أرقص لأتنفس

تصغير
تكبير
قبل أربع سنوات كتبت في «الراي» أني (أرقص لأفكر). وقتها رفضت النظرة المتطرفة المقال واعتبرتني ( كاتبة...).

النظرة المجتمعية رفضت الدفاع عن الرقص الشرقي. رفضت أن أحكي عن هز الخصر وأجاهر بعشقي لهذا الفن فأصف الراقصة بالمحترفة أو الفنانة…


وقتها لم يكن الإخوان قد وصلوا الى حكم مصر ولا ظهرت «داعش» ولا أي حرب أهلية. لكن النظرة القاسية تجاه الحضارة كانت موجودة. قسوة أظهرت التطرف وأشعلت الحروب الأهلية حين حرمت الحب والمواطنة والحرية والفن والرقص.

كلنا بداخلنا نعشق الرقص. المحظوظ من يمتلك الأدوات الجسدية والروحية التي تسهل عليه التعبير عن مشاعره. أجمل النعم التي يمكن لمخلوق أن يمارسها هي أن يرقص حتى يثمل، تخيل أن تبيح لجسدك عزف مقطوعته وحيدا ودون تدخل من عقلك. دون تدخل من تقاليد أو شروحات سخيفة. أن تدفع جسدك ليتمايل وفق قانون وحيد. الموسيقى والروح. أن تثور على كل شيء حتى على ذاتك. تثور دون رصاص أو أغلال ودون صراخ.

يبدو أن المصريين قد أعلنوا ثورة جديدة اليوم لا تقل أهمية عن الثورة على نظام الرجعية والإرهاب.

ثورة تعيد الفكر والروح. شيئان اختفيا من الحياة العربية كلها لحساب الرجعية والنظرة الدونية المادية للحياة.

ويبدو أن قناة القاهرة والناس (مشكورة ) قد انتفضت للحضارة أخيرا فأشعلت لهيب الساحة جدلا حول الرقص. حضارة مصر تدافع عن أهم أعمدتها.

ويظهر برنامج الراقصة ليتحول لحدث عربي لا مصري فقط. دينا الراقصة تتبجح بفن الرقص وسباق حول أفضل راقصة.

ويظهر طارق الشناوي الناقد المعروف يمتعنا باستعراض مشاهد رقصات تاريخية ملأت السينما المصرية ونقاشات تشهر الحقيقة أخيرا.

لا بد من انتفاضة تعيد المسروقات. كل المسروقات.

* الراقصة

يتحلقون ليلا حول الراقصة. يسهرون يتابعون رقصها الرشيق. ثم يستيقظون ليرشقوها بأشنع الألفاظ في الصباح.

يكرهون الراقصة لأنه وفي لحظة الرقص تعلن المرأة عن قوتها ووحدتها وتحديها، ويعلن الرجل عن انكساره وضعفه وذهوله وعدم قدرته على تفسير الجنون الذي أمامه فلا يغدو بوسعه سوى التحلق والنظر تحت شعار الاستمتاع. وفي الواقع إن ذهول لا وعيه الداخلي أكثر بكثير من المتعة التي يعمل جاهدا على إظهارها.

أما النساء. فكلنا بداخلنا ميول لأجساد حرة وأرواح نقية يمكنها أن تنصت للموسيقى. وحدها المتصالحة مع حريتها يمكنها أن تنصت للموسيقى. فيهتز جسدها تباعاً.

* دينا الراقصة

تستحق وساماً لشجاعتها. جريئة ما تقدمه اليوم في هذه الحال المرعبة وهذا الانتشار المجنون للقتلة. قوية لإيمانها بأن ما تقدمه ليس تمارين ليلية بل فن أصيل.

* نظرة للوراء

كانت المرأة التي يذوب أمامها السلطان تلك التي تبرع بالرقص براعتها بالموسيقى والتاريخ والسياسة والأدب والفن.

فأي تخلف الذي وصلنا إليه حين أصبحت المرأة المثالية هي الصماء البكماء منكوشة الهندام؟

في العام 2008 قال لي: تحتاجين لمئات السنين الأخرى حتى تتغير المنظومة الفكرية بأكملها، كما عملت الشعوب عشرات العقود لتجرد الراقصة من حقها في التفكير.

فأجبته: لا بد أن أرقص لأتمكن من الكتابة، من التفكير.

ارقصوا. ارقصوا. ارقصوا. في الحقيقة. وعلى هذه الأرض العربية، لم يتبق غير الرقص.

لعله يرجع شيئا.

سأرقص. وأرقص. وأرقص.

وليحيا الرقص.

كاتبة وإعلامية سعودية

nadinealbdear@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي