خاطرة / «تملي معاك»

تصغير
تكبير
نهجر احلامنا حين نفشل ونعتقد أن ضوء الصباح اكثر نورا من ابتسامة في الخيال، ثم نكتشف أن الخيال اعصى على السعادة من السعادة نفسها.

نهجر احلامنا... وتهجرنا، وكلما استوطنت مسافات الجسد واقتربت من النبض يزداد الخوف (وربما اليقين) بان الرحيل قريب.

بعض الاشخاص كالاقدار، يلتصقون بك وانت على امتداد المسافة بين اطراف هذه الدنيا، لا تدري زمان الرؤية ومكان العشق وتاريخ التوحد، ما تراه فقط هو أن الآخر يعيش معك، يعيش فيك، وانك تعيش معه وتبدأ صباحك برسمه وتنهي ليلك بصوته.

بعضهم كالأقدار، وبعض الاقدار صعب على الادراك، تحرمنا الدنيا الكثير لكن الفراق الاقصى... اقسى، وربما تعدنا الايام بلقاء، بحياة، بأمل، ربما ارادت اختبارنا قبل أن ينصفنا الزمن، وربما ارادت أن نتعلم لاحقا كيف نحافظ على حلمنا محافظة الاهداب للعيون، وكيف نزرع السعادة في كل خلية من خلايانا ولا نتركها لانكسارات الظروف.

وحتى ذلك الحين، نقف في طوابير القلق انتظارا لتأشيرة دخول إلى مملكة الكآبة، تاركين اللعبة للقدر والنصيب بحثا عن حبيب تسبقه ابتسامته إلى عيوننا كلما يأتي المغيب.

أنزوي انا أيضاً في الرحيل، وانتظر همسات من غيم ابيض تزورني من حين إلى حين، تؤنس وحشتي وتبدد قلقي وتبدأ عدا عكسيا للمنفى الذي دخلته طائعا صاغرا، امضي ايامه في استذكار عمري الحقيقي واتساءل: كيف يمكن لانسان أن يخلق وينمو ويشب ويشيخ في ثلاث سنوات وبضعة اشهر.

كل ما اريده منك أن تتأكد انك لست وحيدا في وحدتك ولست غريبا في غربتك، وانك كريم بكرامتك وغني بنقاؤك وجميل بكل ما فيك وكبير بخصالك وقوي بالله وبمن تركته في ذلك المدى وتلك الصحراء.

دع الحلم يرفرف حيثما يشاء، دعه يأخذ مداه في طريقه إلى القدر، ولكن اياك، أن تخفض مرة واحدة جبينا ما رأيته إلا عاليا ناصعا رغم كل المحن، وان تساوم على كرامة ما بنيت آمالي إلا على حضورها، وان تخون مشاعرك وتهزمها في امتحانات الآخرين.

دمع الالم، الغربة، الفراق، البعاد... مبرر ومقبول، إنما اياك ودمع القهر، لانك حينها ستصبح غريبا بالفعل وتشعر بالانكسار فتخسر القوة والرصيد وتصيب من ينتظرك بسهم العجز.

ماذا اقول بعد؟ هل افتح دفاتر السنوات الماضية ام ابقيها لزنزانة الانتظار؟

كل ما سأقوله: فلتهجرني الاحلام لاني سأملأ فراغها بواقع قريب عندما تعود طيور الشرق.

سأنتظرك، حتى آخر شعاع ضوء يخرج من عيني، وآخر نسمة تدخل صدري وآخر خلية حية في تفكيري.

سأنتظرك عند كل مغيب وكل اشراقة، ارصد المشاعر واستقبلها. وإذا عزت عليك غربتك وشعرت بان الامور تجاوزت حدود التحمل، فما عليك إلا أن تعلمني وانت تعرف أنني ... «تملي معاك».

إيهاب حشيش
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي