عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي

لو دامت لغيرك

تصغير
تكبير
من سنن الله تعالى أن القوة لا تدوم بيد أحد أبدا، فكم من دول سادت ثم بادت، وكم من ملك كان آمرا ناهيا، ثم صار بعد ذلك عبدا أو أسيرا، ولهذا كان ينبغي لكل عاقل أن يتقي الله في حال قوته، ولا يحاول الانتقام من خصومه، لأن دوام الحال من المحال، والمنصب الذي أنت فيه اليوم قد سبقك إليه غيرك، ولو دام المنصب له لما وصل إليك.

من عجائب القصص التي يرويها التاريخ، ما جرى «للمعتمد بن عباد» أحد ملوك الطوائف في الأندلس، إذ كان حاكما لمدينة اشبيلية، وبرغم قتاله وشجاعته في مواجهة النصارى إلا أن حياته لم تخل من اللهو والترف.


نظرت زوجته يوما من شرفة القصر إلى بعض بائعات اللبن وقد شمرن عن سواعدهن وسوقهن، كي يخضن في الطين، فأعجبها المنظر وأرادت أن تقلدهن هي وبناتها، فما كان من المعتمد بن عباد إلا أن أمر عمال القصر بإحضار العنبر والمسك والكافور، وأمرهم بخلطه بماء الورد، وجعل زوجته وبناته يخضن بالطين المعطر بالمسك والعنبر وماء الورد.

دار الزمان دورته وتحققت سنة الله في عباده، وانتزع «يوسف بن تاشفين» أحد ملوك دولة المرابطين الملك من «المعتمد بن عباد» ونفاه إلى المغرب ووضعه في سجن أغمات، وسلب منه ماله، فتشردت أسرته، وصارت زوجته وبناته حفاة يلبسون المرقع من الثياب، ويكسبن قوتهن من بيع الغزل في الأسواق، ومما يتصدق به الناس عليهن.

في أحد الأعياد زارته زوجته وبناته وهو في السجن، فلما رأى حالتهن والبؤس الذي في وجوههن بكى لما جرى لهن وأنشد أبياتا هي عبرة لكل صاحب عقل ولب ومنها قوله:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا.. وكان عيـدك باللـذات معمـــــــورا

وكنت تحسب أن العيـد مسعــــــدةٌ.. فساءك العيد في أغمات مأسـورا

ترى بناتك في الأطمـار جائعــــــةً.. في لبسهنّ رأيت الفقر مسطـــورا

معاشهـنّ بعيـد العـزّ ممتهـــــــــنٌ.. يغزلن للناس لا يملكن قطميــــرا

برزن نحـوك للتسليـم خاشعـــــــةً.. عيونهنّ فعـاد القلـب موتــــــــورا

يطأن في الطين والأقدام حافيــــةً.. تشكو فراق حذاءٍ كـان موفـــورا

قد لوّثت بيد الأقـذاء واتسخــــــت.. كأنها لم تطـأ مسكـاً وكافــــــــورا

قد كان دهرك إن تأمـره ممتثـــــلاً.. لما أمرت وكان الفعـلُ مبـــــرورا

وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ.. فردّك الدهـر منهيـاً ومأمـــــــورا

من بات بعدك في ملكٍ يسرّ بـــــه.. أو بات يهنأ باللـذات مســــــرورا

ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت.. فإنما بات في الأحـلام مغــــــرورا

وبعد سنوات توفي في السجن مقهورا، وعندما نودي للصلاة عليه قيل : صلّوا على الغريب!!

فكم لهذا الموقف من مُعتبِر؟


Twitter :@abdulaziz2002
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي