رمضان... في كرة القدم

تصغير
تكبير
يتصادف شهر رمضان الكريم هذا العام مع اقامة بطولة كأس العالم 2014 لكرة القدم في البرازيل.

ولا شك في ان معظم اللاعبين المسلمين في «العرس العالمي» يحرصون على الصوم، فيما يرى آخرون انه بالامكان الافطار تماماً كما قال الالماني التركي الاصل مسعود اوزيل: «لن أصوم لأني امارس عملي، وعملي هو كرة القدم».

وبعيداً عن كأس العالم، وتحديداً في انكلترا، تتحدث الارقام عن انه عندما أبصر الدوري الممتاز النور في 1992، ضمت صفوف الفرق المشاركة في المسابقة لاعباً مسلماً واحداً فقط هو الاسباني محمد علي عمار المعروف بـ«نعيم» وكان يرتدي حينها قميص توتنهام هوتسبير اللندني، بحسب ما أشارت اليه هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) في موقعها على شبكة الانترنت.

واليوم، ارتفع العدد ليصل الى أكثر من 40 لاعباً يعتنقون الاسلام ديناً وتؤكد «الهيئة» نفسها أنه بات لهؤلاء تأثير معتبَر على ثقافة اللعبة في البلاد.

في الخامس من فبراير 2012، استضاف استاد «سانت جايمس بارك» مباراة لنيوكاسل يونايتد وضيفه استون فيلا شهدت لحظة تاريخية أكدت الواقع المتصاعد للاعبين المسلمين على الدوري الممتاز.

فبعد مرور 30 دقيقة على صافرة البداية، سجل السنغالي ديمبا با هدفاً للـ«ماغبايز»، وتوجه على اثرها ناحية راية الضربة الركنية للاحتفال ولحق به مواطنه بابيس سيسيه. سجدا معاً شاكرين الله على التوفيق.

لا شك في ان تزايد اعداد اللاعبين المسلمين يعود سببه بالدرجة الاولى الى «عولمة كرة القدم»، فالكثير من كشّافي النوادي الاوروبية وسّعوا رقعة بحثهم عن المواهب لتشمل اماكن جديدة من العالم.

عدد كبير من الافارقة القادمين من غرب القارة السمراء تحديداً او «الهاربين» الى فرنسا تحوّلوا نجوماً عالميين.

صحيح ان معظم هؤلاء وجد حياة ميسورة وشهرة واسعة لدى الانتقال لتمثيل احد النوادي الانكليزية، الا ان كثيرين منهم ما زالوا متمسكين بهويتهم الثقافية التي يؤمنون بقدرتها على تسديد خطواتهم وفرض نوع من الاتزان والراحة على مسيرتهم. انه الايمان بدينهم الاسلامي.

عندما يأتي لاعب بمنزلة با الذي غادر نيوكاسل ليلتحق بتشلسي، ويؤكد بأنه جديّ في مسألة الدين، فان ذلك يفرض على النوادي ان تستمع الى هؤلاء. هذا بالتحديد ما التزم به المدربون والقيّمون على الفرق من خلال تفهّم المسألة والعمل على اتاحة المجال أمام لاعبيهم لتأدية الواجبات الدينية.

في انكلترا، تحرص النوادي على تأمين أطعمة «حلال» للاعبيها المسلمين، أماكن استحمام مستقلة، فضلاً عن افساح المجال امامهم للصلاة وتوفير حيّز لأدائها.

حتى وقت قريب، كان يحصل افضل لاعب في كل مباراة ضمن الدوري الممتاز على زجاجة شامبانيا كمكافأة له، بيد ان الكحول - كما هو معلوم - محرمة في الاسلام. وعندما رفض العاجي يايا توريه، لاعب مانشستر سيتي، بكل أدب تسلم الزجاجة بعد احدى المباريات احتراماً لمبادئه الدينية على الهواء مباشرة خلال لقاء تلفزيوني، أُجبر القيمون على الـ«برميير ليغ» على الجلوس وبحث المسألة برمّتها، الى ان اتخذوا قراراً باستبدال الشامبانيا بكأس رمزية صغيرة.

وعندما توج ليفربول بكأس رابطة النوادي الانكليزية المحترفة 2012، حرص لاعبوه على اخراج ملابس طبيب الفريق من غرفة تبديل الملابس كي لا تبتل بالشامبانيا خلال احتفالهم باللقب كونهم يدركون بأن الطبيب نفسه مسلم ملتزم.

وعلى الرغم من ذلك، يشكل شهر رمضان الكريم نوعاً من الضغط على النوادي، اذ كيف يمكن للاعب لا يأكل ويشرب لمدة 18 ساعة ان يؤدي بشكل مناسب لمدة 90 دقيقة في مسابقة رفيعة المستوى لكرة القدم؟

يحرص عدد من اللاعبين على الصيام بشكل يومي، ويميل آخرون الى الصوم أيام التمارين حصراً وليس أيام المباريات.

وهنا تسعى النوادي الى ايجاد نوع من الحلول الوسط، الا ان المسألة تبقى معقدة لأنها ليست في متناولها، وبالتالي يشكل رمضان فترة صعبة سواء للاعبين والمدربين.

يقول الفرنسي ابو ديابي، لاعب ارسنال اللندني: «لا شك في ان النادي يفضل الا ألتزم بالصيام لكن القيمين على الفريق يتفهمون أنها مسألة خاصة جداً بالنسبة اليّ ويحاولون استيعاب الأمر وايجاد الوسيلة الكفيلة بتلبية رغبتي».

