الرأي اليوم / قائد... وإنسان

تصغير
تكبير
عندما يقف العالم بأسره تحية لزعيم الإنسانية الأمير الشيخ صباح الأحمد فهذا يعني أن قلب الكويت يخفق بقوة في الوجدان والضمير، وأن نبضاته الخيرة استطاعت أن تخرق جدار... الظلم.

صباح الأحمد مكرماً في الامم المتحدة قائداً انسانياً. العالم المختلف على كل شيء يتفق على انسانية أميرنا ورقي زعامته. هو تكريم يتجاوز شخص «العود» الى المبادئ التي كرسها طيلة عمله في الشأن العام، وتقدير للمدرسة الديبلوماسية التي أسسها منذ نحو 50 عاماً... وعاد الكثيرون اليها اليوم بعدما جربوا مدارس الآخرين.


إنسانية صباح الأحمد هي القوة وليس الضعف. هي اختصار لرؤية طالما عمل على تحقيقها ولمبادئ طالما عمل على تطبيقها. طبعا لم تكن الطرق مفروشة دائما امامه بل على العكس من ذلك كانت الطرق دائما مقفلة وان فتحت فعلى جوانبها كل أنواع الشوك والحواجز، ومع ذلك، وبصبر القادرين، كان يصل الى الحل مهما كبرت المعاناة المعنوية أو الصحية التي يكتمها دائما بابتسامة تسبق حضوره... مكرساً التفاؤل قاعدة والتشاؤم استثناء.

الديبلوماسية مدرسته. لا يؤمن بالعنف ولا يرى فيه حلاً لشيء. يؤمن بالحوار ومد الجسور والتفاوض والقواسم المشتركة، يتسامى على الإساءات ويطوي الصفحات طالما ان الهدف هو الاستقرار. يؤمن تماما ان الانسان خليفة الله في الارض وخير سفير له، لذلك فـ«كويته» انسان، وعلمها انسان، ودستورها إنسان، وديبلوماسيتها إنسان، وقانونها إنسان. يعتبر أن تخلي البعض عن إنسانيته هو تخل عن الدين والوطن ولا يجد مبررا لتجاوز «أحسن التقويم» الا في الضعف الذاتي الذي يجنح بأصحابه الى العنف والتوتر... وحتى هؤلاء يمد لهم يد الثقة لمساعدتهم على إخراجهم من ضيق آفاقهم إلى رحاب الوطن.

يقف العالم بأسره محتفلاً برجل عرف سلامه الداخلي قبل ان يصبح السلام مذهبه الإنساني. تجده مفاوضاً، محاوراً، وسيطاً في أي ازمة. يصرف وقته واوراقه على جمع الشمل والتلاقي، وإن نفد الوقت لم تنفد الاوراق. يخبئ بعضها للحظات الصعبة والأخيرة فتنفتح أبواب الحل رغم كل مؤشرات التعقيد.

ما غاب عن دور أو وساطة منذ افتتاح «مدرسته» قبل خمسة عقود. تدرج في كل المهمات خلف الأضواء محاولا تقريب وجهات النظر واختبار النيات، ثم قاد في الواجهة مختلف مراحل التصدي الديبلوماسي لعدائية إسرائيل المتكررة وحروبها وانتهاكاتها للمواثيق والقوانين الدولية، وفي الوقت نفسه عمل على إبراز قضية فلسطين كقضية عربية وإنسانية أولى قبل ان تضيعها خلافات العرب وانقسامات الفلسطينيين انفسهم. في حرب لبنان زرع سلاماً ادى إلى نهايتها بعدما كان غيره يزرع الموت. في الحروب الاقليمية جنبت سياساته الكويت نارا كادت تلتهم الخليج بحرا وبرا. في الغزو قاد مع اخوته وخصوصا المغفور لهما الشيخين جابر الاحمد وسعد العبدالله حربا ديبلوماسية أدت الى التحرير. في الخلافات الخليجية، في الخلافات بين الخليج وايران، في الخلاف بين دولة عربية واخرى أو بين تيارات داخل كل دولة عربية... صباح الاحمد يمسك بالملفات ويبحر بها ببراعة النوخذة الخبير المجرب.

أما في مأساتي سورية وغزة فقد كان تقريبا الوحيد الذي تعاطى معهما من منطلق انساني بينما كان الكثيرون، وعلى رأسهم ربما الولايات المتحدة، يتاجرون سياسياً وعسكرياً بدماء المدنيين. جمع صباح الأحمد العالم كله في الكويت في مؤتمر مانحي سورية واخجلهم بمبادراته فتسابقوا على العطاء ما دفع الامين العام للامم المتحدة الى تسميته «زعيم الانسانية».

وعلى خط موازٍ، ومن جنوب اميركا الى جنوب آسيا مرورا بدول اوروبية وافريقية، لم تتأخر الكويت عن دعم الفقراء والمحتاجين والاطفال والمسنين. هنا مستشفيات، وهناك دور عبادة، وآبار، ومصانع، ومشاريع، وقروض وهبات، وشق طرق وبناء مدن صغيرة. وهل يمكن لأحد أن ينسى الاجتماع الدولي الذي قاده في الكويت لإعادة تصحيح بوصلة التعامل الانساني مع الدول الافريقية باتجاه ضمان وصول المساعدات والمبادرات الى المواطن الافريقي مباشرة؟

أما داخل الكويت فالإنسان هو الكويت بالنسبة الى صباح الاحمد. لا خير عنده في دولة يعلو شأنها وانسانها مكسور. يلخص ذلك بكلامه هو عندما قال في ذكرى التحرير والعيد الوطني: «إن قضيتنا المركزية في التنمية تقوم على بناء الإنسان باعتباره المكون الأساسي في مواجهة قضاياها، ولا يفوتني أن أنوه بدور شبـابنا الواعد في صناعة الغد المأمول، فهو حجر الزاوية في أي بناء وإنجاز».

هذه هي كويت صباح الاحمد... انسان يتقدم الى المستقبل وشباب يتطلع الى قيادة المستقبل.

الإنسان وشبابه ودماؤه وتطلعاته ومستقبله، في عرف الأمير، ليست بضاعة للتجارة السياسية أو للارتقاء بالسلطة وتكوين زعامة. القيادة والإنسانية وجهان لعملة واحدة عنده ولذلك استحق ان يقف العالم كله احتراماً لقيادته ولإنسانيته... بقي أن يتعلم بعض من يصفق له كيف يغلب المبادئ على المصالح والإنسانية على السلطة.

جاسم مرزوق بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي