«الراي»... تعيد فتح الملف في الذكرى الـ «11» لاختفاء نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية
رضا هلال... الصحافي الذي اختفى في 90 ثانية / 3من3
حبيب العادلي
إلهام شرشر
رضا هلال
• زوجة العادلي تنفي تورطها في الواقعة... وتهدّد بمقاضاة من زجّوا باسمها
• كبير الفنيين في «الإذاعة والتلفزيون»: صوت سيدة «الأنسر ماشين» يطابق صوت «شرشر» 100 في المئة
• كبير الفنيين في «الإذاعة والتلفزيون»: صوت سيدة «الأنسر ماشين» يطابق صوت «شرشر» 100 في المئة
«إحدى عشرة» سنة بالتمام والكمال، مضت على اختفاء الصحافي المصري رضا هلال، أحد صحافيي مؤسسة الأهرام القاهرية، من دون أن تفك الجهات الأمنية المصرية شفرات الاختفاء المفاجئ والمستمر، الذي لا يزال يخالطه كثير من الجدل واللغط. 90 ثانية فقط، كانت كافية لفقدان أي أثر للصحافي المثير للجدل منذ 11 أغسطس 2003 إلى اليوم.
هكذا بكل «بساطة» دخل العمارة التي يسكن فيها وانتظر المصعد الكهربائي لكنه لم يصل إلى شقته. كما لا يزال نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في مرمى الاتهام والتورط في إخفاء الصحافي الأربعيني يومئذ، الذي كان يتمتع، قبيل اختفائه، بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة وجهات غربية أخرى، حتى إنه تردد أنه على علاقة مع عدد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية.
وفي ظل هذه الأجواء والأخبار المتناثرة هنا وهناك، وفي ظل روايات مختلفة وغامضة وغير مكتملة، تبقى للروايات الافتراضية مجال خصب تنمو وتترعرع فيه بلا وعي، وتتفاعل الاجتهادات يميناً ويساراً. «الراي»... تفتح ملف اختفاء نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» المصرية الصحافي رضا هلال، في ذكرى اختفائه الـ«11»، والذي لا يزال اختفاؤه يشكل لغزاً محيراً ومؤلماً لأهله وزملائه وأصدقائه وكثير من المهتمين بأمره، والذين يتساءلون بمرارة: «أين اختفى، وما أسباب اختفائه؟ هل هو حيٌ فترجى عودته أم ميت فيُنسى ذكره»؟
شهادات توجه أصابع الاتهام إلى «التنظيم السري» وتفترض وجوده في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية
هل حقاً دفن في مدافن البساتين ... أم تمّت إذابته بالجير الحي؟
| القاهرة ـ من مختار محمود |
... ونواصل، البحث في ملفات وتصريحات وتحقيقات أمنية وقضائية، لعلنا نصل إلى شيء في قصة الاختفاء الغامض للصحافي المصري رضا هلال، والتي مر عليها 11 عاما.
وفي نَص تحقيقات النيابة العامة المصرية في إعادة التحقيق في قضية اختفاء الصحافي رضا هلال، عثرنا على معلومات يمكن وصفها بأنها خطيرة.. التحقيقات بدأت استنادا إلى البلاغ رقم 15362 لسنة 2009 عرائض النائب العام، والذي تلقاه النائب العام المصري من شقيق رضا هلال، والذي يطلب فيه سرعة التحقيق في واقعة اختفاء شقيقه، والوقوف على حقيقة الاشاعات التي تربط اختفاءه بوزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي وقتله والتمثيل بجثته، انتقاما منه لنشره موضوعا حول توريث الحكم في مصر لجمال مبارك.
* الشاهد الأول
وبسؤال «أسامة عبدالرحمن هلال ـ 41 عاما»، وكيل أنشطة تربوية بمدرسة الملك فيصل الإعدادية بنين بالسنبلاوين، في محافظة الدقهلية، شمال دلتا مصر، شقيق الصحافي المختفي في تحقيقات النيابة، أقر باختفاء شقيقه رضا هلال في 2003/8/11 حتى 2007 لم يكن لديه والأسرة أي معلومات عن مكان شقيقه المختفي، ثم حصلوا على معلومات عبر الهاتف أفادت بأن شقيقه المختفي موجود بأحد سجون الإسكندرية.
كما قرر عند سؤاله عن تاريخ اختفاء شقيقه وظروفه وملابساته، بأنه تلقى اتصالا هاتفيا يوم 11/ 8/ 2003 من شخص مجهول يسأل عن شقيقه، لأنه كان مسؤولا عن طبعة الأهرام في ذلك اليوم، وعندما توجه والأسرة إلى محل سكنه بمنطقة السيدة زينب، بوسط القاهرة، وجد شقته مغلقة بقفل غير القفل المعتاد، والنوافذ مفتوحة، ولم يعلل سبب ذلك الاختفاء.
* لا معلومات.. فقط إشاعات
وقال أسامة، إنه تردد على عدة جهات أمنية وسيادية ولم يتوصل إلى أي معلومات عن شقيقه.
كما قرر بعدم تعرفه على شخص المتصل به الذي أخبره بوجود شقيقه بأحد سجون برج العرب بالإسكندرية، وأنه لم يحتفظ برقم هاتفه، وأنه ذهب إلى سجن برج العرب للسؤال عن شقيقه ولم يصل إلى معلومات صحيحة عنه.
كما أكد تلقيه 3 مكالمات أخرى في شهر أبريل 2009 على هاتفه المحمول، تضمنت بأن شقيقه لن يظهر إلا بعد تغيير النظام، كما قرر بأنه حرر تلك العريضة بتاريخ 19/ 8/ 2009 لرغبته بقيام النيابة العامة بصفتها صاحبة سلطة إشراف على السجون، بالتحقق من مكان وجود شقيقه بسجن برج العرب بالإسكندرية.
وأفصح شقيق «هلال»، عن حصوله على معلومات جديدة تفيد بتورط بعض الضباط في خطف شقيقه يوم 11/ 8/ 2003، عن طريق إحدى الصحف العربية التي نشرت وثيقة من وثائق أمن الدولة بمصر تفيد قيام تنظيم سري بوزارة الداخلية بخطف شقيقه وإفقاده الوعي ونقله إلى مقر «جابر بن حيان»، وهو مقر قديم لمباحث أمن الدولة المصرية بالجيزة، وتقييده، وقدم تأييدا لأقواله صورة من تلك الوثيقة.
كما كرر، اتهامه لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وزوجته السيدة إلهام شرشر، وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل ونجل الرئيس الأسبق جمال مبارك، وبعض الضباط الآخرين بالتورط في الواقعة.
ووجه أسامة اتهامه لجمال مبارك، بشكل واضح وصريح، بداعي أن شقيقه هو أول من تصدي لعملية التوريث وأعلن أنه لا يصلح لرئاسة مصر، واتهم المتهمين الآخرين لمسؤوليتهم عن حماية المواطن، والسيدة إلهام شرشر لوجود مشادة كلامية بينها وبين شقيقه ولأنهما زميلان بالعمل.
* الشاهد الثاني
أما الشاهد الثاني فهو شقيق الصحافي المختفي أيضا، ويدعى «عبد الرحمن هلال ـ 45 عاما» مدرس أول لغة فرنسية بمدرسة المنصورة الثانوية العسكرية، حيث قرر بوجود مكالمة هاتفية مسجلة على جهاز الأنسر ماشين الخاص بشقيقه بصوت سيدة تهدده فيها باسم مبارك وعائلته، مشيرا إلى أنها أنهت مكالمتها بعبارة: «عيد سعيد باي باي»، وبين أنه علم بعد ذلك بأنها زوجة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، السيدة «الهام شرشر».
واتهم الشاهد، وهو شقيق رضا كلا: من اللواء حبيب العادلي، والضابط صلاح سلامة الذي كان مديرا لامن الدولة آنذاك، وجمال مبارك، واللواء فاروق لاشين، الذي كان رئيسا لفرقة البحث التي تم تشكيلها لكشف غموض اختفاء شقيقه.
وكذلك السائق سيد عبد العاطي، لأنه كان آخر شخص موجودا مع شقيقه لحظة اختفائه، كما قدم شريط كاسيت ماركة «T D K» داخل علبة بلاستيكة شفافة اللون مكتوب علىها عبارة « انسر ماشين رضا هلال»..
وقال الشاهد الثالث، ويدعي «عماد الدين عبد الفتاح فواز سعد – 44 عاما» – رئيس قسم الحوادث بجريدة الكرامة الحزبية، إنه حصل على مستند منسوب صدوره لما أسماه «التنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية»، وممهور من المشرف على التنظيم الرائد حسين صلاح ويفيد بأنه تم خطف «رضا هلال» ونقله إلى مقر التنظيم في معتقل «جابر بن حيان» بالجيزة.
كما أفاد بأنه حصل على وثيقة أخرى منسوبة لنفس الجهة، تفيد بأن «هلال» تم نقله إلى مستشفي الأمراض العقلية بالعباسية، بالقاهرة، وحجزه في عنبر «الخطرين» باسم مستعار.
كما قرر بالتحقيقات بأنه لم يبلغ الجهات المختصة بمحتوي هذه الوثيقة أو أسرة الصحافي المختفي، كما أفاد بحصوله عليها من موظف مدني بوزارة الداخلية.
كما قرر بالتحقيقات بأن أعضاء التنظيم السري بوزارة الداخلية هم: الضابط حسين صلاح، الذي تم إقالته في العام 2005، وخلفه الرائد فتحي عبد الوحد، ابن خالة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق، وكذلك بعض الضباط الآخرين.
كما أقر بالتحقيقات أن الصحافي المختفي موجود الآن بمستشفى الامراض العقلية بالعباسية، بالقاهرة، وتحديدا بقسم «الخطيرين»، باسم «أحمد محمد محمود».
* الشاهد الرابع
أما نائب رئيس تحرير جريدة الفجر المصرية محمد الباز، فكرر بالتحقيقات ما كتبه بالصحيفة المذكورة من حصوله على معلومات من جهاز أمن الدولة السابق تؤكد اختطاف الصحافي رضا هلال يوم 2003/8/11 بمعرفة بعض أفراد الجهاز بهدف إيذائه بدنيا وتأديبه فقط ولكنه لفظ أنفاسه سريعا وتم التخلص من جسمانه عن طريق إذابته بالجير الحي، وتم دفن بقايا جسده في مقابر البساتين «جنوب القاهرة»، كما تحدث عن تورط «إلهام شرشر» في الواقعة.
* أقوال «شرشر»
عندما استدعت النيابة العامة المصرية «الهام شرشر – 48 عاما» حينذاك كاتبة صحافية بجريدة الاهرام ونائب رئيس تحرير جريدة الاهرام، وواجهتها بما هو منسوب إليها، أفادت بأن «رضا هلال»، كان زميلها في «الأهرام» مثل غيره من الزملاء، ولم يسبق لها مقابلته في العمل، ولم تكن لها علاقة مباشرة به لا من قريب، ولا من بعيد.
وبمواجهتها بأقوال «أسامة، شقيق الصحافي المختفي، قطعت بعدم صحة كلامه، وشددت على أن صلتها بصحيفة « الأهرام»، انقطعت منذ زواجها من اللواء حبيب العادلي عام 2000 وحصولها على اجازة من دون مرتب لمدة 8 سنوات من الجريدة وعدم ترددها عليها نهائيا..
* شريط كاسيت
وبالاستماع إلى شريط الكاسيت الذي يتضمن المكالمة الذكورة على جهاز الانسر ماشين وبحضور السيدة «شرشر»، قررت بأن الصوت لا يخصها على الاطلاق ولم يسبق لها الاتصال بالصحافي المختفي من قبل.
وبمواجهتها بما قدمه الشاكي من وثائق منسوبة إلى وزارة الداخلية «التنظيم السياسي السري»، قالت إنها لا تعرف عنها شيئا وشككت في صدقيتها.
وبمواجهتها بما قرره الصحافي محمد الباز بالتحقيقات واتهامه لوزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي بضلوعه في قتل «رضا هلال» بسبب مكالمة تليفونية جرت بينها وبينه، فأنكرت ذلك الأمر جملة وتفصيلا، بل اعتبرته سبا في حقها وحق زوجها، وأكدت على حقها القانوني في مقاضاة «الباز» جنائيا ومدنيا، واتهمته بأنه «لم يراع ضميره المهني فيما يكتبه».
* انه صوتها
أما مدير عام وكبير الفنيين باتحاد الاذاعة والتليفزيون وكبير خبراء الصوت بالاذاعة في مصر محمد مغازي محمد الفقي، فقد أفاد بأقواله بالتحقيقات بأن درجة التطابق بين صوت السيدة «إلهام شرشر» وصوت السيدة المسجل على الأنسر ماشين 100 في المئة.
كما أفاد زميله عادل السيد يماني اسماعيل «فني صوت أول بالهندسة الاذاعية باتحاد الاذاعة والتليفزيون» بنفس المضمون.
وفي أقوال عضو ما يسمى ائتلاف ضباط لكن شرفاء، المقدم محمود محمد عبد النبي، والذي تم استدعاؤه بناء على طلب تقدم به «أسامة»، شقيق الصحافي المختفي، أفاد بأن رضا هلال كانت له زميلة في «الأهرام»، اسمها « إلهام شرشر»، وجرت بينها وبينه مشادة كلامية، بعد علمها أن زميلها يحتفظ بمستندات تدين زوجها في قضايا غسل أموال.
فقامت بالرد عليه، كما أبلغت زوجها، ومن ثم اقتاد التنظيم السري بوزارة الداخلية بقيادة الرائد حسين صلاح، الصحافي رضا هلال إلى مقر مباحث أمن الدولة بجابر بن حيان صباح يوم 2003/8/10. وبمواجهته بما قرره من قيام التنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية بالتصدي للصحافي رضا هلال واقتياده لمقر امن الدولة بجابر بن حيان فقرر بأن معلوماته تؤكد انهم اصطحبوه من منزله رقم 34 بشارع اسماعيل سري بشارع القصر العيني بالقاهرة وتحفظوا عليه وبعد الثورة واقتحام الشعب لمقار امن الدولة سلمه أحد الموظفين المدنيين بالجهاز صورة ضوئية من الوثيقة المشار اليها بالتحقيقات..
وبسؤاله عن معلوماته عما يسمى بالتنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية قرر بأنه تنظيم تم انشاؤه عام 2000 تزامنا مع ما قال إنه بداية فكرة التوريث، وكان الغرض منه التصدي لأي معارض للنظام السابق أو فكرة التوريث، وبشكل لا يدين الشرطة امام الرأي العام، وكان يتولي الإشراف عليه مباشرة اللواء حبيب العادلي، وأن له عدة فروع بداخل مقار أمن الدولة المعروفة بمدينة نصر بالقاهرة وجابر بن حيان بالجيزة فضلا عن مقر آخر بالاسكندرية، وكان يضم 20 أمين شرطة، و4 ضباط، يرأسهم ضابط برتبة «رائد». وبمواجهته بالوثيقة المشار إليها بالتحقيقات المنسوبة للتنظيم السياسي السري والمعنونة: «تقرير حول حالة المدعو رضا هلال»، أفاد بأنها مختلفة، وتختلف عن التي قدمها بالتحقيقات، كما أنها ممهورة بتوقيع متشابه وغير واضح ويشك فيها انها قد تكون غير سليمة..
الماركسي.. خريج «العلوم السياسية»
تأثر «رضا هلال» بالفكر الماركسي أثناء دراسته بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي كان لا يزال فيها للتيار اليساري الكثير من النفوذ في الحركة الطلابية المصرية، ولكن سرعان ما تحول إلى الليبرالية ذات التوجه العلماني بعد التحاقه بالعمل في جريدة الأهرام، وسفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولكن توجهاته الليبرالية لم تحـُل دون أن يوجه سهام النقد لليمين الأميركي المسيحي والمحافظين الجدد.
لم يظهر «هلال» تعاطفا مع عقيدة المحافظين الجدد الخاصة بالإطاحة بالنظم الديكتاتورية العربية واستبدالها بحكومات ديموقراطية تمثل الحل السحري لكل مشكلات الشرق الأوسط. فكثيرا ما شدد الصحافي المختفي على أن الديموقراطية ليست مجرد انتخابات واقتراع بل هي ثقافة قائمة على احترام الآخر وصيانة حقوق الأقلية لحمايتها من طغيان الأغلبية.
الولايات المتحدة ... بوتقة انصهار
في كتابه «تفكيك أميركا»، رسم «رضا هلال» شخصية الولايات المتحدة، باعتبارها «بوتقة انصهار» بين أعراق وثقافات وأديان متعددة من خلال أفكار وقيم مثل: الحرية والفردية والبراجماتية ومؤسسات سياسية واجتماعية اجتذبت الناس من مختلف الأجناس للعيش في ظل «الحلم الأميركي».
ويتطرق الكتاب إلى تحول أميركا من «أرض ميعاد» اجتذبت الحالمين بالحرية والثروة إلى «دولة صليبية» تسعى إلى أمركة العالم، سواء بالثقافة أو بالقوة العسكرية، بما أدى إلى «كراهية أميركا» في بعض أصقاع العالم.
يرتكز الكتاب على تفكيك صورة الحلم الأميركي الذي تهدده تعارضات المثالية والواقعية، الثروة والفقر، الأبيض والملون، المال والسلطة، المساواة وسيطرة جماعات المصالح.
وفي «تفكيك أميركا» يشغل الدين أهمية نسبية من حيث رصد التناقض الأميركي بين مجتمع متدين ودولة علمانية، إلى متابعة تهويد المسيحية الأميركية، إلى صعود اليمين المسيحي ووصول عناصره إلى الحكم.
ويكتمل «تفكيك أميركا» بتفكيك ثقافة الجمهور لتحديد صورة الذات والآخر، وصولاً إلى صورة «العربي القبيح» و«الإسلام العدو». وينتهي الكتاب إلى أن أميركا مهددة من الداخل، مهددة بضعف آلية «بوتقة الانصهار»، ومهددة بتدهور قيم «الحلم الأميركي»، ومهددة بانحطاط المجتمع الأميركي (العنف-الجريمة-الانحلال...)، ومهددة بتراخي المؤسسات الأميركية.
هكذا بكل «بساطة» دخل العمارة التي يسكن فيها وانتظر المصعد الكهربائي لكنه لم يصل إلى شقته. كما لا يزال نظام الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، في مرمى الاتهام والتورط في إخفاء الصحافي الأربعيني يومئذ، الذي كان يتمتع، قبيل اختفائه، بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة وجهات غربية أخرى، حتى إنه تردد أنه على علاقة مع عدد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية.
وفي ظل هذه الأجواء والأخبار المتناثرة هنا وهناك، وفي ظل روايات مختلفة وغامضة وغير مكتملة، تبقى للروايات الافتراضية مجال خصب تنمو وتترعرع فيه بلا وعي، وتتفاعل الاجتهادات يميناً ويساراً. «الراي»... تفتح ملف اختفاء نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» المصرية الصحافي رضا هلال، في ذكرى اختفائه الـ«11»، والذي لا يزال اختفاؤه يشكل لغزاً محيراً ومؤلماً لأهله وزملائه وأصدقائه وكثير من المهتمين بأمره، والذين يتساءلون بمرارة: «أين اختفى، وما أسباب اختفائه؟ هل هو حيٌ فترجى عودته أم ميت فيُنسى ذكره»؟
شهادات توجه أصابع الاتهام إلى «التنظيم السري» وتفترض وجوده في مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية
هل حقاً دفن في مدافن البساتين ... أم تمّت إذابته بالجير الحي؟
| القاهرة ـ من مختار محمود |
... ونواصل، البحث في ملفات وتصريحات وتحقيقات أمنية وقضائية، لعلنا نصل إلى شيء في قصة الاختفاء الغامض للصحافي المصري رضا هلال، والتي مر عليها 11 عاما.
وفي نَص تحقيقات النيابة العامة المصرية في إعادة التحقيق في قضية اختفاء الصحافي رضا هلال، عثرنا على معلومات يمكن وصفها بأنها خطيرة.. التحقيقات بدأت استنادا إلى البلاغ رقم 15362 لسنة 2009 عرائض النائب العام، والذي تلقاه النائب العام المصري من شقيق رضا هلال، والذي يطلب فيه سرعة التحقيق في واقعة اختفاء شقيقه، والوقوف على حقيقة الاشاعات التي تربط اختفاءه بوزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي وقتله والتمثيل بجثته، انتقاما منه لنشره موضوعا حول توريث الحكم في مصر لجمال مبارك.
* الشاهد الأول
وبسؤال «أسامة عبدالرحمن هلال ـ 41 عاما»، وكيل أنشطة تربوية بمدرسة الملك فيصل الإعدادية بنين بالسنبلاوين، في محافظة الدقهلية، شمال دلتا مصر، شقيق الصحافي المختفي في تحقيقات النيابة، أقر باختفاء شقيقه رضا هلال في 2003/8/11 حتى 2007 لم يكن لديه والأسرة أي معلومات عن مكان شقيقه المختفي، ثم حصلوا على معلومات عبر الهاتف أفادت بأن شقيقه المختفي موجود بأحد سجون الإسكندرية.
كما قرر عند سؤاله عن تاريخ اختفاء شقيقه وظروفه وملابساته، بأنه تلقى اتصالا هاتفيا يوم 11/ 8/ 2003 من شخص مجهول يسأل عن شقيقه، لأنه كان مسؤولا عن طبعة الأهرام في ذلك اليوم، وعندما توجه والأسرة إلى محل سكنه بمنطقة السيدة زينب، بوسط القاهرة، وجد شقته مغلقة بقفل غير القفل المعتاد، والنوافذ مفتوحة، ولم يعلل سبب ذلك الاختفاء.
* لا معلومات.. فقط إشاعات
وقال أسامة، إنه تردد على عدة جهات أمنية وسيادية ولم يتوصل إلى أي معلومات عن شقيقه.
كما قرر بعدم تعرفه على شخص المتصل به الذي أخبره بوجود شقيقه بأحد سجون برج العرب بالإسكندرية، وأنه لم يحتفظ برقم هاتفه، وأنه ذهب إلى سجن برج العرب للسؤال عن شقيقه ولم يصل إلى معلومات صحيحة عنه.
كما أكد تلقيه 3 مكالمات أخرى في شهر أبريل 2009 على هاتفه المحمول، تضمنت بأن شقيقه لن يظهر إلا بعد تغيير النظام، كما قرر بأنه حرر تلك العريضة بتاريخ 19/ 8/ 2009 لرغبته بقيام النيابة العامة بصفتها صاحبة سلطة إشراف على السجون، بالتحقق من مكان وجود شقيقه بسجن برج العرب بالإسكندرية.
وأفصح شقيق «هلال»، عن حصوله على معلومات جديدة تفيد بتورط بعض الضباط في خطف شقيقه يوم 11/ 8/ 2003، عن طريق إحدى الصحف العربية التي نشرت وثيقة من وثائق أمن الدولة بمصر تفيد قيام تنظيم سري بوزارة الداخلية بخطف شقيقه وإفقاده الوعي ونقله إلى مقر «جابر بن حيان»، وهو مقر قديم لمباحث أمن الدولة المصرية بالجيزة، وتقييده، وقدم تأييدا لأقواله صورة من تلك الوثيقة.
كما كرر، اتهامه لوزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وزوجته السيدة إلهام شرشر، وأمين لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل ونجل الرئيس الأسبق جمال مبارك، وبعض الضباط الآخرين بالتورط في الواقعة.
ووجه أسامة اتهامه لجمال مبارك، بشكل واضح وصريح، بداعي أن شقيقه هو أول من تصدي لعملية التوريث وأعلن أنه لا يصلح لرئاسة مصر، واتهم المتهمين الآخرين لمسؤوليتهم عن حماية المواطن، والسيدة إلهام شرشر لوجود مشادة كلامية بينها وبين شقيقه ولأنهما زميلان بالعمل.
* الشاهد الثاني
أما الشاهد الثاني فهو شقيق الصحافي المختفي أيضا، ويدعى «عبد الرحمن هلال ـ 45 عاما» مدرس أول لغة فرنسية بمدرسة المنصورة الثانوية العسكرية، حيث قرر بوجود مكالمة هاتفية مسجلة على جهاز الأنسر ماشين الخاص بشقيقه بصوت سيدة تهدده فيها باسم مبارك وعائلته، مشيرا إلى أنها أنهت مكالمتها بعبارة: «عيد سعيد باي باي»، وبين أنه علم بعد ذلك بأنها زوجة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، السيدة «الهام شرشر».
واتهم الشاهد، وهو شقيق رضا كلا: من اللواء حبيب العادلي، والضابط صلاح سلامة الذي كان مديرا لامن الدولة آنذاك، وجمال مبارك، واللواء فاروق لاشين، الذي كان رئيسا لفرقة البحث التي تم تشكيلها لكشف غموض اختفاء شقيقه.
وكذلك السائق سيد عبد العاطي، لأنه كان آخر شخص موجودا مع شقيقه لحظة اختفائه، كما قدم شريط كاسيت ماركة «T D K» داخل علبة بلاستيكة شفافة اللون مكتوب علىها عبارة « انسر ماشين رضا هلال»..
وقال الشاهد الثالث، ويدعي «عماد الدين عبد الفتاح فواز سعد – 44 عاما» – رئيس قسم الحوادث بجريدة الكرامة الحزبية، إنه حصل على مستند منسوب صدوره لما أسماه «التنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية»، وممهور من المشرف على التنظيم الرائد حسين صلاح ويفيد بأنه تم خطف «رضا هلال» ونقله إلى مقر التنظيم في معتقل «جابر بن حيان» بالجيزة.
كما أفاد بأنه حصل على وثيقة أخرى منسوبة لنفس الجهة، تفيد بأن «هلال» تم نقله إلى مستشفي الأمراض العقلية بالعباسية، بالقاهرة، وحجزه في عنبر «الخطرين» باسم مستعار.
كما قرر بالتحقيقات بأنه لم يبلغ الجهات المختصة بمحتوي هذه الوثيقة أو أسرة الصحافي المختفي، كما أفاد بحصوله عليها من موظف مدني بوزارة الداخلية.
كما قرر بالتحقيقات بأن أعضاء التنظيم السري بوزارة الداخلية هم: الضابط حسين صلاح، الذي تم إقالته في العام 2005، وخلفه الرائد فتحي عبد الوحد، ابن خالة اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق، وكذلك بعض الضباط الآخرين.
كما أقر بالتحقيقات أن الصحافي المختفي موجود الآن بمستشفى الامراض العقلية بالعباسية، بالقاهرة، وتحديدا بقسم «الخطيرين»، باسم «أحمد محمد محمود».
* الشاهد الرابع
أما نائب رئيس تحرير جريدة الفجر المصرية محمد الباز، فكرر بالتحقيقات ما كتبه بالصحيفة المذكورة من حصوله على معلومات من جهاز أمن الدولة السابق تؤكد اختطاف الصحافي رضا هلال يوم 2003/8/11 بمعرفة بعض أفراد الجهاز بهدف إيذائه بدنيا وتأديبه فقط ولكنه لفظ أنفاسه سريعا وتم التخلص من جسمانه عن طريق إذابته بالجير الحي، وتم دفن بقايا جسده في مقابر البساتين «جنوب القاهرة»، كما تحدث عن تورط «إلهام شرشر» في الواقعة.
* أقوال «شرشر»
عندما استدعت النيابة العامة المصرية «الهام شرشر – 48 عاما» حينذاك كاتبة صحافية بجريدة الاهرام ونائب رئيس تحرير جريدة الاهرام، وواجهتها بما هو منسوب إليها، أفادت بأن «رضا هلال»، كان زميلها في «الأهرام» مثل غيره من الزملاء، ولم يسبق لها مقابلته في العمل، ولم تكن لها علاقة مباشرة به لا من قريب، ولا من بعيد.
وبمواجهتها بأقوال «أسامة، شقيق الصحافي المختفي، قطعت بعدم صحة كلامه، وشددت على أن صلتها بصحيفة « الأهرام»، انقطعت منذ زواجها من اللواء حبيب العادلي عام 2000 وحصولها على اجازة من دون مرتب لمدة 8 سنوات من الجريدة وعدم ترددها عليها نهائيا..
* شريط كاسيت
وبالاستماع إلى شريط الكاسيت الذي يتضمن المكالمة الذكورة على جهاز الانسر ماشين وبحضور السيدة «شرشر»، قررت بأن الصوت لا يخصها على الاطلاق ولم يسبق لها الاتصال بالصحافي المختفي من قبل.
وبمواجهتها بما قدمه الشاكي من وثائق منسوبة إلى وزارة الداخلية «التنظيم السياسي السري»، قالت إنها لا تعرف عنها شيئا وشككت في صدقيتها.
وبمواجهتها بما قرره الصحافي محمد الباز بالتحقيقات واتهامه لوزير الداخلية الاسبق حبيب العادلي بضلوعه في قتل «رضا هلال» بسبب مكالمة تليفونية جرت بينها وبينه، فأنكرت ذلك الأمر جملة وتفصيلا، بل اعتبرته سبا في حقها وحق زوجها، وأكدت على حقها القانوني في مقاضاة «الباز» جنائيا ومدنيا، واتهمته بأنه «لم يراع ضميره المهني فيما يكتبه».
* انه صوتها
أما مدير عام وكبير الفنيين باتحاد الاذاعة والتليفزيون وكبير خبراء الصوت بالاذاعة في مصر محمد مغازي محمد الفقي، فقد أفاد بأقواله بالتحقيقات بأن درجة التطابق بين صوت السيدة «إلهام شرشر» وصوت السيدة المسجل على الأنسر ماشين 100 في المئة.
كما أفاد زميله عادل السيد يماني اسماعيل «فني صوت أول بالهندسة الاذاعية باتحاد الاذاعة والتليفزيون» بنفس المضمون.
وفي أقوال عضو ما يسمى ائتلاف ضباط لكن شرفاء، المقدم محمود محمد عبد النبي، والذي تم استدعاؤه بناء على طلب تقدم به «أسامة»، شقيق الصحافي المختفي، أفاد بأن رضا هلال كانت له زميلة في «الأهرام»، اسمها « إلهام شرشر»، وجرت بينها وبينه مشادة كلامية، بعد علمها أن زميلها يحتفظ بمستندات تدين زوجها في قضايا غسل أموال.
فقامت بالرد عليه، كما أبلغت زوجها، ومن ثم اقتاد التنظيم السري بوزارة الداخلية بقيادة الرائد حسين صلاح، الصحافي رضا هلال إلى مقر مباحث أمن الدولة بجابر بن حيان صباح يوم 2003/8/10. وبمواجهته بما قرره من قيام التنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية بالتصدي للصحافي رضا هلال واقتياده لمقر امن الدولة بجابر بن حيان فقرر بأن معلوماته تؤكد انهم اصطحبوه من منزله رقم 34 بشارع اسماعيل سري بشارع القصر العيني بالقاهرة وتحفظوا عليه وبعد الثورة واقتحام الشعب لمقار امن الدولة سلمه أحد الموظفين المدنيين بالجهاز صورة ضوئية من الوثيقة المشار اليها بالتحقيقات..
وبسؤاله عن معلوماته عما يسمى بالتنظيم السياسي السري بوزارة الداخلية قرر بأنه تنظيم تم انشاؤه عام 2000 تزامنا مع ما قال إنه بداية فكرة التوريث، وكان الغرض منه التصدي لأي معارض للنظام السابق أو فكرة التوريث، وبشكل لا يدين الشرطة امام الرأي العام، وكان يتولي الإشراف عليه مباشرة اللواء حبيب العادلي، وأن له عدة فروع بداخل مقار أمن الدولة المعروفة بمدينة نصر بالقاهرة وجابر بن حيان بالجيزة فضلا عن مقر آخر بالاسكندرية، وكان يضم 20 أمين شرطة، و4 ضباط، يرأسهم ضابط برتبة «رائد». وبمواجهته بالوثيقة المشار إليها بالتحقيقات المنسوبة للتنظيم السياسي السري والمعنونة: «تقرير حول حالة المدعو رضا هلال»، أفاد بأنها مختلفة، وتختلف عن التي قدمها بالتحقيقات، كما أنها ممهورة بتوقيع متشابه وغير واضح ويشك فيها انها قد تكون غير سليمة..
الماركسي.. خريج «العلوم السياسية»
تأثر «رضا هلال» بالفكر الماركسي أثناء دراسته بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في سبعينيات القرن الماضي، وهي الفترة التي كان لا يزال فيها للتيار اليساري الكثير من النفوذ في الحركة الطلابية المصرية، ولكن سرعان ما تحول إلى الليبرالية ذات التوجه العلماني بعد التحاقه بالعمل في جريدة الأهرام، وسفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، ولكن توجهاته الليبرالية لم تحـُل دون أن يوجه سهام النقد لليمين الأميركي المسيحي والمحافظين الجدد.
لم يظهر «هلال» تعاطفا مع عقيدة المحافظين الجدد الخاصة بالإطاحة بالنظم الديكتاتورية العربية واستبدالها بحكومات ديموقراطية تمثل الحل السحري لكل مشكلات الشرق الأوسط. فكثيرا ما شدد الصحافي المختفي على أن الديموقراطية ليست مجرد انتخابات واقتراع بل هي ثقافة قائمة على احترام الآخر وصيانة حقوق الأقلية لحمايتها من طغيان الأغلبية.
الولايات المتحدة ... بوتقة انصهار
في كتابه «تفكيك أميركا»، رسم «رضا هلال» شخصية الولايات المتحدة، باعتبارها «بوتقة انصهار» بين أعراق وثقافات وأديان متعددة من خلال أفكار وقيم مثل: الحرية والفردية والبراجماتية ومؤسسات سياسية واجتماعية اجتذبت الناس من مختلف الأجناس للعيش في ظل «الحلم الأميركي».
ويتطرق الكتاب إلى تحول أميركا من «أرض ميعاد» اجتذبت الحالمين بالحرية والثروة إلى «دولة صليبية» تسعى إلى أمركة العالم، سواء بالثقافة أو بالقوة العسكرية، بما أدى إلى «كراهية أميركا» في بعض أصقاع العالم.
يرتكز الكتاب على تفكيك صورة الحلم الأميركي الذي تهدده تعارضات المثالية والواقعية، الثروة والفقر، الأبيض والملون، المال والسلطة، المساواة وسيطرة جماعات المصالح.
وفي «تفكيك أميركا» يشغل الدين أهمية نسبية من حيث رصد التناقض الأميركي بين مجتمع متدين ودولة علمانية، إلى متابعة تهويد المسيحية الأميركية، إلى صعود اليمين المسيحي ووصول عناصره إلى الحكم.
ويكتمل «تفكيك أميركا» بتفكيك ثقافة الجمهور لتحديد صورة الذات والآخر، وصولاً إلى صورة «العربي القبيح» و«الإسلام العدو». وينتهي الكتاب إلى أن أميركا مهددة من الداخل، مهددة بضعف آلية «بوتقة الانصهار»، ومهددة بتدهور قيم «الحلم الأميركي»، ومهددة بانحطاط المجتمع الأميركي (العنف-الجريمة-الانحلال...)، ومهددة بتراخي المؤسسات الأميركية.