تقرير / أبدت اطمئناناً على ثبات لبنان واستقراره النسبي فـ «الشبكات الإرهابية معزولة»

«14 آذار»: إيران الخاسر الأكبر في العراق و«حزب الله» أكثر ميلاً لانتخاب رئيس جديد

تصغير
تكبير
إذا أردتَ ان تعرف ماذا يجري في لبنان عليك ان تعرف ماذا يجري في العراق. هذه العبارة قالها يوماً السياسي والديبلوماسي والمفكر اللبناني شارل مالك لـ «مريديه»، وهو كان يتحدث في ظلال حقبة الأحلاف التي إنقسم حولها لبنان في أواسط الخمسينات بين الحلف الناصري وحلف بغداد، وهي نظرية تصحّ بالتأكيد على المرحلة التي غزا فيها صدّام حسين الكويت، فأُطلقت يد سورية في لبنان لنحو عقد ونصف عقد من الزمن.

ثمة مَن تذكّر في بيروت شارل مالك في لحظة تهاوي سلطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ليبني على نظرية «الأوعية المتصلة» بين بلاد الأرز وبلاد الرافدين، وما يمكن ان ينجم عنها من وقائع تتصل بصراع الأحلاف المتأجج على امتداد «خطوط العرض والطول» في المنطقة التي تتنازعها القوّتان الأٌقليميتان الأهمّ، اي ايران والسعودية، وهو صراع نفوذٍ ومصالح بقفازات دينية وقومية ومصلحية.


ورغم ان بيروت منهمكة بـ «مظاهر» تُنسب الى هذا الصراع ونتائجه الآنية، من عبور «حزب الله» الحدود للقتال في سورية الى الموجة الجديدة من «الانتحاريين» مروراً بالفراغ في رئاسة الجمهورية، فإن الصالونات السياسية تحاول ان تقرأ، ولو عن بُعد، ما يجري في العراق، الذي باغت الجميع بحجم الإنهيار العسكري والسياسي الذي أطلّ من الموصل قبل ان يتحوّل «بقعة زيت» أخذت في الإتساع.

مقاربتان تطفوان على سطح الأحداث العراقية في «عيون» الأطراف اللبنانية:

قراءة يعكسها حلفاء ايران كـ «حزب الله» وسواه وتقوم على ان ما يجري في الأنبار من صنع جماعة «داعش» التي تحاول رسم حدود «الدولة الإسلامية في العراق والشام» فوق خطوط من التوحش الذي يستجلب الفوضى كوسيلة لفرض «دولة الخلافة» بالحديد والنار.

اما القراءة الأخرى، الأٌقلّ حضوراً، فهي تلك التي تعبّر عنها أطراف في «14 اذار» وترى ان ثمة «إنتفاضة» في العراق «نتيجة سلوك رجل إيران الاول، اي المالكي الذي راكم تهميشاً وإقصاءً لا يطاق».

احد القادة البارزين في «14 اذار» بدا اكثر ميلاً الى هذه القراءة «الأقل شعبية» في أوساط واسعة نظراً لضبابية الموقف الغربي ولتفوّق الإعلام الذي يختزل الصراع الحالي في العراق بصورة «داعش»، ولما أصاب لبنان بـ «المباشر» من شظايا «داعش» اخيراً (الانتحاريون). لكن زوار هذا القيادي البارز ينقلون عنه تحليلاً مبنياً على وقائع مترابطة، خلاصته ان «ما يجري في العراق ثورة بكل معنى الكلمة، الخاسر الأبرز من جرائها ايران ومشروعها ومحورها، على عكس ما تحاول البروباغندا الاعلامية الترويج له».

وينطلق هذا التقويم من ان «داعش» ليس القوة الأهمّ في مناطق الانتفاضة التي توازي خمسة أضعاف او اكثر مساحة لبنان، فـ «قبْل داعش يأتي الجيش الاسلامي وقدامى البعثيين والعشائر، وبعده النقشبندية بقيادة عزة الدوري (يتولى التنسيق على الأرجح) وآخرين، وتالياً فان ما يجري يشكل إنتفاضة على سلطة المالكي، وبعدها لن يكون كما قبلها، وخصوصاً بعدما أدرك الجميع، وفي مقدمهم الولايات المتحدة ان لا سبيل لوقف هذا الانهيار الا عبر حل سياسي يبعد المالكي عن الحكم ويأتي بحكومة وفاق وطني لا يشعر معها اي مكوّن بالتهميش او الاقصاء».

وفي تقدير أنصار هذا التقويم للحدَث العراقي ان «ايران التي ما زالت متمسكة بالمالكي فقدت قدرتها على الإمساك بالعراق كما كان عليه الوضع قبل الانتفاضة الاخيرة، تماماً كما انها فقدت القدرة على الإمساك بسورية على النحو الذي كان سائداً قبل 2011، في الوقت الذي تتعاظم التحديات امام حليفها القوي في المنطقة، اي حزب الله، الذي تُستنزف قدراته وتتشتّت قواه أكثر فأكثر، خصوصاً وانه إضطر اخيراً الى ملء الفراغ على جبهات القتال في سورية التي غادرها آلاف الرجال من الميليشيات الشيعية، وتالياً فإنه سيكون امام حرب إستنزاف طويلة في المعركة المفتوحة في سورية، كما انه اضطر ايضاً الى إرسال كوادر الى العراق لوضع خبراتها في تصرف الحكومة».

ولم تُبدِ هذه القراءة حماسة للكلام عن سقوط حدود سايكس - بيكو «فرغم ان الأكراد وجدوا فرصة ملائمة للعمل على إعلان دولة في لحظة إنشغال السنّة والشيعة، فإن الامور لن تذهب بالضرورة نحو التقسيم لا في العراق ولا في سورية. فداعش العابر للحدود يحفر قبره بيده في العراق حيث كانت البيئة السنية اول مَن تصدى له، وفي سورية فإن الايام المقبلة ستشهد تطورات مهمة على مستوى إسترداد الجيش السوري الحر زمام المبادرة، وليس ادلّ على ذلك من طلب الرئيس الاميركي باراك اوباما، من الكونغرس الموافقة على منْح المعارضة السورية المعتدلة 500 مليون دولار».

وبدا هذا القيادي في «14 اذار» اكثر اطمئناناً على «ثبات لبنان» كدولة «فرغم الفراغ الرئاسي والتحديات الامنية والمآزق على اختلافها، فإن لبنان عصيّ على الانهيار ككيان ودولة ونظام». وفي تقديره ان «حزب الله غير المرتاح في ضوء تطورات سورية والعراق، اضافة الى عودة مسلسل التفجيرات الارهابية، صاحب مصلحة في حفظ الاستقرار السياسي والأمني الذي ترعاه حكومة الرئيس تمام سلام»، وهو - اي هذا القيادي - يذهب الى أبعد من ذلك حين يقول ان «حزب الله لم يعد يمانع في التوصل الى تفاهم في شأن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وربما ينتظر اللحظة التي يدرك فيها حليفه العماد ميشال عون ان لا حظوظ له ويفسح تالياً في الاتيان برئيس جديد».

وأعرب هذا القيادي عن اعتقاده ان «الاعمال الارهابية وما اكتُشف من شبكات اخيراً في لبنان لا يؤشر الى أخطار كبيرة وفعلية او يشي بوجود إستراتيجية لجعل لبنان ميداناً لعمليات مدروسة على غرار ما كان جرى قبل نحو عام من تفجيرات. فما حدث اخيراً أظهر اننا أمام خلايا صغيرة غير محترفة ومعزولة نتيجة غياب اي بيئة حاضنة للفكر الداعشي، اضافة الى الهامش شبه المعدوم لحركتها في ظل التشدد المتزايد على المعابر الحدودية والمطار».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي