تفسد القلب وتقصر العمر وتمحو البركة

المعصية بين اللذة العاجلة والعقوبة الآجلة

تصغير
تكبير
قال ابن القيم الجوزيه رحمه الله: فان الذنوب تضر بالابدان وان ضررها بالقلب كضرر السموم في الابدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء الا سببه الذنوب والمعاصي، فما الذي اخرج الابوين من الجنة؟

دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور الى دار الآلام والاحزان والمصائب، وما الذي اخرج ابليس من ملكوت السموات وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته اقبح صورة، وباطنه اقبح من صورته وبدله بالقرب بعدا، وبالجمال قبحا، وبالجنة نارا وبالايمان كفرا.

أقوال السلف في المعاصي

قال ابن عباس: ان للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق.

قال الفضيل بن عياض: بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.

وقال الامام احمد: سمعت بلال بن سعيد يقول: لا تنظر الى صغر الخطيئة، ولكن انظر الى عظم من عصيت.

وقال يحيى بن معاذ الرازي: عجبت من رجل يقول في دعائه: اللهم لا تشمت بي الاعداء ثم هو يشمت بنفسه كل عدو فقيل له كيف ذلك؟ قال يعصى الله ويشمت به في القيامة كل عدو.

عقوبات الذنوب والمعاصي

للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله.

1- حرمان العلم: فان العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، قال الشافعي: لرجل اني ارى الله قد القى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية.

2- حرمان الرزق: وفي المسند ان العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه، فكما ان تقوى الله مجلبة للرزق بالمثل ترك المعاصي.

3- وحشة في القلب: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله وهذا امر لا يحس به الا من قلبه حياة وما لجرح بميت ايلام.

4- تعسير اموره عليه: فلا يتوجه لامر الا ويجده مغلقا دونه او متعسرا عليه، ظلمة يجدها في قلبه حقيقة، يحس بها كما يحس بظلمة الليل فالطاعة نور والمعصية ظلام.

5- حرمان الطاعة: فلو لم يكن للذنب عقوبة فكفاه انه صد عن طاعة الله فالعاصي يقطع عليه طاعات كثيرة كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها.

6- سبب لهوان العبد على ربه: ان المعصية سبب لهوان العبد على ربه، قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم واذا هان العبد على ربه لم يكرمه احد.

7- المعاصي تفسد العقل: فان للعقل نورا والمعصية تطفئ نور العقل اذا طفئ نوره ضعف ونقص، قال بعض السلف: ما عصى الله احد حتى يغيب عقله وهذا ظاهر فانه لو حضره عقله لمنعه عن المعصية.

ان الذنوب اذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها كما قال بعض السلف في قول الله تعالى: «كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون» الران هو الذنب بعد الذنب، والسواد الذي يغلف القلب.

8- تقصر العمر وتمحق البركة: فان البر كما يزيد في العمر فالفجور ينقصه فاذا اعرض العبد عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه ايام حياته الحقيقية التي يجد اضاعتها يوم يقول: «ياليتني قدمت لحياتي».

المخرج من المعاصي

لا تتم للانسان السلامة المطلقة حتى يسلم من خمسة اشياء: من شرك يناقض التوحيد ، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الامر، وغفلة تناقض الذكر، و هوى يناقض التجرد، و الاخلاص يعم ذلك كله. الدواء.

الدعاء من انفع الادوية وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه او يخففه اذا نزل وهو سلاح المؤمن، وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات:

الاول: ان يكون اقوى من البلاء فيرفعه.

الثاني: ان يكون اضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء

فيصاب به العبد ولكنه قد يخففه ان كان ضعيفا.

الثالث: ان يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه

وقد قال صلى الله عليه وسلم « من لم يسأل الله يغضب عليه».

التوبة من المعاصي

حقيقة التوبة هي الرجوع الى الله ولا يصح الرجوع ولا يتم الا بمعرفة الرب بمعرفة اسمائه وصفاته ان تعرف لكي تتوب انه لابد من اليقين بانك ما وقعت في مخالب عدوك الا بسبب جهلك بربك وجرأتك عليه فلابد للتائب ان يؤمن ان التوبة انما هي عملية شاقة تحتاج الى مجهود ويقظة تامة للتخلص من العدو والرجوع والفرار الى الرب الرحمن الرحيم وللعودة الى الصراط المستقيم لابد من ان تعرف ايها التائب انك اتيت من قبل نفسك وبسبب متابعتك لهواك وعدم اعتصامك بحبل الله وحسن ظنك بنفسك وسوء ظنك بالله.

للتائب صفات

فالتائب: منكسر القلب.. غزير الدموع... حي الوجدان.. قلق الاحشاء... صادق العبارة... جم المشاعر... جياش الفؤاد... حي الضمير... خالي من العجب... فقير من الكبر... التائب بين الرجاء والخوف... في وجدانه لوعة... وفي وجهه اسى... وفي دمعه اسرار. التائب: بين الاقبال و الاعراض، مجرب ذاق العذاب في البعد عن الله، وذاق النعيم حين اقترب من حب الله.

التائب: له في كل واقعه عبرة، فيجد للطاعة حلاوة، ويجد للعبادة طلاوة، ويجد للايمان طعما، ويجد للاقبال لذة.

التائب: يكتب من الدموع قصصا، و من الآهات ابياتا، ويؤلف من البكاء خطبا.

التائب: قد نحل بدنه الصيام، واتعب قدمه القيام، وحلف بالعزم على هجر المنام، فبذل لله جسما وروحا، وتاب الى الله توبة نصوحا.

التائب: الذل قد علاه... والحزن قد وهاه... يذم نفسه على هواه... وبذلك صار عند الله ممدوحا لانه تاب الى الله.

نسألك اللهم توبة نصوحا نذوق بها برد اليقين وطعم الاخلاص ولذة الرضا وانس القبول.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي