الحرب الإقليمية - الدولية على الإرهاب ترجّح انفراجاً في بيروت

هل «يزهّر» خريف لبنان رئيساً جديداً للجمهورية؟

تصغير
تكبير
تلهو بيروت بالكثير من حروبها الصغيرة وهي المقيمة في «الحديقة الخلفية» لحروب كبيرة تدبّ على طول «خط العرض وخطّ الطول» في الأقليم المشتعل، من اليمن غير السعيد الى ليبيا المشلّعة الأبواب، ومن بلا «ما بين النيران» الكثيرة في العراق الى بلاد الشام المسكونة بفائض من الشؤم.

ووسط هذا الطوفان من الحروب بالعسكر والسكاكين والديبلوماسية، تغدو المنطقة وكأنها امام سيناريوات غامضة من تحوّلات إنفجرت مع «الربيع العربي» قبل أعوام وتشتدّ عواصفها مع الاختبارات اليومية في دولٍ تُنازِع تحت وطأة منازعات لاهبة يصعب التكهن بنهاياتها.


ومع قرع طبول حرب إقليمية - دولية على «داعش» التي تحوّلت «نجم» الشر المستطير في العراق وسورية، بدت المنطقة امام وقائع جديدة تتصل في الجانب الأبرز منها بسؤال «إستراتيجي» عن المدى الذي سيبلغه التعاون الأميركي مع ايران، صاحبة الدور الحاسم في سورية والعراق تحت مظلة «مكافحة إرهاب» جماعة «داعش» وأخواتها.

ولأن بيروت تضبط ايقاع «حروبها الصغيرة» على وهج «الحريق» السوري، فإنها تعاين بـ «عيون حائرة» المسار المحتمل للتدخل الأميركي في سورية ضدّ «داعش» وأُثمانه في ضوء تجربة التدخل المماثلة «ومن الجو» في العراق، وسط سؤال تضجّ به الصالونات السياسية وهو: هل يفيد الرئيس السوري بشار الأسد من التدخل الأميركي ام يكون على حسابه؟

مقاربات كثيرة تجري لهذه المسألة لكن من دون اي تقديرات حاسمة، فبعضها ينطلق من ان الولايات المتحدة لم تتدخل في العراق إلا بعد إزاحة رئيس الوزراء نوري المالكي، وبعضها الآخر يستبعد تخلّي ايران عن الأسد لمصلحة اي شخص آخر من النظام، الأمر الذي يجعل الأيام المقبلة شديدة الحساسية في رسم إتجاهات الريح في سورية.

وفي إنتظار التطورات المفصلية المنتظَرة التي تشبه في جانب منها ما كان عليه الوضع قبل عام بالتمام والكمال يوم حشدت الولايات المتحدة أساطيلها عقب مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق، فإن بيروت على معاركها الداخلية الأشبه بعملية «تقطيع الوقت» ترقباً لـ «الخيط الأبيض من الأسود» في المنطقة.

أوساط خبيرة في شؤون المنطقة وشجونها قالت لـ «الراي» ان الولايات المتحدة «ليست في صدد مواجهة «داعش» للقضاء عليه، انما هي تستشعر خطره وتعمل على منع تمدُّده في شكل يؤثر على مصالحها في المنطقة او يهدد أمنها وأمن اوروبا»، مشيرة الى ان «الولايات المتحدة ستأخذ في الحسبان في سلوكها في المنطقة الوقائع الجديدة، وهو أمر ينسحب ايضاً على أطراف دولية واقليمية أخرى».

وفي تقدير هذه الاوساط، التي تعتقد ان لبنان مقبل على انفراج ما، ان «الهدف لم يعد إسقاط النظام في سورية ولم يعد الرئيس بشار الاسد الهدف رقم واحد. فرغم انه - اي الاسد - لم يصبح مقبولاً لدى المجتمع الدولي، فان وجوده حاجة لإكمال الحرب على داعش، وهي الحرب التي تخاض عبر تحالف دولي - اقليمي عنوانه مكافحة الإرهاب».

ولان لبنان في قلب هذا الحراك الاقليمي - الدولي، فان الاوساط نفسها تتحدث عن ان الرغبة في حماية الاستقرار باتت تشكل حافزاً لإنهاء الفراغ الرئاسي، وخصوصاً في ضوء الوقائع الآتية:

* الموقف الحاسم للمملكة العربية السعودية بالوقوف ضد إرهاب الجماعات التكفيرية كـ «داعش» وسواها، مما أرسى تفاهمات غير مباشرة بين الأطراف الاقليميين حول أولوية المرحلة الحالية في المنطقة، وهو ما تُرجم على عجل بهبة المليار دولار للجيش اللبناني غداة معركة عرسال ضدّ المجموعات الارهابية.

* جعلت معركة عرسال الطرفيْن النقيضيْن (8 و 14 آذار) في خندق واحد بعدما أدرك الجميع خطر الهجمة الارهابية التي تستهدف الطرفين معاً، وخصوصاً في ضوء ما تعرض له المسيحيون وسواهم في الموصل وكسب وسنجار حيث لا مكان للتنوع او التعدّد تحت الرايات السود لـ «الدولة الإسلامية».

* عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري التي ادت الى «كسر الجليد» في العلاقة مع رئيس البرلمان نبيه بري، وهو ما يؤشر الى اتجاه لإعادة التواصل التدريجي مع خصومه في ظل زياراته المتتالية المرتقبة لبيروت، الامر الذي من شأنه تنفيس الاحتقان الذي أعقب أحداث 7 مايو 2008 واستمر الى يوم اعلان «داعش» دولة الخلافة في الاول من رمضان الماضي.

وتبعاً لذلك لم تستبعد الأوساط نفسها ان «يزهر» خريف لبنان رئيساً جديداً للجمهورية في ضوء ما أفضى اليه الواقعان المحلي والاقليمي وخصوصاً مع ضيق أفق المناورات الداخلية وتَشابُك الاستحقاقات والتعقيدات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية والنيابية والعمل التشريعي في شكل بدأ ينذر بتصدّعات مؤسساتية بالغة الخطورة لا يمكن تفاديها الا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية ما يتيح تشكيل «عازل» أكثر صلابة في مواجهة الأخطار الأمنية.

وبرزت في هذا السياق مجموعة من العناوين المثيرة التي ملأت «الوقت الضائع»، كالحملة «المبرْمجة» لوسائل إعلام قريبة من «8 آذار» على قيادة الجيش استناداً الى «خلاصات» معركة عرسال، وتحويل اقتراح زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون بانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة على مرحلتين، واحدة مسيحية واخرى وطنية، الى اقتراح تعديل دستوري احيل على البرلمان.

وبدت الاوساط السياسية في بيروت مهتمة بمعرفة مغزى الحملة على قيادة الجيش وأبعادها من القوى التي غالباً ما تولت «مديح» المؤسسة العسكرية في وجه انتقادات كانت تُوجه لادائها غير المتوازن ولا سيما من نواب في «تيار المستقبل» كانوا يأخذون على قيادة الجيش إفراطها في مراعاة اجندة «حزب الله».

وفهمت «الراي» من اوساط سياسية في بيروت ان «حزب الله» يحرص على النأي بنفسه عن هذه الحملة. فاذا كانت الاسئلة المثارة مطروحة وغير مفتعلة، فان تحويلها حملة اعلامية امر غير مستحب لان من شأنه إضعاف معنويات الجيش.

ورغم ان الانطباع السائد في بيروت بأن هذه الحملة هدفها النيل من قائد الجيش العماد جان قهوجي كمرشح بحظوظ مرتفعة لرئاسة الجمهورية، فان ثمة مَن يعتقد ان الامر يتجاوز هذه المسألة ويرتبط بملف تسليح الجيش وما يثيره من «نقزة» نتيجة «الهبّة» السعودية لنجدته عبر هِبتيْن قيمتهما 4 مليارات دولار وما يتردد عن صدى الصراع الاقليمي حيال هذا الملف.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي