الرأي اليوم / ... ما بعد قمة الدوحة

تصغير
تكبير
تنعقد بعد أيام القمة الخليجية في دوحة قطر بعدما اجتاز التحضير لها مطبات كبيرة تمثلت بخلافات باتت معروفة شلت عمل مجلس التعاون لسنة تقريبا، واستطاع «الإطفائي» سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إخماد «النيران الصديقة» بجهد وعزيمة ورؤية وصدق وإرادة وخرج بنتيجة إيجابية تحسب له ولتاريخه ولمكانته لدى الجميع.

عاد سفراء السعودية والبحرين والإمارات إلى قطر. تحدث خادم الحرمين الشريفين عن مصالحة بين القاهرة والدوحة. قال وزير خارجية قطرإن الخلافات صارت جزءاً من الماضي وإن وحدة البيت الخليجي مصيرية... وسنسمع في الأيام المقبلة كلمات ود ومحبة وتضامن بعكس ما كنا نسمعه قبل جولات الشيخ صباح المكوكية وتحضيراته الطويلة لبنود الاتفاق، وكل ذلك مشكور ومحمود ومطلوب.


إنما لنكن أيضا صريحين وواضحين ومنطقيين... ماذا بعد قمة الدوحة؟

شعوب دول الخليج لا ترغب في رؤية قمة تعقد كي تعتبر أن مجلس التعاون حقق تقدما يتناسب مع طموحاتها. بمعنى آخر، يجب ألا تكون القمة نتاج التقاء بعد خلاف في وجهات النظر بل أن تكون محطة لدفع المشاريع المشتركة قدما إلى أمام، ومثلما كتبنا مراراً أن على المصطادين في الماء العكر ألا يراهنوا على الخلافات بين دول «الخليجي» لأن المصالحات آتية، نكتب اليوم أن المصالحات ليست غاية بحد ذاتها نعتبر معها أن قمة الدوحة نجحت لمجرد أنها عقدت، بل هي جسر للوصول إلى قرارات حقيقية تحقق جزءاً من طموحات أهل الخليج في التقارب الاقتصادي تحديداً ومن خلاله في المجالات الأخرى.

ومثلما صارت الخلافات من الماضي كما قال الإخوة الأعزاء في قطر نريد أن تكون المصالحات معبراً إلى القمة لا أن تكون هي جدول أعمال القمة، فننتشي بحصولها ونعتبرها «أم الإنجازات» ثم نحيل كل المشاريع والقرارات إلى اللجان... ومقابرها.

وحتى تصبح المصالحات مدخلاً إلى الإنجاز علينا أن نسأل قادة الخليجي عن الضمانات بعدم تكرار الخلافات وبالتالي شلل عمل مجلس التعاون، أو كي نكون واقعيين لنسأل عن الضمانات بعدم تحول الاختلافات في الرأي والرؤية (وهو أمر طبيعي) إلى خلافات وعداوات تشل مسيرة التعاون. هل إذا اختلفت دولتان مثلا في أمر ما علينا أن نرى استقطاباً بين «مع» و«ضد» يؤدي إلى وقف المشاريع المشتركة؟ وما ذنب الشعوب كي تتحمل وزر تناقض المواقف بين زعيمين أو حكومتين؟

نعود إلى المواثيق التي يجب أن تصون مسيرة المجلس من أي تعثر لأن الخلافات والاختلافات لن تنتهي. هذا هو حال الاتحاد الأوروبي ومختلف التكتلات الإقليمية من نمور آسيا إلى جمهوريات الموز في أميركا اللاتينية. هناك تباينات وهناك مسيرة لا تتوقف لسبب بسيط وهو حصة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار من خلال مؤسسات تفصل بين مسار المشاريع الاقتصادية والمالية والتجارية وبين ما قد يحصل من اختلافات سياسية.

ولسنا واهمين بإمكان رؤية البرلمان الخليجي على غرار البرلمان الأوروبي، ولسنا مقتنعين بأن المجلس الاستشاري الشعبي الخليجي يؤدي عمله بالشكل المطلوب أو أنه استطاع في الحدود الدنيا تكوين إطار رقابي أو تشاركي، لكن من حقنا أن نحلم بوجود مثل هذا البرلمان بعد أن نحلم بتطور تدريجي للمشاركة الشعبية في السلطة داخل كل دولة وحسب خصوصياتها... فهذا الحلم لا ينبع فقط من الرغبة في تكريس الديموقراطية أو الشوروية، إنما من المصلحة المطلقة لصيانة مجلس التعاون وتحوله فعلا إلى كيان إقليمي قوي وقادر، وضمان استمرار مسيرة العمل المشترك بمنأى عن التجاذبات السياسية.

ثم إن التأخر في إقرار وتنفيذ المشاريع الحيوية والاستراتيجية يلعب دوراً في إضعاف مناعة مجلس التعاون الخليجي ويجعل الخلافات السياسية تتقدم على ما عداها. فلو كان قطار الاتفاقات انطلق منذ سنوات وبدأت الشعوب تحصد نتائجها في كل المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية والإنمائية بشكل عام لما كان لأي تباين سياسي أن يشل عمل المجلس برمته. طبعا ستبقى التباينات لكنها قد تكون محاصرة بعوامل المصلحة المشتركة التي ستتغلب عليها بمفهوم المواطن الخليجي العادي الذي يراقب تجارب التكتلات الإقليمية العالمية ويتمنى أن يبدأ خطواتها.

أن تتخذ قمة الدوحة قرارات تغلب «الاقتصادي» على «السياسي» فهو الإنجاز الأكبر الذي يمكن على أساسه قياس نجاح القمة من عدمه.

أن تقر جملة اتفاقات تتعلق بالعمل المشترك وأن تضع آليات تنفيذية «إلزامية» لما أقر فهو الإنجاز الأكبر الذي يمكن على أساسه قياس نجاح القمة من عدمه.

أن تفتح الباب أكثر للمشاركة الشعبية في أعمال مجلس التعاون على أن تتحول لاحقا إلى نواة لبرلمان خليجي فهو الإنجاز الأكبر الذي يمكن على أساسه قياس نجاح القمة من عدمه.

أن تضع ضوابط حقيقية لإبعاد التباينات أو التجاذبات السياسية عن مسيرة العمل المشترك احتراماً للمواطن الخليجي العادي وآماله وتطلعاته فهو الإنجاز الأكبر الذي يمكن على أساسه قياس نجاح القمة من عدمه.

أما غير ذلك فيمكن أن نقرأ من الآن الفقرات المتعلقة بمكافحة الإرهاب والحرب على «داعش» والتحديات الإقليمية والحوار الإيراني – الغربي وموضوع الجزر الإماراتية والقضية الفلسطينية والأوضاع في سورية ولبنان والعراق واليمن وليبيا وضرورة دعم الاستقرار في مصر... مع تعديلات بسيطة تفرضها التطورات والمستجدات.

هذه رسالة المواطن الخليجي العادي لقمة الدوحة... هذا ما نتوقعه للنتائج والقرارات... هذا ما نحلم به بعد القمة لمستقبل التعاون الخليجي. فهل من مجيب؟

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي