نافذة الكتابة

الكفاءة عملة غيّبتها المصالح

u062eu0648u0644u0629 u0627u0644u0642u0632u0648u064au0646u064a
خولة القزويني
تصغير
تكبير
«الكفاءة»... تلك العملة اليتيمة ظلت تبحث لها عن وطن، تترنح مثقلة بالهم في كل دائرة ووظيفة، ولمّا أعيتها الحيل بقت هائمة تستصرخ الضمائر المخدرة بأفيون الدينار والدنيا، فإذا بشظية مقصودة من عصبة سوء أفرادها «الواسطة، الطائفية، القبلية، العنصرية» تغتالها فتقبر، ومن بعدها تفشت المباذل في كل مكان حتى استشرت وتمددت لتطال كل موقع في الوطن متواطئة مع «الوصوليين، المنتفعين، الطفيليين» فارتج الوطن بلوثة الفساد الإداري.

فباسم الكفاءة ترتكب الحماقات وتقلب المعادلات وتُخلط الأوراق، فلا يعرف لها مقياس ثابت أو قيمة حقيقية، صارت الأقلام مطية لتسويق ثقافة مزدوجة ذات وجهين وجه ظاهر وآخر باطن، ولا ضير إن كانت تسوق بضاعة أو تسوق إنسان أو حتى تسوق فكرة، بات من السهل على أي نكرة يعتلي مركزا إداريا طالما تم توصيفه بالكفاءة حينها ترتدع الألسن الثرثارة خاسئة مدحورة طالما حكمت عليها الأقلام بالكفاءة!

وأقول : باسم الكفاءة «نسوّق إنساناً»، وتعمل الأقلام على تلميع شخص أو الخسف بآخر، وهذا هو بيت القصيد.

فصارت الحقيقة لها وجهان ظاهر وباطن، الظاهر هو ما يكتب علنا للناس وتدارى به النوايا الخبيثة التي ترشح برغمها بعضا من الجراثيم الفتاكة، صغيرة لا ترى بالعين المجردة لكن مفعولها مدمر، فنعلق على شماعة الكفاءة كل المبررات التي تسوق هذا الإنسان لهذه الوظيفة، بينما الغالبية تعرف أن هناك أبعاداً أخرى وأهدافا استثنته دوناً عن غيره، إما لأنه يمثل نمطا فكريا معيان، أو اتجاهاً أو طائفة أو لمعادلة سياسيّة ذات مصالح بعيدة.

هل فعلاًً أخذ الأكفاء حقهم في هذا الوطن بمختلف طوائفهم وانتماءاتهم؟ هل حقاً وضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟!

إنه لمن الإنصاف أن يعترف الكتّاب الشرفاء أن الكفاءة الحقيقية مغيّبة تماماً عن واقعنا الفعلي، وأنها ما زالت فكرة إنشائية وأنشودة يرددها أصحاب المبادئ في الأحلام.

هل من الإنصاف التعتيم على الواقع وتزييف الحقيقة أو الكيل بمكيالين؟ لا ينبغي إلا التجرد من النوازع الذاتية والدوافع الخاصة ورصد الوقع واستقرائه بصدق وعدالة.

إن لكل مواطن في هذا الوطن حقا في ممارسة عمله، نشاطه، حريته حتى يصل بجده وكفاحه إلى أفضل المواقع والمناصب، ويغذي بعلمه حاجة البلد تحت مظلة «المواطنة» أياً كان مذهبه أو قبيلته، لكن الواقع الموبوء بأمراض الطائفية والعنصرية أو القبلية شوّه هذه المعادلة المنطقية وأعاق التقدم للصفوة الكفوءة، فالحقيقة خرساء تكتم صرختها لأنها عاجزة عن البوح فقد تم استئصال حنجرتها وبقت عرضة للتشويه والتزييف.

وتأتي للأسف بعض الأقلام السوقية مستهجنة حق البعض بالمطالبة في أن يكون لهم نصيب عادل أسوة بغيرهم من المواطنين بعد أن برزت ملامح التفرقة والتمييز ظلماً وغبْناً، وهي في الواقع تدفع باتجاه الإصلاح والمساواة والحرية على افتراض أن الشعب يسير كله في مركب واحد، لكن هذا المركب ترك بعضاً وأخذ آخرين لاعتبارات طائفية مع سبق الإصرار والترصد، فالوضع لم يكن مصادفة أو عبث إنما كان له ترتيب مسبق، ومن الإنصاف أن تعترف الأقلام الحرة وتكتب بمصداقية وقناعات حقيقية من أن هناك توجهات أخرى تستبطنها الضمائر هي التي تعمل على تسويق هذه الفكرة على حساب الكفاءة. مبادئ مغيبة عن الواقع يظل البعض يتجاهلها عن قصد لغاية في نفسه ولقناعات ذاتية فيه.

فهل الفرص متساوية أمام الجميع؟

نظرة فاحصة واستقراء للواقع في مختلف قطاعات الأعمال والوزارات ستجد الفوضى بكل صورها، الإحباط، الفساد الظلم والغبن الواقع على البعض، تغلغل الطائفية المحسوبية، الواسطة، القبلية... عوامل هدم تزداد قوة وانتشاراً في المجتمع وتفتك في أوصاله كداء عضال.

فليعيد المتغنين «بالكفاءة» حساباتهم وسيجدون أنها حلم لم يتحقق بعد وأنهم أول المنتفعين بغيابها!

* كاتبة وروائية كويتية

www.khawlaalqazwini.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي