الرأي اليوم / لن تستطيع يا ... كيري !

تصغير
تكبير
تمخضت نظريات وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن حقوق الفلسطينيين في القانون الدولي فولدت فأراً... بل يمكن أن نقول قرداً أو مسخاً. إذ أعلن بعد اجتماعه مع المفاوضين الفلسطينيين أن بلاده (العظمى) ستستخدم الفيتو إن تم تقديم مشروع انسحاب اسرائيل من المناطق المحتلة خلال سنتين .

إدارة باراك أوباما التي تعترف بوجود مناطق فلسطينية محتلة والتي ترى أن حل الدولتين هو الأسلم والأفضل لإنهاء النزاع العربي – الإسرائيلي، تريد اليوم استخدام الفيتو أمام مشروع تطبيق ما تعترف به وما تراه الأفضل، لا لشيء إنما لأن إسرائيل هي القلب الأسود في البيت الأبيض، وهو القلب الذي يخفق دائما لضخ الكراهية للأميركيين، وانعدام الثقة في الأميركيين، وكشف المعايير المزدوجة للأميركيين... وفضح زيف شعارات الأميركيين.


عندما خاض باراك أوباما حملتيه الرئاسيتين كان شعاره (yes we can) أي «نعم نستطيع»، للدلالة على مقاربته لأمور كثيرة كانت تعتبر ممنوعة أو في غاية الصعوبة مثل خوض مسائل التأمينات الصحية والاجتماعية ومواجهته لمنظمات الضغط الداخلية ومحاربته للتفرقة العنصرية ودفاعه عن حقوق المثليين وانسحاب أميركا من مناطق التوتر في العالم. ونحن بدورنا نوجه للمستر كيري أسئلة على قاعدة «تستطيع».

هل تستطيع يا مستر كيري أن تنظر بعينيك الاثنتين وليس بعين واحدة عند مقاربتك لقضايا المنطقة؟ عندما تريد أميركا أن تفعل شيئاً فإنها تفعله من دون أي التفات إلى مجلس الأمن وعندما لا تريد أن تفعله فإنها تتذرع بمجلس الأمن. نسوق هنا أمثلة على ذلك من دون أن نتبناها إنما فقط لإثبات ما نقول. فعندما خاضت أميركا حربها على عراق صدام حسين لم تأبه لأي فيتو روسي أو صيني متذرعة بالفصل السابع واستناداً إلى شبهة وجود سلاح كيماوي، وعندما أكدت أميركا نفسها استناداً إلى تقارير خبراء وأدلة جازمة (حسب تعبير كيري نفسه) أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية (ليس الموضوع شبهة كما كان حال العراق) أوقفت خططها العسكرية كون الإجماع في مجلس الأمن مفقوداً، وعندما أعلنت الحرب على «داعش» فإنما فعلت ذلك من دون إجماع مجلس الأمن، أما عندما اقترب الأمر من الدولة الفلسطينية فالتهديد بالفيتو تم إشهاره كون الفيتو بطاقة معطلة للقرار.

هل تستطيع يا مستر كيري اليوم الإجابة عن السؤال: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ أليست ازدواجية المعايير لديكم هي التي تجعل المظلوم يصبح بائساً والبائس متطرفاً والمتطرف قنبلة بشرية؟ أنتم اليوم تعرقلون قراراً يدعو إلى انسحاب إسرائيل من أراضٍ تحتلها، ألستم أنتم وكل العالم وإسرائيل نفسها من يقر بوجود أراضٍ محتلة؟ ثم إن القرار يحظى بضمانات تحت مظلة فرنسية وأوروبية وربما تتوسع هذه المظلة لتصبح دولية شاملة إن تراجعت الولايات المتحدة بضعة أمتار عن منطقة الانحياز الأعمى لإسرائيل وقررت أن تحرر قراراتها المرهونة لتل أبيب.

هل تستطيع يا مستر كيري اليوم أن تبرر لشعوب المنطقة كيف لكم أن تعرقلوا قراراً يخدم الأمن والسلام والاستقرار؟ ألستم من قال إن حل القضية الفلسطينية هو مفتاح الحلول لغالبية مشاكل الشرق الأوسط؟ أم أن الإمعان في التنكر للشعارات وليّ عنق الحقيقة صار ديدن إدارة منحازة من رأسها لقدميها؟ يا معالي الوزير أنت في موقع القرار وخبرتك في شؤون المنطقة تزداد يوماً بعد يوم أما آن الأوان لتدرك أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي والقهر الإسرائيلي والإجرام الإسرائيلي كلها عوامل تؤثر سلباً وبشكل مباشر على المصالح الأميركية ولو في إطارها الضيق؟ حتى ولو في إطار الذكاء السياسي ومن باب الحلف مع إسرائيل يمكنك استخدام ورقة المشروع العربي – الفرنسي للضغط على تل أبيب من أجل تليين مواقفها والمبادرة باتخاذ إجراءات بناء الثقة مع الفلسطينيين والعرب تمهيداً لحل عبر المفاوضات.

و هل تستطيع يا مستر كيري أن تسمع أصوات أهل المنطقة المتضررة من التطرف أكثر مما تضررت أميركا؟ نحن يا معالي الوزير نعرف أنكم تفعلون كل شيء من أجل مصالحكم الخاصة من دون الاهتمام بأي فيتو أو قانون دولي أو تفويض من أحد. طياراتكم من دون طيار تصور وتتجسس وتقتل... التعذيب وملفاته... غوانتانامو وكوابيسه... خطف الناس من بيوتها ومن مطارات أوروبا وأميركا اللاتينية... فرق الاغتيال وقوات النخبة... كل ذلك وغيره تفعلونه وأنتم تصمون الآذان عن أي صوت في عموم الأمم المتحدة، إنما لا بأس من سماع أصوات العرب والمسلمين الذين أصبحوا الضحايا الفعليين لسياستكم والسياسة الإسرائيلية، فإذا كان الرهينة الأميركي – أي رهينة – يقتل ذبحاً من قبل متطرف ويحرك وجدان الأمة الأميركية والعالم بأسره (وهوأمر ندينه قبل الآخرين) فلماذا لا تحرك عمليات الإبادة بكل أنواع الأسلحة (وعلى رأسها الأميركية) التي تعرض ويتعرض لها الفلسطينيون والعرب والمسلمون شعرة في رأسكم يا معالي الوزير؟

و هل تستطيع يا مستر كيري أن تعرف أن السكين التي تذبح رهينة أميركي صارت تحت أعناقنا جميعاً أيضا؟

و هل تستطيع يا مستر كيري أن تدرك أن من سقط من العرب والمسلمين نتيجة التطرف والإرهاب وظلم الأنظمة وإجرام إسرائيل أضعاف أضعاف أضعاف ما سقط من ضحايا في كل العالم؟ مع العلم أن لا مجال للمقارنة أساسا إذا قاربنا المسألة بالأعداد والأرقام والظروف.

و هل تستطيع يا مستر كيري أن تؤمن أن شعوب المنطقة محبة للسلام أكثر من حليفتك إسرائيل؟ وأنها تعتبر الاستقرار معبراً لمستقبل أفضل لأبنائها؟

و هل تستطيع يا مستر كيري أن تفهم أن التطرف، وإن كانت بذوره عندنا هنا وهناك، إلا أن من أنبته وغذاه ورعاه وسقاه أنت تعرفه أكثر منا؟

وهل تستطيع يا مستر كيري أن تقرأ جيداً معنى أن ينهي رئيسك قطيعة امتدت لنصف قرن مع كوبا عدو أميركا اللدود أيديولوجياً وسياسياً وأمنياً؟ وهي العداوة التي كادت تشعل حرباً عالمية ثالثة لكن تغليب المصالح دفع أوباما إلى تبريد «الحديقة الخلفية» تمهيداً للتعاون... حلال عندكم حرام عندنا.

هل وهل وهل... تكثر التمنيات والتساؤلات إنما الجواب واضح: لن تستطيع, لأن إدارتك عمياء تقودها عصاة مرصّعة بنجمة داود.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي