«14 آذار» تستثمر معركة النصاب و«8 آذار» رسمت معادلة «تَوافُق أو لا جلسة»

هل تصبح الرئاسة اللبنانية مقعداً فارغاً في مهب المتغيّرات الإقليمية؟

تصغير
تكبير
يُختصر المشهد السياسي في بيروت بسؤال يتيم وكبير في آن هو: هل سيُنتخب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية المهلة الدستورية في 25 مايو المقبل أم ان البلاد تتجه الى «فراغ رئاسي» مديد ومفتوح على المجهول؟

ما من إجابة حاسمة تلوح في الأفق حتى الآن، بعدما بات الاستحقاق الرئاسي أسير خيارات «تناحُرية قلّصت من حجم اللعبة الديموقراطية في إنتاج رئيس جديد وجعلت الأمر رهناً ببازار تسويات صعبة».


ورغم الضبابية الكثيفة التي تحوط مجريات الاستحقاق الرئاسي، فان «التدقيق» في لوحة المواقف الداخلية والاقليمية والدولية من شأنها تقديم صورة أقلّ التباساً حيال الاحتمالات التي تنتظر «الكرسي الاول» في لبنان.

ففريق «14 آذار» الذي يتكئ على تحالف اقليمي تتقدّمه المملكة العربية السعودية، يضغط في اتجاه إنجاز الاستحقاق في موعده بعدما تقدّم بمرشحه، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كـ «رأس حربة»، وأعلن انه سيواظب على المشاركة في جلسات الانتخاب.

ومن المفيد في هذا الاطار التمييز بين مقاربتيْن داخل «14 آذار»، تتناغمان احياناً و»تتصارعان» احياناً اخرى، واحدة يعبّر عنها المرشح الرئاسي سمير جعجع وثانية ترتبط بموقف «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.

جعجع، الذي حوّل قلعته الحصينة في معراب «خلية نحل»، يقود معركة «14 آذار» الرئاسية وكأنه «يقاتل». فهو يدرك انه يخوض «مواجهة شاملة» لا يقلل من صعوبتها لكنه يبدي حزماً في عدم التساهل بها، ويسعى الى تحقيق مكاسب بـ «النقاط» لتحسين شروط فريقه في اي تسوية محتملة في نهاية المطاف، لأنه على اقتناع باستحالة فوز اي طرف بـ «الضربة القاضية».

المكاسب التي حققها جعجع وفريقه حتى الآن هي ترشُّحه وإعلانه برنامجاً رئاسياً ونيله في الدورة الاولى 48 صوتاً، وشدّ عصَب حلفائه في معركة تحتاج الى الكثير من أوراق القوة، ومن ثم بدء معركة سياسية بالغة الأهمية يراد منها إظهار مسؤولية «8 آذار» عن تعطيل النصاب الدستوري لانتخاب الرئيس والمجازفة بدفع لبنان نحو الفراغ.

ويدرك رئيس حزب «القوات اللبنانية» ان التعادل السلبي الحاد بين «8 و 14 آذار» من جهة وانكفاء الاهتمام الدولي، لا سيما الاميركي، عن لبنان من جهة اخرى يحولان دون وصوله الى الرئاسة، وتالياً فان معركته «المضمرة» هي محاولة الاتيان بمرشح آخر من «14 آذار» كالنائب بطرس حرب على سبيل المثال.

ويبدو جعجع مطْمَئناً الى «ادارة المعركة» داخل «14 آذار» ومع «تيار المستقبل» الاكثر ميلاً للذهاب الى تسوية رئاسية تحول دون انزلاق لبنان الى الفراغ، لكن ليس بأي ثمن، وليس بأي مرشح، وهو الامر الذي برز في الحوار الدائر بين الحريري و»التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون.

الحريري، المقيم في المنفى (بين الرياض وباريس) يحاذر ملامسة أربعة خطوط حمر: الفراغ الرئاسي، الإيحاء بان له كلمة الفصل في تسمية «الرئيس المسيحي»، عقْد صفقة على حساب حلفائه المسيحيين في «14 آذار» والذهاب الى تفاهم سني - شيعي على الرئيس بمعزل عن المسيحيين.

وبات من الثابت ان الحريري، الذي أدار بحنكة حواره مع العماد عون، لم يشأ ان يدير ظهره لزعيم «التيار الوطني الحر» الذي يحاول تأمين توافق على ترشحه للرئاسة، لكنه نصحه بالانفتاح على مسيحيي «14 آذار» والتفاهم معهم ما دام «المربع الاول» من هذا الاستحقاق هو مسيحي.

وبهذا المعنى فان زعيم «تيار المستقبل» الذي افاد من «ايجابية» عون بإمرار الحكومة الحالية وبيانها الوزاري، لم يرغب في ان يقول «لا» صريحة لإمكان تبني ترشيح «الجنرال»، بل حاول الايحاء له بأن لا حظوظ لهذا الخيار رغم ما أشيع عن ان الحريري قال لصهر العماد عون والمحاور باسمه الوزير جبران باسيل، ان المستقبل أمامك.

وثمة مَن يعتقد ان العماد عون، الذي تمهّل في إعلان ترشحه، كان فهم من حليفه الأساسي “حزب الله” ان لا إمكان لايصاله الى الرئاسة بأصوات «8 آذار» منفردة، وتالياً عليه الذهاب الى «تيار المستقبل» لضمان تأييده، وهي المحاولة التي قام بها زعيم «التيار الوطني الحر» ولم تؤت ثمارها.

ومن غير المستبعد ان يكون «حزب الله»، الذي أحال عون على الحريري الذي أحاله بدوره على مسيحيي «14 آذار»، غير متحمس لخوض معركة زعيم «التيار الوطني الحر» الرئاسية، على غرار تفاديه خوض معارك مماثلة كان يريدها عون، ومن بينها عدم التمديد للبرلمان الحالي وعدم التمديد لقائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي.

فـ «حزب الله» المحرج الذي لم يعلن صراحة تأييده لمجيء عون الى الرئاسة، يدرك ان لا حظوظ رئاسية لزعيم «التيار الوطني الحر» الذي لن يحظى على الارجح بدعمِ لا رئيس البرلمان نبيه بري ولا الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، وتالياً فان «حزب الله» الذي جاهر بعزمه على تعطيل نصاب اي جلسة انتخاب ما دام لم يتم الاتفاق المسبق على الرئيس، لم يفصح حتى الآن عن مرشحه الحقيقي للرئاسة.

وبهذا المعنى، فان «حزب الله» بدا شديد الحذر في ترْك اللعبة الداخلية تأخذ مجراها بعدما أيقن، اقلّه حالياً، ان لا مجال لمقايضة الحريري على عودته الى بيروت والى رئاسة الحكومة بالتفاهم على اسم رئيس الجمهورية.

وهذه الاستحالة الداخلية في التفاهم على مخرج «يفرج» عن رئيس جديد للجمهورية، تؤشر الى امرين: إما ان البلاد ذاهبة الى فراغ قد يكون اكثر مدى من الفراغ الحكومي الذي استمرّ لاكثر من عشرة اشهر، وإما انتظار تفاهمات اقليمية - دولية تضغط في اتجاه انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية.

الاجواء في بيروت توحي في جانب منها بان «فخامة الفراغ» يشقّ طريقه الى الكرسي الرئاسي الذي قد يصبح «مقعداً» في مهبّ المتغيرات الاقليمية الغامضة، وتعاين في الجانب الآخر حركة فرنسية ما لتجنيب لبنان الكأس المُرة، وأبرز مظاهرها اتصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالنائب وليد جنبلاط.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي