أولياء أمور يتقاسمون المسؤولية مع مؤسسات الدولة واختصاصيون يتهمون الآباء بالتقصير
أطفال ... متحرِّشون!
التحرش لم يعد قاصراً على الكبار بل وصل إلى الصغار
سعد الحربي
علي جمال
يونس التركماني
رائد ذكرالله
بدر المهيني
عبدالله الكندري
• أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً يطاردون الفتيات
• طفل يحاول محاكاة المراهقين في مطاردة الجنس الآخر والتلفظ بكلمات تتجاوز مرحلته العمرية
بدر المهيني:
• هناك خلل في أداء الوالدين لدورهما في تربية الأبناء
يونس التركماني:
• الله يرحم تلك الأيام التي أكلنا فيها «الطراقات»
رائد ذكرالله:
• الرسالة الإعلامية التي تحملها المسلسلات سلبية جداً
عبدالله الكندري:
• المجتمع بحاجة إلى برامج تربوية تخاطب الآباء والأطفال
علي جمال:
• الجيل مو مثل أول ... والوفرة المالية لعبت دوراً كبيراً في تفاقم الظاهرة
سعد الحربي:
• قوانين وزارة التربية تمنع المدرس من تربية الولد
• طفل يحاول محاكاة المراهقين في مطاردة الجنس الآخر والتلفظ بكلمات تتجاوز مرحلته العمرية
بدر المهيني:
• هناك خلل في أداء الوالدين لدورهما في تربية الأبناء
يونس التركماني:
• الله يرحم تلك الأيام التي أكلنا فيها «الطراقات»
رائد ذكرالله:
• الرسالة الإعلامية التي تحملها المسلسلات سلبية جداً
عبدالله الكندري:
• المجتمع بحاجة إلى برامج تربوية تخاطب الآباء والأطفال
علي جمال:
• الجيل مو مثل أول ... والوفرة المالية لعبت دوراً كبيراً في تفاقم الظاهرة
سعد الحربي:
• قوانين وزارة التربية تمنع المدرس من تربية الولد
يبدو أن البراءة التي فطر عليها الأطفال بدأت تتلاشى بعض معانيها من أبناء هذا الجيل، جيل الآي باد والآي فون، وذلك بعد أن أماطت هذه الأجهزة الحديثة عنهم اللثام، وفتحت لهم مجالا وعالما رحبا من التواصل المختلف، وسهلت لهم كل صعب، وقربت لهم كل بعيد، وعرفتهم بأمور كثيرة وإن كانت لا تناسب أعمارهم الصغيرة، لتفتقد الطفولة شيئا من هذه البراءة، حتى وصل الأمر بأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاما يعاكسون، ويطاردون الفتيات (والعكس بالعكس) كما يفعل بعض المراهقين والمراهقات!
مشاهد مضحكة مبكية، بتنا نراها بشكل مستمر في المجمعات والأسواق التجارية من قبل الأطفال، فمضحك ذلك المشهد الذي نرى فيه الطفل وهو يحاول محاكاة المراهقين في مطاردة الجنس الآخر والتلفظ بكلمات تتجاوز مرحلته العمرية محاولا فيها لفت انتباه الطرف الآخر وجذبه نحوه، كأنه يريد أن يسد فراغا معنويا يفتقده، ومبك هذا المشهد لما يخفيه من مستقبل مخيف لمجتمعنا بعد أن يشتد عود هؤلاء الأطفال ويبلغوا مبلغ الرجال ولم يزل أثر هذا السلوك مطبوعا فيهم، فمن كانت طفولته هكذا فكيف سيكون سلوكه عندما يكبر؟
«الراي» استقصت آراء عدد من أولياء الأمور والمختصين في المجال التربوي حول هذا الموضوع لوضع الامور في نصابها فكان ما يلي:
ير بسام أرناؤوط «ولي امر» أن السبب وراء شيوع هذه الظاهرة يعود إلى تربية الأسرة وما يتأثر به الأطفال من مؤثرات مختلفة من البيئة التي يعيشون فيها، لاسيما مع عمق تأثرهم بمن يصاحبون ومن يقضون معهم جل وقتهم في حياتهم اليومية، مبينا أن «الأطفال هم الأكثر تأثرا بالبيئة التي يعيشون فيها وهذا التأثر من شأنه أن يساهم في تشكيل شخصياتهم وطبيعة تفاعلهم بمن حولهم، وللأسف فإن البيئة التي يعيش فيها الأطفال في مجتمعنا تخيم عليها أجواء السلبية».
ويشير أرناؤوط إلى «خطورة الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم في الأطفال، خصوصا مع الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم في التواصل المستمر الأمر الذي سهل انتقال مختلف الثقافات غثها وسمينها بين بني البشر، خصوصا تلك الرسائل المنبثقة من وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك الرسائل الموجهة عبر لعبة البلاي ستيشن التي لها عظيم الأثر على العقل الباطن وتشكيله وبرمجته».
وشدد أرناؤوط على ضرورة أن «يلتفت الآباء إلى أبنائهم ويهتموا بكيفية أن يقضوا أوقاتهم في أنشطة مفيدة كرقص الباليه والألعاب الرياضية التي تعود عليهم بالمردود الإيجابي وتحميهم من الانجراف إلى ممارسات سلبية دخيلة علينا، مع الابتعاد كثيرا عن التكنولوجيا».
من جهته، أوضح بدر المهيني أن «هناك خللا في دور الوالدين في تربية أبنائهما، فلا الأب ولا الأم يهتمان بشؤون بيتهما، والأب دائما ما يلقي تربية أبنائه على أمهم، والأم هي الأخرى مشغولة في واد آخر، وبالتالي لا يجد الأبناء مربيا لهم سوى الخادمة، وهنا تكمن المصيبة».
ويبين المهيني أن «الجيل الحالي تغير كثيرا، فعندما نضعه في مقياس المقارنة مع الأجيال السابقة فإننا نجد فروقات شاسعة إلى درجة أصبح اليوم من الصعب التعامل مع الجيل الحالي والتفاهم معها، في الوقت الذي اختفت فيه لغة الاحترام من قاموس هذا الجيل في ظل الضعف في دور المدرسة وتحديدا من قبل المعلم، فأبناء هذا الجيل لاسيما في مرحلة ما قبل المراهقة بحاجة دائمة إلى تربية وضرب تأديبي إذا لزم الأمر»، مبينا أن «هذا الدور المهم من المعلم قد انتفى وجوده ما سبب أزمة في انفلات هذا الجيل في سلوكياته».
ويلفت المهيني إلى وجود «تغير وضعف كبير في دور الإعلام في توجيه وإرشاد المجتمع، فإعلامنا اليوم بات منكبا على توجيه الرسائل السلبية وتقديم المواد الإعلامية غير الهادفة والبعيدة عن هموم وتطلعات المجتمع، بل أصبح معول هدم للأسرة في نشر ثقافات دخيلة وسلبية في مجتمعنا».
وفي السياق ذاته، يؤكد رائد ذكر الله على أهمية «دور الوالدين في تنشئة أبنائهما ليتجنبوا الانزلاق في مثل هذه السلوكيات السلبية التي تعبر عن ضعف واضح في مستوى التربية، الذي سببته الفجوة الكبيرة ما بين الأبناء وآبائهم، حتى غدا الأبناء لا يعيرون أي اهتمام لكلمة والديهم، والتمرد بات هو سيد الموقف».
ويلفت ذكرالله إلى «خطورة الرسالة الإعلامية التي تحملها المسلسلات والتي ما انفكت تحاول أن تغير من وعي المجتمع، وللأسف فإن الأطفال اليوم هم الأكثر عرضة لمثل هذه الرسائل السلبية التي يسهل أن تدخل في عقولهم لتتحول مع مر الزمن إلى سلوكيات وممارسات يقومون بها».
«الجيل تغير، مو مثل أول، والوفرة المالية لعبت دورا كبيرا»... بهذه الكلمات يُشخّص علي جمال واقع المجتمع الذي تسللت إليه مثل هذه الظواهر السلبية، قائلا: «إن الجيل الحالي من الصعب السيطرة عليه خصوصا مع تأثره الكبير بالإعلام الجديد الذي سهل لهم المجال في التواصل مع الآخرين وهذا التواصل إن لم يحظ بمراقبة من قبل الآباء فإن له عواقب وخيمة بالنسبة للأطفال».
وبين جمال أن «المسؤولية باتت اليوم ملقاة على عاتق الجميع ولا يمكننا أن نستثني أحدا منها، ولابد أن تلعب الأسرة دورها المهم في متابعة ومراقبة أبنائها ويكف الآباء والأمهات عن الدلع الزائد، الذي يدمر شخصية الطفل ويغرس في نفسه صفة اللامبالاة والدخول في كل تجربة وسلوك غير سوي».
ويرى يونس التركماني أن «هذا السلوك الذي يبديه الأطفال في المعاكسات لاشك بأنه يمثل مصيبة اجتماعية وجب التصدي لها وعدم غض الطرف عنها، فهذه الظاهرة الدخيلة من شأنها أن تربي الطفل على سلوكيات سلبية من الصعب التخلص منها عندما يكبر»، مضيفا: «للأسف بدأ الوازع الديني يقل في المجتمع رغم أن المساجد نجدها مكتظة بالمصلين، لكن دون أن يكون هناك أثر للعبادة على الناس إلا ما رحم ربي»، معبرا عن استغرابه «ما يبديه بعض أولياء الأمور من عدم اكتراث بالمستوى السلوكي لأبنائهم، إذ لا يوجد هناك رادع، وعادة عندما نوجه النصيحة لهم نجدهم يشدون من أزر أبنائهم في فعل السلوكيات السلبية بحجة عدم تعقيد الولد، وما يبي يخالف رأيه حتى لا يشعر بالنقص»، معلقا: «الله يرحم تلك الأيام التي أكلنا فيها الطراقات».
وزاد: «أصبح كل شخص يفكر بنفسه، ولم يعد هناك اهتمام بالأبناء كما كان في السابق، والآباء ليس لديهم وقت لتربية أبنائهم أو حتى أن يقولوا نصيحة أو توجيه لهم.
من جهته، يرى عبدالله الكندري أهمية «أن نلتفت إلى طبيعة الأجيال وكيف تغيرت نفسياتها ونظرتها للحياة، وإذا ما سلطنا الضوء على مخرجات جيل التسعينات نجد أن السواد الأعظم منهم مختلفا تماما عن الأجيال السابقة، فهذا الجيل لم يحظ برعاية واهتمام من قبل الآباء الذين تأثروا تأثرا كبيرا بالتغير الذي حدث للبلاد بعد الغزو العراقي، وأصبح كل منهم يهتم بنفسه أكثر مما يهتم بأبنائه».
ويلفت الكندري إلى «خطورة الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم في ظل الانفتاح الكبير الذي يصعب التحكم به ومراقبته، وأصبح من السهل الوصول إلى أي شيء وفي أسرع وقت ممكن، وهذا من شأنه أن ينقل ثقافات دخيلة على مجتمعنا من السهل أن تؤثر على الأطفال»، مشيرا إلى أن «هذه المشكلة ليست مقتصرة على مجتمعنا بل أصبحت مشكلة عالمية بسبب هذا الانفتاح الإعلامي».
كما يلقي الكندري باللائمة على «الإعلام وغياب دوره التوعوي الهادف في معالجة قضايا المجتمع»، مبينا أن «الإعلام انعدمت فيه الأهداف بل ساهم في الانحلال على مستوى المسلسلات وحتى الرسوم المتحركة، فقد بتنا نفتقد المسلسلات التربوية الهادفة كمسلسل العائلة، مشددا على أن المجتمع اليوم بحاجة ماسة إلى برامج تربوية تخاطب أولياء الامور وحتى الاطفال».
واشار إلى أن «استمرار اخفاق الدور الاعلامي التربوي أثر بشكل سلبي على مخرجات الجيل الحالي»، لافتا في الوقت عينه إلى «أهمية دور الدولة في توفير أنشطة مناسبة لأبنائنا تحاكي المرحلة والواقع الذي نعيشه».
من جانبه، اعتبر مدرس ورئيس قسم علوم في المرحلة المتوسطة سعد الحربي أن «التربية عملية متشابكة، والكل مسؤول عنها، وللأسف فإن الناظر إلى حال مجتمعنا يجد أن المجتمع أصبح متخبطا في رؤيته وتقييمه للأشياء، وصار عنده كل شيء عادي، بسبب انتفاء المقياس الحقيقي لوزن الأمور على حقيقتها، في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي، واقتصار دور المؤسسة الدينية على العبادة فقط مع قلة الاهتمام بشؤون الناس وطرح قضاياهم ومشاكلهم على المنابر، وقلة الاهتمام بأمور البيت والعائلة، وأصبحت هناك فقط اجتهادات شخصية من قبل بعض رجال الدين في الاهتمام بقضايا المجتمع وهذه الاجتهادات الفردية لا تكفي».
وأعرب عن أسفه «من تقاذف المسؤوليات بين مختلف المؤسسات في المجتمع وتحميل كل طرف المسؤولية الكاملة في تعثر المجتمع»، كما أبدى اعتراضه على ما يراه البعض من «ضعف في مسؤولية المدرس في التربية»، لافتا إلى أن «قوانين وزارة التربية تمنع المدرس من تربية الولد، فعندما يضرب الطالب ضربا تأديبيا من قبل مدرسه يتورط هذا الأخير بمشاكل وقضايا لا قبل لها، لأن قوانين الوزارة تعتبر هذا الضرب التأديبي تعديا، وهذا في طبيعة الحال ينفي دورنا في التربية التي يجب أن يكون لدينا فيها شيء من الصرامة والحزم»، متمنيا «تطبيق النظام الاميركي في محاسبة ولي امر الطالب والطالب معا، وذلك بالنسبة للطالب الذي لم يصل إلى سن الرشد».
صالح السعيدي: بعض الآباء بحاجة إلى تربية!
يؤكد أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت والمستشار في وزارة التربية، والديوان الأميري، الدكتور صالح شويت السعيدي أنه «من المهم التطرق لهذا الموضوع الذي باتت لا تخفى علينا اليوم مظاهره وآثاره، لاسيما أننا نتحدث عن مرحلة عمرية تسمى علميا بمرحلة الطفولة وليست المراهقة التي تبدأ في الغالب من 14 عاما حتى العشرينات من عمر الإنسان».
ويتابع السعيدي: من ناحية علم النفس وعلم الاجتماع، نلاحظ أن هذه السلوكيات لها أبعاد نرجعها في المقام الأول إلى الأسرة وطريقة التربية، والبنية الاجتماعية والرقابة والتنشئة والمتابعة الأسرية، فالأسرة لها الدور الكبير في شيوع مثل هذه الظاهرة، بالإضافة إلى التأثر بأصدقاء السوء وعدم وجود رقابة حقيقية في الأسواق تضبط الأمن فيه».
ويبين أن «هناك أسبابا عديدة تقف وراء قيام الطفل بمثل هذه السلوكيات، منها أن الطفل لا يجد أن هناك من يراقبه ويتابعه، في ظل غياب وعيه التام عن القوانين التي يفترض أن يحترمها خصوصا في مرحلته العمرية التي يعيشها، علاوة على وجود الترف الزائد وعدم فهمه لدوره الحقيقي ومسؤوليته الدينية والاجتماعية».
ولفت إلى أن «الأطفال في هذه الفترة يحبون لفت الانتباه وعمل أي شيء بهدف التقليد حتى لو لم يكن بالغا كالتحرشات، ومما يساعده على ذلك وجود نماذج أمام ناظريه في المجتمع الذي يعيش فيه، فقد يكون من يفعل مثل هذا الفعل أحد من أقاربه أو أصدقائه»، مشيرا في الوقت ذاته إلى «أننا نعاني من ضعف في تقدير الذات وفي المعرفة من الناحية السلوكية والاجتماعية، فالطفل همه الوحيد هو التقليد وأن يكبر بسرعة في العمر، وكبيرنا من يصل إلى سن الأربعينيات يريد أن يعود إلى مرحلة الشباب، وأحيانا يظن أنه لم يزل في مرحلة الشباب».
ويوضح السعيدي أن «الأسرة إذا بذرت في نفوس أبنائها البذر الصحيح من خلال التنشئة السليمة لهم منذ نعومة أظفارهم ومتابعتهم المستمرة في توضيح الأخطاء وضبط سلوكهم معرفيا وعلميا واجتماعيا وإرشادهم ضمن إطار إيماني، فسيكون لدينا النموذج الطيب من الأبناء، لكننا للأسف اليوم نرى أن الأسرة بعيدة عن هذه المعاني، ووجدنا نحن المتخصصين في علم النفس من خلال متابعتنا ورصدنا للكثير من الحالات أن الآباء أنفسهم بحاجة إلى تربية، وهذا يشكل العائق الأكبر في تنشئة الأبناء وتربيتهم، إذ نجد أن الأم باتت تهتم بشكلها وشكل البنت والموضة ونسيت جوانب أخرى في التنشئة الاجتماعية سواء كانت من ناحية سلوكية أو ناحية معرفية، وللأسف فإن الآباء الذين يفترض أن يكونوا قدوة لأبنائهم بدأوا يتخذون سلوكيات كالمراهقين».
وزاد السعيدي: «نعم نحن نعيش في زمن الانفتاح الذي بتنا نتأثر به بشكل مباشر وغير مباشر، ونحن لسنا ضد هذا الانفتاح لكن يجب أن نتعامل معه في حدود من الضبط والحزم، وعلينا أن نفتح باب الحوار مع أبنائنا لنحدد مسؤولياتهم في كل مرحلة من مراحل النمو المتميزة باختلاف متطلباتها وخصائصها، في الوقت الذي يواجه فيه الطفل نموا اجتماعيا وانفعاليا وسلوكيا وجسديا»، مبينا أنه «لابد من وجود ضبط كلي لسلوك الأبناء، من الممكن أن يتخذ شكلا من أشكال العقاب أو الحرمان الإيجابي بهدف تعديل سلوكه، وهنا نحتاج إلى أن يتعرف الآباء على مهارات التوجيه والتربية لأبنائهم».
ويضيف: «كما إننا نحتاج إلى أن يكون هناك دور إعلامي فعّال يساهم في التوعية وفي طرح قضايا مهمة ورسائل لها أهدافها المدروسة تسعى إلى زرع قيم تستقصد البناء النفسي والاجتماعي لأبنائنا، وبإمكاننا عمل ذلك إعلاميا من خلال الوسائل الإعلامية الكثيرة المتاحة، وحتى من خلال الفلاشات والمسلسلات».
مشاهد مضحكة مبكية، بتنا نراها بشكل مستمر في المجمعات والأسواق التجارية من قبل الأطفال، فمضحك ذلك المشهد الذي نرى فيه الطفل وهو يحاول محاكاة المراهقين في مطاردة الجنس الآخر والتلفظ بكلمات تتجاوز مرحلته العمرية محاولا فيها لفت انتباه الطرف الآخر وجذبه نحوه، كأنه يريد أن يسد فراغا معنويا يفتقده، ومبك هذا المشهد لما يخفيه من مستقبل مخيف لمجتمعنا بعد أن يشتد عود هؤلاء الأطفال ويبلغوا مبلغ الرجال ولم يزل أثر هذا السلوك مطبوعا فيهم، فمن كانت طفولته هكذا فكيف سيكون سلوكه عندما يكبر؟
«الراي» استقصت آراء عدد من أولياء الأمور والمختصين في المجال التربوي حول هذا الموضوع لوضع الامور في نصابها فكان ما يلي:
ير بسام أرناؤوط «ولي امر» أن السبب وراء شيوع هذه الظاهرة يعود إلى تربية الأسرة وما يتأثر به الأطفال من مؤثرات مختلفة من البيئة التي يعيشون فيها، لاسيما مع عمق تأثرهم بمن يصاحبون ومن يقضون معهم جل وقتهم في حياتهم اليومية، مبينا أن «الأطفال هم الأكثر تأثرا بالبيئة التي يعيشون فيها وهذا التأثر من شأنه أن يساهم في تشكيل شخصياتهم وطبيعة تفاعلهم بمن حولهم، وللأسف فإن البيئة التي يعيش فيها الأطفال في مجتمعنا تخيم عليها أجواء السلبية».
ويشير أرناؤوط إلى «خطورة الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم في الأطفال، خصوصا مع الانفتاح الكبير الذي يشهده العالم في التواصل المستمر الأمر الذي سهل انتقال مختلف الثقافات غثها وسمينها بين بني البشر، خصوصا تلك الرسائل المنبثقة من وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك الرسائل الموجهة عبر لعبة البلاي ستيشن التي لها عظيم الأثر على العقل الباطن وتشكيله وبرمجته».
وشدد أرناؤوط على ضرورة أن «يلتفت الآباء إلى أبنائهم ويهتموا بكيفية أن يقضوا أوقاتهم في أنشطة مفيدة كرقص الباليه والألعاب الرياضية التي تعود عليهم بالمردود الإيجابي وتحميهم من الانجراف إلى ممارسات سلبية دخيلة علينا، مع الابتعاد كثيرا عن التكنولوجيا».
من جهته، أوضح بدر المهيني أن «هناك خللا في دور الوالدين في تربية أبنائهما، فلا الأب ولا الأم يهتمان بشؤون بيتهما، والأب دائما ما يلقي تربية أبنائه على أمهم، والأم هي الأخرى مشغولة في واد آخر، وبالتالي لا يجد الأبناء مربيا لهم سوى الخادمة، وهنا تكمن المصيبة».
ويبين المهيني أن «الجيل الحالي تغير كثيرا، فعندما نضعه في مقياس المقارنة مع الأجيال السابقة فإننا نجد فروقات شاسعة إلى درجة أصبح اليوم من الصعب التعامل مع الجيل الحالي والتفاهم معها، في الوقت الذي اختفت فيه لغة الاحترام من قاموس هذا الجيل في ظل الضعف في دور المدرسة وتحديدا من قبل المعلم، فأبناء هذا الجيل لاسيما في مرحلة ما قبل المراهقة بحاجة دائمة إلى تربية وضرب تأديبي إذا لزم الأمر»، مبينا أن «هذا الدور المهم من المعلم قد انتفى وجوده ما سبب أزمة في انفلات هذا الجيل في سلوكياته».
ويلفت المهيني إلى وجود «تغير وضعف كبير في دور الإعلام في توجيه وإرشاد المجتمع، فإعلامنا اليوم بات منكبا على توجيه الرسائل السلبية وتقديم المواد الإعلامية غير الهادفة والبعيدة عن هموم وتطلعات المجتمع، بل أصبح معول هدم للأسرة في نشر ثقافات دخيلة وسلبية في مجتمعنا».
وفي السياق ذاته، يؤكد رائد ذكر الله على أهمية «دور الوالدين في تنشئة أبنائهما ليتجنبوا الانزلاق في مثل هذه السلوكيات السلبية التي تعبر عن ضعف واضح في مستوى التربية، الذي سببته الفجوة الكبيرة ما بين الأبناء وآبائهم، حتى غدا الأبناء لا يعيرون أي اهتمام لكلمة والديهم، والتمرد بات هو سيد الموقف».
ويلفت ذكرالله إلى «خطورة الرسالة الإعلامية التي تحملها المسلسلات والتي ما انفكت تحاول أن تغير من وعي المجتمع، وللأسف فإن الأطفال اليوم هم الأكثر عرضة لمثل هذه الرسائل السلبية التي يسهل أن تدخل في عقولهم لتتحول مع مر الزمن إلى سلوكيات وممارسات يقومون بها».
«الجيل تغير، مو مثل أول، والوفرة المالية لعبت دورا كبيرا»... بهذه الكلمات يُشخّص علي جمال واقع المجتمع الذي تسللت إليه مثل هذه الظواهر السلبية، قائلا: «إن الجيل الحالي من الصعب السيطرة عليه خصوصا مع تأثره الكبير بالإعلام الجديد الذي سهل لهم المجال في التواصل مع الآخرين وهذا التواصل إن لم يحظ بمراقبة من قبل الآباء فإن له عواقب وخيمة بالنسبة للأطفال».
وبين جمال أن «المسؤولية باتت اليوم ملقاة على عاتق الجميع ولا يمكننا أن نستثني أحدا منها، ولابد أن تلعب الأسرة دورها المهم في متابعة ومراقبة أبنائها ويكف الآباء والأمهات عن الدلع الزائد، الذي يدمر شخصية الطفل ويغرس في نفسه صفة اللامبالاة والدخول في كل تجربة وسلوك غير سوي».
ويرى يونس التركماني أن «هذا السلوك الذي يبديه الأطفال في المعاكسات لاشك بأنه يمثل مصيبة اجتماعية وجب التصدي لها وعدم غض الطرف عنها، فهذه الظاهرة الدخيلة من شأنها أن تربي الطفل على سلوكيات سلبية من الصعب التخلص منها عندما يكبر»، مضيفا: «للأسف بدأ الوازع الديني يقل في المجتمع رغم أن المساجد نجدها مكتظة بالمصلين، لكن دون أن يكون هناك أثر للعبادة على الناس إلا ما رحم ربي»، معبرا عن استغرابه «ما يبديه بعض أولياء الأمور من عدم اكتراث بالمستوى السلوكي لأبنائهم، إذ لا يوجد هناك رادع، وعادة عندما نوجه النصيحة لهم نجدهم يشدون من أزر أبنائهم في فعل السلوكيات السلبية بحجة عدم تعقيد الولد، وما يبي يخالف رأيه حتى لا يشعر بالنقص»، معلقا: «الله يرحم تلك الأيام التي أكلنا فيها الطراقات».
وزاد: «أصبح كل شخص يفكر بنفسه، ولم يعد هناك اهتمام بالأبناء كما كان في السابق، والآباء ليس لديهم وقت لتربية أبنائهم أو حتى أن يقولوا نصيحة أو توجيه لهم.
من جهته، يرى عبدالله الكندري أهمية «أن نلتفت إلى طبيعة الأجيال وكيف تغيرت نفسياتها ونظرتها للحياة، وإذا ما سلطنا الضوء على مخرجات جيل التسعينات نجد أن السواد الأعظم منهم مختلفا تماما عن الأجيال السابقة، فهذا الجيل لم يحظ برعاية واهتمام من قبل الآباء الذين تأثروا تأثرا كبيرا بالتغير الذي حدث للبلاد بعد الغزو العراقي، وأصبح كل منهم يهتم بنفسه أكثر مما يهتم بأبنائه».
ويلفت الكندري إلى «خطورة الدور الذي يلعبه الإعلام اليوم في ظل الانفتاح الكبير الذي يصعب التحكم به ومراقبته، وأصبح من السهل الوصول إلى أي شيء وفي أسرع وقت ممكن، وهذا من شأنه أن ينقل ثقافات دخيلة على مجتمعنا من السهل أن تؤثر على الأطفال»، مشيرا إلى أن «هذه المشكلة ليست مقتصرة على مجتمعنا بل أصبحت مشكلة عالمية بسبب هذا الانفتاح الإعلامي».
كما يلقي الكندري باللائمة على «الإعلام وغياب دوره التوعوي الهادف في معالجة قضايا المجتمع»، مبينا أن «الإعلام انعدمت فيه الأهداف بل ساهم في الانحلال على مستوى المسلسلات وحتى الرسوم المتحركة، فقد بتنا نفتقد المسلسلات التربوية الهادفة كمسلسل العائلة، مشددا على أن المجتمع اليوم بحاجة ماسة إلى برامج تربوية تخاطب أولياء الامور وحتى الاطفال».
واشار إلى أن «استمرار اخفاق الدور الاعلامي التربوي أثر بشكل سلبي على مخرجات الجيل الحالي»، لافتا في الوقت عينه إلى «أهمية دور الدولة في توفير أنشطة مناسبة لأبنائنا تحاكي المرحلة والواقع الذي نعيشه».
من جانبه، اعتبر مدرس ورئيس قسم علوم في المرحلة المتوسطة سعد الحربي أن «التربية عملية متشابكة، والكل مسؤول عنها، وللأسف فإن الناظر إلى حال مجتمعنا يجد أن المجتمع أصبح متخبطا في رؤيته وتقييمه للأشياء، وصار عنده كل شيء عادي، بسبب انتفاء المقياس الحقيقي لوزن الأمور على حقيقتها، في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي، واقتصار دور المؤسسة الدينية على العبادة فقط مع قلة الاهتمام بشؤون الناس وطرح قضاياهم ومشاكلهم على المنابر، وقلة الاهتمام بأمور البيت والعائلة، وأصبحت هناك فقط اجتهادات شخصية من قبل بعض رجال الدين في الاهتمام بقضايا المجتمع وهذه الاجتهادات الفردية لا تكفي».
وأعرب عن أسفه «من تقاذف المسؤوليات بين مختلف المؤسسات في المجتمع وتحميل كل طرف المسؤولية الكاملة في تعثر المجتمع»، كما أبدى اعتراضه على ما يراه البعض من «ضعف في مسؤولية المدرس في التربية»، لافتا إلى أن «قوانين وزارة التربية تمنع المدرس من تربية الولد، فعندما يضرب الطالب ضربا تأديبيا من قبل مدرسه يتورط هذا الأخير بمشاكل وقضايا لا قبل لها، لأن قوانين الوزارة تعتبر هذا الضرب التأديبي تعديا، وهذا في طبيعة الحال ينفي دورنا في التربية التي يجب أن يكون لدينا فيها شيء من الصرامة والحزم»، متمنيا «تطبيق النظام الاميركي في محاسبة ولي امر الطالب والطالب معا، وذلك بالنسبة للطالب الذي لم يصل إلى سن الرشد».
صالح السعيدي: بعض الآباء بحاجة إلى تربية!
يؤكد أستاذ علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت والمستشار في وزارة التربية، والديوان الأميري، الدكتور صالح شويت السعيدي أنه «من المهم التطرق لهذا الموضوع الذي باتت لا تخفى علينا اليوم مظاهره وآثاره، لاسيما أننا نتحدث عن مرحلة عمرية تسمى علميا بمرحلة الطفولة وليست المراهقة التي تبدأ في الغالب من 14 عاما حتى العشرينات من عمر الإنسان».
ويتابع السعيدي: من ناحية علم النفس وعلم الاجتماع، نلاحظ أن هذه السلوكيات لها أبعاد نرجعها في المقام الأول إلى الأسرة وطريقة التربية، والبنية الاجتماعية والرقابة والتنشئة والمتابعة الأسرية، فالأسرة لها الدور الكبير في شيوع مثل هذه الظاهرة، بالإضافة إلى التأثر بأصدقاء السوء وعدم وجود رقابة حقيقية في الأسواق تضبط الأمن فيه».
ويبين أن «هناك أسبابا عديدة تقف وراء قيام الطفل بمثل هذه السلوكيات، منها أن الطفل لا يجد أن هناك من يراقبه ويتابعه، في ظل غياب وعيه التام عن القوانين التي يفترض أن يحترمها خصوصا في مرحلته العمرية التي يعيشها، علاوة على وجود الترف الزائد وعدم فهمه لدوره الحقيقي ومسؤوليته الدينية والاجتماعية».
ولفت إلى أن «الأطفال في هذه الفترة يحبون لفت الانتباه وعمل أي شيء بهدف التقليد حتى لو لم يكن بالغا كالتحرشات، ومما يساعده على ذلك وجود نماذج أمام ناظريه في المجتمع الذي يعيش فيه، فقد يكون من يفعل مثل هذا الفعل أحد من أقاربه أو أصدقائه»، مشيرا في الوقت ذاته إلى «أننا نعاني من ضعف في تقدير الذات وفي المعرفة من الناحية السلوكية والاجتماعية، فالطفل همه الوحيد هو التقليد وأن يكبر بسرعة في العمر، وكبيرنا من يصل إلى سن الأربعينيات يريد أن يعود إلى مرحلة الشباب، وأحيانا يظن أنه لم يزل في مرحلة الشباب».
ويوضح السعيدي أن «الأسرة إذا بذرت في نفوس أبنائها البذر الصحيح من خلال التنشئة السليمة لهم منذ نعومة أظفارهم ومتابعتهم المستمرة في توضيح الأخطاء وضبط سلوكهم معرفيا وعلميا واجتماعيا وإرشادهم ضمن إطار إيماني، فسيكون لدينا النموذج الطيب من الأبناء، لكننا للأسف اليوم نرى أن الأسرة بعيدة عن هذه المعاني، ووجدنا نحن المتخصصين في علم النفس من خلال متابعتنا ورصدنا للكثير من الحالات أن الآباء أنفسهم بحاجة إلى تربية، وهذا يشكل العائق الأكبر في تنشئة الأبناء وتربيتهم، إذ نجد أن الأم باتت تهتم بشكلها وشكل البنت والموضة ونسيت جوانب أخرى في التنشئة الاجتماعية سواء كانت من ناحية سلوكية أو ناحية معرفية، وللأسف فإن الآباء الذين يفترض أن يكونوا قدوة لأبنائهم بدأوا يتخذون سلوكيات كالمراهقين».
وزاد السعيدي: «نعم نحن نعيش في زمن الانفتاح الذي بتنا نتأثر به بشكل مباشر وغير مباشر، ونحن لسنا ضد هذا الانفتاح لكن يجب أن نتعامل معه في حدود من الضبط والحزم، وعلينا أن نفتح باب الحوار مع أبنائنا لنحدد مسؤولياتهم في كل مرحلة من مراحل النمو المتميزة باختلاف متطلباتها وخصائصها، في الوقت الذي يواجه فيه الطفل نموا اجتماعيا وانفعاليا وسلوكيا وجسديا»، مبينا أنه «لابد من وجود ضبط كلي لسلوك الأبناء، من الممكن أن يتخذ شكلا من أشكال العقاب أو الحرمان الإيجابي بهدف تعديل سلوكه، وهنا نحتاج إلى أن يتعرف الآباء على مهارات التوجيه والتربية لأبنائهم».
ويضيف: «كما إننا نحتاج إلى أن يكون هناك دور إعلامي فعّال يساهم في التوعية وفي طرح قضايا مهمة ورسائل لها أهدافها المدروسة تسعى إلى زرع قيم تستقصد البناء النفسي والاجتماعي لأبنائنا، وبإمكاننا عمل ذلك إعلاميا من خلال الوسائل الإعلامية الكثيرة المتاحة، وحتى من خلال الفلاشات والمسلسلات».