تحولت إلى مبانٍ مقفرة يسكنها الصمت
المكتبات العامة ... خاوية على «كتبها»
مكتبة وكتب ... ولا قرّاء
محمد الزامل
عبدالعزيز السويط
علي نوري
إقبال العثيمين
• محمد الزامل: للكتاب الورقي طعم ومذاق خاص رغم سهولة الحصول على أي معلومة عبر التكنولوجيا الحديثة
• علي نوري: توقف طالبي المعرفة عن زيارة المكتبات العامة يدق ناقوس الخطر على قيمة الثقافة في المجتمع
• السويط: قسم «التزويد» لا يزوّد المكتبات بالكتب الحديثة
• علي نوري: توقف طالبي المعرفة عن زيارة المكتبات العامة يدق ناقوس الخطر على قيمة الثقافة في المجتمع
• السويط: قسم «التزويد» لا يزوّد المكتبات بالكتب الحديثة
تتعرض المكتبات العامة في البلاد التي يبلغ عددها نحو 28 مكتبة في أنحاء الكويت إلى هجرة وقطيعة مستمرة من قبل أفراد المجتمع، لاسيما روادها من الباحثين والمطلعين والطلبة، حتى غدت اليوم مجرد مبانٍ مُقْفِرَة خاوية، متهالكة، كئيبة، يسكنها الصمت، تثير الشفقة لغربتها وعزلتها بين المباني الأخرى، وكأنها حاجة زائدة في حياتنا، حيث يندر أن تجد من يهتم في زيارتها قاصداً الاطلاع أو باحثاً عن معلومة.
وعلى مستوى مباني المكتبات العامة، نجد أنها في الغالب لا تحظى باهتمام في صيانتها وتجديدها، فهي في شكلها الخارجي والداخلي لم تزل «على حطّة المرحوم» لم تتغير منذ ردح من الزمن، حيث يلحظ الناظر إلى العديد من مباني المكتبات قِدَمِها وتهالكها، بالإضافة إلى افتقار العديد من المرافق الداخلية فيها إلى التنظيم والترتيب، فقد تجد صالة مخصصة لقراءة الدوريات والمجلات العلمية وهي ترزح تحت العشوائية وسوء التنظيم والبعثرة.
وعلى مستوى الكتب والمراجع الموجودة في المكتبات العامة، نجد أن أغلبها عفى عليها الدهر حتى أصفرّت صفحات أوراقها وفاحت رائحتها، ونظرا لقدمها يكاد استخدامها ينتفي بسبب طبيعة المواضيع التي كانت تعالجها ووجود فارق كبير في التوفيق بينها وبين حاجاتنا من البحث والعلم في وقتنا الراهن، ومن الملفت وجود العديد من الكتب ومنذ إصدارها في الخمسينات والستينات لم يتم طلبها من قبل القراء والباحثين، وبالتالي لم تعد هذه الكتب والمراجع مدعاة لجذبهم، في الوقت الذي تفتقد فيه المكتبات وجود إصدارات حديثة من الكتب والمراجع.
وحينما تزور المكتبات العامة، يلفت انتباهك أيضاً، عدم مواكبتها للتقدم التكنولوجي في عملية البحث، فهي في الغالب تعتمد على الطريقة التقليدية من خلال بطاقات الفهارس التي كان يعمل بها منذ الستينات، وهذه الطريقة القديمة في عملية البحث تكلف العاملين الكثير من الوقت والجهد مقارنة بالبحث عن طريق الكمبيوتر.
يأتي هذا في وقت تفتقر فيه المكتبات إلى خدمة الإنترنت وغدت أجهزة الحاسوب الموجودة بها أشبه بـ «المزهريات»، لا فائدة منها سوى أنها موجودة شكلياً، وحتى هذه الأجهزة لا توجد فيها برامج مفيدة تمكن رواد المكتبة من استخدامها.
كثير من الكتب التي عفى عليها الدهر والتي تناثرت وتقطعت أغلفتها وشيء من أوراقها يتم نقلها إلى قسم التجليد والتجهيز في إدارة المكتبات، والغريب في الأمر أن هذه الكتب وبعد عودتها من عملية التجليد، تختفي عناوينها، فالتجليد يتم بطريقة بدائية جداً دون الإكتراث إلى قيمة الكتاب وأهميته، بحيث يتم وضع غلاف جلد غير مناسب في شكله وتصميمه من دون وضع اسم الكتاب عليه، الأمر الذي يصعب عملية البحث للمهتمين!
عفى عليه الزمن
يقول أحد المسؤولين في إحدى المكتبات رفض الإفصاح عن اسمه: إن من أهم أسباب عزوف الناس عن المكتبات العامة هو تغير المنهج الدراسي عموما في المدارس والجامعات في الوقت الذي لم تزل فيه المكتبة بطيئة جداً في مواكبة هذا التغير، حيث إن الكتب الموجودة اليوم لا تتوافق مع مناهجنا الدراسية فكل ما هو موجود قديم وعفى عليه الزمان، وأصبح اليوم من النادر أن تجد لدى طلبة المدارس اهتماما في عملية البحث من خلال المكتبات العامة، خصوصا في ظل وجود الإنترنت الذي سهل لهم الوصول إلى المعلومات التي يريدونها. وزاد بقوله: أكثر رواد المكتبة هم من الطلبة في المرحلة المتوسطة والثانوية، ودائما ما يبحثون عن تاريخ الكويت القديم والحديث وحول الرياضة أيضا، لكن في كثير من الأحيان نواجه طلبات لكتب ومراجع غير متوفرة في المكتبة الأمر الذي يتسبب أيضا في عدم اهتمام الناس في الذهاب إلى المكتبات، لاسيما في ما يتعلق بالمراجع والكتب الإنكليزية.
ويبين أن الكثير من المراجع والكتب الموجودة في المكتبات لم تعد تجد نفعا بسبب قدمها وتطور العلم بشكل كبير في الوقت الحاضر، فهناك العديد من الكتب ومنذ الخمسينات وهي موجودة في المكتبات دون أن يطلبها أو يستعيرها أحد، فوجودها كعدم وجودها «الكتب تغبر وينظفوها العمال... هذا اللي حاصل فقط»، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحديث وتطوير للكتب وتزويد المكتبات بالإصدارات الجديدة من الكتب والمراجع.
تطوير الكتب
وتابع : لا يمكننا أن نلغي المكتبات، لكن لابد من تطوير الكتب فيها وتجديد طبعاتها وإدخالها في المناهج المدرسية، مشددا على ضرورة اهتمام وزارة التربية في عمل رحلات دورية للطلبة إلى المكتبات العامة المختلفة لتعريفهم بدور المكتبة وأهميتها، لكن وللأسف لم نزل نفتقر إلى هذا الشيء فلا توجد هناك زيارات إلا فيما ندر ومن قبل رياض الأطفال فقط.
ويشير إلى أن المعدل اليومي للحضور في المكتبة يتراوح ما بين 3 إلى 4 أشخاص تقريبا، ويزداد هذا العدد قليلا في فترة الامتحانات، «ومن المؤسف في الكثير من الأحيان عدم قدرتنا على خدمة الطلبة لعدم وجود المادة العلمية أو المرجع الذي يبحثون عنه، كما إننا نواجه صعوبة في عملية البحث خصوصا مع اعتمادنا للطريقة التقليدية في البحث والتي تعتمد على بطاقات الفهارس، دون اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة»، فأجهزة الكمبيوتر الموجودة في المكتبة معطلة وتفتقد خدمة إنترنت، كما لا يوجد نظام خاص للمكتبة يمكننا من البحث عن الكتب والمراجع الموجودة كما هو موجود في المكتبات الراقية، فالاعتماد على عملية البحث نلقيه دائما على برنامج معالج النصوص «Microsoft «Word وهذا الأخير يصعب التعامل معه في عملية وضع البيانات المتعلقة في الكتب لأنها تتطلب وقتا طويلا جدا، كما هو أيضا بالنسبة لعملية البحث، فما يحصل في المكتبة هو جهد فردي من قبل الموظفين لسد هذه الثغرة.
ودعا في الوقت نفسه المسؤولين إلى ضرورة الاهتمام بالمكتبات العامة وتفعيل دورها في المجتمع، لافتا إلى أهمية أن تنتقل تبعية المكتبات العامة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون، حتى يمكن تطويرها ودعمها بشكل أفضل.
رواد المكتبات
والتقينا رجلا في العقد الرابع من عمره يدعى محمد الزامل كان يتجول في أروقة مكتبة الصرعاوي مستمتعا بوقته في قراءة الكتب في وقت فراغه.
الزامل استغرب من مجيئنا إلى المكتبة وحوارنا مع أحد مسؤوليها، وجذبه الفضول إلى مشاركتنا أطراف الحديث، ليبوح بهموم المكتبة والكتب قائلا: يبقى الكتاب الورقي متميزا رغم كل التسهيلات التي تقدمها لنا التكنولوجيا الحديثة في الوصول إلى المعلومات التي نريدها، فالقراءة من خلال الكتاب الورقي لها طعهما ومذاقها الخاص، إلا أنه من المؤسف أن نرى هذا العزوف الكبير عن المكتبات العامة وعدم وجود اهتمام لدى كافة فئات المجتمع، بخلاف ما كان موجودا في السابق من اهتمام ملحوظ في المكتبات العامة والتواجد فيها للاستفادة منها، مبينا أن الحياة تغيرت اليوم واحتياجات الناس تغيرت حتى على مستوى الكتب التي يقرأونها، ورغم هذا التغير فإننا لم نر المكتبات العامة تواكب تطورات العصر في استجلاب الكتب الحديثة.
ويقترح الزامل أن يكون هناك ترابط فعّال ما بين المكتبات العامة وأندية القراءة المختلفة التي بدأت تنتشر أخيراً بين فئة الشباب تحديدا، مشيرا في الوقت عينه إلى أهمية أن تخصص المكتبات العامة مكانا لنوادي القراءة وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لهم ليتم الاستفادة من هذه المرافق المهمة في البلاد.
ويرى أن المكتبات العامة بحاجة إلى الكثير من التجديدات، وتحديث الكتب وطبعاتها المختلفة، والحرص على إيجاد النسخ المطبوعة بالألوان والصور كي تمنح القارئ متعة في القراءة.
من جهته، يرى علي نوري «خريج جامعي» أن العزوف الكبير عن زيارة المكتبات العامة يدق ناقوس الخطر على قيمة الثقافة وأهميتها لدى أفراد المجتمع، مشيرا إلى أهمية أن تلعب الجهات المسؤولة دورها المطلوب في توعية الناس بأهمية المكتبة وحاجة الناس إليها.
استخدام التكنولوجيا
ويبين نوري أن الناس بدأوا يتجهون اليوم إلى استخدام التكنولوجيا في عملية القراءة ولأن المكتبات غير مواكبة لهذا التقدم فمن الطبيعي أن ينفر الناس منها.
من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات الكويتية عبدالعزيز السويط: إن المكتبة هي خدمة مجتمعية لجميع فئات المجتمع من محبي القراءة والاطلاع، ولجميع المراحل العلمية وصولا إلى الدراسات العليا، إلا أن اليوم تشهد هذه المكتبات عزوفا ملحوظا من قبل المجتمع، ولهذا أسباب كثيرة منها: نقص وسائل التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في المكتبات، بالإضافة إلى تهالك مباني العديد منها وعدم ملاءمتها لطبيعة المكتبات كمكان يجب أن تتوافر فيه كل سبل الراحة لرواده، مستغربا في الوقت ذاته من وجود أجهزة الحاسب الآلي من دون أن تتم الاستفادة منها وعدم توافر خدمة الإنترنت فيها. لافتا إلى ضرورة أن تواكب المكتبات العامة متطلبات العصر في توفير التكنولوجيا الحديثة وتحويل المصادر الورقية التقليدية إلى إلكترونية بالإمكان الوصول إليها بسهولة وسرعة أفضل.
نقص الأنشطة
ويتابع بقوله: وتعاني المكتبات أيضا من نقص على مستوى الأنشطة والمسابقات التي يتم تنظيمها، في الوقت الذي تشهد فيه إهمالا واضحا من قبل وزارة التربية في عدم مراعاتها لهذا الجانب المهم في دور المكتبة في المجتمع، متسائلا «كيف يتم تعزيز القراءة بين أفراد المجتمع خصوصا لدى الأطفال؟، مبينا أن وجود أنشطة ومسابقات في المكتبة سيحفز المشاركين على البحث عن المعلومات والاهتمام في الاطلاع والقراءة لمختلف الكتب في مختلف المجالات.
ويشدد السويط على أهمية أن تعزز المكتبات العامة من تواصلها مع المجتمع من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، لتتمكن من إيصال أهدافها ورسالتها المجتمعية حتى يدرك الناس دورها المهم في تنمية الثقافة، مبينا أن هذا التواصل الإلكتروني بات ضروريا خصوصا وأنه أصبح الوسيلة المهمة في الارتباط المستمر بالجمهور.
ويبين السويط أن هناك ميزانية مخصصة لتزويد المكتبات بالكتب لكننا لا نرى هناك التزام من قبل قسم التزويد في تزويد المكتبات بالكتب الحديثة التي تتناسب مع متطلبات واقعنا الراهن، مطالبا في الوقت عينه بأهمية وجود لجنة تهتم بشراء الكتب الحديثة من معارض الكتب ودور النشر لجلبها إلى المكتبات العامة، كي تساعد الطالب والمهتم في الوصول إلى ما يريده.
صيانة المكتبات
وينوه السويط إلى ضرورة أن يكون هناك اهتمام في صيانة المكتبات مضيفا «ليس من المعقول أن تعاني المكتبات من نقص في أبسط الأمور كعدم وجود إضاءة كافية وحتى في ما يخص وجود دورات مياه مناسبة».
ولفت في الوقت ذاته إلى أهمية أن يلتفت المسؤولون إلى العاملين في المكتبات ومنحهم المسميات الوظيفية المناسبة، بعيدا عن أساليب التنفيع والواسطات، «ونحن في جمعية المكتبات العامة ومن خلال تحركاتنا وفرنا للعاملين حقوقهم التي كانت في وقت ما مسلوبة، كبدل الشاشة، وأيضا في ما يخص المسميات، والكادر، والمكافأة التشجيعية».
وتطرق السويط إلى أهمية الالتفات للجانب المعرفي في ما يخص تعزيز الاهتمام بالمكتبة ودورها من خلال مادة المكتبة والبحث الموجودة في المدارس، مبينا بقوله: في السابق كانت تعتبر مادة إجبارية لكن تم وضعها لتكون مادة اختيارية من دون استشارة المختصين في هذا المجال، مبينا أن عملية تغيير المناهج دون استشارة المختصين تعتبر كارثة وخطأ جسيماً، فمن المفترض أن تكون هذه المادة إجبارية تساعد الطالب على القراءة والبحث الصحيح، فالطالب الجامعي اليوم يواجه صعوبات كثيرة في هذه المسألة ولا يمتلك المهارات اللازمة في عمل البحوث الجامعية بالشكل الصحيح.
وقال «هناك مؤتمرات كثيرة عقدت توصي بالاهتمام في هذه المادة لأنها وجدت لخدمة بقية المناهج، ونحن في جمعية المكتبات كانت لنا جهود في المطالبة بإعادة هذه المادة ضمن المواد الإجبارية حيث قمنا بمقابلة وكيل عام التعليم العام، وأيضا مدير التنسيق رومي الهزاع، وقد قدمنا كتاباً بهذا الشأن مرفقاً بتوصيات البنك الدولي التي أكدت على أهمية هذه المادة في المرحلة الثانوية.
العثيمين: المدرسة تخلق جيلاً لا يقرأ
ترى الأستاذة المساعدة في كلية التربية الأساسية تخصص معلومات ومكتبات الدكتورة إقبال العثيمين أن أهمية المكتبة العامة تكمن في عملية نشر الثقافة والوعي الفكري في المجتمع، فالمكتبة العامة مؤسسة ثقافية تعمل على تربية أفراد المجتمع ثقافياً من أجل خلق جيل واع قادر على تحمل المسؤولية.
وأشارت إلى أن المكتبة العامة مؤسسة مهمة تنشئها الدولة لتسهم في تربية وتعليم وتثقيف الأطفال والشباب فدورها مكمل للمكتبة المدرسية بإتمام رسالتها التعليمية كما أنها تشغل أوقات فراغ المواطن من خلال ما هو مفيد، بالإضافة إلى دعمها للروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع من خلال عقد الندوات وتبادل الآراء في المواضيع المحلية والعالمية.
وتابعت : أما عزوف الناس عن المكتبات العامة عموما فهو أمر غير موجود في الدول المتقدمة فأنا الآن أزور المكتبات العامة بأوروبا وأجدها مكتظة بالجمهور إنما العزوف نجده لدينا ومنذ زمن حيث إن المكتبات العامة لا تقوم بدورها الحقيقي لأسباب كثيرة منها وجود المكتبات العامة تحت مظلة وزارة التربية وأصبح دورها فقط رديف للمكتبة المدرسية.
ورأت ان المكتبات العامة لم تعد المؤسسة الثقافية لجميع أفراد المجتمع فالإدارة جزء كبير من المشكلة لذا أقترح أن تنقل تلك المؤسسة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون لتأخذ دورها الحقيقي بنشر الثقافة وتثقيف جميع أفراد المجتمع.
وزادت «السبب الآخر يكمن في تدني مستوى القراءة في المجتمع وتدني الوعي بأهمية القراءة، فأمة محمد مع الأسف لا تقرأ لأن المناهج المدرسية تربي جيلا يحفظ ولا يفكر ويجادل ويناقش. نحن نعتمد على الكتاب المدرسي للحفظ وليس للنقاش وكتابة الآراء». المدرسة تخلق جيلاً لا يقرأ لذا يصبح المواطن ليس بحاجة للقراءة ولا يرى لها أهمية.
ولفتت إلى أن المكتبات تحتاج إلى إحياء دورها كمؤسسة ثقافية تعليمية تثقيفية تحت مظلة كبرى معنية بالشأن الثقافي، مؤكدة أهمية إدخال المكتبات في المناهج الدراسية وتحديد قراءات وفرضها على الطلبة متسائلة «كيف يتخرج طالب من الثانوية وهو لم يقرأ أو سمع بيوسف إدريس مثلا أو فهد بورسلي؟».
ودعت إلى الاهتمام أيضاً في زيادة الميزانيات للمكتبات العامة، والتعليم المستمر للعاملين في المكتبات.
نشـأة المكتبات في الكويت
اجتمعت نخبة من المثقفين من أبناء الكويت في العام 1924م في منزل الشيخ حافظ وهبة، لمناقشة فكرة إنشاء مكتبة أهلية يتردد عليها الناس من محبي العلم وعشاق المعرفة ليتبادلوا في هذا المكان آراءهم الأدبية والاجتماعية والثقافية.
وكان على رأس المجتمعين عبدالحميد الصانع، وسلطان ابراهيم الكليب، واتفق المجتمعون على ترشيح أسماء عدد من شخصيات ورجالات الكويت ليكونوا أعضاء بهذه المكتبة منهم سليمان العدساني، وزيد محمد الرفاعي، ومرزوق الداود، ورجب بن السيد عبدالله الرفاعي، وعبدالرحمن النقيب، ومشاري الحسن، وعلي فهد الخالد، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وعيسى القطامي - وقبل الجميع الانضمام فيما اعتذر عيسى القطامي.
ورتب المذكورون على أنفسهم من المال ما يقوم بحاجتها ويكفى الانفاق عليها وتنفيذا لهذا الاجتماع الميمون استأجر الأعضاء بيت «علي بن عامر» ليكون مقراً للمكتبة العامة المنشودة، وتم افتتاحها في أواخر العام 1924م تحت اسم «المكتبة الأهلية» بعد أن شكل المؤسسون لها أول مجلس إدارة واختاروا عبدالحميد الصانع مشرفاً على تأسيس المكتبة، واختاروا رجب بن سيد عبدالله الرفاعي مساعداً للاشراف ويتولى أيضا أمانة الصندوق، كما وافق المجلس على تعيين عبدالله العمران النجدي ملاحظا للقراء.
لكن عبدالحميد الصانع استقال من الاشراف في العام 1924م وتم تعيين الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رئيساً للمكتبة، وسلطان الكليب مديراً لها. ولم يكن عمل أعضاء اللجنة وقفا على الأعمال الادارية بل تناول بعض القضايا الفنية والاجرائية كالتزويد والاستعارة وخلافه.
وفي العام 1924م اجتمع مجلس الإدارة في مقر المكتبة «بيت علي بن عامر» في ذلك الوقت وقرر تزويد المكتبة بعدد من الصحف اليومية العربية والاشتراك في جرائد الأهرام والمقطم المصرية والقبس السورية على أن يكون من حق الأعضاء استعارة نسخة من كل كتاب، وكذلك المشتركين وإذا أعاد المستعير ما استعاره أخذ غيره على أن يضع تأمينا.
وبعـد فترة تضاءلت ميزانية المكتبة، واستقال بعض الأعضاء، ونقلت المكتبة من بيت علي بن عامر إلى دكان في شارع الأمير قرب مسجد ابن فارس كان تبرع به سمو الشيخ عبدالله السالم وعين المرحوم مبارك القناعي أمينا لها ثم نقلت المكتبة إلى المدرسة الأحمدية، فتلفت مجموعة كبيرة من كتبها هناك.
وتعتبر السنوات من 1928 إلى 1935 فترة فتور تجاه نشاط المكتبة الأهلية إلى أن تم في عهد الأمير الشيخ أحمد الجابر تشكيل لجنة خيرية لإقامة بناء للمكتبة في شارع الأمير قرب مسجد السوق، وذلك في العام 1935م. وتوالت التبرعات المالية لبناء المكتبة ومنها تبرع شاهة الصقر بدكان كانت تملكه، فأضافت اللجنة إلى الدكان دكاكين أخرى، منها ما تم شراؤه ومنها أوقات استأجرتها من نظارها، ثم قامت اللجنة بهـدم هـذه الدكاكين وشرعت، في بنـاء مبنى المكتبة حتى اكتمـل هـذا البنـاء في العـام 1356م، وفي نفس العام تم نقل مجموعات المكتبة التي كانت في المدرسة الأحمدية إلى المبنى المقام على مساحة الدكاكين، وكان مجموع عدد الكتب في ذلك الوقت لا يزيد على مئتين وتسعة وثمانين كتابا، وبعد نقل مجموعات المكتبة إلى هذا المبنى الجديد، ألحقت المكتبة بادارة المعارف «وزارة التربية حالياً» في نفس العام تحت رعاية رئيس المعارف آنذاك الشيخ عبد الله الجابر وحملت اسما جديداً هو «مكتبة المعارف العامة».
وكان أول أمين للمكتبـة في العام 1936م هو المرحوم محمد صالح التركيت الذي درس على يدي يوسف القناعي اللغة العربية والدين الاسلامي في ديوانه وعمل في نفس الوقت إماما لمسجد القطامي وخطيبا في مسجد سعد الناهض، ثم رشحه الشيخ القناعي الذي كان في ذلك الوقت مديراً للمعارف ليكون أول أمين مكتبة بعد ضمها للمعارف، وذلك العام 1936م وظل يعمل في هذا الميدان قرابة 34 عاماً قضاها أمينا نشطا مثابرا على أداء رسالتة المكتبية ولم يكن معه الإفراش للتنظيف ثم تزايد عدد العاملين من بعد العام 1957 وخصوصاً المؤهلين في علوم المكتبات حتى تقاعد في أواخر العام 1969 «وهو على مشارف السبعين» ثم نقلت المكتبة فيها بعـد إلـى الصالحية حيث تـولاها الملا محمد صالح. ويذكر للمرحوم محمد صالح التركيت كأول أمين للمكتبة قيامه بترتيب المكتبة وفهارسها على نحو يتيح لرواد التعرف على موضوع الكتاب والأخذ بنظام تصنيف ديوى العشري في ترتيب الكتب وفتح فرع جديد للمكتبة وتلته أفرع أخرى.
مكتبة الإسكندرية الأشهر
المكتبة العامة هي مكتبة تفرد للكتب على اختلاف موضوعاتها بحيث يكون في مقدور طالبي المعرفة مراجعتها أو مطالعتها أو استعارتها. وتشتمل المكتبات العامة، عادة، على مخطوطات، وتسجيلات، وسجل من الصحف والمجلات والدوريات. وتعد مكتبة الإسكندرية التي أنشأها بطليموس الأول حوالي العام 290 ق.م من أشهر المكتبات العامة في العالم القديم وبلغ مجموع كتبها في القرن الأول قبل الميلاد سبعمئة ألف كتاب، وأصابها الحريق في العام 48 ق.م وأكدت بعض الروايات عدم صحة هذه المزاعم تشير إلى أن العرب أحرقوها. ونظرا لعناية العرب بالعلم بالغوا في إنشاء المكتبات العامة وتنافس خلفاؤهم وأمراؤهم، في المشرق والمغرب والأندلس، في الإنفاق عليها وإغنائها بثمرات الفكر. وإذا عدت المكتبات الكبرى اليوم يتبادر إلى الذهن، أول ما يتبادر، مكتبة المتحف البريطاني في لندن، ومكتبة جامعة أوكسفورد، ومكتبة الأسكوريال قرب مدريد، والمكتبة الوطنية في باريس، ومكتبة الفاتيكان في روما، ومكتبة الكونغرس في واشنطن، ودار الكتب المصرية في القاهرة. وفي أوروبا وجدت الكتب سبيلها إلى الأديرة والكنائس في القرون الأولى للميلاد.
وعلى مستوى مباني المكتبات العامة، نجد أنها في الغالب لا تحظى باهتمام في صيانتها وتجديدها، فهي في شكلها الخارجي والداخلي لم تزل «على حطّة المرحوم» لم تتغير منذ ردح من الزمن، حيث يلحظ الناظر إلى العديد من مباني المكتبات قِدَمِها وتهالكها، بالإضافة إلى افتقار العديد من المرافق الداخلية فيها إلى التنظيم والترتيب، فقد تجد صالة مخصصة لقراءة الدوريات والمجلات العلمية وهي ترزح تحت العشوائية وسوء التنظيم والبعثرة.
وعلى مستوى الكتب والمراجع الموجودة في المكتبات العامة، نجد أن أغلبها عفى عليها الدهر حتى أصفرّت صفحات أوراقها وفاحت رائحتها، ونظرا لقدمها يكاد استخدامها ينتفي بسبب طبيعة المواضيع التي كانت تعالجها ووجود فارق كبير في التوفيق بينها وبين حاجاتنا من البحث والعلم في وقتنا الراهن، ومن الملفت وجود العديد من الكتب ومنذ إصدارها في الخمسينات والستينات لم يتم طلبها من قبل القراء والباحثين، وبالتالي لم تعد هذه الكتب والمراجع مدعاة لجذبهم، في الوقت الذي تفتقد فيه المكتبات وجود إصدارات حديثة من الكتب والمراجع.
وحينما تزور المكتبات العامة، يلفت انتباهك أيضاً، عدم مواكبتها للتقدم التكنولوجي في عملية البحث، فهي في الغالب تعتمد على الطريقة التقليدية من خلال بطاقات الفهارس التي كان يعمل بها منذ الستينات، وهذه الطريقة القديمة في عملية البحث تكلف العاملين الكثير من الوقت والجهد مقارنة بالبحث عن طريق الكمبيوتر.
يأتي هذا في وقت تفتقر فيه المكتبات إلى خدمة الإنترنت وغدت أجهزة الحاسوب الموجودة بها أشبه بـ «المزهريات»، لا فائدة منها سوى أنها موجودة شكلياً، وحتى هذه الأجهزة لا توجد فيها برامج مفيدة تمكن رواد المكتبة من استخدامها.
كثير من الكتب التي عفى عليها الدهر والتي تناثرت وتقطعت أغلفتها وشيء من أوراقها يتم نقلها إلى قسم التجليد والتجهيز في إدارة المكتبات، والغريب في الأمر أن هذه الكتب وبعد عودتها من عملية التجليد، تختفي عناوينها، فالتجليد يتم بطريقة بدائية جداً دون الإكتراث إلى قيمة الكتاب وأهميته، بحيث يتم وضع غلاف جلد غير مناسب في شكله وتصميمه من دون وضع اسم الكتاب عليه، الأمر الذي يصعب عملية البحث للمهتمين!
عفى عليه الزمن
يقول أحد المسؤولين في إحدى المكتبات رفض الإفصاح عن اسمه: إن من أهم أسباب عزوف الناس عن المكتبات العامة هو تغير المنهج الدراسي عموما في المدارس والجامعات في الوقت الذي لم تزل فيه المكتبة بطيئة جداً في مواكبة هذا التغير، حيث إن الكتب الموجودة اليوم لا تتوافق مع مناهجنا الدراسية فكل ما هو موجود قديم وعفى عليه الزمان، وأصبح اليوم من النادر أن تجد لدى طلبة المدارس اهتماما في عملية البحث من خلال المكتبات العامة، خصوصا في ظل وجود الإنترنت الذي سهل لهم الوصول إلى المعلومات التي يريدونها. وزاد بقوله: أكثر رواد المكتبة هم من الطلبة في المرحلة المتوسطة والثانوية، ودائما ما يبحثون عن تاريخ الكويت القديم والحديث وحول الرياضة أيضا، لكن في كثير من الأحيان نواجه طلبات لكتب ومراجع غير متوفرة في المكتبة الأمر الذي يتسبب أيضا في عدم اهتمام الناس في الذهاب إلى المكتبات، لاسيما في ما يتعلق بالمراجع والكتب الإنكليزية.
ويبين أن الكثير من المراجع والكتب الموجودة في المكتبات لم تعد تجد نفعا بسبب قدمها وتطور العلم بشكل كبير في الوقت الحاضر، فهناك العديد من الكتب ومنذ الخمسينات وهي موجودة في المكتبات دون أن يطلبها أو يستعيرها أحد، فوجودها كعدم وجودها «الكتب تغبر وينظفوها العمال... هذا اللي حاصل فقط»، وبالتالي يجب أن يكون هناك تحديث وتطوير للكتب وتزويد المكتبات بالإصدارات الجديدة من الكتب والمراجع.
تطوير الكتب
وتابع : لا يمكننا أن نلغي المكتبات، لكن لابد من تطوير الكتب فيها وتجديد طبعاتها وإدخالها في المناهج المدرسية، مشددا على ضرورة اهتمام وزارة التربية في عمل رحلات دورية للطلبة إلى المكتبات العامة المختلفة لتعريفهم بدور المكتبة وأهميتها، لكن وللأسف لم نزل نفتقر إلى هذا الشيء فلا توجد هناك زيارات إلا فيما ندر ومن قبل رياض الأطفال فقط.
ويشير إلى أن المعدل اليومي للحضور في المكتبة يتراوح ما بين 3 إلى 4 أشخاص تقريبا، ويزداد هذا العدد قليلا في فترة الامتحانات، «ومن المؤسف في الكثير من الأحيان عدم قدرتنا على خدمة الطلبة لعدم وجود المادة العلمية أو المرجع الذي يبحثون عنه، كما إننا نواجه صعوبة في عملية البحث خصوصا مع اعتمادنا للطريقة التقليدية في البحث والتي تعتمد على بطاقات الفهارس، دون اللجوء إلى التكنولوجيا الحديثة»، فأجهزة الكمبيوتر الموجودة في المكتبة معطلة وتفتقد خدمة إنترنت، كما لا يوجد نظام خاص للمكتبة يمكننا من البحث عن الكتب والمراجع الموجودة كما هو موجود في المكتبات الراقية، فالاعتماد على عملية البحث نلقيه دائما على برنامج معالج النصوص «Microsoft «Word وهذا الأخير يصعب التعامل معه في عملية وضع البيانات المتعلقة في الكتب لأنها تتطلب وقتا طويلا جدا، كما هو أيضا بالنسبة لعملية البحث، فما يحصل في المكتبة هو جهد فردي من قبل الموظفين لسد هذه الثغرة.
ودعا في الوقت نفسه المسؤولين إلى ضرورة الاهتمام بالمكتبات العامة وتفعيل دورها في المجتمع، لافتا إلى أهمية أن تنتقل تبعية المكتبات العامة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون، حتى يمكن تطويرها ودعمها بشكل أفضل.
رواد المكتبات
والتقينا رجلا في العقد الرابع من عمره يدعى محمد الزامل كان يتجول في أروقة مكتبة الصرعاوي مستمتعا بوقته في قراءة الكتب في وقت فراغه.
الزامل استغرب من مجيئنا إلى المكتبة وحوارنا مع أحد مسؤوليها، وجذبه الفضول إلى مشاركتنا أطراف الحديث، ليبوح بهموم المكتبة والكتب قائلا: يبقى الكتاب الورقي متميزا رغم كل التسهيلات التي تقدمها لنا التكنولوجيا الحديثة في الوصول إلى المعلومات التي نريدها، فالقراءة من خلال الكتاب الورقي لها طعهما ومذاقها الخاص، إلا أنه من المؤسف أن نرى هذا العزوف الكبير عن المكتبات العامة وعدم وجود اهتمام لدى كافة فئات المجتمع، بخلاف ما كان موجودا في السابق من اهتمام ملحوظ في المكتبات العامة والتواجد فيها للاستفادة منها، مبينا أن الحياة تغيرت اليوم واحتياجات الناس تغيرت حتى على مستوى الكتب التي يقرأونها، ورغم هذا التغير فإننا لم نر المكتبات العامة تواكب تطورات العصر في استجلاب الكتب الحديثة.
ويقترح الزامل أن يكون هناك ترابط فعّال ما بين المكتبات العامة وأندية القراءة المختلفة التي بدأت تنتشر أخيراً بين فئة الشباب تحديدا، مشيرا في الوقت عينه إلى أهمية أن تخصص المكتبات العامة مكانا لنوادي القراءة وتوفير كل الاحتياجات اللازمة لهم ليتم الاستفادة من هذه المرافق المهمة في البلاد.
ويرى أن المكتبات العامة بحاجة إلى الكثير من التجديدات، وتحديث الكتب وطبعاتها المختلفة، والحرص على إيجاد النسخ المطبوعة بالألوان والصور كي تمنح القارئ متعة في القراءة.
من جهته، يرى علي نوري «خريج جامعي» أن العزوف الكبير عن زيارة المكتبات العامة يدق ناقوس الخطر على قيمة الثقافة وأهميتها لدى أفراد المجتمع، مشيرا إلى أهمية أن تلعب الجهات المسؤولة دورها المطلوب في توعية الناس بأهمية المكتبة وحاجة الناس إليها.
استخدام التكنولوجيا
ويبين نوري أن الناس بدأوا يتجهون اليوم إلى استخدام التكنولوجيا في عملية القراءة ولأن المكتبات غير مواكبة لهذا التقدم فمن الطبيعي أن ينفر الناس منها.
من جانبه، يقول رئيس مجلس إدارة جمعية المكتبات والمعلومات الكويتية عبدالعزيز السويط: إن المكتبة هي خدمة مجتمعية لجميع فئات المجتمع من محبي القراءة والاطلاع، ولجميع المراحل العلمية وصولا إلى الدراسات العليا، إلا أن اليوم تشهد هذه المكتبات عزوفا ملحوظا من قبل المجتمع، ولهذا أسباب كثيرة منها: نقص وسائل التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في المكتبات، بالإضافة إلى تهالك مباني العديد منها وعدم ملاءمتها لطبيعة المكتبات كمكان يجب أن تتوافر فيه كل سبل الراحة لرواده، مستغربا في الوقت ذاته من وجود أجهزة الحاسب الآلي من دون أن تتم الاستفادة منها وعدم توافر خدمة الإنترنت فيها. لافتا إلى ضرورة أن تواكب المكتبات العامة متطلبات العصر في توفير التكنولوجيا الحديثة وتحويل المصادر الورقية التقليدية إلى إلكترونية بالإمكان الوصول إليها بسهولة وسرعة أفضل.
نقص الأنشطة
ويتابع بقوله: وتعاني المكتبات أيضا من نقص على مستوى الأنشطة والمسابقات التي يتم تنظيمها، في الوقت الذي تشهد فيه إهمالا واضحا من قبل وزارة التربية في عدم مراعاتها لهذا الجانب المهم في دور المكتبة في المجتمع، متسائلا «كيف يتم تعزيز القراءة بين أفراد المجتمع خصوصا لدى الأطفال؟، مبينا أن وجود أنشطة ومسابقات في المكتبة سيحفز المشاركين على البحث عن المعلومات والاهتمام في الاطلاع والقراءة لمختلف الكتب في مختلف المجالات.
ويشدد السويط على أهمية أن تعزز المكتبات العامة من تواصلها مع المجتمع من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، لتتمكن من إيصال أهدافها ورسالتها المجتمعية حتى يدرك الناس دورها المهم في تنمية الثقافة، مبينا أن هذا التواصل الإلكتروني بات ضروريا خصوصا وأنه أصبح الوسيلة المهمة في الارتباط المستمر بالجمهور.
ويبين السويط أن هناك ميزانية مخصصة لتزويد المكتبات بالكتب لكننا لا نرى هناك التزام من قبل قسم التزويد في تزويد المكتبات بالكتب الحديثة التي تتناسب مع متطلبات واقعنا الراهن، مطالبا في الوقت عينه بأهمية وجود لجنة تهتم بشراء الكتب الحديثة من معارض الكتب ودور النشر لجلبها إلى المكتبات العامة، كي تساعد الطالب والمهتم في الوصول إلى ما يريده.
صيانة المكتبات
وينوه السويط إلى ضرورة أن يكون هناك اهتمام في صيانة المكتبات مضيفا «ليس من المعقول أن تعاني المكتبات من نقص في أبسط الأمور كعدم وجود إضاءة كافية وحتى في ما يخص وجود دورات مياه مناسبة».
ولفت في الوقت ذاته إلى أهمية أن يلتفت المسؤولون إلى العاملين في المكتبات ومنحهم المسميات الوظيفية المناسبة، بعيدا عن أساليب التنفيع والواسطات، «ونحن في جمعية المكتبات العامة ومن خلال تحركاتنا وفرنا للعاملين حقوقهم التي كانت في وقت ما مسلوبة، كبدل الشاشة، وأيضا في ما يخص المسميات، والكادر، والمكافأة التشجيعية».
وتطرق السويط إلى أهمية الالتفات للجانب المعرفي في ما يخص تعزيز الاهتمام بالمكتبة ودورها من خلال مادة المكتبة والبحث الموجودة في المدارس، مبينا بقوله: في السابق كانت تعتبر مادة إجبارية لكن تم وضعها لتكون مادة اختيارية من دون استشارة المختصين في هذا المجال، مبينا أن عملية تغيير المناهج دون استشارة المختصين تعتبر كارثة وخطأ جسيماً، فمن المفترض أن تكون هذه المادة إجبارية تساعد الطالب على القراءة والبحث الصحيح، فالطالب الجامعي اليوم يواجه صعوبات كثيرة في هذه المسألة ولا يمتلك المهارات اللازمة في عمل البحوث الجامعية بالشكل الصحيح.
وقال «هناك مؤتمرات كثيرة عقدت توصي بالاهتمام في هذه المادة لأنها وجدت لخدمة بقية المناهج، ونحن في جمعية المكتبات كانت لنا جهود في المطالبة بإعادة هذه المادة ضمن المواد الإجبارية حيث قمنا بمقابلة وكيل عام التعليم العام، وأيضا مدير التنسيق رومي الهزاع، وقد قدمنا كتاباً بهذا الشأن مرفقاً بتوصيات البنك الدولي التي أكدت على أهمية هذه المادة في المرحلة الثانوية.
العثيمين: المدرسة تخلق جيلاً لا يقرأ
ترى الأستاذة المساعدة في كلية التربية الأساسية تخصص معلومات ومكتبات الدكتورة إقبال العثيمين أن أهمية المكتبة العامة تكمن في عملية نشر الثقافة والوعي الفكري في المجتمع، فالمكتبة العامة مؤسسة ثقافية تعمل على تربية أفراد المجتمع ثقافياً من أجل خلق جيل واع قادر على تحمل المسؤولية.
وأشارت إلى أن المكتبة العامة مؤسسة مهمة تنشئها الدولة لتسهم في تربية وتعليم وتثقيف الأطفال والشباب فدورها مكمل للمكتبة المدرسية بإتمام رسالتها التعليمية كما أنها تشغل أوقات فراغ المواطن من خلال ما هو مفيد، بالإضافة إلى دعمها للروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع من خلال عقد الندوات وتبادل الآراء في المواضيع المحلية والعالمية.
وتابعت : أما عزوف الناس عن المكتبات العامة عموما فهو أمر غير موجود في الدول المتقدمة فأنا الآن أزور المكتبات العامة بأوروبا وأجدها مكتظة بالجمهور إنما العزوف نجده لدينا ومنذ زمن حيث إن المكتبات العامة لا تقوم بدورها الحقيقي لأسباب كثيرة منها وجود المكتبات العامة تحت مظلة وزارة التربية وأصبح دورها فقط رديف للمكتبة المدرسية.
ورأت ان المكتبات العامة لم تعد المؤسسة الثقافية لجميع أفراد المجتمع فالإدارة جزء كبير من المشكلة لذا أقترح أن تنقل تلك المؤسسة إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون لتأخذ دورها الحقيقي بنشر الثقافة وتثقيف جميع أفراد المجتمع.
وزادت «السبب الآخر يكمن في تدني مستوى القراءة في المجتمع وتدني الوعي بأهمية القراءة، فأمة محمد مع الأسف لا تقرأ لأن المناهج المدرسية تربي جيلا يحفظ ولا يفكر ويجادل ويناقش. نحن نعتمد على الكتاب المدرسي للحفظ وليس للنقاش وكتابة الآراء». المدرسة تخلق جيلاً لا يقرأ لذا يصبح المواطن ليس بحاجة للقراءة ولا يرى لها أهمية.
ولفتت إلى أن المكتبات تحتاج إلى إحياء دورها كمؤسسة ثقافية تعليمية تثقيفية تحت مظلة كبرى معنية بالشأن الثقافي، مؤكدة أهمية إدخال المكتبات في المناهج الدراسية وتحديد قراءات وفرضها على الطلبة متسائلة «كيف يتخرج طالب من الثانوية وهو لم يقرأ أو سمع بيوسف إدريس مثلا أو فهد بورسلي؟».
ودعت إلى الاهتمام أيضاً في زيادة الميزانيات للمكتبات العامة، والتعليم المستمر للعاملين في المكتبات.
نشـأة المكتبات في الكويت
اجتمعت نخبة من المثقفين من أبناء الكويت في العام 1924م في منزل الشيخ حافظ وهبة، لمناقشة فكرة إنشاء مكتبة أهلية يتردد عليها الناس من محبي العلم وعشاق المعرفة ليتبادلوا في هذا المكان آراءهم الأدبية والاجتماعية والثقافية.
وكان على رأس المجتمعين عبدالحميد الصانع، وسلطان ابراهيم الكليب، واتفق المجتمعون على ترشيح أسماء عدد من شخصيات ورجالات الكويت ليكونوا أعضاء بهذه المكتبة منهم سليمان العدساني، وزيد محمد الرفاعي، ومرزوق الداود، ورجب بن السيد عبدالله الرفاعي، وعبدالرحمن النقيب، ومشاري الحسن، وعلي فهد الخالد، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وعيسى القطامي - وقبل الجميع الانضمام فيما اعتذر عيسى القطامي.
ورتب المذكورون على أنفسهم من المال ما يقوم بحاجتها ويكفى الانفاق عليها وتنفيذا لهذا الاجتماع الميمون استأجر الأعضاء بيت «علي بن عامر» ليكون مقراً للمكتبة العامة المنشودة، وتم افتتاحها في أواخر العام 1924م تحت اسم «المكتبة الأهلية» بعد أن شكل المؤسسون لها أول مجلس إدارة واختاروا عبدالحميد الصانع مشرفاً على تأسيس المكتبة، واختاروا رجب بن سيد عبدالله الرفاعي مساعداً للاشراف ويتولى أيضا أمانة الصندوق، كما وافق المجلس على تعيين عبدالله العمران النجدي ملاحظا للقراء.
لكن عبدالحميد الصانع استقال من الاشراف في العام 1924م وتم تعيين الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رئيساً للمكتبة، وسلطان الكليب مديراً لها. ولم يكن عمل أعضاء اللجنة وقفا على الأعمال الادارية بل تناول بعض القضايا الفنية والاجرائية كالتزويد والاستعارة وخلافه.
وفي العام 1924م اجتمع مجلس الإدارة في مقر المكتبة «بيت علي بن عامر» في ذلك الوقت وقرر تزويد المكتبة بعدد من الصحف اليومية العربية والاشتراك في جرائد الأهرام والمقطم المصرية والقبس السورية على أن يكون من حق الأعضاء استعارة نسخة من كل كتاب، وكذلك المشتركين وإذا أعاد المستعير ما استعاره أخذ غيره على أن يضع تأمينا.
وبعـد فترة تضاءلت ميزانية المكتبة، واستقال بعض الأعضاء، ونقلت المكتبة من بيت علي بن عامر إلى دكان في شارع الأمير قرب مسجد ابن فارس كان تبرع به سمو الشيخ عبدالله السالم وعين المرحوم مبارك القناعي أمينا لها ثم نقلت المكتبة إلى المدرسة الأحمدية، فتلفت مجموعة كبيرة من كتبها هناك.
وتعتبر السنوات من 1928 إلى 1935 فترة فتور تجاه نشاط المكتبة الأهلية إلى أن تم في عهد الأمير الشيخ أحمد الجابر تشكيل لجنة خيرية لإقامة بناء للمكتبة في شارع الأمير قرب مسجد السوق، وذلك في العام 1935م. وتوالت التبرعات المالية لبناء المكتبة ومنها تبرع شاهة الصقر بدكان كانت تملكه، فأضافت اللجنة إلى الدكان دكاكين أخرى، منها ما تم شراؤه ومنها أوقات استأجرتها من نظارها، ثم قامت اللجنة بهـدم هـذه الدكاكين وشرعت، في بنـاء مبنى المكتبة حتى اكتمـل هـذا البنـاء في العـام 1356م، وفي نفس العام تم نقل مجموعات المكتبة التي كانت في المدرسة الأحمدية إلى المبنى المقام على مساحة الدكاكين، وكان مجموع عدد الكتب في ذلك الوقت لا يزيد على مئتين وتسعة وثمانين كتابا، وبعد نقل مجموعات المكتبة إلى هذا المبنى الجديد، ألحقت المكتبة بادارة المعارف «وزارة التربية حالياً» في نفس العام تحت رعاية رئيس المعارف آنذاك الشيخ عبد الله الجابر وحملت اسما جديداً هو «مكتبة المعارف العامة».
وكان أول أمين للمكتبـة في العام 1936م هو المرحوم محمد صالح التركيت الذي درس على يدي يوسف القناعي اللغة العربية والدين الاسلامي في ديوانه وعمل في نفس الوقت إماما لمسجد القطامي وخطيبا في مسجد سعد الناهض، ثم رشحه الشيخ القناعي الذي كان في ذلك الوقت مديراً للمعارف ليكون أول أمين مكتبة بعد ضمها للمعارف، وذلك العام 1936م وظل يعمل في هذا الميدان قرابة 34 عاماً قضاها أمينا نشطا مثابرا على أداء رسالتة المكتبية ولم يكن معه الإفراش للتنظيف ثم تزايد عدد العاملين من بعد العام 1957 وخصوصاً المؤهلين في علوم المكتبات حتى تقاعد في أواخر العام 1969 «وهو على مشارف السبعين» ثم نقلت المكتبة فيها بعـد إلـى الصالحية حيث تـولاها الملا محمد صالح. ويذكر للمرحوم محمد صالح التركيت كأول أمين للمكتبة قيامه بترتيب المكتبة وفهارسها على نحو يتيح لرواد التعرف على موضوع الكتاب والأخذ بنظام تصنيف ديوى العشري في ترتيب الكتب وفتح فرع جديد للمكتبة وتلته أفرع أخرى.
مكتبة الإسكندرية الأشهر
المكتبة العامة هي مكتبة تفرد للكتب على اختلاف موضوعاتها بحيث يكون في مقدور طالبي المعرفة مراجعتها أو مطالعتها أو استعارتها. وتشتمل المكتبات العامة، عادة، على مخطوطات، وتسجيلات، وسجل من الصحف والمجلات والدوريات. وتعد مكتبة الإسكندرية التي أنشأها بطليموس الأول حوالي العام 290 ق.م من أشهر المكتبات العامة في العالم القديم وبلغ مجموع كتبها في القرن الأول قبل الميلاد سبعمئة ألف كتاب، وأصابها الحريق في العام 48 ق.م وأكدت بعض الروايات عدم صحة هذه المزاعم تشير إلى أن العرب أحرقوها. ونظرا لعناية العرب بالعلم بالغوا في إنشاء المكتبات العامة وتنافس خلفاؤهم وأمراؤهم، في المشرق والمغرب والأندلس، في الإنفاق عليها وإغنائها بثمرات الفكر. وإذا عدت المكتبات الكبرى اليوم يتبادر إلى الذهن، أول ما يتبادر، مكتبة المتحف البريطاني في لندن، ومكتبة جامعة أوكسفورد، ومكتبة الأسكوريال قرب مدريد، والمكتبة الوطنية في باريس، ومكتبة الفاتيكان في روما، ومكتبة الكونغرس في واشنطن، ودار الكتب المصرية في القاهرة. وفي أوروبا وجدت الكتب سبيلها إلى الأديرة والكنائس في القرون الأولى للميلاد.