مغنٍّ ينفرد عن بقية المؤدين بصوت ذي نبرة حادة وعميقة وعذبة، وغالباً ما تشتمل عروض الأوبرا على الرقص والغناء والتمثيل، وتستثمر السينوغرافيا المسرحية.

وفي القرنين الخامس عشر والسادس عشر، كانت الأوبرا تؤدى في قصور النبلاء، ولكنْ في الحاضر بدأت الدول تتنافس في تصميم قاعات الأوبرا، والحرص على فخامتها وإبهارها، لتواكب رقي هذا الفن العريق.

وإن كان عشاق الأوبرا في الغرب يعرفون، من بين أشهر مطربي الأوبرا العالميين، الأسطورة الإيطالي لوتشانو بافاروتي، وكذلك الإيطالي أندريا بوتشللي، فقد عرف العرب الأوبرالي المصري حسن كامي، والمطربتين الكبيرتين عفاف راضي وماجدة الرومي، اللتين تمتلكان - إلى جانب إنتاجهما الغنائي المتميز - مواصفات صوتية تكفل لهما إقامة صرح باهر لفن الأوبرا يضيء الفضاء العربي.

ويواجه المحبون «العرب» لفن الأوبرا - ومن بينهم الدكتورة أماني الحجي - صعوبةً كبيرةً أمام «توطين» هذا الفن في البلدان العربية، ليس فقط لأن المقبلين على تعلمه قلة قليلة، بل أيضاً لأن جمهوره شحيح للغاية!!
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي