نحو ألق ثقافي
حوار مع... «التكريم المسرحي»
د. علي العنزي
قد أبدوا مبالغا- أحيانا- بالدور الذي أمنحه للثقافة عامة والمسرح خاصة، لازدهار ونهضة المجتمعات العربية.
لكن... لطالما آمنت- حقيقة- بأن المسرح «العربي» قادر على المساهمة في إيقاظ القيم الإنسانية «العالمية» (ممارسة الديموقراطية، التعددية، الحوار، حقوق الإنسان... الخ)، التي غابت عربيا طويلا- مع الأسف - وأصبحت ولادتها- من هذا المنظور- عسيرة في مجتمعات غابت عنها القيم الإنسانية لقرون.
وأستطيع أن أقول، بعد سنوات من الانتماء للجسم المسرحي، ان حماستي الثقافية/ المسرحية، لم تكن بعيدة عن أوهام دونكيشوت، في هذا الواقع العربي الذي همشت فيه الثقافة - بشكل لا يصدق - وعمم السطحي منها - في المقابل - على يد الأقنية الفضائية القائمة بشكل لا يصدق على الضئيل والمبتذل.
وعلى الرغم من مرارة هذا الواقع، وصعوبة الخروج منه، فإن طغمة مسرحية/ عربية دأبت منذ عقدين ونيف تقريبا، على الاحتفاء بأهل الفن، عبر توزيع الدروع التكريمية عليهم في المهرجانات المسرحية، من دون أي ضوابط أو معايير- على حد علمي- حتى ظننا أن توزيع الدروع أضحى ركناً أساسياً من أركان المسرح!
وأقول من هذه الجهة، انه لا مانع بالتأكيد، بل لابد من مبادرة الجسم المسرحي لتكريم رجالات ونساء المسرح، من وقت لآخر، شريطة أن تكون له/لها بصمة مسرحية... مثلا في إنتاج وضعية مستقلة للثقافة/ المثقف؛ أعني وضعية أسهمت في تمكين أبناء المسرح من تقديم مواقفهم بعيدا عن الأطر الحكومية، بما يحقق استقلاليتهم، وملكيتهم لأنفسهم! أو لنقل- على الأقل- باعتبار المكرم، جذري وجاد مسرحياً... أعني أنه ممن ينوءون تحت ثقل المسرح كوطن لهم، ووقفوا وعانوا على الخشبة أو حتى وراء كواليسها على حد سواء!
وبعد تأمل لعدد من المناسبات المسرحية، وما تتخللها من حفلات تكريم، أستطيع أن أقول مؤكداً انه آن أوان مراجعة الوضعية الراهنة لذلك الفنان، الذي سئمنا من استمتاعه بالوقوف خلف السياسي/ الوزير منتظرا منه التكرم بمنحه درعا أو شهادة! ونتمنى في السياق عينه، البحث عن صيغ مبتكرة لإضفاء المزيد من القيمة على المسرح بعيدا عن التكريمات التي لا يؤبه لها!
كما وعلينا كمثقفين أن نعمل على تحديد طبيعة علاقتنا بوزراء الثقافة، وأن نحاول الاستقلال بمواقفنا، رغم أنني لا أعتقد أن أولئك الباحثين عن الشهرة بلا مجهود، والمنقبين دوما عن الربح السريع، من الممكن أن يستسيغوا هكذا رجاء، باعتبارهم يعتاشون- غالباً- على المقامرة بمستقبل الفن!
قد يبدو إمعاني مبالغة بعض الشيء... لكن يجب أن نكون صريحين؛ إذ ينبغي علينا نحن المثقفين العرب- أقله بحكم وعينا وطليعيتنا- أن نحافظ على منظومة القيم التي تحفظ للفنان قيمته، وللإنسان إنسانيته، وتعينه على بناء مستقبله... وإن لم نستطع أن نبتكر صيغا فاعلة وأساليب توعوية جديدة.. فعلى الأقل ألا ننساق وراء فكرة التكريم الخالي من الإنجازات تحت إغواء فكرة تسليع كل شيء، بما فيه الثقافة!
* أستاذ النقد والأدب
aliali2222@hotmail.com
لكن... لطالما آمنت- حقيقة- بأن المسرح «العربي» قادر على المساهمة في إيقاظ القيم الإنسانية «العالمية» (ممارسة الديموقراطية، التعددية، الحوار، حقوق الإنسان... الخ)، التي غابت عربيا طويلا- مع الأسف - وأصبحت ولادتها- من هذا المنظور- عسيرة في مجتمعات غابت عنها القيم الإنسانية لقرون.
وأستطيع أن أقول، بعد سنوات من الانتماء للجسم المسرحي، ان حماستي الثقافية/ المسرحية، لم تكن بعيدة عن أوهام دونكيشوت، في هذا الواقع العربي الذي همشت فيه الثقافة - بشكل لا يصدق - وعمم السطحي منها - في المقابل - على يد الأقنية الفضائية القائمة بشكل لا يصدق على الضئيل والمبتذل.
وعلى الرغم من مرارة هذا الواقع، وصعوبة الخروج منه، فإن طغمة مسرحية/ عربية دأبت منذ عقدين ونيف تقريبا، على الاحتفاء بأهل الفن، عبر توزيع الدروع التكريمية عليهم في المهرجانات المسرحية، من دون أي ضوابط أو معايير- على حد علمي- حتى ظننا أن توزيع الدروع أضحى ركناً أساسياً من أركان المسرح!
وأقول من هذه الجهة، انه لا مانع بالتأكيد، بل لابد من مبادرة الجسم المسرحي لتكريم رجالات ونساء المسرح، من وقت لآخر، شريطة أن تكون له/لها بصمة مسرحية... مثلا في إنتاج وضعية مستقلة للثقافة/ المثقف؛ أعني وضعية أسهمت في تمكين أبناء المسرح من تقديم مواقفهم بعيدا عن الأطر الحكومية، بما يحقق استقلاليتهم، وملكيتهم لأنفسهم! أو لنقل- على الأقل- باعتبار المكرم، جذري وجاد مسرحياً... أعني أنه ممن ينوءون تحت ثقل المسرح كوطن لهم، ووقفوا وعانوا على الخشبة أو حتى وراء كواليسها على حد سواء!
وبعد تأمل لعدد من المناسبات المسرحية، وما تتخللها من حفلات تكريم، أستطيع أن أقول مؤكداً انه آن أوان مراجعة الوضعية الراهنة لذلك الفنان، الذي سئمنا من استمتاعه بالوقوف خلف السياسي/ الوزير منتظرا منه التكرم بمنحه درعا أو شهادة! ونتمنى في السياق عينه، البحث عن صيغ مبتكرة لإضفاء المزيد من القيمة على المسرح بعيدا عن التكريمات التي لا يؤبه لها!
كما وعلينا كمثقفين أن نعمل على تحديد طبيعة علاقتنا بوزراء الثقافة، وأن نحاول الاستقلال بمواقفنا، رغم أنني لا أعتقد أن أولئك الباحثين عن الشهرة بلا مجهود، والمنقبين دوما عن الربح السريع، من الممكن أن يستسيغوا هكذا رجاء، باعتبارهم يعتاشون- غالباً- على المقامرة بمستقبل الفن!
قد يبدو إمعاني مبالغة بعض الشيء... لكن يجب أن نكون صريحين؛ إذ ينبغي علينا نحن المثقفين العرب- أقله بحكم وعينا وطليعيتنا- أن نحافظ على منظومة القيم التي تحفظ للفنان قيمته، وللإنسان إنسانيته، وتعينه على بناء مستقبله... وإن لم نستطع أن نبتكر صيغا فاعلة وأساليب توعوية جديدة.. فعلى الأقل ألا ننساق وراء فكرة التكريم الخالي من الإنجازات تحت إغواء فكرة تسليع كل شيء، بما فيه الثقافة!
* أستاذ النقد والأدب
aliali2222@hotmail.com