الدولة «المفقودة» في الداخل تعزله من الخارج ... المبنى «ب» الأخطر فيه «حكم ذاتي» وفيه «غرفة جلد»
لبنان... سجن رومية «إمارة» يحكمها سجناء
• في المبنى «ب» سجن «خمس نجوم»... ولائم وانترنت وأجهزة خليوية
• هذه أسماء مَن يريد « داعش» تحريرهم
• الصلاة والصوم في المبنى «ب» إجبارية... المخدرات ممنوعة والسيجارة فقط
• 62 في المئة من الموقوفين من دون محاكمات منذ سنوات
• هذه أسماء مَن يريد « داعش» تحريرهم
• الصلاة والصوم في المبنى «ب» إجبارية... المخدرات ممنوعة والسيجارة فقط
• 62 في المئة من الموقوفين من دون محاكمات منذ سنوات
«إمارة» من نوع آخر... يحكمها سجناء ويصل نفوذ «حاكميها» إلى خارج القضبان. «إمارة» جذبت أنظار العالم إليها في الأيام الأخيرة بعد البيانات الصادرة عن قرب تحرير «قاطنيها» بالقوة.
... إنه سجن رومية المركزي الذي قفز إلى صدارة المشهد الأمني في لبنان في ضوء المعلومات عن التحضيرات لهجوم إرهابي كبير يطال المدخل الرئيسي للسجن بواسطة شاحنة مفخخة يقودها انتحاري، يتم تفجيرها على مدخله الرئيسي بشكل يؤدي إلى إرباك القوى الأمنية والعسكرية المولجة حمايته وصرْف الانتباه إلى حالات الإنقاذ على ان يجري خلال «الهرج والمرج» تهريب السجناء و? سيما الإسلاميين منهم.
هذه المعلومات تَعزّزت صدقيتها مع الرسالة التي وجهها أمير «جبهة النصرة» في منطقة القلمون السورية أبو مالك الشامي، الذي وعد السجناء الإسلاميين في رومية «بالفرج القريب خلال أيام معدودات»، قبل ان يظهر أمير «الدولة الإسلامية» ابو بكر البغدادي في شريط فيديو مطلقاً خطة «هدم الأسوار» الرامية الى «فك أسر المسلمين في كل مكان»، متوعداً بتصفية «جزاريهم» من القضاة والمحققين والحراس، فيما ظهّر الشريط سجن رومية كـ «هدف مركزي» على قاعدة «ان مَن هدم أسوار سجن ابو غريب لن يعجز عن هدم جدران سجن رومية»، مشيراً الى «المخطوفين فيه» الذين اوقفوا سواء في احداث «نهر البارد» مع الجيش اللبناني صيف العام 2007 وهم من تنظيم «فتح الإسلام» او في احداث عبرا التي وقعت بين الشيخ احمد الاسير والجيش الصيف الماضي او موقوفين في الاشهر الماضية بملفات إرهاب.
الطريق إلى «الإمارة» اليوم أشبه بـ «الجهاد» تحت أشعة الشمس «... فالإجراءات التي اتُخذت حول السجن غير اعتيادية نتيجة معلومات غير عادية دفعت بالقوى الأمنية إلى قطع الطرق المؤدية إلى السجن بالحواجز، وجعل سكان البلدة يصلون الى منازلهم وفق لائحة اسماء وأرقام، وأهالي السجناء يسيرون على الأقدام للوصول إلى المكان المقصود، فيما تمّ منْع وقوف السيارات على جانبي الطريق» بحسب ما أكد مصدر أمني لـ «الراي» موضحاً ان «الاجراءات لا تقتصر على خارج السجن بل تمتدّ إلى داخله حيث تم تشديد المراقبة».
وسجن «رومية» الذي يقع شرق العاصمة بيروت يُعدّ من أكبر السجون في لبنان. بدأ بناؤه في ستينات القرن الماضي من قبل شركة ألمانية ليُفتتح العام 1970. وكان مقدراً له ألا يستوعب أكثر من ألف سجين، غير أن طاقته الاستيعابية تعدّت في الأعوام الأخيرة سقف 3 آلاف موقوف يتوزعون على مبان عدة هي: مبنى المحكومين ومبنى الأحداث والمبنى «د» و المبنى «ب» الذي هو أخطر هذه المباني وتحديداً الطابق الثالث منه المخصص لنحو 180 سجيناً اسلامياً غالبيتهم ينتمون إلى تنظيمات «فتح الإسلام» و«القاعدة» و«جند الشام» ومشتقاتها ممن صدرت بحق بعضهم أحكام قضائية، وبعضهم الآخر لا يزال قيد المحاكمة، وبينهم أكثر من 100 لبناني و55 فلسطينياً وسورياً و 25 من جنسيات عربية وأجنبية» بحسب المصدر الأمني. كما يضم السجن مشاغل وقاعات للمحكمة ومطاعم وباحات للنزهة، لكن كل ذلك معطّل، باستثناء مشغل متواضع.
ومنذ نحو سنتين تسيطر القوى الأمنية على المبنى «ب» من الخارج فقط بحسب ما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق. ويتميز هذا المبنى بـ «حكمه الذاتي» و«الفلتان الأمني». «أميره» خالد محمد يوسف الملقب بـ «أبو الوليد» يُعرف بـ»خالد ملكة» من مجدل عنجر (البقاع) وهو صاحب السلطة المطلقة في المبنى، يعاونه سليم صالح الملقب بـ «أبو تراب» اليمني وهو المسؤول الفعلي على الأرض بالإضافة إلى اللبناني بلال ابراهيم الملقب بـ «أبو عبيدة»، بحسب ما قال س.إ وهو سجين سابق لـ «الراي»، مضيفاً: «في هذا المبنى الأبواب مشرّعة على مصرعيها، لا سلطة للقوى الأمنية عليه، لقد مررتُ على جميع أبنية السجن لكنني لم أشعر بالراحة كما شعرت في هذا المبنى، فعلى الرغم من اجبارنا على الصلاة والصوم في شهر رمضان إلا أن الوضع مضبوط ولا أحد يتجرأ على افتعال المشاكل خوفاً من العقاب الذي يُنفّذ فيه بعد إصدار الحكم عليه من الأمير ومعاونيه، والمخدرات منتشرة في جميع الأبنية باستثناء المبنى «ب» حيث يُمنع كلياً إدخالها، أما السيجارة فالحمد لله مسموحة».
أما أخطر الموقوفين فهم أبو عمر سليم طه الذي ورد اسمه في الشريط المصور لـ «خليفة» المسلمين وهو السوري الفلسطيني محمد زواوي الذي صدر في حقه قبل نحو شهر حكم بالاعدام في ملف مخيم نهر البارد، والفلسطيني بلال كايد كايد وهو من ألوية كتائب عبدالله عزام المتهَم بجرائم عدة، منها: اشتراكه مع آخرين في استهداف دورية لليونيفيل في محلة القاسمية والتي نتج عنها مقتل عدد من عناصر الوحدة الاسبانية، بالاضافة إلى قيامه بأعمال إرهابية وتفجيرات ونقل أسلحة وقتل ومحاولة قتل وتخريب منشآت عامة وخاصة. ومن الأسماء «الخطيرة» ايضاً عبد السلام الأردني الملقّب بـ «ذئب القاعدة» وهو من القيادات الأساسية في التنظيم في منطقة المشرق العربي، ومتهَم بالتخطيط لأعمال إرهابية في لبنان، وهو شقيق الأردني الذي جنّد مجموعة فندق «دو روي» الانتحارية في منطقة الروشة في بيروت والمحكوم بالأشغال الشاقة مدة أربع سنوات قضى منها سنتين، والفرنسي الذي أوقف داخل فندق «نابوليون» في الحمراء قبل نحو ثلاثة اسابيع والمتهَم بمدّ مجموعة فنيدق التي يترأسها منذر الحسن (فار من العدالة) الذي يؤمن المتفجرات والأحزمة الناسفة للانتحاريين، إضافة إلى ابراهيم الاطرش، عمّ الموقوف عمر الاطرش، الذي يُعتبر من أخطر جماعات «جبهة النصرة» في لبنان وسورية.
تنخر الطائفية السجن كما تنخر لبنان والمنطقة ككل، حيث يُمنع على غير المنتمين إلى الطائفة السنية «النزول» في المبنى «ب» بحسب س.إ. أما سلطة ونفوذ بعض السجناء الاسلاميين فتمتدّ إلى خارج السجن، حيث تداولت معلومات عن تورط اثنين منهم في إدارة خلايا أمنية من خلف القضبان، ما دفع بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى التأكيد أنّه سيعمل لإعادة تأهيله وتفكيك «الدولة» الموجودة داخله وتعطيل «قدرتها على التخويف».
فحال الفساد التي وصل إليها السجن جعلت منه أشبه بـ «جزيرة» يحكمها «أقوياء» ويخدمهم «عبيد». ففي مشهد، يَظهَر الفقراء أو مَن لا سند سياسياً لهم وهم يعانون الأمرّين من «تمييز السجّان» أو ممن هم أقوى منهم من المساجين، بالإضافة إلى تردي أوضاعهم على كافة الصعد، حيث لا طعام صحياً ولا مساحات كافية للنوم، والأمراض متفشية بشكل كبير في ظل بيئة لا تصلح لحياة بشرية مع انتشار روائح العفن والرطوبة في الزنازين. وفي «المقلب» الآخر من المشهد يعيش آخرون في رخاء تام، وكأنهم في «فندق خمس نجوم» لا سيما «سكان» الطبقة الثالثة من المبنى «ب»... فالولائم حاضرة بشكل يومي، الانترنت متوافر والأجهزة الخليوية يتم حملها أمام القوى الأمنية، والكثير الكثير من الأمور الاخرى التي لا يتصورها عقل، وبعض السجناء هم المسؤولون عن القوى الأمنية لا العكس تؤمن لهم كل ما يحتاجونه و«طبعاً كلو بثمنو» بحسب س.أ.
«الفئة المنسية» تعيش في واقع مزر، إذ ليس بمقدورها رشوة عناصر أمنية لا ترضى بأقلّ من خمسين ألف ليرة (33 دولاراً) لتمرير الهواتف الخلوية والدخان. أما المخدرات فإدخالها يحتاج إلى رشوة مرتفعة بحسب الكمية التي يراد إدخالها، حيث سعر «البضاعة» في الداخل يوازي سعر السوق السوداء ويصل إلى أرقام خيالية. الكوكايين متوافر في السجن أكثر من خارجه باستثناء المبنى «ب»، أما سعر الغرام الواحد فيراوح بين 250 و 300 دولار، فيما سعر سيجارة الكيف بين 20 و 25 دولاراً.
الغرفة 359
تحولت الغرفة 359 من نظارة يمرّ بها السجناء لتفتيش أغراضهم قبل أن يُوزعوا على غرف السجن إلى غرفة لتعذيب السجناء بعد إصدار الحكم عليهم من قبل «أبو الوليد» الذي وضع قوانين خاصة لا علاقة لها بقوانين السجن، على رأسها عدم تعاطي المخدرات والمثلية الجنسية والكفر، ومَن يخالفها يتعرض لـ «العقاب» قبل طرده خارج المبنى «ب» حيث يتم جلده بحبال كهربائية مجدولة ويتفاوت عدد «الجلدات» بحسب الحكم الصادر. وهذه الغرفة التي شهدت على تعذيب الكثيرين كانت كافية لردع العديدين عن ارتكاب المخالفات بحسب س.إ.
حالات تمّرد «بالجملة»
شهد سجن رومية حالات تمرد عديدة للانتفاض على واقع بائس لا عدالة فيه حيث يستمر الموقوفون بلا محاكمة، وهي حالات ترافقت مرات عدة مع تشطيب السجناء لانفسهم بآلآت حادة واحراق للفراش الموجودة، وأخذ العسكر «رهائن». كل ذلك تعبيراً عن سخطهم على أوضاعهم الصعبة، من دون إغفال محاولات الفرار، وأكبرها تم إحباطه بعد العثور على 4 حبال نُصبت من برج المراقبة بطول 17 متراً حتى السور الخارجي في نزلة مبنى المحكومين، واكتشاف القوى الامنية انه تم قطع الحديد الذي يفصل بين المبنى وبرج المراقبة ما يعني أن طريق الفرار كانت جاهزة، وأن العملية كانت في مراحلها الأخيرة. أما الموقوفون الذين خططوا للفرار فهم من تنظيم «فتح الاسلام» وعددهم 60 شخصاً.
في هذا السجن كما في كل سجون لبنان، يدخل المجرم وحتى البريء الى خلف القضبان ليخرج خبيراً في عالم الإجرام، ما دفع بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الدعوة لـ «تسريع المحاكمات ووتيرة عمل القضاء، لا سيما أن 62 في المئة من الموقوفين هم من دون محاكمات، منذ سنوات، من دون أي مبرر»، معلناً عن «تشكيل لجنة للمسؤولين عن السجون تضم عدداً من الشخصيات العامة ووزراء وضباطاً إضافة إلى التعاون مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد لوضع خطة محددة من أجل تسريع المحاكمات ما يريح السجون».
«رومية» أرض التناقضات، أرض الرمال المتحركة التي يخشى أن تغرق لبنان في وحول الفلتان، لا سيما بعد عجز الحكومات المتعاقبة عن وضع حل جذري للوضع القائم والمخاوف من أن يأتي «الحل « على يد «الخليفة» كما وعد.
... إنه سجن رومية المركزي الذي قفز إلى صدارة المشهد الأمني في لبنان في ضوء المعلومات عن التحضيرات لهجوم إرهابي كبير يطال المدخل الرئيسي للسجن بواسطة شاحنة مفخخة يقودها انتحاري، يتم تفجيرها على مدخله الرئيسي بشكل يؤدي إلى إرباك القوى الأمنية والعسكرية المولجة حمايته وصرْف الانتباه إلى حالات الإنقاذ على ان يجري خلال «الهرج والمرج» تهريب السجناء و? سيما الإسلاميين منهم.
هذه المعلومات تَعزّزت صدقيتها مع الرسالة التي وجهها أمير «جبهة النصرة» في منطقة القلمون السورية أبو مالك الشامي، الذي وعد السجناء الإسلاميين في رومية «بالفرج القريب خلال أيام معدودات»، قبل ان يظهر أمير «الدولة الإسلامية» ابو بكر البغدادي في شريط فيديو مطلقاً خطة «هدم الأسوار» الرامية الى «فك أسر المسلمين في كل مكان»، متوعداً بتصفية «جزاريهم» من القضاة والمحققين والحراس، فيما ظهّر الشريط سجن رومية كـ «هدف مركزي» على قاعدة «ان مَن هدم أسوار سجن ابو غريب لن يعجز عن هدم جدران سجن رومية»، مشيراً الى «المخطوفين فيه» الذين اوقفوا سواء في احداث «نهر البارد» مع الجيش اللبناني صيف العام 2007 وهم من تنظيم «فتح الإسلام» او في احداث عبرا التي وقعت بين الشيخ احمد الاسير والجيش الصيف الماضي او موقوفين في الاشهر الماضية بملفات إرهاب.
الطريق إلى «الإمارة» اليوم أشبه بـ «الجهاد» تحت أشعة الشمس «... فالإجراءات التي اتُخذت حول السجن غير اعتيادية نتيجة معلومات غير عادية دفعت بالقوى الأمنية إلى قطع الطرق المؤدية إلى السجن بالحواجز، وجعل سكان البلدة يصلون الى منازلهم وفق لائحة اسماء وأرقام، وأهالي السجناء يسيرون على الأقدام للوصول إلى المكان المقصود، فيما تمّ منْع وقوف السيارات على جانبي الطريق» بحسب ما أكد مصدر أمني لـ «الراي» موضحاً ان «الاجراءات لا تقتصر على خارج السجن بل تمتدّ إلى داخله حيث تم تشديد المراقبة».
وسجن «رومية» الذي يقع شرق العاصمة بيروت يُعدّ من أكبر السجون في لبنان. بدأ بناؤه في ستينات القرن الماضي من قبل شركة ألمانية ليُفتتح العام 1970. وكان مقدراً له ألا يستوعب أكثر من ألف سجين، غير أن طاقته الاستيعابية تعدّت في الأعوام الأخيرة سقف 3 آلاف موقوف يتوزعون على مبان عدة هي: مبنى المحكومين ومبنى الأحداث والمبنى «د» و المبنى «ب» الذي هو أخطر هذه المباني وتحديداً الطابق الثالث منه المخصص لنحو 180 سجيناً اسلامياً غالبيتهم ينتمون إلى تنظيمات «فتح الإسلام» و«القاعدة» و«جند الشام» ومشتقاتها ممن صدرت بحق بعضهم أحكام قضائية، وبعضهم الآخر لا يزال قيد المحاكمة، وبينهم أكثر من 100 لبناني و55 فلسطينياً وسورياً و 25 من جنسيات عربية وأجنبية» بحسب المصدر الأمني. كما يضم السجن مشاغل وقاعات للمحكمة ومطاعم وباحات للنزهة، لكن كل ذلك معطّل، باستثناء مشغل متواضع.
ومنذ نحو سنتين تسيطر القوى الأمنية على المبنى «ب» من الخارج فقط بحسب ما أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق. ويتميز هذا المبنى بـ «حكمه الذاتي» و«الفلتان الأمني». «أميره» خالد محمد يوسف الملقب بـ «أبو الوليد» يُعرف بـ»خالد ملكة» من مجدل عنجر (البقاع) وهو صاحب السلطة المطلقة في المبنى، يعاونه سليم صالح الملقب بـ «أبو تراب» اليمني وهو المسؤول الفعلي على الأرض بالإضافة إلى اللبناني بلال ابراهيم الملقب بـ «أبو عبيدة»، بحسب ما قال س.إ وهو سجين سابق لـ «الراي»، مضيفاً: «في هذا المبنى الأبواب مشرّعة على مصرعيها، لا سلطة للقوى الأمنية عليه، لقد مررتُ على جميع أبنية السجن لكنني لم أشعر بالراحة كما شعرت في هذا المبنى، فعلى الرغم من اجبارنا على الصلاة والصوم في شهر رمضان إلا أن الوضع مضبوط ولا أحد يتجرأ على افتعال المشاكل خوفاً من العقاب الذي يُنفّذ فيه بعد إصدار الحكم عليه من الأمير ومعاونيه، والمخدرات منتشرة في جميع الأبنية باستثناء المبنى «ب» حيث يُمنع كلياً إدخالها، أما السيجارة فالحمد لله مسموحة».
أما أخطر الموقوفين فهم أبو عمر سليم طه الذي ورد اسمه في الشريط المصور لـ «خليفة» المسلمين وهو السوري الفلسطيني محمد زواوي الذي صدر في حقه قبل نحو شهر حكم بالاعدام في ملف مخيم نهر البارد، والفلسطيني بلال كايد كايد وهو من ألوية كتائب عبدالله عزام المتهَم بجرائم عدة، منها: اشتراكه مع آخرين في استهداف دورية لليونيفيل في محلة القاسمية والتي نتج عنها مقتل عدد من عناصر الوحدة الاسبانية، بالاضافة إلى قيامه بأعمال إرهابية وتفجيرات ونقل أسلحة وقتل ومحاولة قتل وتخريب منشآت عامة وخاصة. ومن الأسماء «الخطيرة» ايضاً عبد السلام الأردني الملقّب بـ «ذئب القاعدة» وهو من القيادات الأساسية في التنظيم في منطقة المشرق العربي، ومتهَم بالتخطيط لأعمال إرهابية في لبنان، وهو شقيق الأردني الذي جنّد مجموعة فندق «دو روي» الانتحارية في منطقة الروشة في بيروت والمحكوم بالأشغال الشاقة مدة أربع سنوات قضى منها سنتين، والفرنسي الذي أوقف داخل فندق «نابوليون» في الحمراء قبل نحو ثلاثة اسابيع والمتهَم بمدّ مجموعة فنيدق التي يترأسها منذر الحسن (فار من العدالة) الذي يؤمن المتفجرات والأحزمة الناسفة للانتحاريين، إضافة إلى ابراهيم الاطرش، عمّ الموقوف عمر الاطرش، الذي يُعتبر من أخطر جماعات «جبهة النصرة» في لبنان وسورية.
تنخر الطائفية السجن كما تنخر لبنان والمنطقة ككل، حيث يُمنع على غير المنتمين إلى الطائفة السنية «النزول» في المبنى «ب» بحسب س.إ. أما سلطة ونفوذ بعض السجناء الاسلاميين فتمتدّ إلى خارج السجن، حيث تداولت معلومات عن تورط اثنين منهم في إدارة خلايا أمنية من خلف القضبان، ما دفع بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى التأكيد أنّه سيعمل لإعادة تأهيله وتفكيك «الدولة» الموجودة داخله وتعطيل «قدرتها على التخويف».
فحال الفساد التي وصل إليها السجن جعلت منه أشبه بـ «جزيرة» يحكمها «أقوياء» ويخدمهم «عبيد». ففي مشهد، يَظهَر الفقراء أو مَن لا سند سياسياً لهم وهم يعانون الأمرّين من «تمييز السجّان» أو ممن هم أقوى منهم من المساجين، بالإضافة إلى تردي أوضاعهم على كافة الصعد، حيث لا طعام صحياً ولا مساحات كافية للنوم، والأمراض متفشية بشكل كبير في ظل بيئة لا تصلح لحياة بشرية مع انتشار روائح العفن والرطوبة في الزنازين. وفي «المقلب» الآخر من المشهد يعيش آخرون في رخاء تام، وكأنهم في «فندق خمس نجوم» لا سيما «سكان» الطبقة الثالثة من المبنى «ب»... فالولائم حاضرة بشكل يومي، الانترنت متوافر والأجهزة الخليوية يتم حملها أمام القوى الأمنية، والكثير الكثير من الأمور الاخرى التي لا يتصورها عقل، وبعض السجناء هم المسؤولون عن القوى الأمنية لا العكس تؤمن لهم كل ما يحتاجونه و«طبعاً كلو بثمنو» بحسب س.أ.
«الفئة المنسية» تعيش في واقع مزر، إذ ليس بمقدورها رشوة عناصر أمنية لا ترضى بأقلّ من خمسين ألف ليرة (33 دولاراً) لتمرير الهواتف الخلوية والدخان. أما المخدرات فإدخالها يحتاج إلى رشوة مرتفعة بحسب الكمية التي يراد إدخالها، حيث سعر «البضاعة» في الداخل يوازي سعر السوق السوداء ويصل إلى أرقام خيالية. الكوكايين متوافر في السجن أكثر من خارجه باستثناء المبنى «ب»، أما سعر الغرام الواحد فيراوح بين 250 و 300 دولار، فيما سعر سيجارة الكيف بين 20 و 25 دولاراً.
الغرفة 359
تحولت الغرفة 359 من نظارة يمرّ بها السجناء لتفتيش أغراضهم قبل أن يُوزعوا على غرف السجن إلى غرفة لتعذيب السجناء بعد إصدار الحكم عليهم من قبل «أبو الوليد» الذي وضع قوانين خاصة لا علاقة لها بقوانين السجن، على رأسها عدم تعاطي المخدرات والمثلية الجنسية والكفر، ومَن يخالفها يتعرض لـ «العقاب» قبل طرده خارج المبنى «ب» حيث يتم جلده بحبال كهربائية مجدولة ويتفاوت عدد «الجلدات» بحسب الحكم الصادر. وهذه الغرفة التي شهدت على تعذيب الكثيرين كانت كافية لردع العديدين عن ارتكاب المخالفات بحسب س.إ.
حالات تمّرد «بالجملة»
شهد سجن رومية حالات تمرد عديدة للانتفاض على واقع بائس لا عدالة فيه حيث يستمر الموقوفون بلا محاكمة، وهي حالات ترافقت مرات عدة مع تشطيب السجناء لانفسهم بآلآت حادة واحراق للفراش الموجودة، وأخذ العسكر «رهائن». كل ذلك تعبيراً عن سخطهم على أوضاعهم الصعبة، من دون إغفال محاولات الفرار، وأكبرها تم إحباطه بعد العثور على 4 حبال نُصبت من برج المراقبة بطول 17 متراً حتى السور الخارجي في نزلة مبنى المحكومين، واكتشاف القوى الامنية انه تم قطع الحديد الذي يفصل بين المبنى وبرج المراقبة ما يعني أن طريق الفرار كانت جاهزة، وأن العملية كانت في مراحلها الأخيرة. أما الموقوفون الذين خططوا للفرار فهم من تنظيم «فتح الاسلام» وعددهم 60 شخصاً.
في هذا السجن كما في كل سجون لبنان، يدخل المجرم وحتى البريء الى خلف القضبان ليخرج خبيراً في عالم الإجرام، ما دفع بوزير الداخلية نهاد المشنوق إلى الدعوة لـ «تسريع المحاكمات ووتيرة عمل القضاء، لا سيما أن 62 في المئة من الموقوفين هم من دون محاكمات، منذ سنوات، من دون أي مبرر»، معلناً عن «تشكيل لجنة للمسؤولين عن السجون تضم عدداً من الشخصيات العامة ووزراء وضباطاً إضافة إلى التعاون مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد لوضع خطة محددة من أجل تسريع المحاكمات ما يريح السجون».
«رومية» أرض التناقضات، أرض الرمال المتحركة التي يخشى أن تغرق لبنان في وحول الفلتان، لا سيما بعد عجز الحكومات المتعاقبة عن وضع حل جذري للوضع القائم والمخاوف من أن يأتي «الحل « على يد «الخليفة» كما وعد.