الرأي اليوم / خطة التنمية - الفضيحة هل سيحاسب أحد؟


لنقل إن الحكومة قبل غيرها تعترف بفشل خطة التنمية التي وضعت قبل سنوات وأسرت المشهد العام في الكويت وأعطت آمالا وردية واحلاما ذهبية. طبعا لا رأينا ملامح لخطة ولا شكلاً اللهم باستثناء بعض الاشغال في الطرق والجسور وهي لا تنتمي الى التنمية بمفهومها القائم على الاستفادة المثلى من القدرات والطاقات والإمكانات للانتقال من حال إلى حال.
قبل أن أستطرد، أوضح أن التنمية ليست مباراة لكرة القدم، فاذا كان المدرب خطط للفوز بخمسة اهداف لكن فريقه لم يسجل سوى هدف واحد فسيفوز بالنقاط الثلاث. في موضوع التنمية لا يمكن أن نقول إننا نجحنا إذا لم ينجز من الخطة سوى 10 أو 20 أو 30 أو 50 في المئة. لا يمكن على الإطلاق القول إننا حققنا خطوات متقدمة في مسار الانتقال من حال إلى حال. المشروع ينجح إذا أنجز كاملاً ويسقط إذا أنجز جزئيا، خصوصا في زمن لا يمكن معه اللحاق بحركة العمران والتطورات المستمرة التي تتطلب لمواكبتها أبطالا حقيقيين في الرؤية والنشاط والحركة والالتزام والعمل والإنجاز والمسؤولية ونظافة الكف ونقاء الضمائر.
لذلك، لا يضحكن أحد على الكويتيين ويقول إن خطة التنمية نجحت لأن طريقاً فتح هنا وطريقاً ما زال رهن التعبيد هناك. أو لأن أساسات مستشفى وضعت والباقي يحله الله، أو لأن بوابة المطار التي احترقت أصلحت بعد سنوات وتم فتح بوابة جنبها، أو لأن مشروع الجامعة قائم لكنه توقف بسبب منع الاختلاط، أو لان المدن الجديدة وضعت خرائطها لكن البدء بالبناء توقف بسبب معوقات البنى التحتية والكهرباء والمياه، أو... أو... أو....، كل هذا الكلام مأخوذ خيره، والكويتيون الذين يرون مدنا ومطارات ومستشفيات وجامعات وقطارات أنفاق تبنى من حولنا بأشهر وسنوات، فقدوا الأمل ربما بالتغيير خصوصا أن الفرصة الموجودة اليوم ماليا بسبب ارتفاع عائدات النفط قد لا تتكرر، خصوصا أن الكويت التي كانت رائدة في كل شيء لا تنقصها الإمكانات ولا الخبرات.
ما حصل فعليا أن الكويتيين بعد لحظة إحباط فرضتها أزمة مالية عاصفة قبل سنوات محت 30 مليار دينار من القيمة الرأسمالية لسوق الأسهم وكبدت القطاع المصرفي مخصصات بالمليارات مقابل القروض المتعثرة، إن أحدهم أراد الاستثمار في ذلك الاحباط ليصنع دعايته السياسية. جمع على عجل كل ما لدى الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية من مشاريع بالملايين والمليارات، وأضاف إليها تقديرات لإنفاق القطاع الخاص فكانت الحصيلة رقماً مبهراً مقداره 31 مليار دينار يصلح للاستغلال في كل ندوة أو مؤتمر أو ديوانية.
اي مبتدئ في الاقتصاد، في الإدارة، يعرف أن المشاريع الحكومية التي تم تجميعها وإدراجها كما هي في الخطة ليست معدة أساسا للإنجاز والتنفيذ خلال السنوات الأربع... ومن يعد إليها يكتشف أن بعضها لم يستكمل حتى الآن دراساته الهندسية ودفاتر الشروط وتأهيل الشركات وترسية المناقصات. أما مشاريع القطاع الخاص المدرجة في الخطة فكانت مبنية على دراسات جدوى واضحة القصور وتكتنفها مبالغات كبيرة في تقدير معدلات العائد الداخلي، وهذا ما تبين من الفشل الذريع لبعض المزايدات على الحصص في شركات المساهمة العامة المدرجة في الخطة ورفض البنوك لتمويل الشركات المتقدمة لها.
كيف تم التعامل مع خطة اتضح أنها غير واقعية؟ بدلاً من تصحيح المسار حينها، كان الهرب إلى الأمام للبحث عن آليات تمويل غير تقليدية من خارج آليات السوق، عبر صندوق «جامبو» من المال العام لضخ «تمويل سياسي» لمشاريع لم تقتنع المصارف بجدواها ووقف البنك المركزي وقتها بصلابة ضدها حماية للجهاز المصرفي نفسه. هنا بدأ المسؤولون عن خطة التنمية يعزون فشلها إلى ضعف معدلات الإنجاز متناسين أن الأهداف الموضوعة كانت بعيدة عما يمكن تحقيقه بل لم تكن أكثر من «بروباغندا» سياسية.
ولنكن صريحين. «النجاح له مئة أب والفشل يتيم»، هذا المثل يتحقق بامتياز في الكويت. إنما دعونا نقول إن العدالة تقتضي الاعتراف بأن الفشل شيء والخطأ والاستغلال السياسي وتحمل المسؤولية شيء آخر، والعدالة تقتضي ألا تدفن الحكومة رأسها في الرمال كالنعامة للمرة المليون بل أن تصدق لمرة واحدة مع نفسها ومع الكويتيين وتسمي الأشياء بمسمياتها وتحاسب من تسبب بالهدر والخسارة وأوصل ما يسمى خطة التنمية إلى ما وصلت إليه.
ولنكن صريحين أكثر، هذه الخطة التي كانت دعاية سياسية أكثر منها عملية تنموية، وكانت فاشلة في الشكل والمضمون، مرت على الحكومات السابقة وبالأخص على المجالس السابقة التي صنفت بأنها مجالس أسود ونمور. لن ندافع عن المجلس الحالي وما يقال عنه إنه بلا أنياب، نريد أن نسترجع مواقف المجالس المكتملة الأنياب والأظافر والحناجر. مجالس المدافعين عن المال العام. أين كانوا عن رقابة ومحاسبة أكبر خطة في تاريخ الكويت الحديث؟ خطة تتجاوز أرقامها المليارات الثلاثين لم نر منها حتى الآن سوى النزر اليسير. أم أن «التناغم السياسي» كان يفرض التجاهل؟
الحكومة مطالبة بكشف الحقائق للكويتيين، مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في فشل خطة التنمية، مطالبة بمعرفة أين وكيف أهدر المال العام، مطالبة بمحاسبة المخطئ والمتورط والمتقاعس. لا نريد لجاناً من مستوى لجان ما بعد الغزو التي بحثت في أسباب الغزو وكل ما حصل على هامش الغزو وانتهت الى لا شيء... حرفياً لا شيء.
قبل سنوات، بشر المسؤول الأول عن خطة التنمية الوزير أحمد الفهد الكويتيين بان الخطة ستنجح والتنمية ستنجز، مضيفا بالحرف: «والميه تكذب الغطاس»... اليوم نترك الرد عليه لأهل الكويت الشرفاء.
الكرة في ملعب الحكومة فهل ستفتح الملف احتراماً للكويت والكويتيين؟
جاسم مرزوق بودي
قبل أن أستطرد، أوضح أن التنمية ليست مباراة لكرة القدم، فاذا كان المدرب خطط للفوز بخمسة اهداف لكن فريقه لم يسجل سوى هدف واحد فسيفوز بالنقاط الثلاث. في موضوع التنمية لا يمكن أن نقول إننا نجحنا إذا لم ينجز من الخطة سوى 10 أو 20 أو 30 أو 50 في المئة. لا يمكن على الإطلاق القول إننا حققنا خطوات متقدمة في مسار الانتقال من حال إلى حال. المشروع ينجح إذا أنجز كاملاً ويسقط إذا أنجز جزئيا، خصوصا في زمن لا يمكن معه اللحاق بحركة العمران والتطورات المستمرة التي تتطلب لمواكبتها أبطالا حقيقيين في الرؤية والنشاط والحركة والالتزام والعمل والإنجاز والمسؤولية ونظافة الكف ونقاء الضمائر.
لذلك، لا يضحكن أحد على الكويتيين ويقول إن خطة التنمية نجحت لأن طريقاً فتح هنا وطريقاً ما زال رهن التعبيد هناك. أو لأن أساسات مستشفى وضعت والباقي يحله الله، أو لأن بوابة المطار التي احترقت أصلحت بعد سنوات وتم فتح بوابة جنبها، أو لأن مشروع الجامعة قائم لكنه توقف بسبب منع الاختلاط، أو لان المدن الجديدة وضعت خرائطها لكن البدء بالبناء توقف بسبب معوقات البنى التحتية والكهرباء والمياه، أو... أو... أو....، كل هذا الكلام مأخوذ خيره، والكويتيون الذين يرون مدنا ومطارات ومستشفيات وجامعات وقطارات أنفاق تبنى من حولنا بأشهر وسنوات، فقدوا الأمل ربما بالتغيير خصوصا أن الفرصة الموجودة اليوم ماليا بسبب ارتفاع عائدات النفط قد لا تتكرر، خصوصا أن الكويت التي كانت رائدة في كل شيء لا تنقصها الإمكانات ولا الخبرات.
ما حصل فعليا أن الكويتيين بعد لحظة إحباط فرضتها أزمة مالية عاصفة قبل سنوات محت 30 مليار دينار من القيمة الرأسمالية لسوق الأسهم وكبدت القطاع المصرفي مخصصات بالمليارات مقابل القروض المتعثرة، إن أحدهم أراد الاستثمار في ذلك الاحباط ليصنع دعايته السياسية. جمع على عجل كل ما لدى الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية من مشاريع بالملايين والمليارات، وأضاف إليها تقديرات لإنفاق القطاع الخاص فكانت الحصيلة رقماً مبهراً مقداره 31 مليار دينار يصلح للاستغلال في كل ندوة أو مؤتمر أو ديوانية.
اي مبتدئ في الاقتصاد، في الإدارة، يعرف أن المشاريع الحكومية التي تم تجميعها وإدراجها كما هي في الخطة ليست معدة أساسا للإنجاز والتنفيذ خلال السنوات الأربع... ومن يعد إليها يكتشف أن بعضها لم يستكمل حتى الآن دراساته الهندسية ودفاتر الشروط وتأهيل الشركات وترسية المناقصات. أما مشاريع القطاع الخاص المدرجة في الخطة فكانت مبنية على دراسات جدوى واضحة القصور وتكتنفها مبالغات كبيرة في تقدير معدلات العائد الداخلي، وهذا ما تبين من الفشل الذريع لبعض المزايدات على الحصص في شركات المساهمة العامة المدرجة في الخطة ورفض البنوك لتمويل الشركات المتقدمة لها.
كيف تم التعامل مع خطة اتضح أنها غير واقعية؟ بدلاً من تصحيح المسار حينها، كان الهرب إلى الأمام للبحث عن آليات تمويل غير تقليدية من خارج آليات السوق، عبر صندوق «جامبو» من المال العام لضخ «تمويل سياسي» لمشاريع لم تقتنع المصارف بجدواها ووقف البنك المركزي وقتها بصلابة ضدها حماية للجهاز المصرفي نفسه. هنا بدأ المسؤولون عن خطة التنمية يعزون فشلها إلى ضعف معدلات الإنجاز متناسين أن الأهداف الموضوعة كانت بعيدة عما يمكن تحقيقه بل لم تكن أكثر من «بروباغندا» سياسية.
ولنكن صريحين. «النجاح له مئة أب والفشل يتيم»، هذا المثل يتحقق بامتياز في الكويت. إنما دعونا نقول إن العدالة تقتضي الاعتراف بأن الفشل شيء والخطأ والاستغلال السياسي وتحمل المسؤولية شيء آخر، والعدالة تقتضي ألا تدفن الحكومة رأسها في الرمال كالنعامة للمرة المليون بل أن تصدق لمرة واحدة مع نفسها ومع الكويتيين وتسمي الأشياء بمسمياتها وتحاسب من تسبب بالهدر والخسارة وأوصل ما يسمى خطة التنمية إلى ما وصلت إليه.
ولنكن صريحين أكثر، هذه الخطة التي كانت دعاية سياسية أكثر منها عملية تنموية، وكانت فاشلة في الشكل والمضمون، مرت على الحكومات السابقة وبالأخص على المجالس السابقة التي صنفت بأنها مجالس أسود ونمور. لن ندافع عن المجلس الحالي وما يقال عنه إنه بلا أنياب، نريد أن نسترجع مواقف المجالس المكتملة الأنياب والأظافر والحناجر. مجالس المدافعين عن المال العام. أين كانوا عن رقابة ومحاسبة أكبر خطة في تاريخ الكويت الحديث؟ خطة تتجاوز أرقامها المليارات الثلاثين لم نر منها حتى الآن سوى النزر اليسير. أم أن «التناغم السياسي» كان يفرض التجاهل؟
الحكومة مطالبة بكشف الحقائق للكويتيين، مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في فشل خطة التنمية، مطالبة بمعرفة أين وكيف أهدر المال العام، مطالبة بمحاسبة المخطئ والمتورط والمتقاعس. لا نريد لجاناً من مستوى لجان ما بعد الغزو التي بحثت في أسباب الغزو وكل ما حصل على هامش الغزو وانتهت الى لا شيء... حرفياً لا شيء.
قبل سنوات، بشر المسؤول الأول عن خطة التنمية الوزير أحمد الفهد الكويتيين بان الخطة ستنجح والتنمية ستنجز، مضيفا بالحرف: «والميه تكذب الغطاس»... اليوم نترك الرد عليه لأهل الكويت الشرفاء.
الكرة في ملعب الحكومة فهل ستفتح الملف احتراماً للكويت والكويتيين؟
جاسم مرزوق بودي