في 1906 سقطت فرنسا أمامها صفر - 15 ... واليوم أين «الديوك» وأين انكلترا ؟
واقع موحِل
بين الأول من نوفمبر 1906 والسابع عشر من الشهر عينه لسنة 2010 اكثر من 104 سنوات بقليل بيد انها تبدو مساحة زمنية تضيق عندما يقتصر الحديث فيها عن نقطة بداية وخط نهاية.
التاريخ الأول شهد المباراة الاولى على الاطلاق التي تجمع ما بين المنتخبين «الجارين» الفرنسي والانكليزي، فيما التاريخ الثاني عاش المباراة الاخيرة بينهما على ملاعب كرة القدم.
يكاد الفارق الزمني بين اللقاءين يمثل وحده كل الفارق، غير أن القصة لا تنتهي هنا، ففي المواجهة الاولى سحق منتخب انكلترا مضيفه الفرنسي «الطري العود» بنتيجة هدف مقابل لا شيء في العاصمة «الاروع» باريس، وفي الثانية، تفوق «الديوك» على «منتخب الاسود الثلاثة» 2 - 1 على استاد «ويمبلي» في العاصمة الضبابية لندن.
في الأول من نوفمبر 1906، سقطت فرنسا سقوطا كبيرا، وان وديا، امام انكلترا بـ 15 هدفا «نظيفا».
ليس الخسارة الاكبر في تاريخ «الزرق» الذين تبقى هزيمتهم امام الدنمارك 1 - 17 في لندن يوم 22 اكتوبر 1908 حاملة لواء «الاثقل على الاطلاق»، بيد انها تبقى الاكثر ايلاما على الاراضي الفرنسية.
لم تكن الخسارة تتسم بالفداحة يومذاك خصوصا انها جاءت على يد المدرسة الانكليزية التي يعود لها الفضل في اختراع كرة القدم، أو اقله المدرسة التي اطلقت اللعبة بطابعها الحديث.
في اجواء غلبت عليها الامطار الغزيرة التي روت ارضية استاد «بارك دي برانس» في باريس طوال المباراة، احرز الانكليز ما معدله هدفا في كل ست دقائق.
ارنست ويبر، أحد الصحافيين الفرنسيين الحاضرين، حاول تخفيف وطأة الخسارة عندما كتب لصحيفة «أوتو»: من الجانب الفرنسي لاحظنا شجاعة محدودة وفخرا خجولا. اما الرغبة في فرض الذات فكانت ظاهرة. نعذر لاعبينا عندما يكون الخصم من طينة المنتخب الانكليزي. ولكن عندما يكون الفارق كبيرا للغاية، وتستحيل معه أي محاولة للصمود، ويتحول المشهد مجرد درس في فنون اللعبة، فإن المسألة برمتها توشم بوشم السخرية».
وفي المقالة نفسها، اشار ويبر إلى حقيقة أن «اللاعبين الباريسيين الخمسة الذين ضمهم الفريق، واللاعبين الستة الآخرين القادمين من خارج العاصمة، لم تكن لديهم الرغبة والارادة في اللعب معا»، واضاف: «ماذا يعني أن يقرر أحد اللاعبين الباريسيين إلا يمرر الكرة إلى أي من زملائه غير الباريسيين، فقط لان تشكيلة الفريق لم ترُقه؟ هذا ما استنتجه شخصيا واستخلصته من اللقاء. الباريسيان فيربوج وسيبريه يمرران الكرة بينهما حصرا، فرنسوا وسارتورويس القادمان من خارج العاصمة يقومان بالامر نفسه».
اللافت أنه بعد مرور 90 عام على تلك المباراة، تكرر الامر مجددا في «المنتخب الازرق» بين لاعبي الغريمين التاريخيين اولمبيك مرسيليا وباريس سان جرمان.
صحف اخرى تحدثت عن الهزيمة بـ 15 هدفا، وقالت احداهما: «اظهر منتخب فرنسا ضعفا كبيرا. لم يعد من ذاك اللقاء باية نقطة ايجابية. لم نؤمن بتاتا بقدرة لاعبينا على الفوز، إلا أننا لم نتوقع هذا السقوط الكارثي».
بعض التعليقات مالت نحو تخفيف وطأة الهزيمة النكراء، فراحت تشدد على مهارات منتخب انكلترا: «لعب الانكليز كما يجب، أي بامتياز، تابعنا تمريراتهم «الفطرية» الدقيقة. لاحظنا مدى التفاهم بينهم، ذاك التفاهم الطبيعي. عكس اللقاء الاحاسيس نفسها التي فرضها ناديا كورينثيانز اللندني وساوثمبتون الانكليزيان خلال زيارتيهما السابقتين.
ففي عام 1903، وبعد زيارة الفريقين لفرنسا، تحوّلت المدرسة الانكليزية مرجعا لكرة القدم الجميلة بالنسبة إلى الجماهير المحلية.
لذا بدت مباراة 1906 بين فرنسا وانكلترا وكأنها امتياز وشرف بالنسبة إلى الاولى، علما أن اقناع الاتحاد الانكليزي بالموافقة على حضور منتخبه إلى باريس لخوض ذاك اللقاء الودي استلزم مفاوضات مضنية خصوصا أن المنتخب الفرنسي لم يضم حينذاك إلا اللاعبين هواة، ولم يخض قبله اكثر من اربع مباريات دولية: ثلاث امام بلجيكا، خسر الفرنسيون اثنتين منها وتعادلوا في واحدة، ولقاء فازوا فيه على سويسرا.
ارنست ويبر نفسه كتب قبل يومين على المباراة وتحديدا في 30 اكتوبر: «انها أحد الاحداث الرياضية المتفجرة، بمجرد الاعلان عن اقامة المباراة انهالت طلبات الحصول على التذاكر على الجهة المنظمة»، بيد أن 1500 متفرج فقط حصلوا على شرف الوجود في «بارك دي برانس» لمتابعة النجوم الانكليز بأم العين، وحرص لاعبو المنتخب المضيف على استقبال افراد الفريق الانكليزي وهم يترجّلون من القطار عند محطة «سان لازار».
الجانب الفرنسي ارتدى الزي الاحمر، ونجح في الصمود ربع ساعة بفضل القائد بيار ألمان، قبل أن ينهار «الديكون» وتستقبل شباكهم هدفين سريعين حملا توقيع ستانلي هاريس.
وقبل صافرة نهاية الشوط الأول بثوان، سجل الفرنسيون دخولهم الأول إلى منطقة الجزاء الانكليزية، إلا أن النتيجة كانت تشير حينذاك إلى تقدم واضح للضيوف 6 - صفر.
وقال أحد الاعلاميين الفرنسيين: «كان منتخب انكلترا يحظى بتصفيق الحضور عند التسديد نحو المرمى وليس لدى اهتزاز الشباك، بفضل الثقة الكبيرة في قدرة لاعبيه على التسجيل في كل محاولة».
ومع انطلاق الشوط الثاني، وجّه ماريوس روييه اول تسديدة فرنسية في المباراة نحو المرمى الانكليزي، إلا أن الحارس ارنست براود كان لها بالمرصاد، علما أن لمسته لتلك الكرة كانت الاولى له في اللقاء.
منتخب انكلترا، الذي ارتدى زيا ابيض اللون، انهى مهرجان اهدافه الـ 15 في الدقيقة 87 في وقت بدأت معه الجماهير بمغادرة الملعب.
حصة الاسد في اللقاء كانت من نصيب هاريس مع سبعة اهداف، بينما احرز فيفيان وودورد اربعة.
الحصيلة كانت مرشحة للازدياد، وتحديدا في الدقيقة 66 عندما لمس الفرنسي فيرنان كانيل الكرة بيده داخل منطقة الجزاء، ليحتسب الحكم ضربة جزاء «بنالتي»، سددها وودورد عنوّة خارج الخشبات الثلاث لاقتناعه بان لمس الكرة لم يكن مقصودا.
كانت تلك اللمحة بالنسبة إلى الحضور بمثابة الدرس البريطاني في الروح الرياضية.
بعد اللقاء، بات الفارق الشاسع بين المدرستين المتراميتين على ضفتي بحر المانش اكثر وضوحا، فالانكليز محترفون والمدربون في انكلترا متفرغون لعملهم الرياضي، بينما الفرنسيون هواة يتدربون بمفردهم ولا يتجمعون إلا قبل المباريات.
وما يزيد الطين بلة أن الاتحاد الانكليزي للعبة لم يمنح المباراة امام فرنسا الصفة الرسمية مستندا في ذلك إلى الواقع الهاوي لمنتخب الاخيرة.
يذكر أن الاتحاد الانكليزي نفسه انتظر حتى عام 1947 ليمنح مباراة تجمع بين منتخبه ونظيره الفرنسي الصفة الرسمية.
اليوم، لايزال التاريخ يحفظ أن تلك المباراة حظيت بنجاح شعبي وجماهيري منقطع النظير في فرنسا، فضلا عن منحها «منتخب الديوك» الفرصة لتحديد واقعه وتسجيل الانطلاقة اللازمة نحو التحسن والتطور. كتب ويبر: «ألحقوا بنا هزيمة قاسية ونكراء. فلنشكرهم، اسدوا لنا خدمة جليلة من خلال اظهار تأخرنا في عالم كرة القدم. كان هذا الدرس واجبا محتوما على لاعبينا».
لم يتمكن الفرنسيون، على رغم الدرس، من الثأر عندما حلوا ضيوفا على الانكليز في لندن يوم 23 مارس 1908، إذ سقطوا بـ 12 هدفا نظيفا.
توجّب على فرنسا أن تنتظر حتى الخميس 5 مايو 1921 لتنزل الخسارة الاولى بانكلترا 2 - 1 امام 30 الف متفرج تجمهروا في استاد «بيرشينغ» (فرنسا)، في اليوم نفسه الذي صودف مرور مئة عام على رحيل نابوليون بونابرت!
في 17 نوفمبر 2010، حلّ المنتخب الفرنسي، بقيادة المدرب لوران بلان، ضيفا على نظيره الانكليزي، بقيادة الايطالي فابيو كابيلو، في مباراة ودية على استاد «ويمبلي» في لندن.
كريم بنزيمة، لاعب ريال مدريد الاسباني، وضع «الديوك» في المقدمة في الدقيقة 16، قبل أن يضيف ماتيو فالبوينا، لاعب اولمبيك مرسيليا، هدفا ثانيا في الدقيقة 55.
وانتظر الانكليز حتى ما قبل نهاية المباراة بأربع دقائق لتسجيل هدف رد الاعتبار عبر «العملاق» بيتر كراوتش.
صحيح أن انكلترا هي مهد كرة القدم، بيد انها لم تفز بكأس العالم سوى مرة واحدة، وذلك على ارضها عام 1966، تماما كفرنسا عام 1998 على ارضها أيضاً، علما أن سجل الاخيرة يتضمن لقبين اوروبين تحققا في 1984 و2000 بينما لم يسبق للاولى أن نالت شرف التتويج القاري.
صحيح أن الانكليز شكلوا المجتمع المخملي لكرة القدم مطلع القرن العشرين، غير أن نهاياته شهدت تهافتا من نواديهم على اللاعبين الفرنسيين الذين برز منهم خصوصا اريك كانتونا مع مانشستر يونايتد.
اضف أن واقع الحال تبدّل اليوم بحيث أن منتخب فرنسا بات يضم لاعبين من جذور افريقية وعربية وغيرها، بعيدا من التفرقة ما بين باريسي وآخر قادم من خارج العاصمة، بصرف النظر عن «الخروج عن النص» الذي سجل في كزس العالم الـ 19 في جنوب افريقيا.
التقى المنتخبان الانكليزي والفرنسي 90 مرة حتى اليوم، كانت الغلبة فيها للاول في 48 مناسبة، مقابل 35 للثاني، فيما كان التعادل عنوان سبع مواجهات.
قد تكون ابرز المباريات الـ 90 تلك التي التقى فيها الجانبان ضمن بطولتي كأس العالم وكأس الامم الاوروبية، إلا أن الفارق ما بين المواجهة الاولى بينهما في 1906 والمواجهة الاخيرة في 2010 يكمنّ في ما كان عليه الحال قبل 104 اعوام وما امسى عليه بعدها، بين بلد اخترع كرة القدم... وبلد تعلمها منه.
ومونديال 2014 دليل على الواقع الراهن، فمنتخب فرنسا يخوض اليوم مباراة ضمن الدور ربع النهائي امام المانيا، فيما تكتفي انكلترا التي ودع منتخبها البطولة من الدور الأول، بالمتابعة من بعيد.
في كرة القدم لا يكفي أن تتشدّق بتاريخك المجيد، إذ عليك العمل على حاضرك.
امثولة فرنسية برسم البلد الذي «صنع» كرة القدم.
التاريخ الأول شهد المباراة الاولى على الاطلاق التي تجمع ما بين المنتخبين «الجارين» الفرنسي والانكليزي، فيما التاريخ الثاني عاش المباراة الاخيرة بينهما على ملاعب كرة القدم.
يكاد الفارق الزمني بين اللقاءين يمثل وحده كل الفارق، غير أن القصة لا تنتهي هنا، ففي المواجهة الاولى سحق منتخب انكلترا مضيفه الفرنسي «الطري العود» بنتيجة هدف مقابل لا شيء في العاصمة «الاروع» باريس، وفي الثانية، تفوق «الديوك» على «منتخب الاسود الثلاثة» 2 - 1 على استاد «ويمبلي» في العاصمة الضبابية لندن.
في الأول من نوفمبر 1906، سقطت فرنسا سقوطا كبيرا، وان وديا، امام انكلترا بـ 15 هدفا «نظيفا».
ليس الخسارة الاكبر في تاريخ «الزرق» الذين تبقى هزيمتهم امام الدنمارك 1 - 17 في لندن يوم 22 اكتوبر 1908 حاملة لواء «الاثقل على الاطلاق»، بيد انها تبقى الاكثر ايلاما على الاراضي الفرنسية.
لم تكن الخسارة تتسم بالفداحة يومذاك خصوصا انها جاءت على يد المدرسة الانكليزية التي يعود لها الفضل في اختراع كرة القدم، أو اقله المدرسة التي اطلقت اللعبة بطابعها الحديث.
في اجواء غلبت عليها الامطار الغزيرة التي روت ارضية استاد «بارك دي برانس» في باريس طوال المباراة، احرز الانكليز ما معدله هدفا في كل ست دقائق.
ارنست ويبر، أحد الصحافيين الفرنسيين الحاضرين، حاول تخفيف وطأة الخسارة عندما كتب لصحيفة «أوتو»: من الجانب الفرنسي لاحظنا شجاعة محدودة وفخرا خجولا. اما الرغبة في فرض الذات فكانت ظاهرة. نعذر لاعبينا عندما يكون الخصم من طينة المنتخب الانكليزي. ولكن عندما يكون الفارق كبيرا للغاية، وتستحيل معه أي محاولة للصمود، ويتحول المشهد مجرد درس في فنون اللعبة، فإن المسألة برمتها توشم بوشم السخرية».
وفي المقالة نفسها، اشار ويبر إلى حقيقة أن «اللاعبين الباريسيين الخمسة الذين ضمهم الفريق، واللاعبين الستة الآخرين القادمين من خارج العاصمة، لم تكن لديهم الرغبة والارادة في اللعب معا»، واضاف: «ماذا يعني أن يقرر أحد اللاعبين الباريسيين إلا يمرر الكرة إلى أي من زملائه غير الباريسيين، فقط لان تشكيلة الفريق لم ترُقه؟ هذا ما استنتجه شخصيا واستخلصته من اللقاء. الباريسيان فيربوج وسيبريه يمرران الكرة بينهما حصرا، فرنسوا وسارتورويس القادمان من خارج العاصمة يقومان بالامر نفسه».
اللافت أنه بعد مرور 90 عام على تلك المباراة، تكرر الامر مجددا في «المنتخب الازرق» بين لاعبي الغريمين التاريخيين اولمبيك مرسيليا وباريس سان جرمان.
صحف اخرى تحدثت عن الهزيمة بـ 15 هدفا، وقالت احداهما: «اظهر منتخب فرنسا ضعفا كبيرا. لم يعد من ذاك اللقاء باية نقطة ايجابية. لم نؤمن بتاتا بقدرة لاعبينا على الفوز، إلا أننا لم نتوقع هذا السقوط الكارثي».
بعض التعليقات مالت نحو تخفيف وطأة الهزيمة النكراء، فراحت تشدد على مهارات منتخب انكلترا: «لعب الانكليز كما يجب، أي بامتياز، تابعنا تمريراتهم «الفطرية» الدقيقة. لاحظنا مدى التفاهم بينهم، ذاك التفاهم الطبيعي. عكس اللقاء الاحاسيس نفسها التي فرضها ناديا كورينثيانز اللندني وساوثمبتون الانكليزيان خلال زيارتيهما السابقتين.
ففي عام 1903، وبعد زيارة الفريقين لفرنسا، تحوّلت المدرسة الانكليزية مرجعا لكرة القدم الجميلة بالنسبة إلى الجماهير المحلية.
لذا بدت مباراة 1906 بين فرنسا وانكلترا وكأنها امتياز وشرف بالنسبة إلى الاولى، علما أن اقناع الاتحاد الانكليزي بالموافقة على حضور منتخبه إلى باريس لخوض ذاك اللقاء الودي استلزم مفاوضات مضنية خصوصا أن المنتخب الفرنسي لم يضم حينذاك إلا اللاعبين هواة، ولم يخض قبله اكثر من اربع مباريات دولية: ثلاث امام بلجيكا، خسر الفرنسيون اثنتين منها وتعادلوا في واحدة، ولقاء فازوا فيه على سويسرا.
ارنست ويبر نفسه كتب قبل يومين على المباراة وتحديدا في 30 اكتوبر: «انها أحد الاحداث الرياضية المتفجرة، بمجرد الاعلان عن اقامة المباراة انهالت طلبات الحصول على التذاكر على الجهة المنظمة»، بيد أن 1500 متفرج فقط حصلوا على شرف الوجود في «بارك دي برانس» لمتابعة النجوم الانكليز بأم العين، وحرص لاعبو المنتخب المضيف على استقبال افراد الفريق الانكليزي وهم يترجّلون من القطار عند محطة «سان لازار».
الجانب الفرنسي ارتدى الزي الاحمر، ونجح في الصمود ربع ساعة بفضل القائد بيار ألمان، قبل أن ينهار «الديكون» وتستقبل شباكهم هدفين سريعين حملا توقيع ستانلي هاريس.
وقبل صافرة نهاية الشوط الأول بثوان، سجل الفرنسيون دخولهم الأول إلى منطقة الجزاء الانكليزية، إلا أن النتيجة كانت تشير حينذاك إلى تقدم واضح للضيوف 6 - صفر.
وقال أحد الاعلاميين الفرنسيين: «كان منتخب انكلترا يحظى بتصفيق الحضور عند التسديد نحو المرمى وليس لدى اهتزاز الشباك، بفضل الثقة الكبيرة في قدرة لاعبيه على التسجيل في كل محاولة».
ومع انطلاق الشوط الثاني، وجّه ماريوس روييه اول تسديدة فرنسية في المباراة نحو المرمى الانكليزي، إلا أن الحارس ارنست براود كان لها بالمرصاد، علما أن لمسته لتلك الكرة كانت الاولى له في اللقاء.
منتخب انكلترا، الذي ارتدى زيا ابيض اللون، انهى مهرجان اهدافه الـ 15 في الدقيقة 87 في وقت بدأت معه الجماهير بمغادرة الملعب.
حصة الاسد في اللقاء كانت من نصيب هاريس مع سبعة اهداف، بينما احرز فيفيان وودورد اربعة.
الحصيلة كانت مرشحة للازدياد، وتحديدا في الدقيقة 66 عندما لمس الفرنسي فيرنان كانيل الكرة بيده داخل منطقة الجزاء، ليحتسب الحكم ضربة جزاء «بنالتي»، سددها وودورد عنوّة خارج الخشبات الثلاث لاقتناعه بان لمس الكرة لم يكن مقصودا.
كانت تلك اللمحة بالنسبة إلى الحضور بمثابة الدرس البريطاني في الروح الرياضية.
بعد اللقاء، بات الفارق الشاسع بين المدرستين المتراميتين على ضفتي بحر المانش اكثر وضوحا، فالانكليز محترفون والمدربون في انكلترا متفرغون لعملهم الرياضي، بينما الفرنسيون هواة يتدربون بمفردهم ولا يتجمعون إلا قبل المباريات.
وما يزيد الطين بلة أن الاتحاد الانكليزي للعبة لم يمنح المباراة امام فرنسا الصفة الرسمية مستندا في ذلك إلى الواقع الهاوي لمنتخب الاخيرة.
يذكر أن الاتحاد الانكليزي نفسه انتظر حتى عام 1947 ليمنح مباراة تجمع بين منتخبه ونظيره الفرنسي الصفة الرسمية.
اليوم، لايزال التاريخ يحفظ أن تلك المباراة حظيت بنجاح شعبي وجماهيري منقطع النظير في فرنسا، فضلا عن منحها «منتخب الديوك» الفرصة لتحديد واقعه وتسجيل الانطلاقة اللازمة نحو التحسن والتطور. كتب ويبر: «ألحقوا بنا هزيمة قاسية ونكراء. فلنشكرهم، اسدوا لنا خدمة جليلة من خلال اظهار تأخرنا في عالم كرة القدم. كان هذا الدرس واجبا محتوما على لاعبينا».
لم يتمكن الفرنسيون، على رغم الدرس، من الثأر عندما حلوا ضيوفا على الانكليز في لندن يوم 23 مارس 1908، إذ سقطوا بـ 12 هدفا نظيفا.
توجّب على فرنسا أن تنتظر حتى الخميس 5 مايو 1921 لتنزل الخسارة الاولى بانكلترا 2 - 1 امام 30 الف متفرج تجمهروا في استاد «بيرشينغ» (فرنسا)، في اليوم نفسه الذي صودف مرور مئة عام على رحيل نابوليون بونابرت!
في 17 نوفمبر 2010، حلّ المنتخب الفرنسي، بقيادة المدرب لوران بلان، ضيفا على نظيره الانكليزي، بقيادة الايطالي فابيو كابيلو، في مباراة ودية على استاد «ويمبلي» في لندن.
كريم بنزيمة، لاعب ريال مدريد الاسباني، وضع «الديوك» في المقدمة في الدقيقة 16، قبل أن يضيف ماتيو فالبوينا، لاعب اولمبيك مرسيليا، هدفا ثانيا في الدقيقة 55.
وانتظر الانكليز حتى ما قبل نهاية المباراة بأربع دقائق لتسجيل هدف رد الاعتبار عبر «العملاق» بيتر كراوتش.
صحيح أن انكلترا هي مهد كرة القدم، بيد انها لم تفز بكأس العالم سوى مرة واحدة، وذلك على ارضها عام 1966، تماما كفرنسا عام 1998 على ارضها أيضاً، علما أن سجل الاخيرة يتضمن لقبين اوروبين تحققا في 1984 و2000 بينما لم يسبق للاولى أن نالت شرف التتويج القاري.
صحيح أن الانكليز شكلوا المجتمع المخملي لكرة القدم مطلع القرن العشرين، غير أن نهاياته شهدت تهافتا من نواديهم على اللاعبين الفرنسيين الذين برز منهم خصوصا اريك كانتونا مع مانشستر يونايتد.
اضف أن واقع الحال تبدّل اليوم بحيث أن منتخب فرنسا بات يضم لاعبين من جذور افريقية وعربية وغيرها، بعيدا من التفرقة ما بين باريسي وآخر قادم من خارج العاصمة، بصرف النظر عن «الخروج عن النص» الذي سجل في كزس العالم الـ 19 في جنوب افريقيا.
التقى المنتخبان الانكليزي والفرنسي 90 مرة حتى اليوم، كانت الغلبة فيها للاول في 48 مناسبة، مقابل 35 للثاني، فيما كان التعادل عنوان سبع مواجهات.
قد تكون ابرز المباريات الـ 90 تلك التي التقى فيها الجانبان ضمن بطولتي كأس العالم وكأس الامم الاوروبية، إلا أن الفارق ما بين المواجهة الاولى بينهما في 1906 والمواجهة الاخيرة في 2010 يكمنّ في ما كان عليه الحال قبل 104 اعوام وما امسى عليه بعدها، بين بلد اخترع كرة القدم... وبلد تعلمها منه.
ومونديال 2014 دليل على الواقع الراهن، فمنتخب فرنسا يخوض اليوم مباراة ضمن الدور ربع النهائي امام المانيا، فيما تكتفي انكلترا التي ودع منتخبها البطولة من الدور الأول، بالمتابعة من بعيد.
في كرة القدم لا يكفي أن تتشدّق بتاريخك المجيد، إذ عليك العمل على حاضرك.
امثولة فرنسية برسم البلد الذي «صنع» كرة القدم.