القصر المهجور في بيروت راقب تدفق اللاجئين للاقتراع لـ «قصر المهاجرين» في دمشق
لبنان يضبط ساعة «الفراغ الرئاسي» على توقيت الحوار السعودي - الإيراني
كان لبنان امس مسرحاً لواحدة من المفارقات المأسوية البالغة الغرابة والدلالة في آن. فبيروت التي غالباً ما تفاخر بانها عاصمة الديموقراطية في الشرق العربي والأعرق في «تداول السلطة»، عجزت عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بـ «قوة التعطيل» المحلي والاقليمي للآليات الدستورية ومواعيد الاستحقاقات، وتعيش منذ خمسة ايام تحت وطأة الفراغ في سدة الرئاسة الاولى، في الوقت الذي تحولت هذه الـ «بيروت»، التي احتفلت بخروج الجيش السوري قبل تسعة اعوام، «صندوقة اقتراع» سوريّة لتجديد ولاية الرئيس بشار الاسد في قصر «المهاجرين» و»مبايعته» من عشرات الالاف من بين «جيش » النازحين الذين فروا الى لبنان وبلغ عددهم نحو مليون ونصف مليون سوري.
بيروت، التي لم يرُق لها هذا «التزامن» بين عجزها عن إنجاز اللعبة البرلمانية بانتخاب رئيس للجمهورية بما يملأ القصر المهجور، وبين الانتخابات الرئاسية في سورية ومصر بعد الانتخابات النيابية في العراق، لم تحسد السوريين على «الحرب الرئاسية» الدائرة في بلادهم حيث يختلط حابل صناديق الاقتراع بنابل صناديق الموت، وتتنافس الحملات الدعائية للاسد مع الحملات العسكرية لجيشه، وتتساوى «أصوات» الناخبين مع أصوات البراميل المتفجرة، كما ان بيروت راقبت بحذر حركة المصريين الذين جعلهم الربيع الملتبس يلجأون للعسكر كملاذ ديموقراطي يحمي مدنيّة الدولة ويبعد عنها شبح التشوّهات التي كادت ان تفترسها.
تحت وطأة هذا الهدير من «المزاج القلق»، بدت بيروت وكأنها «أطفأت محركاتها» بحثاً عن رئيس جديد. فالحركة السياسية اقتصرت، على مدى خمسة ايام من الفراغ الرئاسي، على اطلالات تشبه «اعلان نيات» من هذا الطرف او ذاك في سياق تبادُل اتهامات بـ «تعطيل الاستحقاقات» وطرح دفاتر شروط لانتخاب الرئيس، من دون رصد اي دينامية من النوع الذي يشي باحتمال الإفراج عن «الكرسي الاول» في المدى المنظور، وخصوصاً ان مواقف طرفيْ الصراع ( 8 و 14 آذار) وما بينهما من وسطيين لم تتزحزح، ولم تلح في الافق الاقليمي اي مؤشرات جديدة من شأنها رسم توقعات واضحة حول الأمد الذي سيبلغه الفراغ الرئاسي في لبنان.
وتلهو بيروت، المطمئنة الى «أمنها السياسي»، المهجوسة بالخشية من تمدُّد الشلل المؤسساتي، بمناقشات سياسية ودستورية وبمعارك مطلبية ونقابية تغلب عليها محاولات المواءمة الاضطرارية بين تفادي تطبيع الفراغ «الجلل» من جهة وحماية استمرارية الدولة وعدم شلّ قدرتها على القيام بواجباتها من جهة اخرى.
وثمة اقتناع في بيروت ان الداخل اللبناني فقد زمام المبادرة في اي عملية سياسية يمكن ان تفضي الى تفاهمات تؤدي الى انتخاب رئيس جديد، وتالياً فان الانظار تتجه نحو الخارج، لا سيما الاقليمي وسط تقديرات متفاوتة في شأن وتيرة الحوار السعودي - الايراني وما قد ينجم عنه من نتائج يمكن ان يفيد منها لبنان المعلّق فوق الحبل الاقليمي المشدود.
ولان لبنان في وقائعه السياسية وصراعاته جزء من «البازل الاقليمي» الذي تتنازعه القوتان المحوريتان في المنطقة، اي السعودية وايران، فان الداخل بدأ عملياً مع سريان مهلة الفراغ الرئاسي يوم الاحد الماضي بضبط «ساعته السياسية» تبعاً لاحتمالات الحوار بين الرياض وطهران ووتيرته، كواحد من الملفات على الطاولة، الى جانب سورية والعراق واليمن.
وقالت اوساط سياسية على صلة بـ «8 آذار» لـ «الراي» ان الحوار السعودي - الايراني، الذي بدأت مقدماته بالحرص المتبادل بين الجانبين على اهمية الجلوس معاً لاختبار امكان التعاون المشترك على حل المشكلات في المنطقة، مرشّح للصعود والهبوط كأيّ مفاوضات صعبة حول ملفات شائكة.
ورأت هذه الاوساط ان طهران التي تشجّع اللبنانيين على الحوار والتفاهم، ستبلغ الى الرياض ان لبنان ليس على جدول أعمالها ولا تعتزم التدخل في شؤونه، وتالياً ترى انه لا بد من ترك أموره الى اللبنانيين أنفسهم، خصوصاً انهم يملكون من التجربة ما يجعلهم اكثر قدرة من سواهم على تدبّر أمورهم.
الدوائر المراقبة في بيروت قرأت في الموقف الايراني محاولةً من طهران لإفهام الرياض انها غير مستعدة لممارسة اي ضغط على حلفائها في لبنان، ولا سيما «حزب الله»، اعتقاداً منها ان هؤلاء أظهروا قدرة على التحكم بمسار الامور على النحو الذي يخدم توجهاتهم وخياراتهم، وهم ادرى بموازين القوى وبمصالحهم.
وفهمت هذه الدوائر ان ايران تريد دفع السعودية الى استنتاج عدم جدوى الرهان على ممارسة طهران اي ضغوط على حلفائها، وذهاب الرياض الى نصح حلفائها، لا سيما «تيار المستقبل»، بضرورة التفاهم مع «حزب الله» حول سبل الخروج من المأزق بالاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وعلى الملفات المعلّقة الاخرى.
وفي انتظار اختبار المناخات الاقليمية تستمرّ «التموْضعات» اللبنانية على حالها، الامر الذي يجعل من الموعد الجديد الذي حدده رئيس البرلمان نبيه بري في التاسع من الشهر المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية مجرد تكرار لمشهد لم يؤد الى اي نتيجة.
وقد عبّر عن واقع المراوحة مرشّح قوى 14 آذار للرئاسة الدكتور سمير جعجع الذي أطل امس في مؤتمر صحافي ردّ في جانب منه على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مشيراً الى ان «من عطّل الانتخابات الرئاسية هو فريق 8 آذار بغيابه عن كل الجلسات التي عقدت حتى الآن»، متسائلاً «على أي أساس يقول السيد نصرالله اننا لم نرد الانتخابات وأردنا التمديد لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان؟ في حين ان فريقنا طرح مرشحا ونزل إلى جميع الجلسات»، ومضيفاً: «لماذا ترشيحي هو ترشيح تحد؟، وليهتمّ نصرالله بأموره وليختر له مرشحا للرئاسة وينزل إلى المجلس النيابي لانتخابه».واذ رفض الدعوة إلى حوار بشأن الرئاسة «وعلى الرئيس نبيه بري حض النواب على حضور جلسة الانتخاب»، اعتبر ان «بعض الكتل تسعى لأخذنا عبر التعطيل لمؤتمر تأسيسي جديد على كل نقطة من نقاط الدستور».
بيروت، التي لم يرُق لها هذا «التزامن» بين عجزها عن إنجاز اللعبة البرلمانية بانتخاب رئيس للجمهورية بما يملأ القصر المهجور، وبين الانتخابات الرئاسية في سورية ومصر بعد الانتخابات النيابية في العراق، لم تحسد السوريين على «الحرب الرئاسية» الدائرة في بلادهم حيث يختلط حابل صناديق الاقتراع بنابل صناديق الموت، وتتنافس الحملات الدعائية للاسد مع الحملات العسكرية لجيشه، وتتساوى «أصوات» الناخبين مع أصوات البراميل المتفجرة، كما ان بيروت راقبت بحذر حركة المصريين الذين جعلهم الربيع الملتبس يلجأون للعسكر كملاذ ديموقراطي يحمي مدنيّة الدولة ويبعد عنها شبح التشوّهات التي كادت ان تفترسها.
تحت وطأة هذا الهدير من «المزاج القلق»، بدت بيروت وكأنها «أطفأت محركاتها» بحثاً عن رئيس جديد. فالحركة السياسية اقتصرت، على مدى خمسة ايام من الفراغ الرئاسي، على اطلالات تشبه «اعلان نيات» من هذا الطرف او ذاك في سياق تبادُل اتهامات بـ «تعطيل الاستحقاقات» وطرح دفاتر شروط لانتخاب الرئيس، من دون رصد اي دينامية من النوع الذي يشي باحتمال الإفراج عن «الكرسي الاول» في المدى المنظور، وخصوصاً ان مواقف طرفيْ الصراع ( 8 و 14 آذار) وما بينهما من وسطيين لم تتزحزح، ولم تلح في الافق الاقليمي اي مؤشرات جديدة من شأنها رسم توقعات واضحة حول الأمد الذي سيبلغه الفراغ الرئاسي في لبنان.
وتلهو بيروت، المطمئنة الى «أمنها السياسي»، المهجوسة بالخشية من تمدُّد الشلل المؤسساتي، بمناقشات سياسية ودستورية وبمعارك مطلبية ونقابية تغلب عليها محاولات المواءمة الاضطرارية بين تفادي تطبيع الفراغ «الجلل» من جهة وحماية استمرارية الدولة وعدم شلّ قدرتها على القيام بواجباتها من جهة اخرى.
وثمة اقتناع في بيروت ان الداخل اللبناني فقد زمام المبادرة في اي عملية سياسية يمكن ان تفضي الى تفاهمات تؤدي الى انتخاب رئيس جديد، وتالياً فان الانظار تتجه نحو الخارج، لا سيما الاقليمي وسط تقديرات متفاوتة في شأن وتيرة الحوار السعودي - الايراني وما قد ينجم عنه من نتائج يمكن ان يفيد منها لبنان المعلّق فوق الحبل الاقليمي المشدود.
ولان لبنان في وقائعه السياسية وصراعاته جزء من «البازل الاقليمي» الذي تتنازعه القوتان المحوريتان في المنطقة، اي السعودية وايران، فان الداخل بدأ عملياً مع سريان مهلة الفراغ الرئاسي يوم الاحد الماضي بضبط «ساعته السياسية» تبعاً لاحتمالات الحوار بين الرياض وطهران ووتيرته، كواحد من الملفات على الطاولة، الى جانب سورية والعراق واليمن.
وقالت اوساط سياسية على صلة بـ «8 آذار» لـ «الراي» ان الحوار السعودي - الايراني، الذي بدأت مقدماته بالحرص المتبادل بين الجانبين على اهمية الجلوس معاً لاختبار امكان التعاون المشترك على حل المشكلات في المنطقة، مرشّح للصعود والهبوط كأيّ مفاوضات صعبة حول ملفات شائكة.
ورأت هذه الاوساط ان طهران التي تشجّع اللبنانيين على الحوار والتفاهم، ستبلغ الى الرياض ان لبنان ليس على جدول أعمالها ولا تعتزم التدخل في شؤونه، وتالياً ترى انه لا بد من ترك أموره الى اللبنانيين أنفسهم، خصوصاً انهم يملكون من التجربة ما يجعلهم اكثر قدرة من سواهم على تدبّر أمورهم.
الدوائر المراقبة في بيروت قرأت في الموقف الايراني محاولةً من طهران لإفهام الرياض انها غير مستعدة لممارسة اي ضغط على حلفائها في لبنان، ولا سيما «حزب الله»، اعتقاداً منها ان هؤلاء أظهروا قدرة على التحكم بمسار الامور على النحو الذي يخدم توجهاتهم وخياراتهم، وهم ادرى بموازين القوى وبمصالحهم.
وفهمت هذه الدوائر ان ايران تريد دفع السعودية الى استنتاج عدم جدوى الرهان على ممارسة طهران اي ضغوط على حلفائها، وذهاب الرياض الى نصح حلفائها، لا سيما «تيار المستقبل»، بضرورة التفاهم مع «حزب الله» حول سبل الخروج من المأزق بالاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وعلى الملفات المعلّقة الاخرى.
وفي انتظار اختبار المناخات الاقليمية تستمرّ «التموْضعات» اللبنانية على حالها، الامر الذي يجعل من الموعد الجديد الذي حدده رئيس البرلمان نبيه بري في التاسع من الشهر المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية مجرد تكرار لمشهد لم يؤد الى اي نتيجة.
وقد عبّر عن واقع المراوحة مرشّح قوى 14 آذار للرئاسة الدكتور سمير جعجع الذي أطل امس في مؤتمر صحافي ردّ في جانب منه على الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مشيراً الى ان «من عطّل الانتخابات الرئاسية هو فريق 8 آذار بغيابه عن كل الجلسات التي عقدت حتى الآن»، متسائلاً «على أي أساس يقول السيد نصرالله اننا لم نرد الانتخابات وأردنا التمديد لرئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان؟ في حين ان فريقنا طرح مرشحا ونزل إلى جميع الجلسات»، ومضيفاً: «لماذا ترشيحي هو ترشيح تحد؟، وليهتمّ نصرالله بأموره وليختر له مرشحا للرئاسة وينزل إلى المجلس النيابي لانتخابه».واذ رفض الدعوة إلى حوار بشأن الرئاسة «وعلى الرئيس نبيه بري حض النواب على حضور جلسة الانتخاب»، اعتبر ان «بعض الكتل تسعى لأخذنا عبر التعطيل لمؤتمر تأسيسي جديد على كل نقطة من نقاط الدستور».