تأبين / ابتعد عن الانتماءات السياسية والحزبية... وانتصر للإنسان

ماركيز... أسّس للرواية واقعيتها العجائبية الخالصة

u063au0627u0628u0631u064au064au0644 u063au0627u0631u0633u064au0627 u0645u0627u0631u0643u064au0632
غابرييل غارسيا ماركيز
تصغير
تكبير
لم يكن الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز مبدعا تقليديا... بقدر ما كان محركا أساسيا للحياة ومعبرا- بإخلاص- عن الإنسان الذي نطمح إلى التقرب من أفكاره بكل ما تحمل هذه الأفكار من انفعالات ومشاعر.

إنه ماركيز الذي شغل الحياة الأدبية إبداعا وصحافة وفكرا ورؤية وكذلك سياسة... غاب عنا بينما ستظل كل كلمة وضعها في إطارها الإنساني السليم، حاضرة في أذهاننا... إنه الكاتب الذي أفنى سنوات طويلة من عمره في سبيل رسم ملامح جديدة للحياة، وفي تجسيد روح الإنسان- أفضل تجسيد- وذلك من خلال افتتانه بالواقعية السحرية، تلك التي تناول من خلالها معظم - إن لم يكن كل - كتاباته- تلك الواقعية التي امتزج فيها الخيال بالواقع والحقيقة بالخوارق واللا معقول، متحديا بهذه الطريق الظروف التي أحاطت به في بلده، ومن ثم فقد لقيت هذه الطريق رواجا واستحسانا شديدين في الأوساط الأدبية، ما اسهم في انتشارها وحصولها على متابعات كبيرة من الجمهور.

ماركيز... لم يحصل على تميزه فقط من خلال إبداعه لملحمة «مئة عام من العزلة»، التي نال عنها جائزة نوبل في الادب في عام 1982، وليس لكونه أشهر روائي في أميركا اللاتينية وبيعت عشرات الملايين من نسخ كتبه. وليس لأنه صاحب «خريف البطريرك» و«الحب في زمن الكوليرا»، و«وقائع موت معلن»... ولكنه حصل على تميزه وشهرته من خلال الاحتفاء الجميل الذي أولاه للإنسان، والتفاني في تكريس رؤاه الإبداعية في التأكيد على أهمية الكلمة في ترويض الواقع وجعله في متناول الحب والحلم.

إنه الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الحائز جائزة نوبل للآداب، والذي توفي عن 87 عاما، كان له القدرة الفائقة على تحريك السكون وتسكين المتحرك، من خلال متوالية أدبية، استعمل فيها الواقعية السحرية أو العجائبية، والتي كان فيها الإنسان هو اللغة والمكان والرؤي، ومن ثم فقد نجح في التأكيد على فكرته في أريحية وتميز شديدين.

حتى في زواجه كان ماركيز متميزا حينما اختار اللبنانية ميرثيديس بارشا وهي حفيدة أحد المهاجرين المصريين، وهو الزواج الذي كان ماركيز يفتخر به بين أصدقائه، مما يدل على انجزابه نحو الشرق بسحره وأحلامه، ويؤكد ذلك على وقوفه القوي في صف القضية الفلسطينية، ومواجهة التعنت الإسرائيلي بالرفض والاستنكار.

ولا غرو أن ماركيز حرص على تناول العزلة في معظم أعماله، تلك العزلة التي اكتسبها من خلال نشأته القروية، ومن خلال بحثه عن الجمال والحلم، وبغضه للصخب والبريق الزائف التي ربما تتماهى أشياء الحياة، كما أن هذه العزلة كانت تعبيرا صادقا عن الوحدة والبحث المضني عن الحب.

والإنسان ماركيز رفض في كل مواقفه ان يكون إبداعه أداة سياسية لدى أي فريق ضد فريق آخر، رغم معايشته للتجاذبات السياسية التي عاشها بلده، وبالتي فقد حرص على أن يكون عمله الأدبي موجها للإنسان- أي كان- سواء كان من خلال مضامين سياسية أم اجتماعية أم عجائبية، واستطاع بفضل موهبته المتوهجة الكشف عن الواقع باسلوب مدهش وموضوعي، مما أبعده عن التصنيفات السياسية والحزبية وغيرها.

ومع ذلك فقد ربطته صداقات بزعماء سياسيين مثل كاسترو وياسر عرفات وغيرهما، من الذين كان يرى انهم يقفون بكل قوة في دفاعهم عن المظلومين والمنفيين.

وعندما سُئل غابرييل غارسيا ماركيز في عام 1983: «هل أنت شيوعي؟»، أجاب بقوله: «بالطبع لا. أنا غير ذلك ولم أكن كذلك سابقًا. ولم أشكل طيلة حياتي أي جزء من أي حزب سياسي».

ومنذ أكثر من خمس سنوات مضت- بعدما تمكن المرض من ماركيز - تداول الناس وصية يرى البعض أنها صدرت من ماركيز، غير أن التحقق من صحتها أو تلفيقها لم تكن متاحة، خصوصا وأن ماركيز في السنوات الأخيرة من حياته وبفعل العلاج الكيماوي اصيب بالخرف.

ومع ذلك فإن هذه الوصية تحمل في مضامينها الإنسان الذي كان يتلبس ماركيز في حياته الممتدة بالإبداع وتقول الوصية:

سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه.

سأسير في ما يتوقف الآخرون، وسأصحو في ما الكلّ نيام».

وتستمر الوصية في البوح: «لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سرّ السعادة تكمن في تسلقه.

تعلّمت أن المولود الجديد حين يشد على اصبع أبيه للمرّة الأولى فذلك يعني انه أمسك بها إلى الأبد.

وختمت الوصية بقوله: «حافظ بقربك على من تحب، أهمس في أذنهم أنك بحاجة إليهم، أحببهم واعتني بهم، وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكل كلمات الحب التي تعرفها».

انه - بكل تأكيد- ماركيز... الذي أطاعته الفكرة فتكونت أجمل الكلمات، وأخلص الروايات، وأنقى الأحلام، التي تؤسس للإنسان حياته، وتدافع عن طموحاته... بالكلمة الصادقة والرغبة الشديدة في مقاومة الظلم أي كان موقعه.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي