تتحدث عن مسيرتها الفنية وصولاً إلى تسميتها بـ«الجامعة العربية»
هيام يونس تردّ عبر «الراي» على ملحم بركات: فيروز غنّت «البنت الشلبية»... هل هي خائنة؟
هيام يونس
هيام... الطفلة
في طفولتها مع زكي رستم في مشهد من فيلم «قلبي على ولدي»
تغني مع نانسي عجرم «دق أبواب الناس»
• «حرام» إلصاق تهمة الخيانة بمن يغني بغير اللهجة اللبنانية
• «تعلّق قلبي» أصبحت كالنشيد الوطني في العالم العربي
• في الكويت اعتبروني أفضل من غنّى اللون الكويتي من خارج البلد
•عندما غنيت اللون السعودي لم تكن المرأة الخليجية تغنّي
• قدمتُ مع نانسي عجرم «دق أبواب الناس» وأدّتها بنجاح كبير
• أسجّل أغنيات جديدة ... وأعيد تسجيل القديمة
• «تعلّق قلبي» أصبحت كالنشيد الوطني في العالم العربي
• في الكويت اعتبروني أفضل من غنّى اللون الكويتي من خارج البلد
•عندما غنيت اللون السعودي لم تكن المرأة الخليجية تغنّي
• قدمتُ مع نانسي عجرم «دق أبواب الناس» وأدّتها بنجاح كبير
• أسجّل أغنيات جديدة ... وأعيد تسجيل القديمة
هيام يونس فنانة من فنانات الجيل الجميل في لبنان، فهي وإلى جانب فيروز، تُعتبر الوحيدة المستمرة في العطاء بعد مشوار فني طويل. تاريخها الفني حافل بالنجاحات والعطاء والتكريمات والتقدير، ورصيدها الفني يضم 600 أغنية بمختلف اللهجات العربية، إلى حد أنها غنت لكل بلد عربي أغنية بلهجته كلاماً وشعراً.
حملت ألقاباً عدة، بينها «جامعة الدول العربية» و«معجزة القرن العشرين» وأصبحت أغنيتها «تعلّق قلبي» كالنشيد في العالم العربي. غنّت اللهجة الخليجية عندما كان ممنوع على المرأة الخليجية الغناء، ولذلك رحّب بها الجمهور الخليجي وتقبّلها، خصوصاً أنها أدّت لهجته بنجاح.
هيام يونس، الفنانة التي صنعت لنفسها نجومية بعمر الأربع سنوات واستمرت معها حتى اليوم، تحدثت في حوارها مع «الراي» عن بعض المواضيع الفنية، عن جيلها الفني وعن الجيل الفني الحالي، وردت على تصريح ملحم بركات حين خوّن من يغني بغير اللهجة اللبنانية، كما أبدت رأيها بنانسي عجرم وراغب علامة:
• من يتابع مسيرتك الفنية، يلاحظ أنك تحرصين على التواجد فنياً سواء من خلال الحفلات أم المقابلات الصحافية. فهل يعود السبب إلى كونك فنانة حقيقية تعبّر من خلال تواجدها عن حبها الكبير للفن؟
- الكل يعرف أنني بدأت الغناء وأنا في عمر 4 سنوات، وفي سن الخامسة شاركت في فيلم «قلبي على ولدي» الذي أدهش الناس كوني كنت طفلة ووقفتُ أمام زكي رستم وكمال الشناوي وأمينة رزق وشكري سرحان وعلي الكسار، وكانت معي يومها شقيقتي وتوأم روحي «نزهة». نجاح الفيلم الباهر جعل النقاد يطلقون عليّ «أعجوبة القرن العشرين». من خلال هذا الكلام، أحاول أن أقول إن مسيرتي الغنائية والفنية كانت حقيقية إلى درجة أنهم اعتبروني مكرّسة للفن بسبب احترافي المتواصل، سواء من خلال اللقاءات الإذاعية أم البرامج التلفزيونية أم الكتابة، لأنني كتبتُ في عمر عشر سنوات للتلفزيون. الفن هو رسالة بالنسبة إليّ وليس للكسب المادي. وإخلاصي له، بعدما غنيت بكل اللهجات العربية، من المحيط إلى الخليج، لم تتح الفرصة أمام الناس كي ينسوني، بل بقيت في أذهانهم وضمائرهم، وظلت الإذاعات العربية تبث أغنياتي بعدما كنتُ قد اعتكفتُ لفترة بسيطة خلال الحرب (في لبنان). ولأن الجمهور العربي طالب بي في كل مكان، عدتُ في البداية بإطلالات مدروسة ثم أصبح لي تكريم سنوي في كل دولة عربية، في الأردن وتونس واليمن والخليج والجزائر وليبيا. كل بلد غنّيت بلهجته وتراثه، لحناً وشعراً، كرّمني. وهذا كله زاد قناعة الجمهور العربي والناس بأنّه لا يمكن الاستغناء عن هيام يونس، وبأنّهم يحبون سماعها لأنها مخلصة لفنها وجمهورها.
• شددتِ على مسألة الإخلاص للفن، ولكن هل الفن وفيّ لصاحبه؟
- بكل صدق ومحبة وصراحة، كان الفن وفيّاً معي جداً جداً معنوياً، وهذا ما لمسته من حب الناس. إخلاصي للفن تُرجم بمحبة الناس ودعمهم لي في أي بلد تواجدت فيه. ولكن مادياً، كنا نتعامل مع الفن بطريقة تختلف عن تلك التي يتعامل من خلالها فنانو اليوم معه، لأننا لم نكن نسأل عن المادة. لا شك في أن الجمهور يبقى وفياً للفنان الوفيّ لفنه، ولكن في هذا الزمن صار التركيز الأكبر على الماديات عند بعض أهل الفن، وكذلك أخذتهم الشهرة وهذا لم يكن موجوداً في زمن الفن الأصيل. الفن كان ولا يزال حياتي، وأنا أعطيه من ذاتي وما زلت وفية له وهو وفي معي.
• ما السبب الذي يجعل فناناً من الزمن الجميل يبتعد كما هي الحال بالنسبة إلى الفنانة نجاح سلام، ويجعل فناناً آخر من الزمن نفسه يتمسك به؟
- المكافأة من الفن لا تكون مادية دائماً كما يحصل اليوم، حيث تأخذ المادة من أوقات الفنانين، بل هي تكون معنوية في غالبية الأحيان. وإذا تناولتُ تجربتي الخاصة، فإن تاريخي الفني مشرّف، وقد وجدتُ أنني لا أزال قادرة على العطاء، لأن من المهم جداً أن يظل الفنان قادراً على العطاء وأن تكون إطلالته متألقة ويحبها الناس وأن يكون لديه ما يقوله لهم.
• بدأتِ مشوارك الفني من خلال التمثيل، فما السبب الذي جعلك تنسحبين منه لمصلحة الغناء؟
- لم أنسحب من التمثيل، ولكن بعد فيلم «قلبي على ولدي» انشغلتُ بتحصيلي العلمي وكنت أنجز صفيّن سنوياً، لأنني كنت أعرف أنني لا أستطيع أن أكون كأي تلميذة عادية، كما انشغلت بارتباطاتي الغنائية في كل العالم العربي وهو ما كان يتطلب مني سفراً دائماً. التمثيل يحتاج إلى تفرغ، وتصوير الفيلم يتطلب من الفنان التواجد في مصر لمدة ثلاثة أشهر متتالية، وهذا الأمر كان متعذراً بالنسبة إليّ.
حالياً أقوم بتسجيل أغنيات جديدة، وحتى أغنياتي القديمة والمعروفة أعيد تسجيلها، ولكن بتوزيع موسيقي جديد. وأخيراً الفنانة نانسي عجرم، وحسب ما قالت لي، تحب أغنية «دق ابواب الناس» وكانت تتمنى لو تغنيها معي وتحقق هذا الأمر وغنيناها في قطر في مهرجان «سوق واقف». أرشيفي الغنائي يضم أكثر من 600 أغنية منوّعة، وما يفرح قلبي أن هيام لا تزال هيام والجمهور الطيب كان ولا يزال عائلتي الكبيرة وأنا لا أزال وفيّة له، ومهرجانات التكريم التي حظيت بها خلال الأعوام الـ 15 الأخيرة جعلتني لا أفكر إطلاقاً بالاعتزال.
• أشرتِ إلى أن التمثيل يحتاج إلى تفرّغ، ولكن في الأساس هل أحببتِ الغناء أكثر من التمثيل؟
- الفن كان بالنسبة إليّ رسالة، وأقصد بكلامي الفن الشامل. ولكن الظروف هي التي جعلتني أتفرغ للغناء أكثر من التمثيل. في مرحلة الطفولة مثلتُ «شونسونييه» مع نصري شمس الدين في الكويت ضمن إطار «ليالي لبنانية» في سينما الأندلس وهي حققت نجاحاً كبيراً. كما قدمتُ مسرحية «رياح شمالية». وكي أكون صريحة، الأسباب لا علاقة لها بالظروف فقط، بل كل إنسان لديه طاقة ومؤهلات، وأنا طاقتي ومؤهلاتي جعلتني أتفرغ للغناء أكثر من التمثيل.
• غنيتِ بلهجات جميع الدول العربية، والفنان ملحم بركات اتهم بالخيانة الفنان اللبناني الذي يغني بغير لهجته المحلية. ماذا تقولين في هذا الإطار؟
- نحن كلبنانيين معروف عنا أننا نجيد أكثر من لغة، فهل اللبناني الذي يتكلم الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الإيطالية بطلاقة يكون خائناً للغته العربية أو للهجته اللبنانية؟ كلا، بل هو إنسان موهوب وهناك تخصص اسمه ترجمة لغات. منذ طفولتي ومنذ أن كنت على مقاعد الدراسة كنتُ أهتم بالأدب العربي كثيراً ولديّ محاولات شعرية، حتى أنني راسلتُ نزار قباني وميخائيل نعيمة ومارون عبود وإحسان عبد القدوس، وبولس سلامة كان جاري. وقال لي نزار قباني يومها «بذرة الشعر التي تنام في أعماقك ستزهر عما قريب على أبواب بيتك وجوانب سريرك»، حتى أن «دار الصياد» تبنّتني عندما كنت طفلةً «مشروع أديبة».
«حرام» إلصاق تهمة الخيانة بمن يغني بغير اللهجة اللبنانية وإلا كيف يمكن أن نصل إلى العالمية، وكيف وصل بعض الأدباء إلى العالمية؟ الأخوان رحباني أوصلا الأغنية اللبنانية إلى العالمية.
اليوم أصبح العالم قرية وأصبح بإمكان الفنان اللبناني أن ينتشر في العالم كله ولم يعد من الممكن حصره بلهجته المحلية، شرط أن تظل الأغنية اللبنانية محور حياته وإنتاجه. وفي الكويت اعتبروني أفضل من غنّى اللون الكويتي، من خارج الكويت، وقدموا لي بطاقة شرف الانتساب إلى نقابة الفنانين الكويتيين ولم يعطوها لفنان غيري، والأمر نفسه حصل معي في ليبيا لأنني غنيت التراث الليبي لحناً وكلاماً. الفن والموسيقى ملك العالم كله ويشكلان لغة عالمية ولا يمكن التحدث عن خيانة. واليوم غالبية الفنانين العرب اتجهوا إلى غناء اللهجة اللبنانية، فهل خان صابر الرباعي بلده تونس عندما غنّى اللهجة اللبنانية ومن قبله شريفة فاضل التي غنت «حبيبي نجار»؟
فيروز غنت «يا جارة الوادي» من ألحان محمد عبد الوهاب و«البنت الشلبية» للشيخ الموسيقار سيد درويش، فهل هي خائنة للهجتها؟ حتى محطات التلفزيون تجمع اليوم في برامجها فنانين من كل العالم العربي يغنون ألوان بعضهم بعضاً. وأعتقد أن ما قاله ملحم بركات هو مجرّد وجهة نظر، ولكن وجهة نظري ووجهة نظر السواد الأعظم من الفنانين والجمهور، أن غناء الفنان بغير لهجته تكريم للبلد الذي يغني لهجته.
سميرة توفيق فنانة لبنانية ولكنها نجحت باللون الأردني وغيرها الكثيرون وهم كانوا سفراء لوطنهم في الخارج. كل شيء يسير في درب العالمية، حتى الفن، لأن لا حدود له، بل هو مشاع لكل الناس.
• عدد الفنانات اللبنانيات اللواتي برزن في زمن الفن الجميل، محدود جداً ويمكن القول إنه محصور بفيروز وصباح وسعاد محمد ونجاح سلام وسميرة توفيق وأنت، بينما نحن نعيش اليوم زمن «تفقيس» الفنانات. كيف تفسرين ذلك؟
- الناس عطشى للفن الذي يملأ القلب والروح، وأغنياتنا استمرت والناس يعرفونها ويطلبونها ويحفظونها. «تعلّق قلبي طفلة عربية» هي أغنية سعودية من ألحان الموسيقار طارق عبد الحكيم وشعر امرؤ القيس، وهي أصبحت كالنشيد الوطني في العالم العربي، وفي تونس 4 ملايين تونسي يحفظونها، وفي لبنان طلبت مني شاعرة ترجمة أغنية «دق ابواب الناس» إلى اللغة الفرنسية وسأسجلها بهذه اللغة، ومَن يملك الموهبة يمكن أن يكون فناناً شاملاً.
• وبالنسبة إلى مسألة «تفقيس الفنانات»؟
- كل فنان يتميز بطابع وشخصية، وأنا تميّزتُ بأنني جمعت بين ألوان غنائية عديدة، منذ طفولتي. أنا لست طارئة على الفن العربي، وسأتخلى عن بعض من تواضعي الذي أحبه وأحب أن يكون سمة من سماتي. أنا يسمونني «الجامعة العربية» كوني قرّبت الفن العربي إلى أسماع الناس في العالم.
• كيف كانت المنافسة بينك وبين سميرة توفيق؟
- سميرة غنت اللون الأردني، أما أنا فغنيّت الألوان واللهجات العربية المختلفة السعودية والكويتية والإماراتية والبحرينية والعُمانية والقطرية، كذلك اليمنية والليبية والتونسية والجزائية والأردنية والمصرية.
• لكن المنافسة بين الفنانات لا تقتصر على اللون الغنائي الواحد، بل يمكن أن تتعداها إلى مجالات أخرى؟
- لا توجد فنانة لبنانية غنت اللهجات العربية مثلي أنا، واستمر الأمر إلى ما قبل 15 عاماً حين اتجه البعض إلى غناء اللون الخليجي.
• من المعروف أن المجتمع الخليجي كان يعارض غناء المرأة الخليجية، فهل نجحتن كفنانات لبنانيات بالتعويض عن غياب الفنانة الخليجية عن الساحة الغنائية؟
- عندما غنيتُ اللون السعودي لم تكن المرأة السعودية تغني ولا حتى الخليجية. أنا لم أكن مواطنة سعودية أو خليجية، وهذا كان سبباً في تشجيع الخليجيين لي لأنني غنيت بغير لهجتي وأجدت غناءها واشتهرت أغنياتي. وأغنية «سمراء» مثلاً باعت مليون أسطوانة ومثلها «يا مين يسلملي ع الغالي» و«تعلق قلبي».
• كل خطواتك كانت مبكرة في مجال الفن وكأنك كنت في سباق مع الزمن، ولكن لماذا خطوة الزواج جاءت متأخرة؟
- لأنني كنت مكرسة للفن. كنت أمضي وقتي في التسجيل في الإذاعة اللبنانية أو إجراء لقاءات صحافية وتلفزيونية مسائية. الفن أخذ الكثير من وقتي ولم أستطع التفكير في الزواج، ووالدتي كانت تقول لي دائما «يا ماما قبل ما موت بدي شوفك عروس».
• هل ندمتِ لأنك تزوجتِ في سنّ متأخرة؟
- لا. الفن الراقي لا يزال يستهويني وأحبه. وبعد كل هذه السنوات الطويلة من التاريخ الفني والاحتراف لا أزال اتعامل مع الفن وكأنني هاوية. من المعروف أنني أول مَن غنى على الربابة عندما كنتُ في سن العاشرة. ومنذ طفولتي اعتبروني نجمة، في حين أن كثيرين اختاروا السير في طريق الفرانكو آراب، وأنا تميّزتُ في غناء القصيدة إلى جانب غنائي اللهجات العربية المختلفة.
• هل صحيح أنك ترغبين في «ديو» غنائي مع راغب علامة؟
- في الحقيقة وُجه إليّ السؤال التالي: الديو مع نانسي عجرم كان ناجحاً جداً، وسنطرح عليك أربعة أسماء فهل توافقين على الغناء معها في حال طلب مُنك ذلك وهم وائل كفوري وعاصي الحلاني وراغب علامة ونسيتُ اسم الرابع. فقلت لهم الأسماء التي ذكرتموها تعود لفنانين كبار وأنا احب الاستماع إليهم، ولكن راغب كان معنا في قطر وأثناء هبوطنا درج الطائرة في قطر «رندح بظرف تعلق قلبي في فتى عربية»، فقلت لهم إذا أحب الاستاذ راغب أن يسجّل معي هذه الأغنية على شكل ديو فلا شك أنني أرحب بذلك.
• لنفترض أن مشروع «الديو» بينك وبينه تمّ على أساس إحدى أغنياته، فهل تقبلين أيضاً؟
- أشعر بأن كل أهل الفن الحالي يحبون أغنياتنا. وقبل نانسي غنّى كثيرون «دق ابواب الناس»، كما أن البعض طلب إعادة غناء عدد من أغنياتي وبينها «سافر يا حبيبي وارجع» و«لا والله» و«يا حبيب الدار» و«جدلي يام الجدايل»، وأنا وافقت على أغنية «دق ابواب الناس» لأنها أغنيتي ولأن نانسي رغبت بمشاركتي في غنائها وأدتها بنجاح كبير، ولذلك مَن يرغب في غناء إحدى أغنياتي معي، فلن أمانع على الإطلاق.
حملت ألقاباً عدة، بينها «جامعة الدول العربية» و«معجزة القرن العشرين» وأصبحت أغنيتها «تعلّق قلبي» كالنشيد في العالم العربي. غنّت اللهجة الخليجية عندما كان ممنوع على المرأة الخليجية الغناء، ولذلك رحّب بها الجمهور الخليجي وتقبّلها، خصوصاً أنها أدّت لهجته بنجاح.
هيام يونس، الفنانة التي صنعت لنفسها نجومية بعمر الأربع سنوات واستمرت معها حتى اليوم، تحدثت في حوارها مع «الراي» عن بعض المواضيع الفنية، عن جيلها الفني وعن الجيل الفني الحالي، وردت على تصريح ملحم بركات حين خوّن من يغني بغير اللهجة اللبنانية، كما أبدت رأيها بنانسي عجرم وراغب علامة:
• من يتابع مسيرتك الفنية، يلاحظ أنك تحرصين على التواجد فنياً سواء من خلال الحفلات أم المقابلات الصحافية. فهل يعود السبب إلى كونك فنانة حقيقية تعبّر من خلال تواجدها عن حبها الكبير للفن؟
- الكل يعرف أنني بدأت الغناء وأنا في عمر 4 سنوات، وفي سن الخامسة شاركت في فيلم «قلبي على ولدي» الذي أدهش الناس كوني كنت طفلة ووقفتُ أمام زكي رستم وكمال الشناوي وأمينة رزق وشكري سرحان وعلي الكسار، وكانت معي يومها شقيقتي وتوأم روحي «نزهة». نجاح الفيلم الباهر جعل النقاد يطلقون عليّ «أعجوبة القرن العشرين». من خلال هذا الكلام، أحاول أن أقول إن مسيرتي الغنائية والفنية كانت حقيقية إلى درجة أنهم اعتبروني مكرّسة للفن بسبب احترافي المتواصل، سواء من خلال اللقاءات الإذاعية أم البرامج التلفزيونية أم الكتابة، لأنني كتبتُ في عمر عشر سنوات للتلفزيون. الفن هو رسالة بالنسبة إليّ وليس للكسب المادي. وإخلاصي له، بعدما غنيت بكل اللهجات العربية، من المحيط إلى الخليج، لم تتح الفرصة أمام الناس كي ينسوني، بل بقيت في أذهانهم وضمائرهم، وظلت الإذاعات العربية تبث أغنياتي بعدما كنتُ قد اعتكفتُ لفترة بسيطة خلال الحرب (في لبنان). ولأن الجمهور العربي طالب بي في كل مكان، عدتُ في البداية بإطلالات مدروسة ثم أصبح لي تكريم سنوي في كل دولة عربية، في الأردن وتونس واليمن والخليج والجزائر وليبيا. كل بلد غنّيت بلهجته وتراثه، لحناً وشعراً، كرّمني. وهذا كله زاد قناعة الجمهور العربي والناس بأنّه لا يمكن الاستغناء عن هيام يونس، وبأنّهم يحبون سماعها لأنها مخلصة لفنها وجمهورها.
• شددتِ على مسألة الإخلاص للفن، ولكن هل الفن وفيّ لصاحبه؟
- بكل صدق ومحبة وصراحة، كان الفن وفيّاً معي جداً جداً معنوياً، وهذا ما لمسته من حب الناس. إخلاصي للفن تُرجم بمحبة الناس ودعمهم لي في أي بلد تواجدت فيه. ولكن مادياً، كنا نتعامل مع الفن بطريقة تختلف عن تلك التي يتعامل من خلالها فنانو اليوم معه، لأننا لم نكن نسأل عن المادة. لا شك في أن الجمهور يبقى وفياً للفنان الوفيّ لفنه، ولكن في هذا الزمن صار التركيز الأكبر على الماديات عند بعض أهل الفن، وكذلك أخذتهم الشهرة وهذا لم يكن موجوداً في زمن الفن الأصيل. الفن كان ولا يزال حياتي، وأنا أعطيه من ذاتي وما زلت وفية له وهو وفي معي.
• ما السبب الذي يجعل فناناً من الزمن الجميل يبتعد كما هي الحال بالنسبة إلى الفنانة نجاح سلام، ويجعل فناناً آخر من الزمن نفسه يتمسك به؟
- المكافأة من الفن لا تكون مادية دائماً كما يحصل اليوم، حيث تأخذ المادة من أوقات الفنانين، بل هي تكون معنوية في غالبية الأحيان. وإذا تناولتُ تجربتي الخاصة، فإن تاريخي الفني مشرّف، وقد وجدتُ أنني لا أزال قادرة على العطاء، لأن من المهم جداً أن يظل الفنان قادراً على العطاء وأن تكون إطلالته متألقة ويحبها الناس وأن يكون لديه ما يقوله لهم.
• بدأتِ مشوارك الفني من خلال التمثيل، فما السبب الذي جعلك تنسحبين منه لمصلحة الغناء؟
- لم أنسحب من التمثيل، ولكن بعد فيلم «قلبي على ولدي» انشغلتُ بتحصيلي العلمي وكنت أنجز صفيّن سنوياً، لأنني كنت أعرف أنني لا أستطيع أن أكون كأي تلميذة عادية، كما انشغلت بارتباطاتي الغنائية في كل العالم العربي وهو ما كان يتطلب مني سفراً دائماً. التمثيل يحتاج إلى تفرغ، وتصوير الفيلم يتطلب من الفنان التواجد في مصر لمدة ثلاثة أشهر متتالية، وهذا الأمر كان متعذراً بالنسبة إليّ.
حالياً أقوم بتسجيل أغنيات جديدة، وحتى أغنياتي القديمة والمعروفة أعيد تسجيلها، ولكن بتوزيع موسيقي جديد. وأخيراً الفنانة نانسي عجرم، وحسب ما قالت لي، تحب أغنية «دق ابواب الناس» وكانت تتمنى لو تغنيها معي وتحقق هذا الأمر وغنيناها في قطر في مهرجان «سوق واقف». أرشيفي الغنائي يضم أكثر من 600 أغنية منوّعة، وما يفرح قلبي أن هيام لا تزال هيام والجمهور الطيب كان ولا يزال عائلتي الكبيرة وأنا لا أزال وفيّة له، ومهرجانات التكريم التي حظيت بها خلال الأعوام الـ 15 الأخيرة جعلتني لا أفكر إطلاقاً بالاعتزال.
• أشرتِ إلى أن التمثيل يحتاج إلى تفرّغ، ولكن في الأساس هل أحببتِ الغناء أكثر من التمثيل؟
- الفن كان بالنسبة إليّ رسالة، وأقصد بكلامي الفن الشامل. ولكن الظروف هي التي جعلتني أتفرغ للغناء أكثر من التمثيل. في مرحلة الطفولة مثلتُ «شونسونييه» مع نصري شمس الدين في الكويت ضمن إطار «ليالي لبنانية» في سينما الأندلس وهي حققت نجاحاً كبيراً. كما قدمتُ مسرحية «رياح شمالية». وكي أكون صريحة، الأسباب لا علاقة لها بالظروف فقط، بل كل إنسان لديه طاقة ومؤهلات، وأنا طاقتي ومؤهلاتي جعلتني أتفرغ للغناء أكثر من التمثيل.
• غنيتِ بلهجات جميع الدول العربية، والفنان ملحم بركات اتهم بالخيانة الفنان اللبناني الذي يغني بغير لهجته المحلية. ماذا تقولين في هذا الإطار؟
- نحن كلبنانيين معروف عنا أننا نجيد أكثر من لغة، فهل اللبناني الذي يتكلم الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية أو الإيطالية بطلاقة يكون خائناً للغته العربية أو للهجته اللبنانية؟ كلا، بل هو إنسان موهوب وهناك تخصص اسمه ترجمة لغات. منذ طفولتي ومنذ أن كنت على مقاعد الدراسة كنتُ أهتم بالأدب العربي كثيراً ولديّ محاولات شعرية، حتى أنني راسلتُ نزار قباني وميخائيل نعيمة ومارون عبود وإحسان عبد القدوس، وبولس سلامة كان جاري. وقال لي نزار قباني يومها «بذرة الشعر التي تنام في أعماقك ستزهر عما قريب على أبواب بيتك وجوانب سريرك»، حتى أن «دار الصياد» تبنّتني عندما كنت طفلةً «مشروع أديبة».
«حرام» إلصاق تهمة الخيانة بمن يغني بغير اللهجة اللبنانية وإلا كيف يمكن أن نصل إلى العالمية، وكيف وصل بعض الأدباء إلى العالمية؟ الأخوان رحباني أوصلا الأغنية اللبنانية إلى العالمية.
اليوم أصبح العالم قرية وأصبح بإمكان الفنان اللبناني أن ينتشر في العالم كله ولم يعد من الممكن حصره بلهجته المحلية، شرط أن تظل الأغنية اللبنانية محور حياته وإنتاجه. وفي الكويت اعتبروني أفضل من غنّى اللون الكويتي، من خارج الكويت، وقدموا لي بطاقة شرف الانتساب إلى نقابة الفنانين الكويتيين ولم يعطوها لفنان غيري، والأمر نفسه حصل معي في ليبيا لأنني غنيت التراث الليبي لحناً وكلاماً. الفن والموسيقى ملك العالم كله ويشكلان لغة عالمية ولا يمكن التحدث عن خيانة. واليوم غالبية الفنانين العرب اتجهوا إلى غناء اللهجة اللبنانية، فهل خان صابر الرباعي بلده تونس عندما غنّى اللهجة اللبنانية ومن قبله شريفة فاضل التي غنت «حبيبي نجار»؟
فيروز غنت «يا جارة الوادي» من ألحان محمد عبد الوهاب و«البنت الشلبية» للشيخ الموسيقار سيد درويش، فهل هي خائنة للهجتها؟ حتى محطات التلفزيون تجمع اليوم في برامجها فنانين من كل العالم العربي يغنون ألوان بعضهم بعضاً. وأعتقد أن ما قاله ملحم بركات هو مجرّد وجهة نظر، ولكن وجهة نظري ووجهة نظر السواد الأعظم من الفنانين والجمهور، أن غناء الفنان بغير لهجته تكريم للبلد الذي يغني لهجته.
سميرة توفيق فنانة لبنانية ولكنها نجحت باللون الأردني وغيرها الكثيرون وهم كانوا سفراء لوطنهم في الخارج. كل شيء يسير في درب العالمية، حتى الفن، لأن لا حدود له، بل هو مشاع لكل الناس.
• عدد الفنانات اللبنانيات اللواتي برزن في زمن الفن الجميل، محدود جداً ويمكن القول إنه محصور بفيروز وصباح وسعاد محمد ونجاح سلام وسميرة توفيق وأنت، بينما نحن نعيش اليوم زمن «تفقيس» الفنانات. كيف تفسرين ذلك؟
- الناس عطشى للفن الذي يملأ القلب والروح، وأغنياتنا استمرت والناس يعرفونها ويطلبونها ويحفظونها. «تعلّق قلبي طفلة عربية» هي أغنية سعودية من ألحان الموسيقار طارق عبد الحكيم وشعر امرؤ القيس، وهي أصبحت كالنشيد الوطني في العالم العربي، وفي تونس 4 ملايين تونسي يحفظونها، وفي لبنان طلبت مني شاعرة ترجمة أغنية «دق ابواب الناس» إلى اللغة الفرنسية وسأسجلها بهذه اللغة، ومَن يملك الموهبة يمكن أن يكون فناناً شاملاً.
• وبالنسبة إلى مسألة «تفقيس الفنانات»؟
- كل فنان يتميز بطابع وشخصية، وأنا تميّزتُ بأنني جمعت بين ألوان غنائية عديدة، منذ طفولتي. أنا لست طارئة على الفن العربي، وسأتخلى عن بعض من تواضعي الذي أحبه وأحب أن يكون سمة من سماتي. أنا يسمونني «الجامعة العربية» كوني قرّبت الفن العربي إلى أسماع الناس في العالم.
• كيف كانت المنافسة بينك وبين سميرة توفيق؟
- سميرة غنت اللون الأردني، أما أنا فغنيّت الألوان واللهجات العربية المختلفة السعودية والكويتية والإماراتية والبحرينية والعُمانية والقطرية، كذلك اليمنية والليبية والتونسية والجزائية والأردنية والمصرية.
• لكن المنافسة بين الفنانات لا تقتصر على اللون الغنائي الواحد، بل يمكن أن تتعداها إلى مجالات أخرى؟
- لا توجد فنانة لبنانية غنت اللهجات العربية مثلي أنا، واستمر الأمر إلى ما قبل 15 عاماً حين اتجه البعض إلى غناء اللون الخليجي.
• من المعروف أن المجتمع الخليجي كان يعارض غناء المرأة الخليجية، فهل نجحتن كفنانات لبنانيات بالتعويض عن غياب الفنانة الخليجية عن الساحة الغنائية؟
- عندما غنيتُ اللون السعودي لم تكن المرأة السعودية تغني ولا حتى الخليجية. أنا لم أكن مواطنة سعودية أو خليجية، وهذا كان سبباً في تشجيع الخليجيين لي لأنني غنيت بغير لهجتي وأجدت غناءها واشتهرت أغنياتي. وأغنية «سمراء» مثلاً باعت مليون أسطوانة ومثلها «يا مين يسلملي ع الغالي» و«تعلق قلبي».
• كل خطواتك كانت مبكرة في مجال الفن وكأنك كنت في سباق مع الزمن، ولكن لماذا خطوة الزواج جاءت متأخرة؟
- لأنني كنت مكرسة للفن. كنت أمضي وقتي في التسجيل في الإذاعة اللبنانية أو إجراء لقاءات صحافية وتلفزيونية مسائية. الفن أخذ الكثير من وقتي ولم أستطع التفكير في الزواج، ووالدتي كانت تقول لي دائما «يا ماما قبل ما موت بدي شوفك عروس».
• هل ندمتِ لأنك تزوجتِ في سنّ متأخرة؟
- لا. الفن الراقي لا يزال يستهويني وأحبه. وبعد كل هذه السنوات الطويلة من التاريخ الفني والاحتراف لا أزال اتعامل مع الفن وكأنني هاوية. من المعروف أنني أول مَن غنى على الربابة عندما كنتُ في سن العاشرة. ومنذ طفولتي اعتبروني نجمة، في حين أن كثيرين اختاروا السير في طريق الفرانكو آراب، وأنا تميّزتُ في غناء القصيدة إلى جانب غنائي اللهجات العربية المختلفة.
• هل صحيح أنك ترغبين في «ديو» غنائي مع راغب علامة؟
- في الحقيقة وُجه إليّ السؤال التالي: الديو مع نانسي عجرم كان ناجحاً جداً، وسنطرح عليك أربعة أسماء فهل توافقين على الغناء معها في حال طلب مُنك ذلك وهم وائل كفوري وعاصي الحلاني وراغب علامة ونسيتُ اسم الرابع. فقلت لهم الأسماء التي ذكرتموها تعود لفنانين كبار وأنا احب الاستماع إليهم، ولكن راغب كان معنا في قطر وأثناء هبوطنا درج الطائرة في قطر «رندح بظرف تعلق قلبي في فتى عربية»، فقلت لهم إذا أحب الاستاذ راغب أن يسجّل معي هذه الأغنية على شكل ديو فلا شك أنني أرحب بذلك.
• لنفترض أن مشروع «الديو» بينك وبينه تمّ على أساس إحدى أغنياته، فهل تقبلين أيضاً؟
- أشعر بأن كل أهل الفن الحالي يحبون أغنياتنا. وقبل نانسي غنّى كثيرون «دق ابواب الناس»، كما أن البعض طلب إعادة غناء عدد من أغنياتي وبينها «سافر يا حبيبي وارجع» و«لا والله» و«يا حبيب الدار» و«جدلي يام الجدايل»، وأنا وافقت على أغنية «دق ابواب الناس» لأنها أغنيتي ولأن نانسي رغبت بمشاركتي في غنائها وأدتها بنجاح كبير، ولذلك مَن يرغب في غناء إحدى أغنياتي معي، فلن أمانع على الإطلاق.