من جانبه، اعترف با بأنه دخل في بعض المشاكل مع المدربين بسبب رمضان، الا انه تمكن من الصمود: «في كل مرة واجهت فيها مدرباً معارضاً لصيامي، كنت اتوجه اليه قائلا: اسمع. سأصوم. اذا جاء مردودي في الملعب جيداً، سأستمر في اللعب. واذا ساء ادائي، يمكنك الرمي بي على دكة الاحتياط. هذا كل ما في الأمر».

أما العاجي حبيب كولو توريه، لاعب ليفربول، فقد أكد ان خوض التدريبات والمباريات خلال رمضان يشكل تحدياً بالنسبة له وللاعبين الذين يعتنقون الدين الاسلامي، موضحاً ان الايمان بالله يجعله يشعر بقوة وقدرة على خوض هذا الاختبار.

وقال في تصريح لموقع الـ«ريدز» على شبكة الانترنت: «الايمان بالله لا يجعل هناك شيء مستحيل. تعارض التدريبات والمباريات مع أوقات الصيام يضع اللاعب في تحد كبير، لكن هذا الامر يشعرني بالقوة والقدرة ويدفعني الى تقديم افضل ما لدي»، واضاف: «كي لا أتأثر بالصيام، أحرص على تناول الطعام بشكل جيد، مع المحافظة على الوزن المثالي، والتنسيق مع طبيب الفريق، علماً بأن الجميع يساندني. انه امر رائع، الايام الخمسة الاولى من شهر رمضان دائماً ما تكون صعبة على اللاعب. لكن بمرور الوقت، يتكيف الجسم على الصيام والنظام الجديد. لا احتاج الى مواعيد جديدة لأداء التدريبات في رمضان، خصوصاً انني جاهز ذهنياً ومستعد لخوض أي تحد».

المالي مامادي سيديبي، لاعب ستوك سيتي السابق وشيفيلد ونزداي الحالي يؤكد: «ثمة لاعبون يحرصون على الصوم أيام المباريات ويقدمون مستوى رائعاً. لا مشكلة في ذلك. شخصياً، لا أصوم أيام المباريات كي لا يعتبر ذلك بمثابة عذر في حال قدمت اداءً سيئاً».

مشكلة أخرى تواجه الشركات الراعية للفرق التي تضم في صفوفها لاعبين مسلمين، خصوصاً شركات المراهنة والقروض التي تظهر شعاراتها على القمصان، الأمر الذي يعتبر نوعاً من ترويج لتلك النشاطات المتعارضة والتعاليم الاسلامية.

الانكليزي ناثان ايللينغتون، مهاجم فريق كرو والذي سبق له اللعب لناديي ويغان اثلتيك ووست بروميتش البيون، يعتبر بأنه ليس من اختصاصه التأثير على ناديه لناحية اختيار الراعي الخاص به ويقول: «اعتقد بأن الامر خارج تماماً عن ارادة اللاعب المسلم. وعلى الرغم من ان المراهنة محرمة في الاسلام، فان اللاعب الذي ينتمي الى هذا الدين يبقى عاجزاً عن التأثير»، وهو ما يتوافق مع نظرية العماني علي الحبسي حارس مرمى ويغان: «نحن لاعبون، وهذه الأمور مفروضة من قبل النادي الذي ننتمي اليه. لا يمكننا القيام بأي شيء في هذا الخصوص، فنحن نؤدي عملنا ليس الا».

التأثير الاسلامي وصل الى اماكن غير مسبوقة حيث قضت محكمة بسجن لاعب من دوري الهواة في انكلترا 12 اسبوعاً بتهمة نشر رسائل على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي تحرّض على مهاجمة المسلمين، في أعقاب مقتل الجندي لي ريغبي على يد رجلين مسلمين بريطانيين من أصول نيجيرية في مايو 2013.

وذكرت صحيفة «دايلي ميرور» ان شون تاك (27 عاماً) اتُهم بتشجيع الناس على مهاجمة كل مسجد في انكلترا بالقنابل والغاز وقطع رؤوس الأطفال المسلمين انتقاماً لمقتل ريغبي.

وأضافت أن شون، الذي يلعب لنادي ويتون ألبيون في الدوري الانكليزي الممتاز للهواة، دعا في رسائله الى «قيام 50 شاباً انكليزياً مسلحين بالسيوف والسواطير باقتحام جميع المساجد في انكلترا».

ورأت المحكمة أن شون كان ثملاً حين نشر رسائل التحريض بعد سماعه بمقتل ريغبي، واعترف أمامها لاحقاً بالتهمة الموجهة ضده بموجب قانون الاتصالات.

وأثار قتل ريغبي ردود أفعال غاضبة في جميع انحاء بريطانيا أدت الى زيادة كبيرة في الحوادث المعادية للاسلام والتعليقات العنصرية ضد المسلمين على مواقع الشبكات الاجتماعية، والاعتداء على العديد من المساجد.

حتى جماهير الملاعب بدأت تتعرف أكثر الى الثقافة الاسلامية. وعندما أعاد المدرب آلن باردو السبب في البداية البطيئة للاعبه با في موسم 2011-2012 الى التزامه الصوم، استغل مشجعو نيوكاسل الموقف وراحوا يحتفلون بكل هدف يسجله اللاعب السنغالي بأداء أغنية تشتمل على عدد الاهداف التي احرزها با منذ بداية شهر رمضان من تلك السنة.

حتى ان عدداً كبيراً من الاطفال والصبية الذين يمارسون كرة القدم في الساحات والحدائق العامة لمدينة نيوكاسل يحرصون على السير على منوال النجوم من خلال السجود وتقبيل الأرض احتفالاً بأهدافهم.

قد لا يدرك هؤلاء معنى وأبعاد ما يقومون به، الا ان ذلك يشكل علامة بأن بعض التقاليد الاسلامية باتت مألوفة أكثر من اي وقت مضى وتشكل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة البريطانية الشعبية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي