منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي

ثقافة العاطفة...!

تصغير
تكبير
هناك حمل يقع على كاهل الإنسان كي يقوم بشيء، أو يتخلى عن شيء، أو يتلاءم مع شيء يشعر أنه خارج حدود استطاعته أو مصلحته الحيوية، والحمل هو نتاج صراع حاد بين مبادئ الإنسان ومصالحه، ومن هذه الأحمال قضية المرأة التي تلاحقت السجالات والاحتجاجات والمناقشات الساخنة في سبيل إنهاض وإنماء وتفعيل دورها في غالبية المجتمعات المتقدمة، إلا أن هذا المنظور السجالي جعل قضية المرأة تراوح مكانها لتغوص في معمعة السجالات، وذلك لارتفاع وتيرة نقد قضاياها، ولاختلاف منظورات النخب والجماعات في رؤيتها الفكرية والاجتماعية والسياسية لقضايا المرأة، فكان نتاج وحصيلة هذه السجالات والاحتجاجات إغلاق هوامش الانفتاح وإمكانات تواصلها مع المجتمعات، وجعل كل من يناقش أو يحاور قضية من قضايا المرأة ينطلق بذهنية الصدام، والتعامل معها على أنها معركة لابد من الانتصار فيها.

ومن الأحمال التي أثقلت كواهلنا قضية السياسة الكويتية، نحن نعيش بمجتمع عاطفي شعوري غالبا ما تكون ردود أفعاله منطلقة من التعاطف مع الفعل أو استنكاره من دون حجة، وهذا يسبب للإنسان ضغطا عاطفيا، ولطالما العلاقة بين العاطفة والفكر ثابتة، فعندما نتعلق بشيء نستحث عقولنا على إنتاج الأفكار والبراهين التي تسوغ هذا التعلق بأسلوب غير واقعي ليتماشى مع القسر العاطفي وليس مع الحقائق الموضوعية والأصول والكليات التي تشكل المنهج الذي ننتهجه لتكون ردود أفعالنا منطقية وعقلانية وواقعية لأي حدث.


ومن أهم الأحمال التي أرهقت الإنسان دور الأسرة الوكيل عن المجتمع بتربية صغارها، لتلبية رغبات المجتمع والتعريفات التي يضعها لما هو مقبول وما هو غير مقبول، وبين تربية الأبناء من أجل تلبية رغبات الأبوين، وهذا الحمل يؤدي إلى تشنج علاقة الأبناء بالأفراد المحيطين بهم سواءً من الأسرة أو خارجها، وتظهر آثار التشنج على شكل ضغط نفسي تعود على الابن بممارسة بعض العادات السيئة سواء كانت سلوكية أو قولية وتكبر معه إلى أن يصبح رجلا، ويخرج للمجتمع برداء الاعتراض والاحتجاج وأحيانا الرفض لبعض الأعراف والقوانين ويتجاوز أطرها ليصبح فردا غير صالح ولا نافع لمجتمعه.

ومن الأحمال الضرورية التي تفرض نفسها على الإنسان ذلك الالتزام بأحكام الشرع من أوامر ونواهٍ، والوقوف عند أعراف المجتمع المسلم الصارمة تجاه كثير من المحرمات والتي هي ضرورية لوحدة المجتمع وتماسكه، وكيفية إسقاط هذه الأحكام والأعراف النظرية على أرض الواقع بتوازن واعتدال من دون غلو وتطرف أو تراخٍ وتميع، ليصبح سلوك الفرد متوافقا مع أحكام شريعته وأعراف مجتمعه، سلوك خالٍ من النفاق والمداهنة، أي تكون شخصيته متزنة لا تعاني من انفصام، متطابقة في الباطن والظاهر، بحيث لا يكون اعتقاده شيئا وسلوكه شيئا آخر.

الأحمال كثيرة وعديدة وضرورية وحين نواجهها نحتاج أن نتأمل فيها لدفعها باتجاه الخير والفضيلة، بتخطيط استراتيجي لفتح خط وقناة مباشرة تساعدنا على إدراك وإيجاد أداة تمكننا من مواجهة الأحمال بإيجابية، ونظرة تفاؤلية، تعيننا على تصنيف الأعباء بكيفية التعامل معها وحملها من دون أن تقطع كواهلنا، وحتى لا نعيش بدوامة الصراع ما بين المبادئ والمصالح علينا أن نوازن بينهما حتى لا يعارض أو يصادم أحدهما الآخر.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي