آية قرآنية أصبحت أساساً لدراسات أكثر تعقيداً في ما يعرف بعلم «المتحجرات»
قل كونوا حجارةً أو حديداً ... إعجاز علمي يؤكد توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث
حفرية لصدفة تحلّلت واستبدلت بمعدن الحديد
حفرية لهيكل عظمي لسمكة
بقايا متحجّرة لهيكل عظمي بشري
• الحد الأدنى لعمر المتحجّرات يعتبر 10 آلاف عام وتصل أعمار بعضها إلى 4 مليارات عام
• القرآن سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكوّن الحفريات نتيجة تحوّل الموتى إلى حجارة أو حديد
• يجب على دارس علم الحياة القديمة أن يسير في الأرض فينظر كيف بدأ الخلق ... حقاً إنه سجل مبهر!
•ليعلم العالم كله أن الكتاب العظيم المنزّل على قلب نبي أمي في قلب الصحراء هو كلام خالق هذا الكون ومدبّره
• القرآن سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكوّن الحفريات نتيجة تحوّل الموتى إلى حجارة أو حديد
• يجب على دارس علم الحياة القديمة أن يسير في الأرض فينظر كيف بدأ الخلق ... حقاً إنه سجل مبهر!
•ليعلم العالم كله أن الكتاب العظيم المنزّل على قلب نبي أمي في قلب الصحراء هو كلام خالق هذا الكون ومدبّره
القرآن الكريم هو كلام الله المُنزَل على عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم،وأنّه يحتوي على إعجاز أو معجزات قد يختلفون حول ماهيتها، فالإعجاز يعني ضمناً التحدي مع عجز الجهة التي تم تحديها، وهذا ما يعتبره البعض خاصا ببلاغة القرآن وأسلوبه، ولكن آخرين يؤمنون بشمولية الإعجاز في القرآن للعلوم بشكل مطلق، لكن المسلمين يؤمنون بأن الله هو خالق الكون وبما أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى فإنه من المستحيل أن يتعارض مع الحقائق العلمية التي تم و سيتم اكتشافها بعد نزول القرآن،ولهذا فإن الإعجاز العلمي يعني توافق النص القرآني مع مقتضيات العلم الحديث أو وجود إلماحات أو تصريحات تؤكد حقائق علمية عرفت لاحقاً، وأشهر من عمل بطريقة منهجية على توضيح هذا هو الطبيب الفرنسي موريس بوكاي، حيث ألف في نهاية تجربته التي أعلن إسلامه كثمرة لها كتابه المشهور الذي ترجم إلى سبع عشرة لغة التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث. علمًا أن كتاب ومنهج موريس بوكاي تعرض لانتقادات واسعة من قبل علماء وباحثين غربيين معتبرين الكتاب غير موضوعي وغير علمي. يقول بعض الباحثين وعدد من علماء الشريعة المختصين أيضًا بمجالات علمية متنوعة، أن القرآن الكريم يشير إلى معلومات علميّة كثيرة في عدد من الآيات،وأن هذا يُشكل الدليل القاطع على أن مصدره الله العليم والعارف بكل شيء. وقد انتشر الاعتقاد بأن القرآن بيّن عدّة نظريات علمية معروفة، قبل اكتشافها بمئات السنين، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي،وبرز عدد من العلماء ليؤكدوا ذلك، من أشهرهم الدكتور زغلول النجار، الذي ربط في عدّة محاضرات جامعية وتلفازية بين ما جاء في بعض الآيات وما أقرّته نظريات علمية في القرن العشرين وما سبقه. ومن أبرز ما قيل في هذا المجال على سبيل المثال، أن الآية السابعة والستين من سورة الأنعام: «لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» تشير إلى أن ما ورد في القرآن من معلومات علميّة سوف يُكتشف مع مرور الزمن،وأن الكون خُلق فعلاً من انفجار عظيم،وأن أدنى نقطة على سطح الأرض هي البحر الميت، وأن الجنين يُخلق في أطوار،وغير ذلك من الأمور. كذلك يقول علماء التفسير أن القرآن الكريم تنبأ ببعض الحوادث التي ستقع مستقبلاً، من أشهرها هزيمة الفرس على يد الروم البيزنطيين خلال عقد العشرينيات من القرن السابع،بعد أن كان الفرس قد هزموا الروم قبلاً وفتحوا قسمًا من إمبراطوريتهم: «ألم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»، فقد نزلت هذه الآية في سنة 615، أي قبل 6 أو 7 سنوات من انقلاب ميزان القوى لصالح البيزنطيين.
هذه مقدمة كان لابد منها ونحن نعرض اليوم لإحدى الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم قبل مئات السنين واكتشفها العلم الحديث وأكد على السبق والاعجاز العلمي للقرآن الكريم،وهذه الحقيقة تكمن في قوله تعالى«قل كونوا حجارة أوحديدا»الإسراء 50. هذه الحقيقة العلمية تناولها بالبحث والدراسة الكميائي جمال عبدالناصرالجنايني مدير موقع القرآن والعلم الناطق بالإنجليزية،وسنعرض لأجزاء منها للوقوف على ما تشير إليه هذه الآية الكريمة وما تضمنته من اعجاز علمي يؤكد على أن القرآن الكريم كلام الله المتحدى بأسلوبه المتعبد بتلاوته والمعجزة الخالدة إلى ما شاء الله تعالى رغم أنف المشككين والمعترضين.
يبدأ الباحث كلامه بقول الله تعالى (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً) 49 - 51 الإسراء.
ويتابع: تتحدث هذه الآيات عن إنكار المشركين لحقيقة البعث بعد الموت بعد أن يتحولوا إلى عظام وتراب, ولكن جاء الرد الإلهي يخبرهم أنكم حتى لو أصبحتم حجارة أو حديد فإن الله قادر على أن يبعثكم مرة أخرى, و لا إشكال عند الله في كونكم في الصورة العضوية (عظام و رفات) أو أنكم تحولتم الي صورة غير عضوية (حجارة - حديد), فالذي فطر الانسان و غيره من المخلوقات لأول مرة من تراب الأرض قادر على الاعادة و هي من وجهة نظركم أهون على الله الذى لا يوجد عنده سهل و صعب فالكل في حقه سهل {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الروم27.
وفي هذه الآيات يشير القرآن إلى تحول الموتى إلى حجارة أو حديد وهذه حقيقة تم إثباتها علميا. ليس هذا فقط بل أصبحت هذه الحقيقة أساس علمي لدراسات أكثر تعقيدا في ما يعرف بعلم المتحجرات (Paleontology). وبالتالي فإن القرآن قد سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكون الحفريات نتيجة تحول الموتى إلى حجارة أو حديد.
الحفريات
الحفريات أو المتحجرات هي عبارة عن بقايا أو اثار الحيوانات أو النباتات التي حفظت بواسطة أسباب طبيعية على سطح القشرة الأرضية ومصطلح (Fossil) يشير إلى كل ما هو موجود أو مدفون في الأرض بصورة عامة، لذا فان الأحياء التي تعيش حاليا لا يمكن اعتبارها متحجرات عندما تموت وتدفن لان معظم علماء المتحجرات يعزون تصنيف المتحجرات على إنها الكائنات التي دفنت في أزمان معينة. حيث أن الحد الأدنى لعمر المتحجرات يعتبر 10 آلاف سنة ويصل أعمار بعض المتحجرات إلى 4 مليارات عام وتمثل المتحجرات المكتشفة وغير المكتشفة وأماكن تواجدها في التكونات الصخرية والطبقات الرسوبية ما يعرف باسم السجل الحفري.
ولقد استطاع العلماء تحديد أعمار المتحجرات عن طريق تحديد أعمار طبقات الصخور التي تحتوي عليها وذلك بواسطة ما يعرف باسم (radiometric dating) وهي تحديد أعمار الصخور عن طريق النظائر المشعة الموجودة بها.
ومن هنا فإن الطريقة الوحيدة لدراسة الحياة القديمة (prehistoric life) هي عن طريق دراسة بقاياها المحفوظة على هيئة متحجرات. ولذلك فمن الخطأ مثلا أن يصف بعض الناس متحجرات الديناصورات بالهيكل العظمي للديناصور حيث إنه في الحقيقة لا يمكن للمواد العضوية التي تتكون منها العظام أن تظل موجودة لهذه الملايين من السنين. بل ما نراه بأعيننا هو عبارة عن نموذج صخري لهذه العظام. وبالتاي فنحن لا نرى من بقايا الديناصورات إلا الأجزاء التي تحولت منها إلى حجارة.
يقول الدكتور/ حسني حمدان أستاذ علوم الأرض في مقدمة منهجه في تدريس علم الحفريات«زخر أرشيف الحياة على الأرض بسجل رائع للأمم التي تداولتها الأيام من أقدم الكائنات ظهورا على الأرض وإلى يومنا هذا. وعلى دارس علم الحياة القديمة أن يسير في الأرض فينظر كيف بدأ الخلق. حقا إنه سجل مبهر إلا أنه في نفس الوقت ليس كاملا. وإن كانت الحقيقة أن كل ما عاش مات, إلا أنه من المؤكد أن كل ما مات لم يقبر, وكل ما قبر لم يحفظ, وكل ما حفظ لم نعثر عليه, وكل ما عثرنا عليه لم نتعرفه. ويحوى سجل الحياة فراغات أكثر من السجل ذاته. وتلعب ثلاثة عوامل أدوارا رئيسة في حفظ بقايا الكائنات البائدة تتنوع ما بين التحطيم الميكانيكي, والحياتي والكيميائي. وحينما ندرس لطلابنا الطرق التي من خلالها يتم حفظ الكائنات لا يجب أن تغيب عنا إشارات القرآن عن إمكانية تحول بقايا الإنسان إلى حجارة أو حديد أو ما هو أكبر من ذلك, وإلى المثلية بين الدواب والطيور والإنسان, وإلى تقسيم الكائنات, وإلى تعريف النوع البيولوجى, وإلى أن السجل الكامل للأقدمين عند رب العالمين».
حفظ المتحجرات
إن حفظ الحفريات يتطلب جمل من الشروط تتمثل في:
1. وجود أجزاء صلبة مثل العظام والأصداف والنسيج الصوفي.
2. سرعة الطمر مع انتقال بسيط للكائنات من موقع موتها وليس مسافة طويلة وهذا يقع تحت علم Taphonomy وهو علم متخصص بما حصل للكائن الميت من زمن موته إلى حين اكتشافه.
3. الدفن في الترسبات الناعمة مثل الطين والغرين والرمل.
4. حركة قليلة لفعالية البكتريا على بقايا الحيوانات والنباتات بعد موتها وعليه عدم حصول التحلل السريع.
5. مستوى ثابت من درجة الحرارة والرطوبة.
6. عملية دوران المياه الجوفية حاملا المعادن الذائبة لتثبيت المكونات الكيميائية.
*لكن كيف تتحول العظام إلى حجارة أو حديد؟
من المعروف أن أكثر بقايا الكائنات الحية حفظا هي البقايا الصلبة مثل العظام والأسنان والدروع. ويحدث ذلك عندما يتم استبدال المركبات الكيميائية في هذه البقايا بأنواع من المعادن تكون غالبا إما معدن الكالسيت (calcite) أو السليكا (silica) أو البيريت (pyrite). ومن هنا يمكن تقسيم هذه البقايا المتحجرة حسب المعادن التي استبدلتها إلى نوعين أساسيين:
1- البقايا التي تحولت إلى حجارة:
من المعروف أن الكالسيت والسيليكا هم المكون الأساسي لمعظم انواع الصخور والحجارة بل أن السليكا مثلا هي أكثر المعادن تواجدا في القشرة الأرضية. ولذلك فعندما تستبدل معادن السليكا أو الكالسيت بقايا الكائن الحي يتكون نموذج صخري لهذه البقايا، وبالتالي فإن هذه البقايا تكون تحولت بالفعل إلى حجارة.
2- البقايا التي تحولت إلى حديد:
في كثير من الحالات يتم استبدال بقايا الكائن الحي بمعدن البيريت والذي يعرف أيضا باسم الحديد بيريت (Iron pyrite). وهذا المعدن عبارة عن ثاني كبريتيد الحديد (FeS2) ويعطي هذا المعدن لون وبريق يشبه الذهب لذلك يعرف باسم الذهب الكاذب. وعندما يتم استبدال بقايا الكائن الحي بهذا المعدن ويكون محفوظا حفظا جيدا فإن نموذج هذه البقايا المكون من الحديد بيريت يعطي بريق معدني مماثل لبريق البيريت.
ولكن أكثر من ذلك إن معدن البيريت معدن غير ثابت فعندما لا تكون البقايا محفوظة جيدا وتتعرض للرطوبة فإنها تتأكسد وتتحول إلى ركامة من الصدأ والذي هو عبارة عن كبريتات الحديد (FeSO4.7H2O).
ولنرى مدى الإعجاز فبقايا الكائنات الحية تتحول مع مرور العصور والأزمان إلى حجارة أو في بعض الحالات تتحول إلى خامات الحديد والتي نفسها مع الوقت تتحول إلى كومة من صدأ الحديد,«قل كونوا حجارة أو حديدا».الإسراء 50.
ولنقل للكافرين نعم مهما مر من الوقت والعصور على الموتى و تحولوا إلى حجارة أو حتى تحولوا إلى حديد فإن الذي خلقهم من العدم قادر على أن يعيدهم مرة أخرى. وليعلم العالم كله أن هذا الكتاب العظيم المنزل على قلب نبي أمي في قلب الصحراء هو كلام خالق هذا الكون عز وجل.
أمر خارق للعادة
الإعجاز مشتق من العجز والعجز الضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب اعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي شخص على الآتيان بمثله.
الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول محمد مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه، وفق اصطلاح الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. فالإعجاز العلمي للقرآن يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن بحسب تعريف الدكتورزغلول النجار.
قال تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»وقال جل شأنه:«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» أو حتى بسورة قصيرة مثله فقال: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
على الرغم من مرور الكثير من الوقت منذ قديم الزمن إلى الوقت الحاضر، إلا أن أهل اللغة إلى الآن ما زالوا يقرون بقوة الإسلوب القرآني، وعليه فقد أشار أبو سليمان الخطابي إلى عدم قدرة العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز فقال:«ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجوه الإعجاز من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وأصغوا فيه إلى حكم الذوق». وقال العلامة ابن خلدون:«الإعجاز تقصر الإفهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه».
هداية إلهية
مع مطلع فجر كل يوم نسمع ونرى العديد من الحقائق، التي يثبتها العلم، الأمر الذي يؤكد مصداقية هذا القرآن وصدق ما جاء به وأنه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42).
ويجدر بنا أن نقتطف بعضًا مما ذكره الأديب محمد صادق الرافعي رحمه الله في هذا السياق، إذ يقول في وصفه للقرآن الكريم: «إنه هداية إلهية في أسلوب إنساني يحمل في نفسه دليل إعجازه، ويكون القرآن منفرداً في التاريخ بأنه منذ أُنزل لا يبرح في كل عصر يظهر من ناحيتين صادقتين: ناحية الماضي، وناحية الحاضر...ولم يأت دين من الأديان بمعجزة توضع بين أيدي الناس يبحث فيها أهل كل عصر بوسائل عصرهم غير الإسلام، بما أنزل فيه من القرآن».ثم هو يصف إعجازه بأنه: «مشْغَلة العقل البياني العربي في كل الأزمنة، يأتي الجيل من الناس ويمضي وهو باق بحقائقه ينتظر الجيل الذي يخلفه؛ كما أنه مشْغَلة الفكر الإنساني».
السبق العلمي
كلمة السبق العلمي تطلق كما تطلق كلمة السبق الصحفي، فالقرآن ليس كتاب فيزياء فلكية ولا علوم كيمياء أو طب أو زراعة، أو غيرها من علوم الاستخلاف الأرضي التي فوضها الله إلى الإنسان، الذي جعله خليفة في الأرض، حسب قول القرآن. ولقد حث القرآن على طلب العلم والدراسة: قال تعالى:«اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الذي علم بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» إذن ليس القرآن كتاباً علميا بحتًا لهذه العلوم، بل هو كتاب هداية وتعريف لهوية الإنسان، وهو كتاب علمي للسلوك البشري والأخلاق والمعاملات قال تعالى:«إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» أما جانب السبق العلمي ففي قوله تعالى:«سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ولقد أصطلح علماء الشريعة على تسمية هذا السبق العلمي بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
معارضة
هناك عدد من العلماء الذين يُعارضون فكرة وجود إعجاز علميّ في القرآن، قائلين أنه ليس بكتاب علوم، ومن أبرز الذين قالوا بذلك أبو الريحان البيروني، الذي وضع القرآن في تصنيف خاص به وحده، وقال أنه «لا يتدخل في شأن العلم ولا يُخالطه»،ومن الأسباب التي جعلت البيروني وغيره من علماء عصره، ومن تلاهم، يقولون بعدم وجود إعجاز علمي في القرآن، وجود عدّة تفسيرات علمية لظاهرة طبيعية وحيدة، فالعلم دائمًا ما يتغير والنظريات دائمًا ما تتبدل وتُدحض، فلا يمكن القول بصحة إحداها طيلة الزمن. واعتبر العديد من الباحثين والعلماء أن الإعجاز العلمي ما هو الاّ إعجاز لغوي لا صلة له بالعلوم ويصنّف ضمن العلوم الزائفة.، يُذكر أنّ بعض المعجزات التي يعتبرها المسلمون إعجازا علميا تم إنكارها من قبل بعض العلماء، مثل انشقاق القمر حيث يرى معظم المؤرخين الغربيين عدم مصداقية هذه المعجزات. كما ينكر علماء الفضاء وجود دليل علمي على حدوث انشقاق في القمر.
هذه مقدمة كان لابد منها ونحن نعرض اليوم لإحدى الحقائق العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم قبل مئات السنين واكتشفها العلم الحديث وأكد على السبق والاعجاز العلمي للقرآن الكريم،وهذه الحقيقة تكمن في قوله تعالى«قل كونوا حجارة أوحديدا»الإسراء 50. هذه الحقيقة العلمية تناولها بالبحث والدراسة الكميائي جمال عبدالناصرالجنايني مدير موقع القرآن والعلم الناطق بالإنجليزية،وسنعرض لأجزاء منها للوقوف على ما تشير إليه هذه الآية الكريمة وما تضمنته من اعجاز علمي يؤكد على أن القرآن الكريم كلام الله المتحدى بأسلوبه المتعبد بتلاوته والمعجزة الخالدة إلى ما شاء الله تعالى رغم أنف المشككين والمعترضين.
يبدأ الباحث كلامه بقول الله تعالى (وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً. قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً. أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً) 49 - 51 الإسراء.
ويتابع: تتحدث هذه الآيات عن إنكار المشركين لحقيقة البعث بعد الموت بعد أن يتحولوا إلى عظام وتراب, ولكن جاء الرد الإلهي يخبرهم أنكم حتى لو أصبحتم حجارة أو حديد فإن الله قادر على أن يبعثكم مرة أخرى, و لا إشكال عند الله في كونكم في الصورة العضوية (عظام و رفات) أو أنكم تحولتم الي صورة غير عضوية (حجارة - حديد), فالذي فطر الانسان و غيره من المخلوقات لأول مرة من تراب الأرض قادر على الاعادة و هي من وجهة نظركم أهون على الله الذى لا يوجد عنده سهل و صعب فالكل في حقه سهل {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الروم27.
وفي هذه الآيات يشير القرآن إلى تحول الموتى إلى حجارة أو حديد وهذه حقيقة تم إثباتها علميا. ليس هذا فقط بل أصبحت هذه الحقيقة أساس علمي لدراسات أكثر تعقيدا في ما يعرف بعلم المتحجرات (Paleontology). وبالتالي فإن القرآن قد سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكون الحفريات نتيجة تحول الموتى إلى حجارة أو حديد.
الحفريات
الحفريات أو المتحجرات هي عبارة عن بقايا أو اثار الحيوانات أو النباتات التي حفظت بواسطة أسباب طبيعية على سطح القشرة الأرضية ومصطلح (Fossil) يشير إلى كل ما هو موجود أو مدفون في الأرض بصورة عامة، لذا فان الأحياء التي تعيش حاليا لا يمكن اعتبارها متحجرات عندما تموت وتدفن لان معظم علماء المتحجرات يعزون تصنيف المتحجرات على إنها الكائنات التي دفنت في أزمان معينة. حيث أن الحد الأدنى لعمر المتحجرات يعتبر 10 آلاف سنة ويصل أعمار بعض المتحجرات إلى 4 مليارات عام وتمثل المتحجرات المكتشفة وغير المكتشفة وأماكن تواجدها في التكونات الصخرية والطبقات الرسوبية ما يعرف باسم السجل الحفري.
ولقد استطاع العلماء تحديد أعمار المتحجرات عن طريق تحديد أعمار طبقات الصخور التي تحتوي عليها وذلك بواسطة ما يعرف باسم (radiometric dating) وهي تحديد أعمار الصخور عن طريق النظائر المشعة الموجودة بها.
ومن هنا فإن الطريقة الوحيدة لدراسة الحياة القديمة (prehistoric life) هي عن طريق دراسة بقاياها المحفوظة على هيئة متحجرات. ولذلك فمن الخطأ مثلا أن يصف بعض الناس متحجرات الديناصورات بالهيكل العظمي للديناصور حيث إنه في الحقيقة لا يمكن للمواد العضوية التي تتكون منها العظام أن تظل موجودة لهذه الملايين من السنين. بل ما نراه بأعيننا هو عبارة عن نموذج صخري لهذه العظام. وبالتاي فنحن لا نرى من بقايا الديناصورات إلا الأجزاء التي تحولت منها إلى حجارة.
يقول الدكتور/ حسني حمدان أستاذ علوم الأرض في مقدمة منهجه في تدريس علم الحفريات«زخر أرشيف الحياة على الأرض بسجل رائع للأمم التي تداولتها الأيام من أقدم الكائنات ظهورا على الأرض وإلى يومنا هذا. وعلى دارس علم الحياة القديمة أن يسير في الأرض فينظر كيف بدأ الخلق. حقا إنه سجل مبهر إلا أنه في نفس الوقت ليس كاملا. وإن كانت الحقيقة أن كل ما عاش مات, إلا أنه من المؤكد أن كل ما مات لم يقبر, وكل ما قبر لم يحفظ, وكل ما حفظ لم نعثر عليه, وكل ما عثرنا عليه لم نتعرفه. ويحوى سجل الحياة فراغات أكثر من السجل ذاته. وتلعب ثلاثة عوامل أدوارا رئيسة في حفظ بقايا الكائنات البائدة تتنوع ما بين التحطيم الميكانيكي, والحياتي والكيميائي. وحينما ندرس لطلابنا الطرق التي من خلالها يتم حفظ الكائنات لا يجب أن تغيب عنا إشارات القرآن عن إمكانية تحول بقايا الإنسان إلى حجارة أو حديد أو ما هو أكبر من ذلك, وإلى المثلية بين الدواب والطيور والإنسان, وإلى تقسيم الكائنات, وإلى تعريف النوع البيولوجى, وإلى أن السجل الكامل للأقدمين عند رب العالمين».
حفظ المتحجرات
إن حفظ الحفريات يتطلب جمل من الشروط تتمثل في:
1. وجود أجزاء صلبة مثل العظام والأصداف والنسيج الصوفي.
2. سرعة الطمر مع انتقال بسيط للكائنات من موقع موتها وليس مسافة طويلة وهذا يقع تحت علم Taphonomy وهو علم متخصص بما حصل للكائن الميت من زمن موته إلى حين اكتشافه.
3. الدفن في الترسبات الناعمة مثل الطين والغرين والرمل.
4. حركة قليلة لفعالية البكتريا على بقايا الحيوانات والنباتات بعد موتها وعليه عدم حصول التحلل السريع.
5. مستوى ثابت من درجة الحرارة والرطوبة.
6. عملية دوران المياه الجوفية حاملا المعادن الذائبة لتثبيت المكونات الكيميائية.
*لكن كيف تتحول العظام إلى حجارة أو حديد؟
من المعروف أن أكثر بقايا الكائنات الحية حفظا هي البقايا الصلبة مثل العظام والأسنان والدروع. ويحدث ذلك عندما يتم استبدال المركبات الكيميائية في هذه البقايا بأنواع من المعادن تكون غالبا إما معدن الكالسيت (calcite) أو السليكا (silica) أو البيريت (pyrite). ومن هنا يمكن تقسيم هذه البقايا المتحجرة حسب المعادن التي استبدلتها إلى نوعين أساسيين:
1- البقايا التي تحولت إلى حجارة:
من المعروف أن الكالسيت والسيليكا هم المكون الأساسي لمعظم انواع الصخور والحجارة بل أن السليكا مثلا هي أكثر المعادن تواجدا في القشرة الأرضية. ولذلك فعندما تستبدل معادن السليكا أو الكالسيت بقايا الكائن الحي يتكون نموذج صخري لهذه البقايا، وبالتالي فإن هذه البقايا تكون تحولت بالفعل إلى حجارة.
2- البقايا التي تحولت إلى حديد:
في كثير من الحالات يتم استبدال بقايا الكائن الحي بمعدن البيريت والذي يعرف أيضا باسم الحديد بيريت (Iron pyrite). وهذا المعدن عبارة عن ثاني كبريتيد الحديد (FeS2) ويعطي هذا المعدن لون وبريق يشبه الذهب لذلك يعرف باسم الذهب الكاذب. وعندما يتم استبدال بقايا الكائن الحي بهذا المعدن ويكون محفوظا حفظا جيدا فإن نموذج هذه البقايا المكون من الحديد بيريت يعطي بريق معدني مماثل لبريق البيريت.
ولكن أكثر من ذلك إن معدن البيريت معدن غير ثابت فعندما لا تكون البقايا محفوظة جيدا وتتعرض للرطوبة فإنها تتأكسد وتتحول إلى ركامة من الصدأ والذي هو عبارة عن كبريتات الحديد (FeSO4.7H2O).
ولنرى مدى الإعجاز فبقايا الكائنات الحية تتحول مع مرور العصور والأزمان إلى حجارة أو في بعض الحالات تتحول إلى خامات الحديد والتي نفسها مع الوقت تتحول إلى كومة من صدأ الحديد,«قل كونوا حجارة أو حديدا».الإسراء 50.
ولنقل للكافرين نعم مهما مر من الوقت والعصور على الموتى و تحولوا إلى حجارة أو حتى تحولوا إلى حديد فإن الذي خلقهم من العدم قادر على أن يعيدهم مرة أخرى. وليعلم العالم كله أن هذا الكتاب العظيم المنزل على قلب نبي أمي في قلب الصحراء هو كلام خالق هذا الكون عز وجل.
أمر خارق للعادة
الإعجاز مشتق من العجز والعجز الضعف أو عدم القدرة والإعجاز مصدره أعجز وهو بمعنى الفوت والسبق والمعجزة في اصطلاح العلماء أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة وإعجاز القرآن يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب اعتقاد المسلمين بعدم قدرة أي شخص على الآتيان بمثله.
الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول محمد مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه، وفق اصطلاح الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. فالإعجاز العلمي للقرآن يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنزل القرآن بحسب تعريف الدكتورزغلول النجار.
قال تعالى: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»وقال جل شأنه:«قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» أو حتى بسورة قصيرة مثله فقال: «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»
على الرغم من مرور الكثير من الوقت منذ قديم الزمن إلى الوقت الحاضر، إلا أن أهل اللغة إلى الآن ما زالوا يقرون بقوة الإسلوب القرآني، وعليه فقد أشار أبو سليمان الخطابي إلى عدم قدرة العلماء عن إبراز تفاصيل وجوه الإعجاز فقال:«ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجوه الإعجاز من جهة البلاغة لكن صعب عليهم تفصيلها وأصغوا فيه إلى حكم الذوق». وقال العلامة ابن خلدون:«الإعجاز تقصر الإفهام عن إدراكه وإنما يدرك بعض الشيء منه من كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي وحصول ملكته، فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه».
هداية إلهية
مع مطلع فجر كل يوم نسمع ونرى العديد من الحقائق، التي يثبتها العلم، الأمر الذي يؤكد مصداقية هذا القرآن وصدق ما جاء به وأنه {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد} (فصلت:42).
ويجدر بنا أن نقتطف بعضًا مما ذكره الأديب محمد صادق الرافعي رحمه الله في هذا السياق، إذ يقول في وصفه للقرآن الكريم: «إنه هداية إلهية في أسلوب إنساني يحمل في نفسه دليل إعجازه، ويكون القرآن منفرداً في التاريخ بأنه منذ أُنزل لا يبرح في كل عصر يظهر من ناحيتين صادقتين: ناحية الماضي، وناحية الحاضر...ولم يأت دين من الأديان بمعجزة توضع بين أيدي الناس يبحث فيها أهل كل عصر بوسائل عصرهم غير الإسلام، بما أنزل فيه من القرآن».ثم هو يصف إعجازه بأنه: «مشْغَلة العقل البياني العربي في كل الأزمنة، يأتي الجيل من الناس ويمضي وهو باق بحقائقه ينتظر الجيل الذي يخلفه؛ كما أنه مشْغَلة الفكر الإنساني».
السبق العلمي
كلمة السبق العلمي تطلق كما تطلق كلمة السبق الصحفي، فالقرآن ليس كتاب فيزياء فلكية ولا علوم كيمياء أو طب أو زراعة، أو غيرها من علوم الاستخلاف الأرضي التي فوضها الله إلى الإنسان، الذي جعله خليفة في الأرض، حسب قول القرآن. ولقد حث القرآن على طلب العلم والدراسة: قال تعالى:«اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الذي علم بالقلم عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» إذن ليس القرآن كتاباً علميا بحتًا لهذه العلوم، بل هو كتاب هداية وتعريف لهوية الإنسان، وهو كتاب علمي للسلوك البشري والأخلاق والمعاملات قال تعالى:«إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا» أما جانب السبق العلمي ففي قوله تعالى:«سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» ولقد أصطلح علماء الشريعة على تسمية هذا السبق العلمي بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
معارضة
هناك عدد من العلماء الذين يُعارضون فكرة وجود إعجاز علميّ في القرآن، قائلين أنه ليس بكتاب علوم، ومن أبرز الذين قالوا بذلك أبو الريحان البيروني، الذي وضع القرآن في تصنيف خاص به وحده، وقال أنه «لا يتدخل في شأن العلم ولا يُخالطه»،ومن الأسباب التي جعلت البيروني وغيره من علماء عصره، ومن تلاهم، يقولون بعدم وجود إعجاز علمي في القرآن، وجود عدّة تفسيرات علمية لظاهرة طبيعية وحيدة، فالعلم دائمًا ما يتغير والنظريات دائمًا ما تتبدل وتُدحض، فلا يمكن القول بصحة إحداها طيلة الزمن. واعتبر العديد من الباحثين والعلماء أن الإعجاز العلمي ما هو الاّ إعجاز لغوي لا صلة له بالعلوم ويصنّف ضمن العلوم الزائفة.، يُذكر أنّ بعض المعجزات التي يعتبرها المسلمون إعجازا علميا تم إنكارها من قبل بعض العلماء، مثل انشقاق القمر حيث يرى معظم المؤرخين الغربيين عدم مصداقية هذه المعجزات. كما ينكر علماء الفضاء وجود دليل علمي على حدوث انشقاق في القمر.