الرأي اليوم / ... حاول ألا تصدقه !


أتاك مبتسماً لطيفاً بشوشاً، مد يده الى يدك بدفء وعاطفة وحميمية، عانقك وقبّل جبينك وكتفك. استخدم كل تعابير الود والاحترام والمحبة التي حفظها من قاموس المجاملات، الى الدرجة التي جعلت اقرب المقربين منك والذين يعملون معك يخجلون او يتلعثمون لانهم وجدوا فرقاً شاسعاً بين طلاقته في التعبير عن محبته وبين مفردات التعبير لديهم.
أنت اليوم حبيبه. تاج رأسه. «بعد قلبه» وربما «قبل قلبه». أنت الذي وقفت الى جانبه دائما ودعمت وجوده وأيدت حقه في العمل والتحرك وشجعته على إطلاق رأيه في كل الاماكن والمجالات.
سمحت له بفعل كل شيء طالما ان الاهداف «سامية» وان خدمة الناس مقدسة وان تخفيف المعاناة واجب. غضضت النظر كثيراً عن الكثير من الأمور التي كان يقوم بها أملا في إبقاء شعلة المحبة متقدة ولأنك لا تحب ان تحجب نقطة سوداء كل بقع البياض المنتشرة، ودافعت عن خياراته في التعبير رغم كل «النصائح» التي أتتك من القريب والبعيد بأن المراحل تتغير وان التوافق قد لا يبقى سيد الاحكام... وكنت تجيب بأن البلد لا يتغير، ولا اهل البلد يتغيرون، وان التوافق سيبقى سيد الاحكام.
استمع اليك، وأنصَت بكل تفهم لملاحظاتك وعتبك، وطلب العفو وفتح صفحة جديدة، وقال لك إن القلب الكبير يتسع للجميع، وإن من كان في مقامك لا بد ان يسامح. حاول إعطاء انطباع أنه مختلف عن غيره او انه لم يكن ليوافق على بعض الممارسات وانه قال ذلك في مجلس فلان وديوانية فلان. طلب منك فسحة من الوقت لاختبار ما تعهد به وتبيان التغيير في القول والممارسة، واعداً بأن يكون عند حسن ظنك وأن يلعب دوراً رئيسياً في طي صفحة الماضي.
خرج من عندك بالابتسامة نفسها التي دخل بها. البشاشة نفسها. اخبر أنه سعيد جداً بما دار في اللقاء، وبما قلته له، وحاول اعطاء انطباع بأن «الحطب طاح» وان العلاقة ستعود الى سابق عهدها بل وأقوى... ثم عاد الى بيته وطلب من «ربعه» ان يلتقوه ليلا.
قال لهم إن المرحلة صعبة ومعقدة وانه لا بد ان يقوم بما قام به والسير بين النقاط كي يتفادى مصير من سبقه قريبا وبعيدا. وضعهم بين خيارين، فإما ان يكملوا في نهج الفجور في الخصومة على ان يتحملوا ثمن ذلك وانعكاساته على العامة والطيبين والمخلصين وعلى البلد نفسه، وإما ان يستمعوا اليه ويضعوا ثقتهم في ما يقوم به حماية لنشاط تاريخي وتجربة مميزة، على ان تتخذ الخطوات لاحقا بما يتناسب مع كل مرحلة. المهم الآن تجاوز «المحنة» والتي قد تؤدي بسبب اخطاء غير مبررة الى ما لا تحمد عقباه.
بعض أحبته «حبّ على كتفه» معتبرا ان خطواته إنقاذية. بعضهم حاول الاعتراض على اساس ان وضع قدم هنا واخرى هناك قد يسيء الى الصورة العامة «ويضعف ثقة الناس بنا»، فرد بأن يتحمل قائل هذا الكلام مسؤولية مواقفه وانعكاساتها «خصوصا ان الناس لم تعد تثق بنا وان ما قدمناه من نموذج للعلاقات،حتى داخل الفريق الذي ننتمي اليه،لا يشجع ابدا». بعضهم اقترح توسيع دائرة التحرك بحيث يكون لهم حظوة في كل موقع، فرد بأن «صاحب بالين كذاب»... المهم ان الليل طال وكذلك النقاشات.
شعر انه مهمش، وان بعضهم ورطه في مسائل كان في غنى عنها. اعتقد لوهلة ان كل النجاح الذي حققه انما هو صدى لمواقفه وحب في خطه. اكتشف ان هناك من كان يصفق له عن اقتناع وهناك من كان يصفق له لإدخاله أكثر في الزجاج المكسور. عاش وهم أن العالم كله لا ينام قبل ان يسأل عن أحواله ولا يصحو إلا على أخباره، ثم استفاق على فراغ ووهم وضياع وأراد ان يستلحق الفرصة الاخيرة... عائدا اليك.
أنت كما أنت، لم تتغير. لكنك ما كنت تتخيل ان يصل هو ورفاقه الى ما وصلوا اليه في الخصومة.
وهو كما هو لم يتغير. لكنه ما كان يتخيل ان يصل رفاق له الى ما وصلوا اليه في مواقع اخرى... وان ترتد الامور عليه بالشكل الذي ارتدت فيه وكبلت حركته ونفرت الناس منه وهددت وجوده.
أنت كما أنت، اعتقدت ان محبتك له ورعايتك الطويلة لعمله ونشاطه ستراكِم حداً أدنى من الاحترام في العلاقة عندما تتبدل الصورة والمعطيات وأنه سيحفظ لك هذا الموقف.
وهو كما هو، اعتقد ان فرصة التوسع في اهدافه على كل المستويات لن تتكرر، وتصرف على اساس ذلك كاسراً الأعراف والعهود والمواثيق غير آبه بكل ذلك التاريخ وناكراً لجهد لا يمكن إنكاره.
أنت كما أنت، لم تتغير. تبقي على شعرة الود ولو في أصعب الظروف. تتسامى على الجراح لأن مقامك وموقعك وشخصيتك وإنسانيتك تفرض ذلك.
وهو كما هو لم يتغير. يحاول التكيف مع أصعب الظروف ويعيد تجميع أوراقه وترتيب ملفاته لعبور الريح بأقل قدر من الخسائر.
أنت كما أنت. استقبلته. عانقته. قبّل جبينك وكتفك. قلت له كل ما تريد ان تقوله. كسبت المزيد من الاحترام والتقدير... ولكن لا تصدقه... أو على الأقل، حاول ألا تصدقه.
جاسم مرزوق بودي
أنت اليوم حبيبه. تاج رأسه. «بعد قلبه» وربما «قبل قلبه». أنت الذي وقفت الى جانبه دائما ودعمت وجوده وأيدت حقه في العمل والتحرك وشجعته على إطلاق رأيه في كل الاماكن والمجالات.
سمحت له بفعل كل شيء طالما ان الاهداف «سامية» وان خدمة الناس مقدسة وان تخفيف المعاناة واجب. غضضت النظر كثيراً عن الكثير من الأمور التي كان يقوم بها أملا في إبقاء شعلة المحبة متقدة ولأنك لا تحب ان تحجب نقطة سوداء كل بقع البياض المنتشرة، ودافعت عن خياراته في التعبير رغم كل «النصائح» التي أتتك من القريب والبعيد بأن المراحل تتغير وان التوافق قد لا يبقى سيد الاحكام... وكنت تجيب بأن البلد لا يتغير، ولا اهل البلد يتغيرون، وان التوافق سيبقى سيد الاحكام.
استمع اليك، وأنصَت بكل تفهم لملاحظاتك وعتبك، وطلب العفو وفتح صفحة جديدة، وقال لك إن القلب الكبير يتسع للجميع، وإن من كان في مقامك لا بد ان يسامح. حاول إعطاء انطباع أنه مختلف عن غيره او انه لم يكن ليوافق على بعض الممارسات وانه قال ذلك في مجلس فلان وديوانية فلان. طلب منك فسحة من الوقت لاختبار ما تعهد به وتبيان التغيير في القول والممارسة، واعداً بأن يكون عند حسن ظنك وأن يلعب دوراً رئيسياً في طي صفحة الماضي.
خرج من عندك بالابتسامة نفسها التي دخل بها. البشاشة نفسها. اخبر أنه سعيد جداً بما دار في اللقاء، وبما قلته له، وحاول اعطاء انطباع بأن «الحطب طاح» وان العلاقة ستعود الى سابق عهدها بل وأقوى... ثم عاد الى بيته وطلب من «ربعه» ان يلتقوه ليلا.
قال لهم إن المرحلة صعبة ومعقدة وانه لا بد ان يقوم بما قام به والسير بين النقاط كي يتفادى مصير من سبقه قريبا وبعيدا. وضعهم بين خيارين، فإما ان يكملوا في نهج الفجور في الخصومة على ان يتحملوا ثمن ذلك وانعكاساته على العامة والطيبين والمخلصين وعلى البلد نفسه، وإما ان يستمعوا اليه ويضعوا ثقتهم في ما يقوم به حماية لنشاط تاريخي وتجربة مميزة، على ان تتخذ الخطوات لاحقا بما يتناسب مع كل مرحلة. المهم الآن تجاوز «المحنة» والتي قد تؤدي بسبب اخطاء غير مبررة الى ما لا تحمد عقباه.
بعض أحبته «حبّ على كتفه» معتبرا ان خطواته إنقاذية. بعضهم حاول الاعتراض على اساس ان وضع قدم هنا واخرى هناك قد يسيء الى الصورة العامة «ويضعف ثقة الناس بنا»، فرد بأن يتحمل قائل هذا الكلام مسؤولية مواقفه وانعكاساتها «خصوصا ان الناس لم تعد تثق بنا وان ما قدمناه من نموذج للعلاقات،حتى داخل الفريق الذي ننتمي اليه،لا يشجع ابدا». بعضهم اقترح توسيع دائرة التحرك بحيث يكون لهم حظوة في كل موقع، فرد بأن «صاحب بالين كذاب»... المهم ان الليل طال وكذلك النقاشات.
شعر انه مهمش، وان بعضهم ورطه في مسائل كان في غنى عنها. اعتقد لوهلة ان كل النجاح الذي حققه انما هو صدى لمواقفه وحب في خطه. اكتشف ان هناك من كان يصفق له عن اقتناع وهناك من كان يصفق له لإدخاله أكثر في الزجاج المكسور. عاش وهم أن العالم كله لا ينام قبل ان يسأل عن أحواله ولا يصحو إلا على أخباره، ثم استفاق على فراغ ووهم وضياع وأراد ان يستلحق الفرصة الاخيرة... عائدا اليك.
أنت كما أنت، لم تتغير. لكنك ما كنت تتخيل ان يصل هو ورفاقه الى ما وصلوا اليه في الخصومة.
وهو كما هو لم يتغير. لكنه ما كان يتخيل ان يصل رفاق له الى ما وصلوا اليه في مواقع اخرى... وان ترتد الامور عليه بالشكل الذي ارتدت فيه وكبلت حركته ونفرت الناس منه وهددت وجوده.
أنت كما أنت، اعتقدت ان محبتك له ورعايتك الطويلة لعمله ونشاطه ستراكِم حداً أدنى من الاحترام في العلاقة عندما تتبدل الصورة والمعطيات وأنه سيحفظ لك هذا الموقف.
وهو كما هو، اعتقد ان فرصة التوسع في اهدافه على كل المستويات لن تتكرر، وتصرف على اساس ذلك كاسراً الأعراف والعهود والمواثيق غير آبه بكل ذلك التاريخ وناكراً لجهد لا يمكن إنكاره.
أنت كما أنت، لم تتغير. تبقي على شعرة الود ولو في أصعب الظروف. تتسامى على الجراح لأن مقامك وموقعك وشخصيتك وإنسانيتك تفرض ذلك.
وهو كما هو لم يتغير. يحاول التكيف مع أصعب الظروف ويعيد تجميع أوراقه وترتيب ملفاته لعبور الريح بأقل قدر من الخسائر.
أنت كما أنت. استقبلته. عانقته. قبّل جبينك وكتفك. قلت له كل ما تريد ان تقوله. كسبت المزيد من الاحترام والتقدير... ولكن لا تصدقه... أو على الأقل، حاول ألا تصدقه.
جاسم مرزوق بودي