هدفه في مرمى بومبيدو يبقى خالداً في ذاكرة تاريخ كؤوس العالم

أومام - بييك «قاهر الأرجنتين» ... ملك «الإفتتاح»

تصغير
تكبير
لا يخفي احد الحماسة التي تلف الدولة المضيفة البرازيل على ابواب انطلاق اكبر تظاهرة كروية المتمثلة بكأس العالم 2014 لكرة القدم.

الا انه من الطبيعي ان تتسلل المشاعر المتضاربة الى نفوس المشجعين المحليين الذين ابدوا قلقهم ازاء المباراة الافتتاحية امام كرواتيا اليوم.

وفي ضوء المآسي السابقة التي اصابت منتخبات كبيرة عند قص شريط انطلاق بعض النسخات السابقة.

واذ تصب جميع الترشيحات ناحية تخطي المنتخب البرازيلي نظيره الكرواتي يرفض لوكا مودريتش وزملاؤه هذه التوقعات مصرين على احداث المفاجأة على طريقتهم الخاصة.

وتزخر كرة القدم، عبر تاريخها الطويل، بلحظات تكاد لا تنسى، بل شكلت مداميك قامت عليها اللعبة الاكثر شعبية في العالم، واذا كانت لحظات رفع الكؤوس والدروع على منصات التتويج هي التي ترسخ، فإن بعض الاهداف يبقى ذا وقع في الذاكرة خصوصاً عندما يتلازم مع نفخة عاطفية انسانية تترك الاثر البالغ.

الحكم الفرنسي ميشال فوترو مسيطر تماماً على الوضع رغم «حرارة» المناسبة والحضور الجماهيري الذي ناهز 73780 متفرجاً على مدرجات استاذ «سان سيرو» في مدينة ميلانو.

التعادل السلبي في المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العام الـ 14 (1990) مازال يبني على العرف القائم في لقاءات سابقة لهذه ولكن موقتا، لان الدقيقة 66 حلت وفي خضمها «طار» الكاميروني فرنسوا اومامام -بييك عالياً جداً ليخطف كرة ويلكزها برأسه، حار المرمسى الارجنتيني العملاق نيري البرتو بومبيدو يرتمي على الجهة اليمنى تمهيداً للامساك بكرة بدت في متناوله. الخطأ جزء من اللعبة، وفيه وقع بومبيدو الذي خانته الكرة وتجاوزت خط مرماه في طريقها الى الشباك معلنة تقدم «الاسود غير المروضة» على حامل اللقب بقيادة الاسطورة دييغو ارماندو مارادونا.

في الثامن من يونيو 2014 اختلفت ذاكرة كرة القدم بمرور 24 سنة على هدف اومام - بييك التاريخي الذي يبقى واحدا من المفترقات الراسخة في كيان اللعبة، تماما كما هي لحظات التتويج الخالدة.

قبل اسابيع على ذاك الانتصار المدوي في افتتاح المونديال بهدف كاميروني صاعق على تشكيلة ارجنتينية مدججة بالنجوم. كان اومام - بييك يذرف دموع الفشل في قيادة فريقه ستاد لافالوا الى دوري الدرجة الاولى الفرنسي (ليغ 1) بعد سقوط جارح في الدور الفاصل خلال موسم شهد احراز اللاعب 12 هدفاً.

عاش اومام - بييك ايضاً في ابريل من العام نفسه، قبل اشهر على المونديال، لحظات مرة اخرى تمثلت في تنازل منتخب بلاده عن لقبه بطلاً لكأس الأمم الافريقية التي آلت زعامتها الى الجزائر. لذلك جاءت استعدادات الكاميرون لمشاركتها الثانية في كأس العالم بعد 1982 محبطة للفريق كلاً ولأمام- بييك خصوصاً رغم العروض التي جاءته وتحديداً من نانت الفرنسي وبورتو البرتغالي، ليتحول في النهاية الى رين الفرنسي قبل اسبوع على هدفه التاريخي في المرمى الارجنتيني.

قبيل المباراة الافتتاحية بساعات، رأى اومام -بييك (48 سنة اليوم) ان «العالم ينتظر ان تستقبل شباكنا الكثير من الاهداف ثمة فارق شاسع بيننا وبين الارجنتين وعلى المستويات كلها، لا اؤمن حقيقة بقدرتنا على الصمود.

واعتبر ان الصعوبة في التواصل مع المدرب الروسي فاليري نيومنياكي بسبب حاجز اللغة عزز الشعور بانعدام الثقة في تحقيق المأمول خلال مونديال ايطاليا، وقال: «لا نفهم على الدوام الرسائل التي يريد (المدرب) ايصالها الى اللاعبين.

وعن هدفه التاريخي يقول فرنسوا: «المسألة لا تحتاج الى تفسير. يكاد لا يمر يوم الا ويتحدث فيه احدهم عن 8 يونيو 1990. ذلك الهدف، هدف الفوز على الارجنتين، كان بمثابة الدعاية العالمية بالنسبة اليّ، واتحدث دوما عن ذاك اليوم بسعادة وفرح لانه بات محفوراً في ذاكرة التاريخ».

في الليلة التي سبقت مباراة الافتتاح، لم يكن الوضع مستقراً في المعسكر الكاميرون نتيجة المعضلة في المكفآت بين اللاعبين والاتحاد المحلي للعبة.

حتى ان الحارس العملاق جوزف - انطوان بيل الذي عرف بانتقاداته المستمرة لمسيري كرة القدم في بلاده خسر مركزه في الفريق، بيد ان ذلك تحول الى ذكرى من الماضي عقب الانتصار التاريخي على الارجنتين.

حارس المرمى - توماس نكونو الذي كان يتقاسم واومام - بييك الغرفة نفسها خلال كأس العالم 1990، كشف انه طلب من زميله ان يستسلم للنوم باكراً عشيقة اللقاء: «قلت له اننا سنحتاج اليه لاحراز هدف الفوز على الارجنتين».

وبعد سنوات استنتج اومام -بييك ان «مشكلة المكافآت وحدت مجموعة اللاعبين وانعكست ايجاباً في ارض الملعب».

عقب عزف النشيدين الوطنيين، الارجنتيني والكاميروني، اطلق الحكم صافرة انطلاق مباراة افتاحية بدت غير متوازنة بين منتخب عريق حامل لقب كأس العالم في مناسبتين (1978 و1986) ومنتخب يضم في صفوفه عناصر معظمها من الدوري المحلي.

مارادونا وزملاؤه اقتربوا في مناسبات عدة من هز الشباك الافريقية التي بقيت عصية عليهم، حتى ان نكونوا كشف بعد اللقاء ان «مجرد نجاح لوي - بول مفيدي في تخطي لاعب ارجنتيني ثم اخر منحنا جرعة كبيرة من المعنويات».

الشوط الاول انتهى بالتعادل السلبي نتيجة مشجعة حتى الآن للكاميرون خصوصا ان الضغط الارجنتيني كان جارفا، حتى انه كلف «الاسود غير المروضة» غالياً في الشوط الثاني بعد طرح احد عناصر هاندريه كانا -بييك شقيق اومام، في الدقيقة 62.

ورغم ذلك، نجحت الكاميرون في «معركة الاعصاب والتركيز».

وحانت اللحظة التاريخية في الدقيقة 66 اربع دقائق بعد الطرد، عندما نفذ برتن ايبويلي ضربة حرة من الجهة اليسرى اصطدمت على اثرها الكرة بسيريل ماكاناكي الذي لعبها كيفما كان لتصل الى اومام - بييك يقفز الاخير عالياً فوق الجميع ويظهر كل من خوان سيمون ونيستور فابري وروبرتو سنسيني عاجزين امامه - رأسية اومام - بييك تخدع بومبيدو. الكاميرون تتقدم 1 - صفر وترفض الانحناء امام مارادونا حتى اللحظات الاخيرة التي شهدت تعرض صفوفها لطرد ثان كان ضحيته هذه المرة بنجامان ماسينغ في الدقيقة 89.

بعد هدف التقدم، كان على الكاميرونيين الاحتفاظ بالكرة قدر المستطاع وحرمان الخصم السيطرة، ولعب «العجوز» روجيه ميلا (38 سنة) في تلك المباراة) دوراً حاسماً على هذا الصعيد، وعنه قال اومام - بييك: «كنا نعاني نقصا عددياً وعشنا لحظات عصيبة تحت الضغط، لاشك في ان ميلا ساعدنا كثيرا على الاحتفاظ بالكرة كان الرجل المناسب لاداء هذا الدور، عموما قدم ميلا كأساً عالمية مثالية انطلاقاً من مباراة الفتتاح بالذات».

اما مارادونا المصدوم، فقد صرح بعد اللقاء: «منتخب الارجنتين لم يكن في مستوى الحدث. هذا كل ما في الامر لا نبحث عن اعذار. احيي الاداء الكاميرون».

لقد ارتبط هدف الفوز ارتباطاً وثيقاً بأومام - بييك حتى باتت هوية ومرجعا للتعريف به، وقد اعتبرها «الاجمل في حياتي».

الكاميرون حققت مونديالا مثالياً بلغت فيه الدور ربع النهائي واضعة افريقياً للمرة الاولى في هذه المرحلة المتقدمة من كأس العالم وعندما عاد الفريق الى البلاد، حصل اومام - بييك على تكريم خاص من الرئيس بول بيا تمثل بمنحه رتبة ضابط صف شرفية.

اومام - بييك عاد ليظهر مجددا في نسختين لكأس العالم الـ 15 (1994) في الولايات المتحدة الاميركية والـ 16 (1998) في فرنسا، وهر عرف بتنقلاته الكثيرة بين النوادي اذ لعب ايضاً في صفوف كان ومرسيليا وشاتورو (فرنسا)، واميركا ويوكاتان ميريدا (المكسيك) وسمبدوريا (ايطاليا)، بيد انه لم يتخل بتاتا عن واجبه الوطني مع منتخب بلاده. ويقول في هذا الصدد: «انا بين قلة خاضت غمار كأس العالم ثلاث مرات توالياً».

تقول باتريسيا، زوجة فرنسوا اومام - بييك: «حتى اليوم، ثمة اناس لا يعرفون زوجي شخصياً، الا انهم يتعرفون عليه من خلال ذلك الهدف في المرمى الارجنتيني. لا يتوقفون عن التحدث معه عن ذاك الهدف التاريخي وتلك المباراة التي لا تنسى. ومازال زوجي حاضراً في ذاكرة الناس واعتقد ذلك سيستمر طويلاً».

معلومة

لم يخسر ممثلو القارة الافريقية في ثلاث مباريات افتتاحية في نهائيات كأس العالم خاضوها حتى الآن.

وكانت الكاميرون السباقة لخوض المباراة الاولى وذلك في مونديال ايطاليا 1990، عندما حققت مفاجأة مدوية بفوزها على الارجنتين حاملة اللقب قبل اربع سنوات 1 - صفر.

وحذت حذوها السنغال في مونديال 2002 عندما ألحقت بالمنتخب الفرنسي بطل نسخة 1998، هزيمة نكراء بهدف ايضاً.

اما جنوب افريقيا الدولة المضيفة لكأس العالم 2010، فاكتفت بالتعادل مع المكسيك 1 - 1 في المباراة الافتتاحية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي