كيف بدا الحليف التركي في الإعلام الأميركي؟


يبدو أن الإدارة الأميركية بدأت تواجه مزيداً من الصعوبات والتحديات لسياستها تجاه الشرق الأوسط، ففي ظل عجزها عن الخروج من المستنقع العراقي، تبدو مهددة الآن بفقدان أحد أهم حلفائها في المنطقة وهو تركيا التي تمثل ضلعاً رئيسياً في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة. لذلك فقد حظي الملف التركي الأسبوع الماضي على جل اهتمام وسائل الإعلام الأميركية، فضلاً عن جولة رايس الشرق أوسطية.
إعادة ترتيب الأوراق
أذاع برنامج «The Situation Room» الذي يقدمه ولف بوليتزر على شبكة «CNN» حلقة خاصة عن التدهور الحاد الذي شاب العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، أحد أهم حلفائها في الشرق الأوسط، والعضو في حلف «الناتو» الذي تقوده الولايات المتحدة.
في البداية، أكد بوليتزر أن تدهور العلاقات بين الحليفين أخذ منحى خطيراً، خصوصاً بعد أن أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قرار، يعتبر فيه الجرائم التي قامت بها قوات الدولة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى ضد شعب الأرمن جريمة إبادة جماعية، الأمر الذي أغضب تركيا كثيراً، ودفعها نحو سحب سفيرها في الولايات المتحدة للتشاور.
وأكد التقرير، الذي أذاعه البرنامج في هذا الصدد، أن الهاجس الذي يسيطر على وزارة الخارجية الأميركية الآن هو الخوف من أن تتحول تركيا من حليف إلى عدو.
من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أن تركيا هددت باتخاذ مزيد من الإجراءات كرد فعل على هذا الإجراء، مثل منع القوات الأميركية من استخدام المجال الجوي التركي، مثلما فعلت من قبل مع فرنسا وكندا، اللتين اتخذتا قرارات مشابهة، فضلاً عن إمكانية إنهاء استخدام القوات الأميركية لقاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، والتي تستخدمها القوات الأميركية لنقل شحنات الوقود، وغيرها من المواد المهمة اللازمة للقوات الأميركية في العراق.
ولفت بوليتزر الانتباه إلى تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي اعتبرت أن تمرير القرار في مثل هذا الوقت يمثل مشكلة كبيرة لكل ما تفعله الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
أما شبكة «ABC» فأذاعت تقريراً أعده سيلكان هاكاوجلو تناول فيه سعي الحكومة التركية إلى الحصول على موافقة البرلمان التركي للسماح للقوات التركية باجتياح شمال العراق، بهدف القضاء على ميليشيات حزب «العمال الكردستاني»، الذي يتخذ من شمال العراق قاعدة لشن هجماته داخل الأراضي التركية. واهتم التقرير بتصريحات المتحدث الرسمي باسم الحكومة التركية شامل سيسك، والذي أكد فيها أن الحكومة التركية «مع أنها تسعى إلى الحصول على هذا التفويض من البرلمان، إلا إنها تأمل في ألا تكون في حاجة إلى استخدامه، وأن يتم حل مسألة المتمردين الأكراد من دون الحاجة إلى عبور القوات التركية للحدود مع العراق، لأن الحكومة التركية، على حد وصف المتحدث الرسمي تحترم السيادة العراقية، إلا أن المنظمة الإرهابية حزب «العمال الكردستاني» تتخذ من شمال العراق قاعدة لتهديد السلامة الإقليمية للأراضي التركية، فضلاً عن تهديد أمن المواطنين الأتراك».
على صعيد آخر، أشار التقرير إلى حدوث حالات من القصف المتبادل بين القوات التركية وقوات حزب «العمال الكردستاني»، إذ قام مقاتلو الحزب بمجموعة من الهجمات ضد القوات التركية انطلاقاً من شمال العراق، ردت عليها القوات التركية بمجموعة من الهجمات الجوية، ضد مواقع الحزب في شمال العراق. كما تناول التقرير الآثار السلبية التي قد تترتب على اندلاع حرب محتملة بين قوات حزب «العمال الكردستاني» والقوات التركية، والتي من أهمها الارتفاع الكبير في أسعار النفط، والتي بدأت أسواق البترول تشهدها أخيراً، على خلفية الهواجس من فتح جبهة جديدة للحرب في العراق، إذ وصلت أسعار النفط إلى رقم قياسى جديد وصل إلى نحو 88 دولاراً للبرميل.
أما مولي موري فقد أعدت تقريراً لـ «الواشنطن بوست» تناولت فيه تداعيات القانون الذي مرره الكونغرس الأميركي بخصوص مذابح الأرمن، إذ هدد قادة الجيش التركي بأن مثل هذا القانون سوف يؤدي إلى تدهور شديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، خصوصاً في جانبها العسكري.
وأكدت موري أن الآثار السلبية لم تتوقف عند الجانب العسكري فقط، بل طالت هذه التداعيات السلبية العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، إذ قامت تركيا بإلغاء مؤتمر مجلس الأعمال التركي الأميركي، والذي كان مقرراً عقده في وقت لاحق.
«شبح» الفشل
اهتمت إذاعة «NPR» الأسبوع الماضي بالجولة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في منطقة الشرق الأوسط، في إطار سعيها الدؤوب للتحضير لمؤتمر السلام في الشرق الأوسط، والذي من المفترض أن يعقد خلال شهر نوفمبر المقبل، وقد زارت رايس خلال هذه الجولة عدداً من الدول الشرق أوسطية، منها الأراضي الفلسطينية وإسرائيل ومصر. وأعد مايكل كليمن تقريراً لبرنامج «Morning Edition»، أكد فيه أن الهدف الأساسي لهذه الجولة هو إنهاء التحضيرات اللازمة لإنجاح هذا المؤتمر، فضلاً عن إعطاء انطباع بأنه سيكون نقطة تحول في حل الصراع العربي الإسرائيلي.
وركز التقرير على تصريحات الوزيرة بخصوص إمكانية قيام الدولة الفلسطينية قبل نهاية فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، إذ أكدت رايس أن هناك العديد من الخطوات التي يجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف، أولها يكمن، على حد تصريح رايس، في اتفاق الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني على مجموعة من المبادئ، التي تمهد الطريق لظهور الدولة الفلسطينية. وثانيها قيام الدول العربية والفاعلين الدوليين الرئيسيين بدعم التسوية بين الجانبين، ودعم الأطراف الأساسية في هذه العملية.
بدورها، اهتمت شبكة «CBS» في تقرير أعده روبرت بيرغر بالتأكيدات التي أطلقتها وزيرة الخارجية في إطار جولتها الشرق أوسطية على أن مسألة إنهاء الصراع الفلسطيني والإسرائيلي أصبحت على قائمة الأولويات الأميركية.
ورصد التقرير بعضاً من العقبات التي تواجه عقد المؤتمر، كالفجوة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فالفلسطينيون يريدون التوصل إلى وثيقة مشتركة مع الإسرائيليين تحدد، على الأقل، الخطوط العامة لكيفية حل القضايا الخلافية بين الطرفين، بالإضافة إلى مطالبتهم بضرورة أن يتم الانتهاء من هذه الوثيقة قبل موعد عقد المؤتمر. في حين ترفض إسرائيل مثل هذه المطالب، مؤكدة أن المؤتمر يمكن أن ينعقد من دون التوصل إلى مثل هذه الوثيقة، كما أنها ترفض الفكرة الفلسطينية المطالبة بضرورة وضع جدول زمني لبدء وإنهاء المفاوضات بين الجانبين، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين الأميركيين إلى التلميح بإمكانية تأجيل موعد عقد المؤتمر.
أما جيفري فليشمان مراسل صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» فقد شبه مؤتمر السلام بحفل غداء، وقائمة الطعام التي يقدمها هذا الحفل لا تحتوي على أي نوع من المأكولات التي يريدها ويحبها الضيوف، ولذلك فإنهم متشككون في أن احداً منهم سوف يعود إلى بيته سعيداً.
ولفت فليشمان الانتباه إلى أن الدول العربية، بما فيها حلفاء واشنطن المقربون، قد انتقدوا هذا المؤتمر، على اعتبار أنه محاولة فاشلة منه لتجميل صورتها التي تضررت كثيراً في الشرق الأوسط، ولذلك فانه ليس خطة لتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، وإنما هو محاولة لتدعيم موقف الإدارة الأميركية الضعيف في الدول العربية.
وأوضح فليشمان أن هدف الزيارة التي قامت بها رايس للمنطقة أخيراً هو إقناع الدول العربية بضرورة وجود تمثيل مناسب، على الأقل على المستوى الوزاري، لها في هذا المؤتمر.
كابوس العراق
لا تزال الحرب على العراق وتطوراتها تشغل حيزاً كبيراً في وسائل الإعلام الأميركي، فقد تلقت الإدارة الأميركية صفعة جديدة، عقب التقييم اللاذع الذي أطلقه القائد السابق للقوات الأميركية في العراق ريكاردو سانشيز للوضع في العراق، والتي أكد فيها أن الحرب الأميركية هناك هي بمثابة كابوس ليس له نهاية تعيشه الولايات المتحدة، مؤكداً أن المراوغات والتعديلات المتتالية في الاستراتيجية الأميركية في هذه الحرب لن تقود إلى النصر، كما لم تسلم الإدارة الأميركية من الانتقادات التي وجهها سانشيز الذي أكد أن أحد أسباب الفشل الأميركي في العراق، خصوصاً في فترة ما بعد الحرب، هو عدم قدرة إدارة بوش على تعبئة الحكومة الأميركية بفروعها كافة خلف عملية إعادة بناء العراق، ورأى أن فشلها الأكبر يكمن في عدم قدرتها على وضع استراتيجية مفصلة للوضع في العراق.
وتناول برنامج «Saturday Morning News» على شبكة «CNN» هذه التصريحات بالتحليل، وأشار التقرير الذي أذاعه البرنامج إلى أن هناك الكثير من الانتقادات التي وجهت للحرب، إلا أن الجديد في هذا الخصوص هو أن هذه الانتقادات جاءت من القائد السابق لقوات التحالف في العراق.
أما صحيفة «النيويورك تايمز» فاهتمت في تقرير أعده ديفيد كلويد بالانتقادات التي وجهتها مجموعة من الضباط السابقين في الجيش الأميركي، رداً على تصريحات سانشيز، والتي أكدوا فيها أن الجنرال سانشيز فشل هو الآخر أثناء قيادته لقوات التحالف في العراق في وضع حد لهجمات المتمردين هناك، كما أنه فشل في وضع خطة متكاملة لتوحيد الجهود العسكرية لتحقيق هذا الهدف، وهو الأمر الذي قام به خليفته في قيادة قوات التحالف عام 2004 الجنرال جورج كيسي.
* عن «تقرير واشنطن»