الرأي اليوم / حكومة الكويت الغائب الأكبر عن... الاتفاقية الأمنية!

تصغير
تكبير
فجأة، انتهت كل مشاكل الديرة وانحصرت بالاتفاقية الأمنية الخليجية... تراجعت قضايا الاسكان والتعليم والكوادر والرواتب والعلاوات والصحة وغيرها ولم يبق في الميدان إلا «حميدان» الاتفاقية. هذا يريدها معبراً لحملة هجوم جديدة على الحكومة، وذاك يريدها منصة اطلاق صواريخ على دول الجوار، وثالث يريدها نقطة انطلاق جديدة لمشاريعه الخامدة، ورابع يريدها منطلقا لتصفية حسابات مع خصومه السياسيين في الداخل، وخامس «يطبل» للحكومة من دون ان يقرأ ربما حرفا من الاتفاقية، وسادس ينطق بلسان إقليمي، وسابع وثامن وتاسع... فيما الغائب الاكبر عن الاتفاقية هو الحكومة نفسها.

أنا كمواطن كويتي، مقاربتي لأي اتفاقية أمنية أو غير أمنية هو مدى انسجامها أو تعارضها مع دستورنا وقوانيننا وتشريعاتنا وثوابتنا الديموقراطية ومكتسباتنا، والأهم من ذلك كله خصوصيتنا التي نتميز بها عن الجميع في ما يتعلق بالحكم والعقد والعهد، وهي الخصوصية التي تجلت في منعطفات مصيرية عدة اثبت الكويتيون من خلالها ان سقف التعددية لديهم مرتفع جدا لكن الجميع في الملمات يلتفون حول الثوابت... ولنا في دروس تجربة الغزو السوداء اكثر من دلالة.


هذه الكيمياء الخاصة في الكويت هي ما يهمنا ان تستمر في التفاعل الايجابي لترسيخ معادلات وطنية دائمة الثبات، ولذلك فإن أي قضية أو اتفاقية يثبت انها تعدت بشعرة واحدة على دستورنا ومكتسباتنا... مرفوضة في الشكل والمضمون.

أصوات كثيرة نيابية وحقوقية واكاديمية ومعارضة وموالية هاجمت الاتفاقية، والحكومة ردت بأن كل الملاحظات التي قيلت حول الاتفاقية غير صحيحة. حسنا، ومع الاحترام الكامل للحكومة، نريدها ان تثبت وجهة نظرها وتشرح لنا كيف ان الاتفاقية الأمنية جيدة ومهمة وتخدم الكويت أولا والتعاون مع مجلس التعاون ثانيا.

انتظرنا كثيرا، ثم رأينا اتفاقية امنية نشرناها قبل اشهر لكن مصدرها لم يكن الحكومة. انتظرنا اكثر لعل الحكومة توضح وجهة نظرها في ما هو منشور لكن احدا لم يتحدث، عقدت أكثر من قمة خليجية وتشاورية خلال الفترة الفاصلة بين نشر الاتفاقية والضجة المثارة حولها اليوم... والحكومة «عمك اصمخ». ثارت الضجة ففاضت قريحة الحكومة بجملة من كلمات خمس تقول فيها ان الاتفاقية جيدة... يا سلام... و«بعدين»؟

رب ضارة نافعة، فموضوع الجدل الذي رافق الاتفاقية الأمنية كشف عورة حكومية لا ندري كيف سيتم سترها. وهنا نتساءل: أما آن الآوان للحكومة الكويتية ان تبادر بشكل طبيعي لشرح وجهة نظرها في ما يتعلق بالمبادرات الجدية والمصيرية والمهمة للدولة؟ أما آن الآوان كي نرى حكومة تطرح قضية وتسوقها إعلاميا وسياسياً وشعبياً لشرح وجهة نظرها وعرض الايجابيات والسلبيات بدل ان تترك هذا الأمر للحراك السياسي والشعبي والنيابي والاعلامي؟ أما آن الاوان للحكومة كي تصحح أخطاء تاريخية وقعت بها الحكومات السابقة من خلال اعتبارها الشعب في «جيبها» واتخاذ القرارات عنه؟ ألا تعرف كيف تتخذ القرارات معه؟ ألسنا شركاء؟

وهذه التساؤلات تفتح الباب على أمور كثيرة اذا ما اردنا حصر الموضوع في الاتفاقيات الامنية. ألم تعقد الكويت اتفاقات امنية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية؟ ألم تعرض هذه الاتفاقات على مجالس الأمة السابقة؟ ألم تقرها هذه المجالس بكل ما فيها من بنود تتضمن أيضا التعاون في تسليم مطلوبين وربما التعاون في ما هو اعظم من ذلك؟ هل عرضتها المجالس السابقة على الشعب وحولتها إلى قضية شعبية كما هو التعامل الآن مع الاتفاقية الخليجية؟ هل عرفنا شيئا عن التعهدات والضمانات والكفالات التي ربما كانت مخفية في ثنايا تلك الاتفاقات الدولية؟

آن الاوان لنهج حكومي جديد في الكويت. خبراء دستوريون يعارضون. نواب يرفضون. نشطاء سياسيون يريدون تحريك الشارع. أما الحكومة فتكتفي بكلمات قليلة لتقول ان الاتفاقية الأمنية الخليجية جيدة. انا كمواطن اريد ان اعرف من الحكومة اين هو الجيد في الاتفاقية واين هو السيئ... نقطة على السطر.

لا أريد تكرار الاسئلة والملاحظات السياسية والدستورية التي قيلت حول الاتفاقية، ولست في وارد توظيف القضية لان وظيفتنا تقتضي تمكين الشعب من الاطلاع على الحقائق لا استخدام الشعب في مشاريع سياسية. اسأل فقط على سبيل المثال اين تتقاطع بنود الاتفاقية مع القوانين الخاصة في كل دولة وأين تختلف؟ كيف نبرم اتفاقات امنية مع دول شقيقة ومحبة ولها افضال علينا قبل ترسيم الحدود مثلا بيننا وبينها؟ هل اصبح التقارب الأمني بين دول الخليج اولوية على التقارب الاقتصادي والتجاري والمالي بل وحتى السياسي؟ كيف ستبرم دول الخليج اتفاقية أمنية وبين بعضها من اتهامات مبطنة ومعلنة ما صنعه الحداد؟ ولماذا كانت الكويت تقود معسكر الرفض لهذه الاتفاقية ولماذا قبلت بها اليوم وما هي البنود التي تعدلت؟

الأمثلة كثيرة والاسئلة اكثر وما يقال عن الحكومة يقال أيضا عن بعض المعارضين الذين ارادوا استخدام الاتفاقية ذريعة لامور اخرى، وإلا فما معنى ان يرفض هؤلاء اليوم الاتفاقية بحجة انها تسمح لدولة بالتدخل امنيا وعسكريا في دولة اخرى وهم شحنوا الشارع وساهموا في تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد لما قيل عن تردده في ارسال قوة كويتية الى البحرين اسوة بما فعلته المملكة العربية السعودية؟

نسوق هذه الامثلة والتساؤلات ليس للقول اننا نؤيد أو نرفض، بل لنؤكد ان قضية بحجم الاتفاقية الأمنية يجب الا تترك لسوق التوظيف السياسي، وان البداية الحقيقية للمعالجة تبدأ من الحكومة. اليوم مطلوب من وزير الداخلية مثلا ان يتخلى قليلا عن تحفظه في التصريحات ويتقدم الصفوف شارحا ومفندا بنود الاتفاقية بندا بندا ويرد على كل التساؤلات ويشرح الايجابيات التي ستطول الكويت. وزير الداخلية هو الشخص الذي يجب ان يتصدى لهذه المسألة اولا كون الاتفاقية امنية وتقع ضمن اطار مسؤولياته، وكذلك الحال بوزير الخارجية والوزراء المعنيين تباعا كل ضمن تخصصه.

تغيرت الدنيا والحكومة لم تتغير. صار الكويتي بكبسة زر يطلع على الاتفاقات ويقرأها ويقرأ الجدل والمثار حولها والتحفظات عليها والحكومة ما زالت تعتبر ان الكلمات الخمس التي تطلقها عن هذا الموضوع او ذاك هي ما يجب على المواطن ان يعرفه. اللهم إلا إذا كان بعض الوزراء يعتبرون ان البقاء في الظل يطيل امد وجودهم في مناصبهم أو يقربهم من ... مشروعهم المستقبلي.

نحن في انتظار الحكومة... عسى ألا نكون كمن ينتظر السراب.

جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي