حكاية مزارع شبعا المحتلة... في التاريخ والسياسة والقانون

u0645u062au0649 u064au0635u0628u062d u0627u0644u0637u0631u064au0642 u0625u0644u0649 u0645u0632u0627u0631u0639 u0634u0628u0639u0627 u0633u0627u0644u0643u0627 u0644u0644u0628u0646u0627u0646u064au064au0646u061f
متى يصبح الطريق إلى مزارع شبعا سالكا للبنانيين؟
تصغير
تكبير
| بيروت - من أحمد الموسوي |

حجم الاهتمام الدولي الذي برز فجأة منذ نحو شهر بمزارع شبعا اللبنانية التي تحتلها إسرائيل، جعلها في سلة واحدة مع قضايا المنطقة ومشاكلها الكبيرة التي تشغل العالم بأسره، كأزمة العراق، والملف النووي الإيراني، ومسألة النفط، وقضية فلسطين والجولان... خصوصاً أن راعي هذا الاهتمام المستجد هو الإدارة الاميركية نفسها، راعية الحروب والسلام، وراعية الأزمات والحلول في المنطقة بأسرها، وفوراً تبعتها في ذلك دول أوروبية منها بريطانيا وفرنسا، ودول عربية كمصر التي أيدت ودعمت اقتراح الحكومة اللبنانية الداعي إلى انسحاب إسرائيل من تلك المزارع ووضعها تحت إشراف الأمم المتحدة، تنفيذاً للقرار 1701 الصادر إثر حرب يوليو 2006، والذي ينص في أحد بنوده، على قيام ممثل الأمم المتحدة بالتشاور مع الأطراف المعنية على قضايا الحدود بين لبنان وإسرائيل، بإيجاد الحلول لها، والمقصود بالدرجة الأولى هنا مزارع شبعا التي تتمسك إسرائيل باحتلالها على اعتبارها أرضاً سورية محتلة، وهي خاضعة للقرار 242، بينما يؤكد لبنان أن تلك المنطقة لبنانية، وأن القرار 425 يشملها، وعليه فإن هذا القرار لم ينفذ بعد بالكامل، وهو الأمر الذي استند إليه «حزب الله» منذ العام 2000 في استمرار المقاومة ورفض أي دعوة لوقفها طالما هناك أرض محتلة.

وجاء اقتراح الحكومة اللبنانية وضع المزارع تحت إشراف الأمم المتحدة، كاقتراح لحل عقدة هويتها، على أن تحسم هذه المسألة لاحقاً عبر ترسيم الحدود بين لبنان وسورية، لتعذر القيام بذلك حالياً بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب أن أياً من البلدين لبنان وسورية ليس بينه وبين إسرائيل معاهدة صلح أو سلام حتى الآن، لا بل مازال كل منهما محكوماً بحال العداء والحرب القائمة منذ احتلال فلسطين.

«الراي» تروي عبر حوارات ثلاثة، حكاية تلك المزارع، كيف احتلت وضاعت هويتها، وسر الاهتمام الدولي بها خصوصاً الاميركي، ووضعها في القانون الدولي في ضوء الاقتراح اللبناني بوضعها تحت إشراف الأمم المتحدة.


الحلقة الثالثة / النائب السابق منيف الخطيب لـ «الراي»: نيو كمب وبوليه رسّما الحدود

والحكومات اللبنانية قصّرت في عدم مطالبة فرنسا وبريطانيا بالوثائق

النائب السابق منيف الخطيب، هو من أبناء منطقة شبعا ويعرفها شبراً شبراً، وهو يرى أن الاهتمام الدولي والعربي في هذه القضية زاد من الأمل بإعادتها الى اصحابها اللبنانيين والى الشرعية الدولية.

والنائب الخطيب يعتبر من أكثر المتابعين تاريخياً لقضية مزارع شبعا، إضافة الى انه من الباحثين في قضايا الصراع العربي -الإسرائيلي، وهو في الحوار التالي مع «الراي»، يروي حكاية تلك المزارع منذ قيام اسرائيل باحتلالها بعد حرب العام 1967. وهنا نص الحوار معه:

• ما حكاية مزارع شبعا؟

- بعد نكبة فلسطين العام 1948 وقيام الكيان الصهيوني، قامت السلطات السورية بوضع نقطة مراقبة في مزارع شبعا على الأراضي اللبنانية عند الحدود المشتركة بين لبنان وسورية وفلسطين، بهدف منع التسلل، وكانت اسرائيل تفيد من ذلك لإقامة علاقات بعضها لأغراض أمنية مع الأهالي في المناطق المجاورة للمزارع، وحينها غضت السلطات اللبنانية الطرف عن وجود نقطة المراقبة تلك ولم تولِها أهمية، وحين نشبت حرب العام 1967 اتخذت إسرائيل من ذلك الأمر حجة فاعتبرت منطقة المزارع سورية وقامت باحتلالها، وفي الحقيقة هي لم تحتلها كلها العام 1967، بل احتلت جزءاً منها، وأكملت احتلالها بشكل كامل على مراحل منقطعة، حتى أن آخر مزرعة هي مزرعة بسطرة احتلتها عام 1991.

• وهل صحيح أن الحدود في هذه المنطقة غير معروفة بين لبنان وسورية وفلسطين، ما أدى الى استمرار الاحتلال بعد الانسحاب الإسرائيلي العام 2000؟

- هذا غير صحيح، أنا تابعت الجدل اللبناني الداخلي في شأن ترسيم الحدود مع سورية، وأرى أن المطالبة بترسيم الحدود يجب ألا تصدر عن لبنان أبداً، وأنا الوم الحكومة اللبنانية التي أخطأت في ما سبق وطالبت به في هذا الشأن، لأن المطالبة بترسيم الحدود سواء مع فلسطين أو مع سورية من شأنه أن يثبت المزاعم التي تستند إليها إسرائيل في احتلالها هذه الأراضي اللبنانية.

• ولكن هل هي مرسمة فعلاً؟

- هي مرسمة منذ العام 1923 مع فلسطين ومنذ العام 1934 مع سورية، والخرائط والمستندات التي تثبت ذلك موجودة لدى كل من فرنسا وبريطانيا، وهما تتحملان مسؤولية في عدم إبراز ما لديهما من وثائق، وأحمّل أيضاً الحكومات اللبنانية المتعاقبة مسؤولية التقصير في عدم مطالبة الأمم المتحدة التي لا تملك هذه الوثائق، بأن تطلب من فرنسا وبريطانيا الحصول عليها.

• لماذا فرنسا وبريطانيا؟

- لأن لبنان وسورية كانا تحت الانتداب الفرنسي حين حصل الترسيم، وفلسطين كانت تحت الانتداب البريطاني، فإثر انتهاء الحرب العالمية الأولى نفذت فرنسا وبريطانيا اتفاقية لتقسيم المنطقة العربية، وهي اتفاقية «سايكس بيكو» المبرمة عام 1916، والتي قسمت المشرق العربي الى منطقتين خاضعتين لنفوذها، وفي 5 مايو عام 1920 عقد مؤتمر سان ريمو وأوكل الى هاتين الدولتين مهمة الانتداب على المنطقة الى حين تتمكن فيه دولها من إدارة شؤونها بنفسها والحصول على استقلالها، وكانت الحركة الصهيونية في ذلك الحين بدأت تنشط لتحقيق وعد بلفور بالاستيلاء على فلسطين، وحاولت أن توسّع حدود فلسطين شمالاً باتجاه لبنان وسورية لتدخل منطقة الجولان السورية، ومنطقة صيدا اللبنانية في حدود الدولة الصهيونية المدعومة وقد دعمتها في ذلك بريطانيا صاحبة وعد بلفور، لكن فرنسا المنتدبة على سورية ولبنان رفضت توسيع حدود فلسطين، وأصرّت على عقد اتفاقية بريطانيا في شأن ترسيم الحدود النهائية بين لبنان وفلسطين وبين لبنان وسورية، وهذا ما حصل بالفعل، فتم التوصل في فبراير عام 1923 إلى اتفاقية موثقة لترسيم الحدود عرفت باسم الشخصين الفرنسي والبريطاني اللذين قاما بوضعها «نيوكمب بوليه»، وتم إبلاغ هذه الاتفاقية الى عصبة الأمم المتحدة. وتضمنت هذه أربع مراحل لخط ترسيم الحدود وهي التخطيط والتحديد والترسيم والتثبيت، وهذا الخط يشمل مع فلسطين 39 نقطة حدودية واضحة المعالم، بدءاً من النقطة رقم واحد في الناقورة، وصولاً الى النقطة رقم 93 في منطقة تل القاضي شمال بانياس، وفي هذا الخط تقع مزارع شبعا داخل الأراضي اللبنانية. وفي ما يخص خط الترسيم بين لبنان وسورية فإنه واضح ومثبت في القرارات الصادرة عن سلطات الانتداب الفرنسية ذات الرقم 229 و318 و320 وفيها أن حدود قضاء حاصبيا هي الحدود الدولية بين لبنان وسورية وتفصل لبنان عن حدود قضاء القنيطرة في الجولان السوري، وتم تثبيت هذه الحدود وترسيمها العام 1934، وقد تم تحديدها بثلاث عشرة نقطة تبدأ من قمة جبل الشيخ، مروراً بقمة النشبة المطلة على بلدة حذر السورية، فتلة الغوار المطلة على بلدة مجدل شمس ومرج أبو عبدالله، وصولاً الى قمة الدرجة الحمراء شمال بلدة بانياس حيث يلتقي خط رؤوس القمم هذا بالنقطة 39 على خط الحدود مع فلسطين حسب اتفاق «نيوكمب بوليه». واكتسبت هذه الحدود مشروعيتها الدولية منذ ذلك الوقت لأن الدولتين اللتين رسّمتا الحدود وضعتاها وفق مبادئ ترتكز الى مؤتمر السلام الذي انعقد في سان ريمو بصفتهما الدولتين المنتدبتين من عصبة الأمم المتحدة.

• حسب معرفتك بالمنطقة هل هذا الترسيم يدل إلى أن مزارع شبعا فقط الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي؟

- لا، فوفق وثائق الحدود الدولية للبنان كلها، ووفق خرائط الترسيم، فإن اسرائيل مازالت تحتل الى الآن مزارع شبعا وأراضي لبنانية أخرى، وهي شريط القمم في جبل الشيخ وخراج بلدة شبعا، وهي غير مزارع شبعا، وخراج بلدة كفرشوبا وتلالها، وجزء من خراج بلدة الهبارية، وتلك كلها أراضٍ لبنانية وتقع ضمن الشرعية اللبنانية. وكانت الدولة اللبنانية تمارس صلاحياتها السيادية كلها عليها قبل احتلالها.

• الآن مع الاهتمام الدولي المستجد هل تعتقد أن إسرائيل يمكن أن تنسحب من المزارع؟

- طبعاً من الصعب أن تتخلى إسرائيل عن هذه المنطقة، نظراً إلى أهميتها الاستراتيجية الأمنية أولاً، وثانياً نظراً الى الثروة المائية الضخمة الموجودة في تلك المنطقة، وهو أمر مهم جداً وحيوي لإسرائيل، ولكن الأمل يبقى قائماً بأن تعود هذه المزارع الى أصحابها الشرعيين وبأن تعود سيادة الدولة اللبنانية عليها، ومع الاهتمام الدولي الحالي، ومع المسعى الذي تقوم به الدولة اللبنانية فإن الأمل أصبح أكبر، ولا شك أن لبنان يستطيع الحصول على حقه كاملاً إذا تابع هذا الموضوع بدعم عربي في المحافل الدولية، لأن الخرائط والوثائق موجودة وواضحة، ويمكن هنا اعتماد وسيلة تحكيم كالتي اعتمدتها مصر في قضية طابا، والتي مكنتها من استعادتها عن طريق التحكيم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي