الرأي اليوم / بول بريمر يضرب ... ابنه !


• السيد الوزير لماذا فعلتم ذلك؟
- «هل كان ما فعلناه خطأ؟ حقيقة لا أعرف ماذا أقول. لكن لندع التاريخ يحكم على هذه الخطوة».
أعود الى شرح السؤال والجواب لاحقا، مع تحول المنطقة مسرحا للحرب والغارات ضد «داعش» وأخواتها.
لنكن صريحين ونحن نجري المفارقات المؤلمة. منطقة الخليج التي تمول اليوم الحملة العسكرية على «داعش»، بعضها مول سابقا «جنين داعش» قبل ان يصبح رجلًا قادرا محاربا مستهابا. مول حركات شبيهة. مول وسلح تنظيمات بمسميات مختلفة جهادية واسلامية ومحافظة وفتح الباب لحركة تنقلات مالية فردية وجماعية عابرة للحدود والدول والقارات، ثم اكتشف ان «الدولة الاسلامية» ذوبت الكثيرين في اطارها تماما كما فعلت «القاعدة» سابقا.
اذا، «داعش» تغذى من مالنا وسلاحنا، ولا بأس من القول ايضا انه استفاد من لعبة الانظمة الايرانية والعراقية والسورية في مواجهة التحديات الداخلية من جهة ولعبة السيطرة على المنطقة من جهة اخرى. لسنا ساذجين كي نصدق ان آلاف السجناء المتورطين في أعمال ارهابية ومتطرفة فروا ببساطة من سجون سورية والعراق او عبروا الحدود الايرانية، وكذلك الامر بالنسبة الى سقوط مناطق بسرعة الضوء تتجاوز مساحاتها مساحات دول اوروبية.
خطيئة الانظمة الديكتاتورية: « نحن أو الارهاب».
خطيئة بعض انظمة المنطقة: تمويل الحراك العسكري للانتفاضات الشعبية وذهابه في اتجاه التطرف.
... ولكن لنعد الى البذرة الاولى. لن نسترجع تاريخ «القاعدة» وكيف كان سيد البيت الابيض يتغزل بـ«المجاهدين» كرمى لعيون الحرب ضد السوفيات. سنبقى في «داعش» وفي صلب السياسات الاميركية بعد سقوط النظام العراقي السابق. يومها ركبت واشنطن صيغة لعبت على تركيبة الاثنيات الطائفية بل وثّقت التمايزات الطائفية دستورياً، ثم نصبت حاكماً متعجرفاً على العراق اسمه بول بريمر كان اول «انجاز» تاريخي له هو حل الجيش العراقي و«رمي» مئات آلاف الضباط والجنود في الشارع مستبدلا به جيشا جديدا، وفاسحا في المجال امام التنظيمات المشاركة في السلطة لتشكيل ميليشيات طائفية. الحجة ان الجيش العراقي هو جيش عقائدي بعثي. يريدون اقناعنا بان اميركا لم تعرف ان الحكم في العراق ليس بعثيا ولا سنيا ولا حزبيا انما هو حكم فردي عائلي يرأسه صدام. ولو كان صحيحا ان الـ300 الف عراقي الذين سرحوا من الجيش او لنقل ثلثهم فقط هم بعثيون يحاربون من اجل عقيدتهم لما كانت بغداد سقطت في اقل من شهر. غالبية هؤلاء فقراء مغلوب على أمرهم عاشوا رعب السلطة واعتقدوا ان الفرج قريب ففروا ولم يحاربوا (بشهادة رغد صدام حسين) وكانت مكافأتهم الرمي في الشارع من جهة والملاحقة من بعض الميليشيات والاحزاب من جهة اخرى.
انخرط بعض هؤلاء في المشروع المقاوم لاميركا. ولا ننسى ان هذا المشروع كان بمشاركة ايرانية - سورية ايضا، اذ سهلت الدولتان دخول جميع انواع «المجاهدين» الى العراق. ثم اصبح هؤلاء نواة المقاتلين مع ابي مصعب الزرقاوي، ثم أكملوا رحلتهم مع مختلف أنواع التشكيلات «الجهادية» اثر اختلاف الحسابات الايرانية في العراق مع الانسحاب الاميركي، ثم تابعوا مسيرتهم مع اصرار اميركا على دعم سياسات الملاحقات والاعتقالات العشوائية والتعذيب لعدد كبير من هؤلاء. وقانون الطبيعة يقضي بأن السيل يتجه تلقائيا الى المسارب المتاحة، لذلك كانت ساحات الاضطراب ملاذا لهم وكان «الاستشهاد» خياراً لان اعتقالهم يعني الموت الحتمي، وعندما تهددت انظمة وتركيبات سلطة في المنطقة اعيد استخدامهم في اللعبة فأطلق جزء كبير منهم من سجون عاشوا فيها اسوأ الكوابيس لسنوات (الانظمة ادعت انهم فروا) ووصلوا بقدرة قادر الى ما يسمى «المناطق المحررة» في سورية (والعراق لاحقا)، واعيد تأهيلهم البدني والقتالي والفكري والعقائدي وانتشوا بـ «الانتصارات» واستقبلوا آلاف «المهاجرين» من كل الدول واندفعوا اكثر نحو الممارسات التي يعتبرونها «نصرا للاسلام» وتعتبرها الغالبية الاسلامية «ذبحا للاسلام».
اعود الى السؤال الذي بدأت به المقال. كان ذلك بعد نحو سنة ونصف السنة من سقوط بغداد. يومها التقيت نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج وسألته: لماذا فعلتم ذلك؟ كيف سمحتم لبول بريمر ان يحل الجيش العراقي ويرمي بمئات الآلاف في الشارع عرضة للفقر والعوز والملاحقة ونظرة العار؟ كيف اعتبرتموهم جميعا صداميين وهم كانوا مغلوبين على امرهم بل ان كثيرين منهم تعاونوا معكم؟ وهل تدركون عاقبة هذا الامر مستقبلا؟
كان جواب ارميتاج عبارة عن سؤال ايضا:هل كان ما فعلناه خطأ؟ ثم اكمل: حقيقة لا أعرف ماذا اقول. لكن لندع التاريخ يحكم على هذه الخطوة.
حكم التاريخ يا سيدي لكن منطقتنا ليست مختبر فئران...
نحن بشر يا سادة البيت الابيض...
لتتوقف اميركا عن النظر الى المنطقة من موقع صراع الطوائف او اتفاق الطوائف. وما لم يحصل ذلك فرأس «داعش» سيولّد رؤوساً كثيرة، تماما كما ادت الحرب على «القاعدة» الى ما نحن عليه اليوم.
ما هي الكيانات السياسية التي ستتشكل على انقاض هذه الحرب؟ لا داعي لتضييع الوقت في سؤال اي مسؤول اميركي لانه سيجيب بسؤال ايضا... وكأن صواريخ «توماهوك» اطلقت من بارجة صومالية لا أميركية.
جاسم مرزوق بودي
- «هل كان ما فعلناه خطأ؟ حقيقة لا أعرف ماذا أقول. لكن لندع التاريخ يحكم على هذه الخطوة».
أعود الى شرح السؤال والجواب لاحقا، مع تحول المنطقة مسرحا للحرب والغارات ضد «داعش» وأخواتها.
لنكن صريحين ونحن نجري المفارقات المؤلمة. منطقة الخليج التي تمول اليوم الحملة العسكرية على «داعش»، بعضها مول سابقا «جنين داعش» قبل ان يصبح رجلًا قادرا محاربا مستهابا. مول حركات شبيهة. مول وسلح تنظيمات بمسميات مختلفة جهادية واسلامية ومحافظة وفتح الباب لحركة تنقلات مالية فردية وجماعية عابرة للحدود والدول والقارات، ثم اكتشف ان «الدولة الاسلامية» ذوبت الكثيرين في اطارها تماما كما فعلت «القاعدة» سابقا.
اذا، «داعش» تغذى من مالنا وسلاحنا، ولا بأس من القول ايضا انه استفاد من لعبة الانظمة الايرانية والعراقية والسورية في مواجهة التحديات الداخلية من جهة ولعبة السيطرة على المنطقة من جهة اخرى. لسنا ساذجين كي نصدق ان آلاف السجناء المتورطين في أعمال ارهابية ومتطرفة فروا ببساطة من سجون سورية والعراق او عبروا الحدود الايرانية، وكذلك الامر بالنسبة الى سقوط مناطق بسرعة الضوء تتجاوز مساحاتها مساحات دول اوروبية.
خطيئة الانظمة الديكتاتورية: « نحن أو الارهاب».
خطيئة بعض انظمة المنطقة: تمويل الحراك العسكري للانتفاضات الشعبية وذهابه في اتجاه التطرف.
... ولكن لنعد الى البذرة الاولى. لن نسترجع تاريخ «القاعدة» وكيف كان سيد البيت الابيض يتغزل بـ«المجاهدين» كرمى لعيون الحرب ضد السوفيات. سنبقى في «داعش» وفي صلب السياسات الاميركية بعد سقوط النظام العراقي السابق. يومها ركبت واشنطن صيغة لعبت على تركيبة الاثنيات الطائفية بل وثّقت التمايزات الطائفية دستورياً، ثم نصبت حاكماً متعجرفاً على العراق اسمه بول بريمر كان اول «انجاز» تاريخي له هو حل الجيش العراقي و«رمي» مئات آلاف الضباط والجنود في الشارع مستبدلا به جيشا جديدا، وفاسحا في المجال امام التنظيمات المشاركة في السلطة لتشكيل ميليشيات طائفية. الحجة ان الجيش العراقي هو جيش عقائدي بعثي. يريدون اقناعنا بان اميركا لم تعرف ان الحكم في العراق ليس بعثيا ولا سنيا ولا حزبيا انما هو حكم فردي عائلي يرأسه صدام. ولو كان صحيحا ان الـ300 الف عراقي الذين سرحوا من الجيش او لنقل ثلثهم فقط هم بعثيون يحاربون من اجل عقيدتهم لما كانت بغداد سقطت في اقل من شهر. غالبية هؤلاء فقراء مغلوب على أمرهم عاشوا رعب السلطة واعتقدوا ان الفرج قريب ففروا ولم يحاربوا (بشهادة رغد صدام حسين) وكانت مكافأتهم الرمي في الشارع من جهة والملاحقة من بعض الميليشيات والاحزاب من جهة اخرى.
انخرط بعض هؤلاء في المشروع المقاوم لاميركا. ولا ننسى ان هذا المشروع كان بمشاركة ايرانية - سورية ايضا، اذ سهلت الدولتان دخول جميع انواع «المجاهدين» الى العراق. ثم اصبح هؤلاء نواة المقاتلين مع ابي مصعب الزرقاوي، ثم أكملوا رحلتهم مع مختلف أنواع التشكيلات «الجهادية» اثر اختلاف الحسابات الايرانية في العراق مع الانسحاب الاميركي، ثم تابعوا مسيرتهم مع اصرار اميركا على دعم سياسات الملاحقات والاعتقالات العشوائية والتعذيب لعدد كبير من هؤلاء. وقانون الطبيعة يقضي بأن السيل يتجه تلقائيا الى المسارب المتاحة، لذلك كانت ساحات الاضطراب ملاذا لهم وكان «الاستشهاد» خياراً لان اعتقالهم يعني الموت الحتمي، وعندما تهددت انظمة وتركيبات سلطة في المنطقة اعيد استخدامهم في اللعبة فأطلق جزء كبير منهم من سجون عاشوا فيها اسوأ الكوابيس لسنوات (الانظمة ادعت انهم فروا) ووصلوا بقدرة قادر الى ما يسمى «المناطق المحررة» في سورية (والعراق لاحقا)، واعيد تأهيلهم البدني والقتالي والفكري والعقائدي وانتشوا بـ «الانتصارات» واستقبلوا آلاف «المهاجرين» من كل الدول واندفعوا اكثر نحو الممارسات التي يعتبرونها «نصرا للاسلام» وتعتبرها الغالبية الاسلامية «ذبحا للاسلام».
اعود الى السؤال الذي بدأت به المقال. كان ذلك بعد نحو سنة ونصف السنة من سقوط بغداد. يومها التقيت نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج وسألته: لماذا فعلتم ذلك؟ كيف سمحتم لبول بريمر ان يحل الجيش العراقي ويرمي بمئات الآلاف في الشارع عرضة للفقر والعوز والملاحقة ونظرة العار؟ كيف اعتبرتموهم جميعا صداميين وهم كانوا مغلوبين على امرهم بل ان كثيرين منهم تعاونوا معكم؟ وهل تدركون عاقبة هذا الامر مستقبلا؟
كان جواب ارميتاج عبارة عن سؤال ايضا:هل كان ما فعلناه خطأ؟ ثم اكمل: حقيقة لا أعرف ماذا اقول. لكن لندع التاريخ يحكم على هذه الخطوة.
حكم التاريخ يا سيدي لكن منطقتنا ليست مختبر فئران...
نحن بشر يا سادة البيت الابيض...
لتتوقف اميركا عن النظر الى المنطقة من موقع صراع الطوائف او اتفاق الطوائف. وما لم يحصل ذلك فرأس «داعش» سيولّد رؤوساً كثيرة، تماما كما ادت الحرب على «القاعدة» الى ما نحن عليه اليوم.
ما هي الكيانات السياسية التي ستتشكل على انقاض هذه الحرب؟ لا داعي لتضييع الوقت في سؤال اي مسؤول اميركي لانه سيجيب بسؤال ايضا... وكأن صواريخ «توماهوك» اطلقت من بارجة صومالية لا أميركية.
جاسم مرزوق بودي