الرأي اليوم / اللهم إني صائم عن... !

تصغير
تكبير
... ونحن في رحاب رمضان، شهر المغفرة والتوبة، شهر التقرب إلى الله، شهر المحبة والتعقل والتفكر والنقاء والايثار، نرفع الاكف إلى الباري عز وجل أن يعطينا القدرة على أن نغير ما بأنفسنا كي يصطلح حالنا.

الصيام من أبرز عناوين الشهر الفضيل، ويقول سبحانه وتعالى: «يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».


ونحن في الكويت، نحتاج الى الصيام أكثر من أي وقت مضى... إنما غير الصيام عن الأكل فحسب.

نحتاج الى الصيام عن الاستقالة من الشأن العام، فاليأس من الحراك السياسي هو طعن للديموقراطية وخيانة للحريات التي جبل عليها الكويتيون، واليأس من محاربة الفساد وسرقة المال العام تخل عن الواجب المقدس الذي طالبتنا به الشرائع الدينية والدستورية واستقالة من العمل الوطني، واليأس من المشاركة الشعبية في كل الامور الوطنية ضربة قاصمة للعهد والعقد الذي أقسمنا عليه وارتضيناه جميعاً حكاماً ومحكومين.

ونحتاج الى الصيام عن الاهمال والتواطؤ والتورط وغض النظر عن انتهاك القانون وهدر المال العام والخلل في كل قطاعات الدولة، وان تتكاتف سواعد اعضاء السلطات كلها لتطبيق القانون بحذافيره من دون أن يخشى أي مسؤول في الحق لومة لائم.

ونحتاج الى الصيام عن ضيق الصدر واغلاق الذهن امام تقبل الرأي والرأي الآخر، ونريد لنهج الانفتاح ان يتكرس اكثر عند الجميع.

ونحتاج الى الصيام عن الغيبة والاستغابة ونقل الكلام من دون وجه حق... فالرجال يكشفون وجوههم ومواقفهم الحقيقية من البداية الى النهاية.

نحتاج الى الصيام عن الفتن بين ابناء الوطن الواحد، فالبلد ليس مجموعة أخيار مقابل مجموعة أشرار.

نحتاج الى الصيام عن الاحقاد، فقديما قيل «الحقد كفر» ولا نريد الا التسامح لانه جوهر الايمان.

نحتاج الى الصيام عن تحويل عجزنا وعقدنا الشخصية الى عجز عام وعقد عامة، فمن لا يستطيع مداواة نفسه والنظر الى الامور بعين اخرى لا يجوز ان يشرك الجميع في امراضه النفسية.

نحتاج الى الصيام عن الاتهام بلا دليل، وعن الاساءة الى الآخرين، وعن تجريح الناس وطعنهم في كراماتهم وذممهم.

نحتاج الى الصيام عن اللغة الانقسامية سواء تعلق الامر بأبناء الدين الواحد أو الوطن الواحد. وإلى الصيام عن الاستقواء بالمذهب والطائفة والقبيلة على الكويت.

ونحتاج إلى الصيام عن «اشعال العاطفة وتغييب العقل»، فالعقل في ظل التطورات الاقليمية التي نعيشها هو السلاح الافعل لتحصين بلدنا من الرياح الصفراء والسوداء، أما العاطفة فتؤدي الى الاصطفاف مع هذا الطرف او ذاك من دون تمييز للاثمان التي قد يتكبدها البلد.

ونحتاج الى الصيام عن الفوضى، فالفوضى مهما كان اسمها لا يمكن الا ان تؤذي الاستقرار. ومن يعتقد انه سيسلم اذا انهار الاستقرار فهو مخطئ لان المركب اذا غرق يغرق بمن فيه.

ونحتاج الى الصيام عن التخوين والتشكيك بين بعضنا البعض، فالتخوين يعني ان طرفا نصب نفسه فوق الشبهات كامرأة القيصر وصار يوزع صكوك وشهادات الوطنية على الآخرين. هذا فاسد وهذا خائن وهذا مجرم وهذا سارق... يا سيدي اذا كان لديك الدليل فالخيانة ألا تذهب به الى السلطات المختصة وان لم يكن لديك دليل فالخيانة والفساد والاجرام صفات ملتصقة فيك.

ونحتاج، اكثر ما نحتاج اليه، الى الصيام عن هدم الصرح القضائي سواء بالتعرض لاربابه ورموزه او بالتعامل معه بطريقة انتقائية، فاذا كانت الاحكام لمصلحتنا كان القضاء «قضاؤنا الشامخ»، واذا كانت الاحكام ضدنا نتحدث بكل سوء عن القضاء ونشكك فيه ونطعن بالقضاة. كل شيء في الكويت يمكن ان ينصلح اذا تعرض لانتكاسة، كل المؤسسات الاخرى والسلطات يمكن ان تلملم جراحها... الا القضاء، لانه الحصن الحصين لكل المؤسسات والسلطات وهو الكفيل باعادة الامور الى نصابها.

أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، اللهم ثبتنا على الحق والعدل والرحمة يا أرحم الراحمين.

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي