الاستعـوار والاستـثوار!

تصغير
تكبير
في اللغة يقال مثقف أو كاتب ثور، ولانحداره بالمصطلح بأقل منزلة نقول أثور أو استـثور، وهي منزلة أقل من سابقتها في الثوارة، فالثور ذكر البقر، وصغيره العجل، وعلمياً هو ليس بدرجة الغباء التي نصورها نحن بعقولنا، أو ببلاهته ملاحقة اللون الأحمر الذي يلوح به الفارس الإسباني وهو بالأساس يراه «لا لون»، وكلمة أثور تنم عن الانحدار في التغابي الثوري لا الغباء بحد ذاته بعكس الذكاء والنباهة، وللمعلومية ثبت لعلماء الحيوان إن الثور أذكى من أنثاه البقرة.

عادة، وبالعرف الصحافي الإعلامي العالمي، كاتب المقالات السياسية ملم بما يقع قبل حرف الألف حتى ما يقف بعد حرف الياء، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وديموغرافياً بمجتمع البشر الذين يكتب عنهم، ويعرف جدول الضرب السياسي لكل الرجال منهم، ويعرف أيضاً كل أشجار الأرض التي تؤويهم، وكل ألوان قزح في السماء تلتحفهم. ومن هو ومن هي ومن هم؟ الممثلون الأحياء والدمى الأموات على خشبة المسرح السياسي، ومن يحركون خيوط الأراجوز خلف الكواليس، وخاصة إن كان كاتباً بعامود لأرقى وأعرق وأشهر صحيفة عربية دولية تدعي القيل والقال! والمصيبة إنه كبيرهم وقدوتهم الذي علمهم السحر!

فلربما كان الكاتب أعـور ذهنياً، فهذا معاق برؤيته، ولا نحتسبه ونحاسبه! وأحياناً يكون الكاتب ثوراً وتزداد ثوارته بزيادة رصيد البرسيم بحضيرته، وهذا نلومه ونواجهه! والمصيبة إنه وبتلك الصفات الثورية من الأستعوار والاستثوار، يصرّ ويلح على إقناع الناس إن الأرنب قـتل الذئب، وبكل البراهين والحجج، وإن كل القراء لا يفهمون، وهو أبو العريف ونبي الله في الأرض، ويجب تصديق قلمه ونظريته، لأن قلمه وقف لهذه الصحيفة ويجتر من برسيمها لعشرات السنين... وبحسبة أخرى، ربما الكاتب بريء براءة الذئب من دم يوسف مما يكتب، ويكون القلم نفسه هو الأعور المتهم، وكلما أراد أن يكتب يمينا ذهب مداد القلم يسارا، وهو أمام الناس «أي الكاتب» صاحب شهادات دكتوراه وربما بروفيسور، وله خدمة عريقة بعالم الإعلام، وعرف بين الناس بأبي العريّف، لكن اللوم على استعوار القلم، وثوارة الكاتب كمن يحمل أسفاراً، والطريف في ثقافة القلم الأعور والكاتب الثور، أن بعضهم يضع صورته مع ابتسامة برتقالية خداعة، توحي للقارئ إن مقاله يحوي كل آيات التصديق والعدالة الإنسانية، وعليك أيها القارئ صب فحواها صباً بعقلك مع وضع بطيخة صيفي ببطنك كما يقال. ليكن معلوماً لكل كاتب ثور من تلك الفصيلة بعالم الصحافة والإعلام، أننا الان بزمن الأيباد والأيبود والأيبي، والكل لديه حساب واتساب وفيس بوك وتويتر وأنستغرام، وإن زمان الأنتينا والمجلات المفبركة للمعركة قد ولت وغربت مع الشمس! وأصبح الكل صحافيا وإعلامياً وقارئاً وناشراً ومحللاً، فبالسابق فقط المثقف يشتري الصحف ويقرأها مع كوب القهوة، أما الأن فلا حاجة لرميها أو تعليقها مجاناً، فكل الأخبار موجودة بجهاز الهاتف وبلمسة اصبع حيثما كنت!

أقدم اعتذاري لكل قلم وقع بين أنامل ثور لا يرى إلا برسيماً يزداد برصيده ووجاهته، وينسى إنسانيته وعـقله.

* كاتب وروائي سعودي

@Fawzisadeq

fs.holool@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي