الكويت وشهر القنابل خذوا الحكمة من أفواه الأميركيين


تعبر الكويت خريف الخوف والقلق على ابواب «شهر القنابل» (حسب توصيف وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح)، ففي خريف الطبيعة تتساقط اوراق وتتعرى اشجار وتنكشف حقول، وفي خريف السياسة تتساقط اوراق وتتعرى مواقف وتنكشف سياسات... ولا ندري حقيقة اي شتاء ينتظرنا مع تراكم الرياح الغربية – الشرقية في اجوائنا وفوق مياهنا.
اهم مقدمات الشتاء كانت صفقات السلاح الضخمة التي قيل ان دول المنطقة – مستفيدة من ارتفاع اسعار النفط - ستشتريها تحسبا للقادم من تطورات، وكذلك دعوة واشنطن الدول العربية الى احياء عصبية العروبة في مواجهة تدخلات ايران وتركيا في العراق.
خذوا الحكمة من افواه الاميركيين، خذوها حتى ولو كان الاميركيون هم من لعب الدور الاساسي في ادخال الشقيق والقريب والبعيد إلى العراق من خلال «القرار التاريخي» بحل الجيش العراقي والقوى الامنية الاخرى.
ولكن، هل الاميركيون مقتنعون فعلا بأن صفقات السلاح في المنطقة تحقق استقرارا؟ وهل هم حريصون فعلا على عروبة المنطقة؟ ام ان العروبة بمعناها «اليميني المحافظ» الآن ورقة في صراع محتمل مع ايران؟
بصريح العبارة، يريد الاميركيون ايقاظ حس العروبة فينا بعدما كانت العروبة نفسها هدفا مباشرا للنيران «الصديقة» وللنيران «العدوة»، من اجل ترتيب مشروعهم العراقي حاليا والاستعداد لمشروعهم الايراني مستقبلا... هكذا نقرأ الدعوة ونحن على ابواب «شهر القنابل» اللهم إلا إذا أراد لنا العم سام ان نقتنع بأنه معجب بعروبتنا وحريص على صيانتها خصوصا في فلسطين وجنوب لبنان.
وبين الدعوة الاميركية الى «التعريب» وصفقات السلاح وشهر القنابل، تحتاج الكويت الى تخصيب وعي مكثف لصد الشظايا المحتملة والحفاظ على رسالتها «العروبية» الحضارية في المنطقة من دون حاجة الى دروس في هذا الاطار من الاميركيين. فالعروبة بمفهومنا انسانية المنطلق والمصير يحصنها الايمان بالعدل والحقوق والسيادة والتعاون والتعايش السلمي والبناء الدائم، وهي ليست عروبة الصفقات التسليحية المبرمجة ضد ايران وغير ايران والمحصنة بالمصلحة الظرفية والخوف والظلم والمعايير المزدوجة والتوتر والخلاف والتعايش المقلق والتعاون الملتبس... والدمار الشامل.
في «شهر القنابل» لا نحتاج الى اكثر من الاعتصام بالحكمة، والاتعاظ من التجارب وما اكثرها. لا نريد المبادرة بخلق ارباكات للقيادة السياسية، كما نرفض ان نكون بوابة التهويل الاولى لدول الخليج وشعوبها من خطر هنا او مخطط هناك. الخوف شيء والتخويف شيء آخر. الحذر واجب لكن المبالغة مضرة. المصلحة الوطنية طريقها معروف ومصلحة الآخرين طريقها ايضا معروف. الوحدة الداخلية اساس والعبث فيها انقلاب. التعاون مع دول الجوار استراتيجية سلام والمساعدة في هدمه استراتيجية حرب.
نريد من الايرانيين التزام الشرعية الدولية في الموضوع النووي من باب الاخوة والصداقة والمصلحة المشتركة والقلق على ايران. نقول ان توتير الاوضاع مع دول الخليج لا يخدم ايران كما نقول ان توتير الاوضاع مع ايران لايخدم دول الخليج لاننا امتداد اقليمي واحد. نتمسك بحقنا المطلق في السيادة والأمن والاستقرار وتحصين وضعنا الداخلي من باب الجيرة لا من باب العداء. نرفع مع طهران وواشنطن صوت الحكمة والتعقل لان الدمار لن يستثنينا اذا اندلعت المواجهات، وليتذكر المراهقون السياسيون دائما ان الكويت اقرب الى بوشهر من قرب طهران لبوشهر.
لا ندافع عن مصالح ايران فهي دولة كبيرة في المنطقة تعرف تماما كيف تدافع عن مصالحها، لكننا نتلمس دائما مصلحة الكويت اولا واخيرا بغض النظر عن تأييدنا او عدم تأييدنا للسياسة الايرانية هنا وهناك. يبقى ان نعيد التذكير – وقد حضر كلام المصالح – بأن مسؤولين اميركيين كانوا يحضون شاه ايران السابق قبل عقود على بناء مفاعل نووي ايراني وفي بوشهر تحديدا، وبأن مسؤولين اميركيين عقدوا صفقات سياسية وتسليحية مع الجمهورية الاسلامية خلال الحرب التي شنها صدام حسين باسم «العروبة». يومها كان الاميركيون مع «العروبة» الى الدرجة التي دخل معها مصطلح «القادسية» ادبياتهم السياسية، فيما كان روبرت ماكفرلين يحتسي الشاي مع مسؤولين ايرانيين ممهدا لاحقا لما عرف بـ«الكونترا غيت».
لم يتعلم الاميركيون شيئا من اخطائهم في المنطقة، وها هم يريدون تعليمنا اليوم كيف نحافظ على «عروبتنا» من اجل ان نتزود بذخائر وشحنات قومية بالتزامن مع الذخائر والشحنات العسكرية. هم لم يتعلموا ولن يتعلموا... فهل نتعلم نحن؟
جاسم بودي